الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير عن الوضع العالمي-[ فبراير 2014]

الاممية الرابعة

2014 / 5 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



يندرج هذا التمهيد للنقاش حول الوضع العالمي باجتماع اللجنة العالمية لعام 2014 في استمرارية لتلك الخاصة بالسنوات السابقة: لازلنا في الحقبة البادئة بين 2008 و2011، المطبوعة بالأزمة المفتوحة على الصُعد المالية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية؛ حقبة ترجح العالم وعدم استقرار عميق للمؤسسات، وحركات جماهيرية مذهلة تصل حد سيرورة ثورية بالمنطقة العربية...وهي في الآن ذاته حقبة حيث يغيب على نحو مأساوي مخرج سياسي تقدمي متبلور. ثمة طبعا تطورات، ومسائل تستدعي تعميق النظر بأخذ مسافة أكبر. هذه المسائل متناولة هنا في ثلاثة أقسام:

1- ديناميات الأزمة الاقتصادية للرأسمالية ومفارقاتها وتناقضاتها؛

2- مختلف أوجه الاضطرابات الجارية الناتجة عن تلك الأزمة؛

3- رهاناتنا بصفتنا تيارا سياسيا: كيفية التدخل في التحولات الراهنة لصراع الطبقات، وفي سيرورة التمردات الجماهيرية وحتى في ثورات، من جهة، لكن أيضا بوجه سيرورة جلية من ضعف الحركة العمالية المنظمة، التي تواجه مثل باقي الجماهير المستغلة صعود آليات ثورات مضادة وتدمير الأنسجة الاجتماعية والبيئية؟


--------------------------------------------------------------------------------


I- أين وصلت الأزمة الاقتصادية العالمية؟

1.I . طبائع الأزمة

في فبراير العام 2011، تساءل فرانسوا سابادو في هذه اللجنة العالمية حول الأزمة التي اندلعت في 2007-208 بقول :" هل يتعلق الأمر بطارئ مالي شبيه بكل التي شهدتها الرأسمالية في الماضي، متبوعة بانكماشات عابرة؟ أم أننا إزاء أزمة منظومية على صعيدين: أزمة منظومية لأن مستوى التراكم الرأسمالي المطور منذ أكثر من ثلاثين سنة بات منهوكا، وأزمة منظومية لأن الرأسمالية العالمية تواجه حدا مرتبطا بتناهي الكوكب وموارده الطبيعية؟" مع، في حالة الفرضية الثانية، استنتاج استعجال تدابير تنصب على جذور المشاكل: تدابير مناهضة للرأسمالية، ولأجل إعادة تنظيم إجمالية للإنتاج وللمجتمع، كفيلة دون سواها بإرضاء الحاجات الأساسية للسكان الغارقين في دوامة الأزمات تلك.

بعد ثلاث سنوات، ومع مزيد مسافة عن الأحداث، تسير رؤيتنا، الانطباعية إلى هذا الحد أو ذلك، والنقاشات الماركسية العميقة- كتلك المنظمة أخيرا في المعهد الدولي للبحث والتكوين، في اتجاه تعريف الأزمة بما هي أزمة منظومية للرأسمالية. وثمة قلة من الاقتصاديين البرجوازيين لديهم،عكس ذلك، رؤية متفائلة. ثمة كيفيات عديدة لتعريف الأزمة الراهنة بما هي أزمة منظومية. سأعتمد تعريف باحثين اقتصاديين نقاربهم: ميشال هوسون منطلقا من ماندل لتعريف حدود"النظام الإنتاجي" (1)، أو إسحاق جوشوا الذي يتحدث عن "أزمة فيض إنتاج رأسمالي من طراز ثالث" (2). ثمة، بتبسيط مفرط لتاريخ الأزمات، ثلاثة أنماط:

1- أزمات القرن التاسع عشر، وهي أزمات ضبط تنافسي، كان يجري حلها بالخفض الحاد لكلفة المواد الأولية، والأسعار، وتصفية الديون ولاسيما الأجور، وهي إجراءات كانت تتيح مجتمعة، مع تدمير هام للرأسمال، إعادة انطلاق الأرباح، مستندة على قطاع أو قطاعات إنتاج محركة. كانت هذه الأزمات حادة لكنها قصيرة.

