الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتخابات الرئاسية المصرية 2014

حسن خليل

2014 / 5 / 7
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لوحة سيريالية غريبة يرسمها لنا الواقع المصري الآن بعد مرور 10 شهور علي ثورة يونيو . و الممثلين الأساسيين في هذه اللوحة هم أنفسهم الذين شاركوا في صناعة لوحة ثورة يناير المشرقة و لكن شديدة التعقيد أيضا

ثورة يناير شبه المتماثلة جاءت كصراع متعدد التوجهات و المستويات فمن ناحية هناك صراع بين الشعب و بين الطبقة الحاكمة الانتفاضة المليونية الجبارة مثلت هذا الصراع الذي غلب علي كل الصراعات الأخري. و هذا الصراع الرأسي لم يصل لحد سعي الشعب للاستيلاء علي السلطة و أنحصر في رفض السلطة القائمة. و وسط الطبقة الحاكمة دار صراعا أخر بين الكتلة الرجعية الدينية فيها و بين الكتلة المدنية – تجاوزا – علي السلطة ذاتها. و وسط الكتلة المسماة مدنية في النظام كان هناك صراعا صغيرا حول توجهين توجه يتماشى تماما مع النيوليبرالية الجديدة و توجه أخر يخشي منها علي كيان الدولة – وهو أكثر ارتباطا بها اقتصاديا - متمركز في المؤسسة العسكرية. و خارج هذه الصراعات -ولاعب رئيسي فيها - يقف الطرف الإمبريالي المتمثل في الولايات المتحدة -و توابعها الإقليميين و لكل حساباته - يغذى هذه الصراعات جميعا في الوجهة التي يري فيها مصلحته. يدعم طرفا منهم ضد الأخر أولا المؤسسة العسكرية ضد مبارك ثم الإخوان ضد المؤسسة العسكرية. و حتي في صفوف كتلة الشعب جري صراعا خفيا بين الكتلة الديمقراطية من أبناء الطبقة الوسطي التي أشعلت الثورة في مواجهه الاستبداد السياسي و القمع و التعذيب و الجماهير الواسعة من فقراء المدن و العمال الذين رأوا في الثورة أساسا أنتفاضة من أجل إعادة توزيع الثروة المنهوبة لصالحهم و علي مستوي أخر صراعا مدينيا ريفيا حول الشكل الذي يأخذه المجتمع بين توجه ديمقراطي مدني و توجه محافظ يركز علي وحدة الدولة و علي دينية المجتمع. و في المدينة ففقراء المدن شكلوا معارضة خفية بثوريتهم غير المحددة و العمال بثوريتهم المتزنة أي ما بين الرفض الكامل للمجتمع و ما بين السعي لإصلاحه.و هذه الصراعات لا تقف بالقطع في مستوي واحد من الحدة و التأزم و لكن أيضا لا يتصدر اللوحة دائما الصراع الأكثر جذرية فبعد المواجهات الطاحنة في العام الأول للثورة بين النظام و القوي "الثورية" تصدر المشهد صراعا ثانويا بين الكتلة العسكرية و الدينية. و هنا نلاحظ أن غياب عموم الشعب عن صراع النظام و قوي الثورة سمح بانهاكها و خفوت هذا الصراع الرئاسي ليتصدر الصراع الثانوي بين شرائح الطبقة الحاكمة .و هكذا في كل لحظة و منعطف هناك صراعا ما يأخذ شكلا متفجرا حتي لو كان صراعا جزئيا ضمن العملية الثورية.و الذي سمح بهذا التباين الشديد بين نوعية الصراعات و مستوي تفجرها -و من ثم تصدرها للواقع السياسي - هو أن الحلف الشعبي لم يطرح نفسه في أي لحظة كبديل للنظام و لم يقدم نفسه كمنافس علي السلطة السياسية. و غياب سعي الثورة للسلطة السياسية هو نفسه محرك الصراعات الجزئية بين صفوف الشعب – المديني الريفي و المديني المديني- الذي سبقت الإشارة له من قبل.

