الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حضرة ميزان الحق وسيد العدالة الإنسانية, الإمام علي بن أبي طالب, في ذكرى ولادته

هيثم الحلي الحسيني

2014 / 5 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في حضرة ميزان الحق وسيد العدالة الإنسانية, الإمام علي بن أبي طالب, في ذكرى ولادته
دهيثم الحلي الحسيني
باحث في الدراسات الإستراتيجية
ومتخصص في التراث العلمي
هو أول مولود هاشمي محض, أي لأب وأم هاشميين, وكانت "ولادته" في الكعبة المشرفة, التي يحتفي العالم الإسلامي اليوم بذكراها, سابقة في مكة المكرمة, وفي قريش, وفي سائر العرب, وبذا أراد الحق أن يميّزه منذ ولادته, وفق قدسية المكان ورمزيته, تنبيها به, وإعلانا له, في عدالته الإنسانية, وسيرته وشخصيته المعيارية, وتأثيراتها في السلوك الفردي والمجتمعي.
نشأ في كنف الرسول الأكرم, وتولاه برعايته وتربيته وتأديبه, فشرب صفاته وخلقه وعلمه وسماته, فلهذه المقدمات المتعلقة بالولادة والنشأة والرحم, قد تميزت صلته بالرسول الأكرم, حتى باتت اتحادا مدمجا, تجلّت في جميع المدركات والجوانب السلوكية, في القول والعمل, يضاف الى ذلك التقديس الالهي لهذه الصلة, التي حفظت في الذكر الحكيم, خاصة في آية المباهلة, التي وصفته "نفسا" للرسول الأكرم, إذ أراد الحق لهذه الشخصية الاسلامية, بنيانا ومثالا, نموذجا لزمانه ولكل زمان.
فالعلاقة الوشيجة والمتفردة بالرسول الأعظم, تعد من أوثق منابع التأسيس لشخصية الإمام أمير المؤمنين, فكل ما ينطق به, وكل ما يرويه, إنما عن رسول الله بالثقة والعدالة المطلقة, وهذا هو العنوان المنطقي, لمعنى العصمة والإمامة والولاية.
وعليه فان ولاية الإمام أمير المؤمنين, والإعتبار بمنهجه, واتباع أوامره ونواهيه, في خطابه وفكره وسلوكه, هي من مقتضيات سلامة تدين الفرد, في طاعة الخالق, والولاء للرسول الأكرم, كما ان هذا التكليف لا يتقيد بزمان ومكان, فهو مستند الى مبررات وغايات وحكمة إلهية سامية, في مقدمتها "المعيارية" في السلوك الإنساني, والأداء الوظيفي, في جوانب الحياة كافة, كونها تجسد النموذج الحقيقي للإسلام ومناهجه.
وبالإجماع المطلق, فهو سيف الله والاسلام, الذي بجهده وجهاده, بعد حكمته ودرايته ورأيه, الى جانب الرسول الأكرم وفي ظهيرته, قد قام الدين وأستقام بنيانه, وذلك لجهة أنسنة الهدف, والغاية من إستخدام القوة, في مدرسة الإمام, فهو لم يكن يقاتل عن حقد, أو رغبة في العنف, إذ كان رافضا له في أصله, كونه قد أثبت في إتجاهاته السلوكية, أنه عنوان للعدالة الإنسانية, ومدرسة لنبذ العنف, حتى مع أعدائه, فهو يلتمس المبرر لعدوه, كي لا يضطر لقتاله, فيأخذ مخالفيه على ألف محمل, وهي ثقافته في الإختلاف, التي سادت في الحضارات المعاصرة.
وفي جوانب المهارات الإستراتيجية, فقدراته في معرفة الأشخاص, وكفاءاتهم ومهاراتهم, قد وضحت بجلاء في تعامله مع الآخرين, وفي التمييز بينهم, وفي استيعاب شخصياتهم وميولهم وإتجاهاتهم, إذ لا تبتنى مواقفه ومعالجاته, سواء في الخصومة أو الصحبة, وفق هواه وعواطفه, أو رغباته في النيل من الآخر, أو لمصلحة ذاتية, فكان مع كل منهم, متبع لسياسة متميزة عن سواه, وهو الذي قال "قد عرفتهم صغارا وشهدتهم كبارا", وهذا يشخّص قدراته المهارية في الإدارة والسياسة, إذ تعتمد في جلّ عنوانها, على القدرة في فهم الآخر, وإستيعاب ميوله ومزاجه ورغباته, لتكون التغذية المرتدة حاضرة, ضمن المرونة في التخطيط, لإتخاذ المسلك الأمثل في الوقت المناسب.
