الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنظيم إداري أم تفتيت للبلد

العربي عقون

2014 / 5 / 14
الادارة و الاقتصاد


عندما تطغى السياسة السياسوية ويعلو صوتها على صوت العقل والحكمة ويتم تهميش الكفاءات الفكرية الجادّة ذات الرؤى الثاقبة والتبصر المدرك والرأي الحصيف ما ذا سيبقى غير الجهالة الجهلاء والرعونة الخرقاء ,,, والشعارات الجوفاء ... أدوات تقود البلد إلى انحدار يعقبه انحدار فارتطام فانفجار فانكسار.
لم أجد فيما قرأت نظاما يجعل ضمن برنامجه الانتخابي شيئا اسمه "تقسيم إداري" للبلد ويمنّي أهل هذه البلدة او تلك بأن بلدتهم ستكون مقرّ ولاية ويتمّ الترويج لهذا "التقسيم" وهو فعلا "تقسيم" بل شروع في جرم أكبر هو تفتيت البلد وطعنة مميتة في جسم الأمّة وتمزيق مهول في نسيجها الاجتماعي فهل يدرك من يرفعون هذه الشعارات مقدار الضرر الذي يلحق بالبلد بمثل هذه الحماقات أم أنهم يعرفون ويقصدون ما يفعلون وأنهم يطبقون آية من آيات قرآن غير المأسوف عليه ماكيافيللي : فرّق تسدْ على شعوبهم وعلى جغرافية بلادهم !
التنظيم الإداري لا التقسيم، ليس برنامجا في حملة انتخابية بل هو عمل قانوني – اقتصادي تنموي بعيد كل البعد عن الديماغوجيا ، لكن إذا تحول إلى شعار في حملة انتخابية فإنه سيكون حينها تكريسا لسياسة قبَلية تريد تشتيت ما جمعته الجغرافيا وتسعى لوضع حدود إثنية بين قبيلة وقبيلة ضمن العائلة الوطنية عوض دعم وشائج القربى وترك الزمن يصهر الجميع في بوتقة حسن التعايش والتساكن والتشارك والتعاون والتلاحم والتجاور,
انها سياسة الهروب الى الامام .... تشتكي منطقة نائية من التهميش والإهمال وأنها لم تنل حظها من التنمية فيقال لها ان السبب هو ان المنطقة ليست "ولاية" وان الحل هو ان "ترقى" الى درجة ولاية ... وهنا اروي لكم قصة حدثت لي مع طلبة الماستر فقد وجدت عندهم إجماعا على ان الولاية هي المدينة مقرّ الولاية وقد بذلت الكثير من الجهد لإفهامهم أن الولاية (Wilaya, Préfecture, Département ou Gouvernorat) هي إقليم إداري يضمّ دوائر (Daïra, Sous-préfecture) وكل دائرة تضمّ عددا من البلديات (Commune, Municipalité) وأن المدينة مقر الولاية هي في ذات الوقت مقر دائرة ومقر بلدية ولم يستوعبوا إلا بعد جهد جهيد ، واتضح لي أنهم على امتداد 15 سنة من مسارهم الدراسي لم يدرسوا خلالها التعريف القانوني الاداري للولاية ... وأن الكل بما في ذلك طلبة الجامعة ... يتفقون على أن الولاية هي مركز الولاية وبسبب هذا الفهم الخاطئ تقتصر مشاريع التنمية على المدينة مركز الولاية والحل - سيرا وراء هذا الفهم الاعوج - هو انه لا بدّ من ترفيع كل مدن البلاد إلى ولايات لتستفيد من التنمية وبذلك "نسبق" العالم كله في استحداث اوسع لا مركزية في التاريخ وإقامة أكبر بيروقراطية عرفتها الادارة !
حجة اخرى يتحجج بها دعاة تفتيت البلاد وتقطيع اوصالها اداريا هي "تقريب" الادارة من المواطن، مع ان المواطن يكره هذه الادارة واذا اجبرته الظروف على الذهاب اليها يكون كمن يُدفع دفعا الى زنزانة لا تبخل عن روادها بشتى صنوف الاستخفاف والاذلال فعن أيّ تقريب للإدارة يتحدث هؤلاء وهم يطبقون سياسة تطويق المواطنين بإدارات بعد أن طوقوهم ببوابات أمنية في مدخل كل مدينة وقرية وكأن البلد في حرب مما لم يشهد له مثيل حتى على أيام حرب التحرير.