و استنكاف قوي الثورة عن طرح نفسها كبديل للنظام و عن الاستيلاء علي السلطة ليس مجرد انحراف إصلاحي في قلب الثورة . أو هو أنحراف إصلاحي له سبب موضوعي و هو غياب كيان سياسي منظم يعبر عن و يقود هذه الثورة. و مثل هذا الكيان كان من غير الممكن بناءة في عصر مبارك ليس لأن نظامه استبداديا فحسب لكن لأن معارضي مبارك الأساسيين – أي الإخوان – أشد رجعية منه. و هناك مجتمعات كثيرة نجحت في قلب مجتمع الاستبداد في بناء قوي تمثل بديلا اجتماعيا لنظام الاستبداد حتي لو كانت إصلاحية في جوهرها. غير أن في حالتنا فأن الإخوان – و الحركات الإرهابية أيضا – استقطبت قوي الرفض الاجتماعي لنظام مبارك و حشدتهم خلف مشروعها الإسلامي الرجعي. و هكذا كان الإخوان يقدمون خدمة جليلة لنظام مبارك مقابل خدمته لهم بالسماح لهم بالتواجد علي الساحة في الجامعات و النقابات و الأحياء و المساجد الخ.فالثورة في حقيقتها تمردا علي نظام مبارك و علي معارضي مبارك أيضا بمعني معين. و علي مستوي أخر فأن التوجه النيوليبرالي الرجعي الذي سيطر علي الحكم منذ السادات إدي لعملية تفكيك اجتماعية كبري بين التهميش و الهجرة و تراجع القطاعات الإنتاجية فأصبحت القاعدة الاجتماعية لبناء كيان منظم في مواجهه النظام أصغر و أضعف

و من الممكن تتبع مختلف تلك الصراعات عبر منعطفات الثورة المتتالية غير أن هذا سيخرج بالمقال عن الحد المعقول لذا ننتقل لمراقبة هذه الصراعات و الكتل في لحظة 30 يونيو كي يمكننا أن نراها في نقطة الانتخابات الرئاسية بشكل أوضح و أنقي.

ثورة يونيو – أو انتفاضة يونيو أو موجة يونيو – جاءت علي العكس تمثل صراعا واحدا بين الطبقة الحاكمة المتحالفة مؤقتا مع الشعب ضد حكم الإخوان. و منذ وصول الإخوان للسلطة أكتسب الصراع بينهم و بين الجناح المدني بعدا جديدا فقد أصبح صراع حياة أو موت بسبب أندفاع الإخوان لأخونة أجهزة الدولة كافة و محاولة السيطرة علي الاقتصاد الخ .

و يبدو الاندفاع الإخواني لإخوانه الدولة و مؤسساتها و استفرادهم بالسلطات غير مبرر بالنسبة لجماعة لم تكن أبدا في السلطة و تلقت دعما كبيرا من أطراف مختلفة في المجتمع المدني في عصر مبارك. و لا يجد هذا الاندفاع تبريره إلا في ثلاثة أمور أولهم الدعم الإمبريالي الكبير لهم فهم القوة المحورية في مشروع الشرق الأوسط الجديد الأمريكي ثم في قناعتهم بأنهم قوة مؤيده من الله فعلي سبيل المثال قد رد مرشدهم بديع علي أقتراح بأن يضموا خبراء أقتصاديين في السلطة بأنهم لا يحتاجون لهذا "لأن الله سيعلمهم كيفية إدارة الاقتصاد كما علم نوحا عليه السلام بناء الفلك"!! بالإضافة لاعتقادهم أن حشد عددا كبيرا من إرهابيي العالم و تذويدهم بالسلاح و بمعونة حماس غير ميلشياتهم الخاصة سيكون حائط الصد ضد أي ثورة ضدهم أو انقلاب.بل بلغ بهم الأمر أن قطعوا الصلات الوثيقة مع حليفهم حزب النور السلفي و خسروا بذلك علي الأقل تأييدا مؤكدا من قاعدة شعبية كبيرة . و رغم أن قواعد السلفيين شاركت لحد كبير في اعتصام رابعة و غيره إلا أن القيادات السلفية نأت بنفسها عن الإخوان حتي قبل 30 يونيو بل و شاركت في الأعداد لها. و قد تدهورت علاقتهم مع المؤسسة العسكرية خاصة بعد منع مرسي الجيش من ملاحقة قتله جنود الجيش ال 16 في رمضان قبل الماضي.

