الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميشيل فوكو في ذكراه

حسام الحداد

2014 / 5 / 14
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


تواكب هذه الايام ذكرى وفاة ميشيل فوكو ولم نجد افضل من تقديم نبذة قصيرة عن حياته واعماله للقارئ العربي .
ميشيل فوكو فيلسوف فرنسي، يعتير من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين. تأثر بالبنيويين، ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه تاريخ الجنون، وعالج مواضيع مثل الاجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون، وإبتكر مصطلح أركيولوجية المعرفة. أرخ للجنس أيضا من حب الغلمان عند اليونان إلى العصر الحاضر في كتابه تاريخ النشاط الجنسي.
شغل فوكو كرسي تاريخ نظام الفكر في الكوليج دو فرانس. وقد كان لكتاباته أثر بالغ على المجال الثقافي، وقد تجاوز أثره ذلك حتى دخل ميادين العلوم الإنسانية والاجتماعية ومجالات مختلفة للبحث العلمي.
عرف فوكو بدراساته الناقدة والدقيقة لمجموعة من المؤسسات الاجتماعية، منها على وجه الخصوص: المصحات النفسية، المشافي، السجون، وكذلك أعماله فيما يخص تاريخ الجنسانية. وقد لقيت دراساته وأعماله في مجال السلطة والعلاقة بينها وبين المعرفة، إضافة إلى أفكاره عن "الخطاب" وعلاقته بتاريخ الفكر الغربي لقي كل ذلك صدى واسعاً في ساحات الفكر والنقاش.
توصف أعمال ميشيل فوكو من قبل المعلقين والنقاد بأنها تنتمي إلى ما بعد الحداثة أو ما بعد البنيوية، على أنه في الستينيات من القرن الماضي كان اسمه غالباً ما يرتبط بالحركة البنيوية. وبالرغم من سعادته بهذا الوصف إلا أنها أكد فيما بعد بعده عن التفكير أو الاتجاه البنيوي في التفكير. إضافة إلى أنه رفض في مقابلة مع جيرار راول تصنيفه بين "ما بعد البنيويين" و"ما بعد الحداثيين".
تاريخ الجنون
المقالة الرئيسية: الجنون والحضارة
يبدأ كتاب "تاريخ الجنون" في العصور الوسطى، ليشير إلى العزل الفيزيائي والاجتماعي الذي أحاط بالمجذومين. يقول فوكو بأنه ومع الانحسار التدريجي للمجذومين في المجتمع، تم ملء الشاغر من خلال المجانين، فالعزل ظل موجوداً لكن موضوع العزل تغير. سفينة المجانين التي ظهرت في القرن 15 هي تعبير حرفي عن هذا الاستبعاد، إذ تم إرسال المجانين بعيداً على متن سفن تجوب الأنهار الأوربية بحثاً عن عقولهم! وقد وقعت حركة خلال القرن السابع عشر في أوروبا ويتميز فوكو بوصفه لها بأنها الإرهاص العظيم، الأشخاص غير العاقلين من الناس كانوا يحتجزون بعيداً من خلال مؤسسات. في القرن الثامن عشر بدأ اعتبار الجنون نظيراً للعقل، وأخيراً في القرن التاسع عشر بدأ مصطلح "المرض العقلي" يأخذ مكاناً له. ويجادل فوكو بأن الجنون فقد قدرته على الدلالة على أهمية حدود النظام الاجتماعي وبالتالي توضيح الحقيقة وتم إسكاته من خلال العقل. يتفحص فوكو ظهور المعالجات العلمية و الإنسانية للمختلين، التي ظهرت على يد فيليب بينيل وصموئيل توك. ويزعم فوكو بأن هذه المعالجات لم تكن في واقع الأمر أقل "سلطوية" من تلك السابقة لها. فقد اعتمد توك في سعيه لعلاج المجنون على معاقبته حتى يتعلم السلوك "العاقل". كذلك الأمر بالنسبة لفيليب الذي اعتمد معالجات منها الحمام البارد. من وجهة نظر فوكو، يتصاعد هذا العلاج حتى يستدخل المريض هذا النمط من العقوبة.