2- كانت أزمة 1929 بالغة الحدة ومديدة جدا. دخلت الرأسمالية في حقبة نظام العمل المأجور السائد. بفعل ذلك لم يعد ثمة، في لحظة أزمات فيض الإنتاج، أي تخفيف للانهيار التراكمي للإنتاج وللاستهلاك في محيط إنتاج صغير. كان الأثر الأصلي يتضخم، ويغدو الخروج من الأزمة بالتنافس مستحيلا. ولم يعد هذا الخروج من الأزمة بعوامل من داخل سير الاقتصاد بل أساسا بفعل عوامل سياسية- وعلى نحو ملموس كانت الحرب وما أفضت إليه هي التي أتاحت إعادة انطلاق إجمالية لتراكم الرأسمال.

3- تبدو الأزمة الراهنة، قياسا بالأخريات، أقل حدة... لكن طابعها المديد يفضي أيضا إلى توترات لا نرى لها نهاية .

ما هي أسس الأزمة المنظومية الراهنة؟ بقصد تفادي أزمة نوبية جديدة مثل أزمة سنوات 1930-1940 ، كان رد الرأسمالية في النصف الثاني من القرن العشرين هو المسمى عادة" الفوردية"، مع تدخل اقتصادي مستمر ومعمم للدولة في العلاقة الأجرية، وفي ضبط الأسواق والنقد. وعندما عادت الأرباح إلى الانخفاض في منتصف سنوات 1960 ، مبلورة شكلا جديدا لأزمة الرأسمالية في سنوات 1970، حمى الضبط الفوردي فعلا النظام من عنف أزمات الماضي، لكن مقابل مدى محدود لإعادة مستديمة للأرباح.

أعاد طور "النيوليبرالية" بدءا من العام 1980 إطلاق الهجوم الرأسمالي استنادا على البطالة الجماهيرية وعلى تعقيد العولمة المالية. وإزاء ضرورة زيادة قوية لمعدل استغلال البروليتاريا، تفاقم التنافس الرأسمالي، منذ أكثر من ثلاثين سنة، بفعل الشركات العابرة للأوطان وبفعل التمييلfinanciarisation المعولم، وذلك بقصد تأمين إعادة إنتاج الرأسمال. وبلغ الرأسمال المالي سلطة اختتال (*) خارقة على الإنسان وعلى الطبيعة. تجمع هذه السلطة الأبعاد الجديدة لعبودية العمل المأجور في المقاولات الصناعية المعولمة وفي الزراعة والخدمات، و"تراكما بنزع الملكية" في الاقتصاديات التابعة، وتغلغلا في المجتمعات الأكثر طرفية للسيطرة على الأراضي واحتكارها لأجل إنتاج للتصدير، ومرحلة جديدة من تدمير شروط بقاء مجموعات سكانية بكاملها.

وباتت لبرلة الاقتصاد أكثر عمقا، في بعض الأوجه، مما في متم القرن 19، حيث كانت عناصر النزعة الحمائية الصناعية و التجارية بالغة الأهمية . أما دور الدول فلا مجال لمقارنته ( كانت نسبة الميزانيات العامة من الناتج الداخلي الإجمالي في العام 1913 أقل من 9 % بالولايات المتحدة وفرنسا، مقابل أكثر من 30% و 50% بالتتالي اليوم). ويظل هذا الدور نوعيا في ظل الاضطرابات الراهنة مع الفعل الإرادوي للبنوك المركزية بوجه خاص، ما يمثل فرقا جوهريا (وهذا أمر يجب التأكيد عليه) بين "النيوليبرالية" الراهنة والحقبة الكلاسيكية لليبرالية في القرن 19.

اشتغلت هذه النيوليبرالية لإعادة تقويم معدل الاستغلال، وتوسيع هيكلي وجغرافي لفضاء البضاعة، وعادت الأرباح، خلال فترة، إلى الارتفاع. لكن فعالية الرأسمال المستثمر لم تتبع، حيث لم تتخذ أي من الابتكارات، السريعة والعديدة مع ذلك، ما كان لسكك الحديد أو الكهرباء أو قطاع السيارات، من أهمية محركة. يجب، من زاوية النظر هذه، التذكير بمفارقة الاقتصادي الأمريكي سولوو Solow الذي قال:" يُـرى عصر الكومبيوتر بكل مكان، ما عدا في إحصائيات الإنتاجية". نقص الفعالية المميز هذا يفسر جزئيا عدم انعكاس تزايد الأرباح على دينامية استثمارات إجمالية، وبالتالي على دينامية تراكم من أجل خروج حقيقي من الأزمة.