أما القوي المدنية المتجمعة في جبهة الإنقاذ فكانت تسعي إلي مواجهه "برلمانية" مع الإخوان و قد نجحت فعلا في حشد قطاع كبير من الشعب خلفها قبيل الاستفتاء علي الدستور الإخواني و خرجت مظاهرات عارمة ضدهم و لكنها لم تطرح علي أجندتها الإطاحة الثورية بهم. و لذا سقطت شعبيا حينما برهن الاتجاه الثوري علي جدارته . فقد خاض معارك عديدة و أهمها انتفاضات محافظات الأقاليم و تمت الإطاحة بالإخوان عبر حركة تمرد التي وصلت للحظة 30 يونيو. و بذلك أتضح أن جبهه الإنقاذ و القوي السياسية عموما لا يمكن أن تشكل قيادة شعبية و لا تمتلك نفوذا و أمتدادا شعبيا يسمح لها بذلك . و هو ما عبر عن نفسه في الانصراف الواسع عنها و في تشقق أحزابها داخليا كانت 30 يونيو موجه عارمة غمرت كل القوي السياسية من أقصي اليمين لأقصي اليسار لم تفق منها حتي الآن. و قد شجعت قوي النظام القديم و المؤسسة العسكرية حركة تمرد و دعموها للتخلص من الإخوان.

بدون شك أن 30 يونيو لم تكن "مؤامرة" من أي نوع. كانت حركة معاكسة لما تم عقب الإطاحة بمبارك و انسحاب الشعب تدريجيا بعيدا عن المواجهات بين المجلس العسكري الحاكم و القوي الثورية . ففي سنة حكم مرسي جرت مواجهات واسعة بين القوي الثورية و الإخوان و بفضل التدهور غير المسبوق في الأوضاع الاقتصادية دفعت الشعب للاقتراب من قوي الثورة تدريجيا – سنة حكم مرسي هي أعلي سنوات الاحتجاج في التاريخ المصري خصوصا من جانب الطبقة العاملة – ثم جاء العجز في المحروقات كي يكون الضربة القاصمة. و يجب أيضا أن نذكر أن شخصية مرسي ساهمت كثيرا في أنفضاض الشعب


و تحالف 30 يونيو كان من المحتم أن يتفكك فهو تحالف المقهورين مع قاهريهم تحالف من لا يملكون مع المالكين . لكن فض هذا التحالف لم يأتي ممن لا يملكون بل جاء من الملاك . و علامة فض هذا التحالف هو قانون التظاهر الذي هو أداة لقمع القوي الثورية – لابد أن نذكر أن قبل صدور هذا القانون كانت الداخلية قادرة علي اعتقال الإخوان و فض تظاهراتهم الإرهابية بحكم كونها إرهابية و ليس لأنها مجرد مظاهرات . و قد تم فض أعتصام رابعة و النهضة قبل هذا القانون .فلما سعي نظام 30 يونيو – أو 3 يوليو – لفض هذا التحالف ؟ و لما تطور الأمر لإقالة وزارة الببلاوي بالقوي الديمقراطية المحدودة التي شاركت فيها ؟ كانت ضريبة هذا التحالف علي الطبقة الحاكمة ضم عددا من الرموز الديمقراطية للجنة إعداد الدستور و للحكومة و هو ما أسفر عن أمرين بالغي الأهمية أولا دستور أقرب للديمقراطية من أي دستور عرفته مصر من قبل ثانيا إقرار حد أدنى للأجور (من 1200 جنية أو أقل من 200 دولار) و رغم كل ما يقال عن الدستور و عدم وفاؤه بتطلعات الثورة و عن الحد الأدنى و قصوره عن تحقيق معيشة كريمة إلا أنهما أكثر كثيرا مما يتحمله النظام . و من ناحية أخري فقد أتضح أن القوي الثورية فقدت كثيرا من شعبيتها مع الهجمات الإرهابية المتتالية و تصدر الأمن لهموم المواطن. و كذلك تراجع القوي السياسية المدنية كما أوضحنا من قبل. فأصبح من اليسير علي النظام أن يكسر هذا الحلف الضمني دون خشية ردود فعل واسعة. الإرهاب الإخواني قدم من حيث لا يدري خدمة جليلة للنظام واضعا عائقا أمام تجذر الثورة كما أن الإجراءات الأمنية العنيفة قدمت خدمة للإخوان. فرغم أن الإجراءات الأمنية نجحت في توجيه ضربة قوية لمنظمات الإرهاب في سيناء فقد وسعت التعاطف معهم في خصوصا في الجامعة. و استبعاد القوي السياسية من تحالف 30 يونيو كان أيضا خدمة للإخوان فبذلك فقد النظام – الذي لا يستند لحزب – القدرة علي تقديم غطاء سياسي للعملية الأمنية و القدرة علي التفاعل مع الشارع و مطالبه . لكن لما لجاء الإخوان للإرهاب واسع النطاق ؟