ولادة العيادة
المقالة الرئيسية: ولادة العيادة
"ولادة العيادة"، ثاني كتب فوكو الهامة، أشبه بحفريات في التشخيص الطبي، نشر عام 1963 في فرنسا ليترجم إلى الانجليزية في 1973، وهو متوفر بالعربية أيضاً. يقتفي هذا الكتاب آثار تطور مهنة الطب، و"العيادة" على وجه الخصوص.
الكلمات والأشياء
المقالة الرئيسية: الكلمات والأشياء
صدر كتاب الكلمات والأشياء، عام 1966. ترجم إلى الإنگليزية عام 1970، ونشر بالعربية أيضاً، وهو بحث حفري في العلوم الإنسانية، (كان فوكو يفضل أن ينشره بالفرنسية تحت عنوان L Ordre des Choses "نظام الأشياء"، لكنه تراجع عن ذلك لوجود كتاب سابق يحمل هذا العنوان).
يبدأ الكتاب بنقاش مفصل وموسع حول لوحة "الوصيفات" للرسام دييغو فيلاسكيز، والترتيب المعقد للشخصيات المصورة فيها، بين الخفاء والظهور. ثم يتطور موضوعه الأساسي: كل مرحلة تاريخية تمتلك شروطاً خاصة للحقيقة تحدد ما هو مقبول وما هو غير مقبول، ومثال ذلك الخطاب العلمي، الذي جادل فوكو بأن شروط الخاطب العلمي تغيرت مع الزمن بقفزات مفاجئة وكبيرة، ما بين مرحلة معرفية إلى أخرى. لقد وضع كتاب "الكلمات والأشياء" ميشيل فوكو في بؤرة الضوء باعتباره شخصية ثقافية فرنسية شهيرة. وقد هاجم جان بول سارتر أعمال ميشيل فوكو واعتبره أخر أسوار البرجوازية.
حفريات المعرفة
المقالة الرئيسية: حفريات المعرفة
نشر كتاب حفريات المعرفة أو أركولوجيا المعرفة عام 1969، ويتوجه فوكو فيه لبحث "العبارة"، البينة الأساسية للخطاب، وهو يعتبر هذا الأمر ظل متجاهلاً حتى ذلك الوقت. "عبارة" هي الترجمة العربية لكلمة "statement" الإنگليزية وكلمة "énoncé" الفرنسية، والتي تعكس معنى غريباً بالنسبة لفوكو. والـ "énoncé" بالنسبة لفوكو هي ما يجعل حروف الجر والألفاظ ذات معنى. كما أن العبارات تشكل شبكة من القواعد والنظم اللازمة لتحديد ما هو ذو معنى. وهذه القواعد هي الشروط المسبقة التي لا بد من توفرها حتى يصبح للألفاظ وحروف الجر معنى. و"العبارة" تعد "حدثاً" أيضاً. وقد تبقى الجملة الصحيحة قواعدياً خاوية من المعنى لأنها لا تحقق تلك القواعد والنظم الشروط، والعكس أيضاً في أن الجملة الخاطئة قواعدياً قد تحفل بمعنى مفيد. تعتمد العبارات على الشروط التي تولد وتوجد من خلالها ضمن حقل خطاب ما. أن تحليل فوكو يتجه نحو مجموعات كبيرة من العبارات. ومن المهم أن نلاحظ بأن فوكو يؤكد مراراً بأن التحليل الذي ينتهجه ليس إلا واحداً من الخيارات أو التكتيكات المتاحة، وأنه لا يسعى نحو استبدال أو إزاحة إي من الطرق الأخرى في تحليل الخطاب أو أن يصفها بالفشل.
تتصف مقاربة فوكو للعبارة بشيء من التطرف، فهو لا يصنف مسائل "الحقيقة" فقط، بل يصنف أيضاً مسائل "المعنى". فبدل البحث عن معنى عميق خلف الخطاب، أو البحث عن أصل المعنى، نجد فوكو يحلل شروط وجود المعنى. بقصد عرض أسس إنتاج المعنى في مختلف البنى الخطابية. ويخص بالوصف عصر النهضة، والتنوير والقرن العشرين. وهو يكافح ليتجنب التفسير وليبتعد عن أهداف العلوم الإنسانية. مما يتيح لفوكو أن يشاقق وجهة النظر الأنثربولوجية ليركز على دور الممارسات الخطابية.