وهو يدعو لمشروع إنساني قيمي, يقوم على مبادئ, قد بشّر الدين بتعاليمها ومناهجها, تعبّر عن العلاقة البينية بين الفرد والفرد, المختلف أو المؤتلف, وبين الفرد والجماعة, ثم بين العضو المجتمعي والدولة, ومن هنا كان الآخر في المدركات العقلية لأمير المؤمنين, هو أخ في الدين, ثم أخ في الإنسانية, ويذهب أبعد من ذلك, فهو يقبل بالعدو, ليعتبره رحما له, ويعامله بالحسنى والعطف, والإعراض عن التشهير والإزدراء, وسلبه مكانته الإعتبارية, فضلا عن التنزيه بالطمع بمكسب مادي, قد يسلبه من عدوه وخصمه, لأن في ذلك شكلا من الغصب, لممتلاكات الشريك بالآدمية أو الرحم.
ويثبت ذلك في علاقته بأعدائه من الخوارج, برغم خروجهم عليه, وإضهارهم المعارضة والعداء, حتى في مجلسه, فكان يجد الأعذار لهم, ويدفع باتجاه التسامح معهم, وعدم منعهم حاجاتهم المعيشية, من الماء والمؤنة والوظيفة العامة, فضلا عن حريتهم في حضور الجمعة والجماعة, وأن لا يبدأهم بقتال, وقد أثبت تلك الحقوق الثلاثة لهم, بعهد موثق, هي قمة الحكم الرشيد والتعامل السمح مع الرعية, في إطلاق حرياتهم بالممانعة والمعارضة والرأي المخالف, وهو ما يتماهى والشريعة الإسلامية, التي لا تجيز إقامة الحدود بالشبهات, وان هذه المدرسة الحقوقية, تتوافق اليوم, مع مناهج الدول المتحضرة, والقضاء المتقدم فيها.
وفي علمه, يكفي ما قال بحقه الرسول الآكرم, بأنه "باب مدينة العلم", واصفا ذاته الشريفة بمدينة العلم, وهو تأكيد من الرسول الأعظم, أن الإمام هو الأعلم والأدرى بالعلم النبوي الشريف, الذي هو بدوره علم لدنّي من الذات الألهية, فضلا عن علومه المكتسبة في حقول المعرفة جميعا, وفي أبرزها علمه في القضاء, حيث قال عنه الرسول الأعظم "علي أقضاكم", ويقول بن عباس, حبر الأمة, تلميذ الإمام وابن عمه وحامل لوائه, "أعطي علي رضي الله عنه تسعة أعشار العلم, والله ولقد شارككم في العشر الباقي", وتقول السيدة عائشة أم المؤمنين عن علمه, "ما رأيت رجلا أحب الى رسول الله منه, أما والله أنه أعلم الناس بالسنة".
فالامام أمير المؤمنين في سلوكه وخلقه, وفكره وسيرته, نموذج قياسي للإسلام الحق, فيكون بهذا المعنى, هو المعيار والمقياس, الذي تقاس وفقه وتقيّم الأحكام والأعمال, قربا أو بعدا عن الإسلام, دينا وعقيدة, فاليه ترد الأحكام وتعرض على سيرته وسلوكه وفكره, ليقيم الحكم في ضوئه, ومن هذه المقاربة, يفهم توصيفه بأنه "القرأن الناطق", أو "هو الإسلام يمشي على الأرض", إذ يقول الرسول الأكرم فيه, "علي قسيم النار والجنة", و"لا يبغضه الاّ منافق, ولا يحبه الاّ مؤمن".