يبدو لجوء الإخوان للعنف الإرهابي خيارا بلا معني خاصة و أن النظام مباشرة بعد 30 يونيو عبر كثيرا عن الاستعداد للمصالحة و ضم الإخوان ثانية للعملية السياسية حتي بعد فض اعتصام رابعة. بل لما تلجأ دائما منظمات الإسلام السياسي للإرهاب السافر الأهوج في مختلف الدول التي نكبت بهم؟ الإجابة علي السؤال بصورته الأوسع تحتاج لدراسة خاصة خارج نطاق هذا المقال. أما في حالة الإخوان فمن الواضح أن خيار الإرهاب لم يكن قرارا متهورا لحظيا بعد الإطاحة بمرسي و لكنه قرار "استراتيجي" تم الإعداد له منذ لحظة وصول مرسي للسلطة بل و منذ ثورة يناير بحشد الطاقات العسكرية و توطيد العلاقة مع المنظمات الإرهابية يضاف لذلك أن دعما هائلا تلقته الجماعة من قوي كبري عالمية و في المنطقة تحت دعاوي الديمقراطية و الشرعية الخ. ثم هناك عنصر نفسي هام و هو إنكار الإخوان لواقع الانتفاضة الشعبية الواسعة ضدهم فهذا مخالف للتصورات الإلهية عن "أستاذية العالم" إلي أخر المنظومة التافهة ذات الطبيعة الفاشية. يقول الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق للإخوان (في مقابلة مع عبد الله السناوي) أنه في 2005 كان إحصاء الإخوان 157 ألفا عاملين و منتسبين و أن العاملين لم يتجاوزوا 35 ألف. و تقديره أن عبر الثورة ذاد تعداد الإخوان إلي 250 ألف مع عاملين يصلون لحدود 60 – 70 ألفا.و هذه الأرقام تقل كثيرا عما يتداول صحفيا و التي تصل بتعدادهم حتي المليون. و قد تضائل التأييد الشعبي للإخوان حتي قبل أن يصلوا للسلطة. ففي الانتخابات البرلمانية حصدوا 17 مليون صوتا بينما في المرحلة الأولي من الانتخابات الرئاسية لم يحصلوا إلا علي 5.5 مليون و في الإعادة علي 13 مليون كل هذا من 50 مليون ناخب . فقد شهدت قاعدتهم المساندة تقلصا مضطردا دون جدال وصولا للرفض الشعبي الكامل لهم في 30 يونيو. نحن هنا أمام منظمة واسعة العدد دقيقة التنظيم و لسنا إزاء حركة شعبية كما يحب الإخوان أن يصوروا أنفسهم و يتصورون عنها. و هذه المنظمة أعدت نفسها نفسيا و عمليا للقتال فحينما جاء طوفان 30 يونيو لم تجد مفرا منه. و كانت القوات المسلحة و الطبقة المدينية راهنت علي رفض شعبي كبير للإخوان نتيجة الانهيار الاقتصادي و شجعت عليه و ساعدها الإخوان بتكالبهم علي السلطة و اتباعهم سياسات النيوليبرالية المباركية بل توسعوا فيها. و اليوم يحاول الإخوان تكرار نفس اللعبة و أن بالإرهاب. و أيضا يساعدهم النظام القائم باتباع نفس السياسات . لكن الإرهاب يعمل لصالح النظام و ضد الإخوان بالقطع.