قد يبدو أن عدم اهتمام فوكو أو استغناءه عن البحث عن المعنى وراء الخطاب قاده نحو البنيوية. لكن، وفي حين يسعى البنيويون وراء التماثل والتجانس في الكينونة الخطابية، فإن فوكو يركز على الاختلافات. وبدلاً من التساؤل عن التميّز والخصوصية الكامنة في الفكر الأوربي، يسأل فوكو عن الاختلافات التي طرأت على هذا الفكر مع الزمن. لذلك فإنه يرفض تفحص العبارات خارج دورها في بنية الخطاب، وهو لا يتفحص أبداً عبارات محتملة، يحتمل أن تتولد عن مثل تلك البنيى الخطابية. وهنا تبزغ هوية فوكو كمؤرخ، فهمه الوحيد يقف عند تحليل العبارات الواقعية في التاريخ. فالنظام بكليته وقوانينه هو الذي يحدد هوية العبارة. لكن البنية الخطابية تولد باستمرار عبارات جديدة، قد يمكن فهم الاتجاهات التي قد تتحرك البنية الخطابية تجاهها أو عدم فهمها. وليتمكن من وصف بنية خطابية، يركز فوكو على الخطابات المعزولة والمنسية والتي لم تقم بتغيير البنية الخطابية. بهذه الطريقة يمكن وصف أنظمة محددة يمكنها تقرير وتحديد نوع العبارات التي ستولدها.
المراقبة والمعاقبة
"المشتمل" رسم لتصميم سجن، يتمكن فيه حارس واحد من مراقبة عدد كبير من السجناء دون أن يشاهدوه، مما يدفعهم للإحساس بالرقابة الدائمة حتى في حال غيابها
يبدأ كتاب المراقبة والمعاقبة برسم تصويري لعملية تنفيذ حكم الإعدام عام 1757 على روبرت فرانسوا ديمي، الذي حاول اغتيال لويس الخامس عشر. وفي الصفحة المقابلة وضع صورة لمخطط سجن صمم بعد 80 عاماً فقط. ويتساءل فوكو عن الطريقة التي تغير من خلالها المجتمع الفرنسي فيما يخص معاقبة المدانين في مدة قصيرة إلى هذا الحد. هاتان صورتان لنمطين متقابلين مما يسمه فوكو "تكنولوجيا العقاب". النمط الأول، "العقاب الملكي"، يشتمل على قمع الجماهير من خلال تنفيذ عمليات إعدام وتعذيب وحشية علنية. النمط الثاني، "العقاب التأديبي"، وما يقول فوكو بأنه يمارس في العصر الحديث. يمنح العقاب التأديبي كلاً من (المعالج النفسي، منفذ البرامج، الضابط في السجن) سلطة على (السجين أو المتعلم أو المريض)، ومما يلفت الانتباه أن المدة التي يتوجب على السجين مثلاً أن يقضيها في السجن تتوقف على رأي المختصين.
يقارن فوكو في بحثه مابين المجتمع الحديث وبين "المشتمل" وهو تصميم أعده جيرمي بينتامز لمبنى سجن (وهذا التصميم لم ينفذ بشكله الأصلي في الواقع، لكنه كان ذي تأثير واضح)، في المشتمل يستطيع حارس واحد أن يراقب عدداً كبيراً من السجناء دون أن يتمكنوا من مشاهدته. السراديب المعتمة لسجون ما قبل الحداثة استبدلت بسجون في أبنية حديثة، لكن فوكو يحرص على أن يوضح أن "الرؤية أو العين تخدع". ويشير إلى أن المجتمع الحديث يستخدم هذه الرؤية لتطبيق نظام التحكم والسيطرة الخاص بالسلطة والمعرفة (وهما مصطلحان يرى فوكو أنهما متصلان ببعضهما بشكل جذري، حتى أنه يستخدمهما غالباً مقترنتين أو مدمجتين على نحو "power-knowledge / معرفة ـ سلطة". المزيد من الرؤية يقود إلى سلطة تتربع على مستوى متزايد من الفردية، يظهر من خلال قدرة المؤسسة على تعقب ومراقبة الأفراد طوال حياتهم. يشير فوكو إلى رهاب مستمر وشعور دائم بالرقابة يسري في المجتمع الحديث، بدءاً من السجون شديدة التحصين، المنازل المحمية، الموظفون، الشرطة، المعلمون، وصولاً إلى كل نشاطاتنا اليومية وظروف معيشتنا وسكنانا. كلها مرتبطة بالمراقبة (المتنبهة أو الغافلة) التي يقوم بها بعض الناس تجاه البعض الآخر، للتحقق من التزامهم بأنماط السلوك المقبولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دعوات في بريطانيا لبناء دفاع جوي يصُدُّ الصواريخ والمسيَّرات


.. جندي إسرائيلي يحطم كاميرا مراقبة خلال اقتحامه قلقيلية




.. ما تداعيات توسيع الاحتلال الإسرائيلي عملياته وسط قطاع غزة؟


.. ستعود غزة أفضل مما كانت-.. رسالة فلسطيني من وسط الدمار-




.. نجاة رجلين بأعجوبة من حادثة سقوط شجرة في فرجينيا