ان مقاربة هذه القضية, ليست عاطفية مجردة, مصدرها الولاء والحب المطلق, ففي ذلك تبسيط لها, وسطحية في مقاربتها, والحال فيما يترتب على هذه المعيارية, من سلوك وعقيدة وسيرة, التي هي حقيقة الإسلام, والغاية والهدف من عنوانه, هي مدارك حسية, لا تدرك في الملموس, كسائر العبادات مثل الصلاة والصوم وسواها, فكان لابد لها من نموذج معياري, كي تقاس وفق أبعاده, عليه فان هذه القضية, وإن كانت قد ارتبطت بالإمام في حياته, غير أنها تتعدى ذلك الى خارج المحدود الزماني, وهكذا أرادها الرسول الأعظم, وبالإرادة الإلهية, لتكتمل مع النص القرآني المقدس.
وفي مقاربته لإشتراطات الدولة والحكم والبيعة, وفق المنهج والشريعة الإسلامية, فلا يكتفي بالمجموعة التي راجعته في داره, طالبة توليته, بعد واقعة إستشهاد الخليفة, ليؤسس عليها بيعة, ليُدخل الأخرين فيها قسرا أو طوعا, بل يقول "إن هذا أمركم ليس لاحد فيه حق إلاّ من أمرتم, وقد افترقنا بالامس على أمر وكنت كارها لأمركم, فأبيتم إلاّ أن أكون عليكم, ألا وإنه ليس لي دونكم إلاّ مفاتيح ما لكم معي, وليس لي أن آخذ درهما دونكم, فإن شئتم قعدت لكم, وإلاّ فلا آخذ على أحد".
فكانت السابقة الأولى في التاريخ الإسلامي, التي تجري فيها هذه الآلية, في التولية السياسية, وفق السياق الشرعي الإسلامي, من خلال بيعة أهل الحل والعقد, ليكون النموذج والمعيار القياسي في الشرعية, الذي يعتمد الإشتراطات الثلاث, "أو الجيمات الثلاث", وهي الجمعة, في شرط الزمان, والجامع, في شرط المكان, والجماعة, في شرط الإجماع, ثم إستكمل نهجه السياسي, في إمتناعه عن تسمية وليّ للعهد, فيترك ذلك الأمر للإجماع في حينه, وفق مبدأ التداول الشرعي للسلطة, والحرية في إختيار الأصلح, وذلك ما تحقق بعده, في إنتخاب وتولية الإمام الحسن.
ومن ذلك يفهم الفكر الإسلامي في تداول المال العام, فهو ليس ملك للحاكم يتصرف به كيف يشاء, وإنما يجري ذلك وفق المصلحة العامة, وفي تنمية بلاد المسلمين وإعمارها, وفي منح الحقوق لمن يستحقها من الناس كافة, بغض النظر عن مشاربهم ونحلهم, وهو مفهوم متقدم للمواطنة.
كما أن سياسته الإجتماعية, قد ضمنت شمول جميع الرعية بالحقوق في الحياة, دون تفريق عن لون أو عرق, أو موقف فكري أو سياسي, فقد شمل ذلك الحق حتى معارضيه والمختلفين معه, حيث أن الآخر المخالف, لا يسقط عنه موقفه الفكري والسياسي, حق المواطنة, وحق الأمن أو حق الحياة نفسها, التي تكفلها له دولة الإسلام, وفق عقيدتها وشرعها الإنساني.
ان المسلّم منه, ان جميع المسلمين ومعهم غير المسلمين, من شركاء الأوطان, هم معنيون في معيارية أمير المؤمنين, لدراستها وفهمها, وقد يكون الكثير ممن يحتاج لها, هم من النخب الذين يدّعون ولايتهم له, واتخاذهم له عنوانا وتعريفا بهم, فتكون مكاتبهم مجمّلة بلوحات مزخرفة, تحوي قصار أحاديث الإمام وتوجيهاته, ويحلو للبعض منهم تسميته "بالترابي", تمييزا لانتمائه لأمير المؤمنين, غير ان الفهم السطحي لمعنى الولاء للإمام, دون الإقتداء بمناهجه وفكره ومبادئه وسيرته, هي العلّية في الأزمة السلوكية المجتمعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: اجتماع أمني تشهده وزارة الدفاع حاليا


.. القسام تعلن تفجير فتحتي نفقين في قوات الهندسة الإسرائيلية




.. وكالة إيرانية: الدفاع الجوي أسقط ثلاث مسيرات صغيرة في أجواء


.. لقطات درون تظهر أدخنة متصادة من غابات موريلوس بعد اشتعال الن




.. موقع Flightradar24 يظهر تحويل الطائرات لمسارها بعيداً عن إير