التدخل الإمبريالي
لا يمكن أن نتفادى مناقشة إعادة ترتيب المنطقة من قبل الإمبريالية و القوي الإقليمية ضمن إعادة ترتيب مواقع النفوذ علي مستوي العالم. حاولت الولايات المتحدة تعزيز نفوذها في منطقتنا من العالم بالاحتلال الإحرامي للعراق و من ثم حاولت تعزيز نفوذها في باقي العالم مع تراجعها عن مرحلة السيادة المطلقة في التسعينات . لكن فشلها الكامل إلا في تدمير ممنهج للعراق لم يساعدها كثيرا. و في هذه المرحلة سعت للتخلص من العملاء القدامي التي قدرت أنهم سيكونون عبيء بدكتاتوريتهم السافرة مثل مبارك و من هنا جاء تعبير الفوضي الخلاقة. غير أن الثورات العربية لم تأتي تماما علي المقاس الإمبريالي جاءت أكبر كثيرا مما سعت له و أعمق مما توقعته.و لكنها كانت في السياق العام لإعادة ترتيب المنطقة كي لا تفلت مثلما فلتت -و لو جزئيا – أمريكا اللاتينية . و الإسلام السياسي كان هو الرد الإمبريالي علي الثورات العربية لذا فأن 30 يونيو كان كارثة كبري خاصة مع توابعها في تونس و سوريا و التمرد السعودي بالوقوف مع القاهرة . لقد أنهار المشروع الإمبريالي في غمضة عين و هذا تحديدا لأن الثورة المصرية كانت أعمق و أوسع من مجرد أستبدال ديكتاتور مدني بأخر ديني. كما كانت تأمل الولايات المتحدة . و من هنا كان الدعم الهائل الذي تلقاه الإخوان أثناء سلطتهم و بعد زوالها من الإمبريالية و حلفائها غير أن تطورات الأوضاع في سوريا التي تحولت ثورتها السلمية في البداية إلي حرب إرهابية رجعية وحشية و التفسخ شبه الكامل لليبيا كان نذير الخطر بالإضافة لواقع الرفض الشعبي لحكم الإخوان الذي ينسف الحجة الأساسية التي استندت عليها في تقديم الإسلام السياسي. علي الجانب المصري فأن الإعلام – المملوك للدولة و للطبقة الحاكمة – هلل لعدم الخضوع للإمبريالية مستعيدا أمجاد عبد الناصر و لكنه حول مواجهة الإمبريالية لفعل فرد – ولد دكر – شجاع لا أكثر . أي مرة أخري يسلب الشعب حقه . فحتي عبد الناصر لم يكن ليحقق أنتصارات في معاركه ضد الإمبريالية لولا شعبيته الكبيرة ليس في مصر وحدها بل في "العالم العربي" أن مواجهه الإمبريالية مرهونه بحلف اجتماعي له مصلحة حقيقية في الاستقلال . و كارثة عبد الناصر أنه رغم كل شيء لم ينجح في بناء هذا الحلف بل وضعه قصرا خلف نظامه في حراسة قوات الأمن .

نحن الآن أمام لحظة الانتخابات الرئاسية .كل ما سبق كان تمهيدا للوصول لهذه اللحظة.لم تمر مصر بلحظة حرجة أكثر من هذه اللحظة في تاريخها الحديث.هذا الاستعراض الطويل يوضح حقيقتين

أولهما هي أن غياب البديل الاجتماعي و الشعبي جعل الصراع علي السلطة محصورا بين طرفين يتبنين نفس السياسيات الاقتصادية و الاجتماعية و ينتميا إلي نفس الطبقة الاجتماعية لذا لم تشهد الثورة حتي الآن سوي إعادة أنتاج لنظام مبارك . و كاتب هذه السطور لا يساوي بين الجناح المدني و الديني من الطبقة فالجناح الديني أشد رجعية و يتبني أيديولوجية ظلامية و لذا كانت الإطاحة الجماهيرية به في يونيو عملا ثوريا تماما. و غياب البديل الشعبي في سياق الانتخابات الرئاسية يجعل الشعب ليس أمامه سوي أختيار نفس الطبقة التي ثار ضد فسادها و استبدادها في يناير – و نلاحظ تكرر هذا في العراق و اليمن و الجزائر و قريبا في سوريا نفسها – فالشعب لا يري أمامه قوة يمكن الاعتماد عليها في هذه اللحظة سوي المؤسسة العسكرية . و بالمناسبة فأن أختيار الإخوان جاء أيضا علي هذه الأرضية

ثانيهما هو الإرهاب الذي أعدت له الإخوان طوال فترة حكمها ثم مارسته علي أوسع نطاق سواء في الاعتصامات أو بعد فضها أو في سيناء أو في الوادي و الجامعات. و هذا ما يجعل الشعب يتطلع لقوي الأمن و الجيش للقيام بدورهما و يضاف إلي ذلك الانفلات الأمني واسع النطاق و المؤامرات الدولية ألخ
باختصار فواقع غياب بديل خاصة مع تفكك الأحزاب السياسية – علاوة علي ضعفها الأصلي – يجعل لا مفر للشعب سوي للتطلع للنظام و الإرهاب يدفعه دفعا لتأييد الجيش و السيسي.