هذه المبالغة في اللامركزية هي في واقع الحال "شمولية" جديدة تعبّر عن تنامي سلطة الدولة لا عن تنامي في التنمية وذلك ما عبّر عنه برتراند دوجوفنال (Bertrand de Jouvenel) في كتابه : في السلطة Du Pouvoir بـ : الغزو المتدرّج لأجهزة الدولة الذي تنتج عنه بيروقراطية مستهجنة ذات أوراق كثيرة واحتمالا ذات سلاح (أمن ودرك) تتكوّن خاصة من مجموعة أشخاص منظّمين تصاعديا والأدهى من ذلك هنا هو التوازن النفسي للأشخاص الذين يكوّنون الآلية المركزية فهم يتقمصون الدولة ولا يعتبرونها "شيئا" لأن كل الأجهزة الإدارية لا تشتغل بشريا بنفس الطريقة فبالنسبة لنظام شمولي لا بدّ من بيروقراطية مركزية وألف بيروقراطية ثانوية تحتها ولذلك اعتبر عالم الاجتماع الالماني داهرندورف أنّ : "البيروقراطية هي جيش احتياطي للسلطة ... جيش مرتزقة للنزاع الطبقي" وهذا يعني أنّ البيروقراطيين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة ويضعون قوتهم دائما في خدمة سادة متغيّرين وأهداف متغيرة وإذا كان الشعب عندنا قد عبّر عن هذه البيروقراطية منذ سنوات بعبارة : حزب الادارة وشنّع بممارساتها واصفا افعالها بـ " الإرهاب " الإداري فأي خير يرتجى من هذا الذي يسمونه "تقسيم إداري".
على الصعيد الاقتصادي ينتج عن اللامركزية المبالغ فيها (يعني تقطيع اقليم البلد الى محافظات مجهرية) تضاعُف نفقات الدولة على الأجهزة الادارية المستحدثة مما يرهق ميزانية الدولة ومع أن الحكامة والحكم الراشد وهي شعارات كثيرا ما نسمعها في الخطاب الرسمي تستوجب ترشيد النفقات وعدم تحميل ميزانية الدولة فوق طاقتها والحدّ قدر الامكان من فتح مناصب ريعية إلا أن سياسة الهروب إلى الأمام والديماغوجيا لا تزال مستمرة ، فهل يمكن أن يجد اقتصاد البلد في استحداث محافظات إدارية آليات ومصادر ثروة تحقق نموا يمكن أن يغطي نفقات التجهيز والتسيير في هذه المحافظات ؟ ليس هناك أيّ مؤشر مطمئن بل إن كل المؤشرات تقول أن الريع النفطي هو الذي سيضخّ في ميزانية الدولة لتنفيذ مثل هذا المشروع وكأننا لم نأخذ العبرة من سياسة كل ولاية "محافظة" بجامعة بل اجتازت بعض الجهات النافذة الخط إلى فتح جامعات في مراكز دائرات (Daïra ou Sous Préfectures) مع أن بلدا عريقا في المنظومة الجامعية مثل فرنسا جعل لكل محافظتين أو ثلاث أكاديمية واحدة تشرف على التعليم من الحضانة إلى الدكتوراه ولم نر أحدا هناك يرفع شعار تقريب الادارة من المواطن وتقريب الجامعة من الطالب ...
في العالم المتقدم نسمع عن حكومة الكترونية ونرى وسائل الاتصال اختصرت المسافات فليس من المنطقي أبدا أنّ بلدة تبعد عن مركز الولاية ب40 إلى 50 كلم تتمّ "ترقيتها" إلى مركز ولاية ويقتطع لها من الولايات المجاورة لتكوين إقليم لها وتظل في حاجة إلى كفاءات في التسيير والتجهيز ، تلك الكفاءات التي تفتقر إليها حتى الولايات العريقة.
قد يتحجج هؤلاء بالنمو الديمغرافي وكأن النمو الديمغرافي ظاهرة جزائرية، العالم كله ينمو لكن البلدان التي تحسن التخطيط والتسيير توكل مثل هذه القضايا إلى المختصّين وقد يرى هؤلاء أنّ من الموضوعي استحداث بلديات جديدة – وليس ولايات - في المراكز الريفية التي نمت ديمغرافيا واقتصاديا لكن يظل ذلك مشروعا أقرّه ذوو الاختصاص لا يرهن إمكانيات البلد ولا يشكّل عبئا إضافيا بل يكون آلية لفك قيود الوصاية الإدارية وتحرير الطاقات ... .
ما يروّج له إذن ما هو إلا تقطيع لأوصال البلد وديماغوجية وتشجيع للنزعة القبلية وتبذير للمال العام وتوسيع للإنفاق الريعي فلا تفرحوا إنه تفتيت للبلد أرضاً ومالاً وشعباً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صدقت دكتر
الشهيد كسيلة ( 2014 / 8 / 29 - 23:01 )
ها قد مرت شهور ولا شيء عن هذا التقسيم وتسي الدميه هذه الشعارات الانتخاباتية مما يدل على انهم باعوا الكلام وكرسوا النفاق ... وكما يقول المثل الحمد لله الذي مسخهم كلابا وكفانا احترابا

اخر الافلام

.. كيف أثرت المواجهات الإسرائيلية الإيرانية على أسواق العالم..


.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024




.. انخفاض جديد فى أسعار الذهب ... وهذا أنسب موعد للشراء


.. الذهب يفقد 180 جنيها فى يومين .. واستمرار انخفاض الدولار أم




.. قاض بالمحكمة العليا البريطانية يحدد شهر أكتوبر للنظر في دعوى