و لا يمكن من منظور الثورة التسوية بين حمدين صباحي و السيسي.فحمدين صباحي مناضل و سياسي قديم قادم من الشارع و من ثورتين بينما السيسي قادم من قلب الدولة الصلب فحمدين هو بدون منازع أقرب لقوي الثورة و أقرب للتعبير عنها . رغم أن هناك ملاحظات كثيرة علي عديد من المواقف التي اتخذها و ملاحظات كثيرة علي برنامجه .حمدين صباحي يمكن تصور أنه يمثل "المركز" بالدلتا في التقسيم الإداري المصري فلا هو قرية تماما و لا هو مدينة تماما يجمع بين تطلعات المدينة الشعبية في نصيب أكبر من الثروة و الحريات السياسية و بين تطلع القرية في نصيب أكبر من الثروة أيضا لكن في أطار محافظ و في الانتخابات الماضية أعطت المدن الكبري أصواتها لحمدين و الدلتا بشكل عام.
و من العبث القول- كما للأسف يقول البعض- أن مشاركة حمدين في الانتخابات هي مشاركة في مسرحية هزلية. فهذا لا يعني سوي عدم الإلمام بالواقع الاجتماعي و السياسي و التعالي علي الشعب خاصة و أن لم يمكن لأي شخصية سياسية أن تتخطي حاجز التوكيلات.

بينما يمثل السيسي المؤسسة العسكرية بعلاقتها المتشعبة بالأعمال محليا و عالميا و هواجسها عن الأمن و الحفاظ علي الدولة في أطار فكري شديد المحافظة أقرب ما يكون لتوجهات الإسلام السياسي فهي الإيديولوجية التي تربت عليها هذه المؤسسة خليطا من الوطنية و الإسلامية. و الثورة بالنسبة لها نوعا من القدر الذي أدي ألية شطط النظام القديم و ليس سياسته الاقتصادية و الاجتماعية. السيسي يمثل جناحا رئيسيا من الطبقة الحاكمة و المالكة و رغم ذلك فالفكرة البسيطة القائلة أن السيسي سيعيد نظام مبارك تتجاهل التحولات العميقة التي جرت في مصر خاصة علي صعيد الوعي و التنظيم الشعبي و الانحدار المروع في مستويات المعيشة.

و كاتب هذه السطور كان يتبني موقف مقاطعة الانتخابات استنادا إلي الشعبية الكبيرة للسيسي و غياب بديل اجتماعي و صعود الخطر الإرهابي . و قد اتضح هذا بوضوح في فترة جمع التوكيلات التي عاني فيها حمدين لجمع 25 ألف توكيل رغم أنه حاصل من سنتين علي أصوات حوالي 5 مليون ناخب. و يتضح أيضا من غياب أي مرشح أخر. و لا يمكن أغفال الأجماع الإعلامي الواسع – و هو الإعلام المملوك بالكامل للطبقة الرأسمالية – وراء السيسي. و وصل الإعلام لحالة هستيرية في تأييد السيسي . و لكن رغم قرار المقاطعة فقد اعتبرت خوض حمدين للانتخابات أمرا هاما جدا رغم الاحتمالات الضعيفة لفوزه. و هذا لأن حملة حمدين ستضع أساسا لبناء كتلة معارضة و دعم القوي السياسية خاصة مع الضعف البالغ للحياة السياسية.
و لكنني أتراجع عن موقف المقاطعة الآن و أدعو لتأييد حمدين صباحي بكل قوة . و لنفس الأسباب . فالضعف الذي أظهرته حملة حمدين أثناء مرحلة جمع التوكيلات أكبر كثيرا مما توقعته حينما تبنيت موقف المقاطعة و كذلك لشيوع موقف المقاطعة بين من يطالبون حمدين بأن يتطابق معهم أو يتهمونه باتهامات تتعلق بمواقف له سابقة و يتخذون موقفا تطهريا.

النقطة الجوهرية في الموقف من الانتخابات الرئاسية هو غياب البديل الاجتماعي الشعبي أو ضعفه الشديد . و كي تدرك الثورة أهدافها فأن هذا يعتمد علي بناء هذا البديل بمكوناته الثلاثة اليسار المتحرر من الجمود العقائدي و الحركة العمالية النقابية و حركات الاحتجاج الاجتماعي وسط الفئات المختلفة أو في الأحياء و القري الخ. و واجبنا أن نجعل من الانتخابات الرئاسية فرصة لوضع لبنات جديدة في بناء هذا بديلنا الشعبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشكل طريف فهد يفشل في معرفة مثل مصري ????


.. إسرائيل وإيران.. الضربات كشفت حقيقة قدرات الجيشين




.. سيناريو يوم القيامة النووي.. بين إيران وإسرائيل | #ملف_اليوم


.. المدفعية الإسرائيلية تطلق قذائف من الجليل الأعلى على محيط بل




.. كتائب القسام تستهدف جرافة عسكرية بقذيفة -الياسين 105- وسط قط