أتاح اقتصاد الائتمان ، خلال مدة، نسب نمو كافية للإيحاء بإمكان تجاوز الأزمة، لكن فوارق النمو بين مناطق العالم الكبرى تعمقت. وأخيرا، كان أيضا من عواقب العولمة التسبب في انتشار أسرع لديناميات زعزعة الاستقرار الاقتصادي. هكذا احتدت التناقضات. وكما قال إسحاق جوشوا:" تدخل الدولة من جهة، ونقص مرونة الأجور والأسعار، من جهة أخرى، يقلصان معا مدى الأزمات الراهنة (...) وعلى العكس تؤدي عولمة الرأسمال المنتج و تمييل الاقتصاد الحقيقي إلى تزايد عدم الاستقرار."

يؤثر الضغط القوى على الأجور على نحو سلبي على الاستهلاك، ما جعل اقتصاد الائتمان بالغ التعقيد واتساع الفضاء الرأسمالي يعوضان لفترة هذا الأثر على منافذ الإنتاج. لكننا نعرف الآن أن الأزمة الراهنة مسبوقة بانقلاب لمعدلات الربح. في 2007 بلغ اقتصاد الائتمان والمضاربة المعممة حدودهما، وسببا انفجار الفقاعة المالية انطلاقا من "القروض السامة" الشهيرة. ومذاك، كان تحميل خسائر البنوك للمالية العامة، الذي بررته الحكومات بـ"إنقاذ الاقتصاد"، قد أتاح للبرجوازية الوثوب من جديد وشن الهجوم على أشكال العجز العمومي.

غذى هذا التوجه خطط تقشف بالغة القسوة بكل مكان، لكنها صادمة بوجه خاص في أوربا. وهذه أوجه سبق تناولها باستفاضة. استنتجنا حينئذ أن الأيديولوجية البرجوازية السائدة تظل، مع كل التحليقات المناهضة للمالية في الآونة الأولى، راسخة في النيوليبرالية ولم تتجه قط نحو الكينزية... هكذا تبدو إصلاحات الضبط البنكي ضد المضاربة محدودة جدا، فيما يغدو التركز البنكي مذهلا: بلغت قيمة الأصول التي تسيرها أول مجموعة استثمار أمريكية Black Rock ما يعادل الناتج الداخلي الإجمالي الألماني؛ وتصل تلك الخاصة ببنوك Mitsubishitsche Bank و Credit agricole وBNP- Paribas مستوى الناتج الداخلي الإجمالي الفرنسي.

إذن ما حالة 2013 وما الآفاق في 2014؟ كانت 2013 مرة أخرى سنة نمو اقتصادي ضعيف أو انكماش متفاوت الحدة حسب البلدان. بيد أن أزمة الديون تبدو في اللحظة محتواة، وتتجلى آفاق انتعاش بطيء لـ"النمو المقدس" في هذا العام، لكن بأي صلابة؟ ينطرح إذن سؤال: هل سيتضح أن أزمة الديون تهشيش جديد عميق للنظام، أم أنها في نهاية المطاف شر نافع من وجهة نظر الرأسمال الذي سيتعزز على قاعدة هذا التطهير؟ ثمة عناصر عديدة يتعين أخذها بالحسبان.

2.I . أوضاع بالغة التنوع حسب دور البنوك المركزية السائدة

1- إن للبنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية دور توسعي لمواجهة الانكماش (شراء كثيف للسندات المالية، علاوة على نسب فائدة"توجيهية" منخفضة جدا)، دور أفضي بعد 2009 إلى انطلاق جديد نحو نسبة نمو 3,5% إلى 4% هذه السنة... لكن مع أوجه هشاشة ملحوظة تبدو منذرة: فقاعات جديدة، عقارية أو انترنت.

2- في الصين، لم يكف البنك المركزي عن تشغيل "مطبعة الأوراق النقدية" لحفز اقتصادها، ومن جديد يرتفع النمو (7%-8%)، لكن مع أوجه هشاشة جديدة: بنكية وعقارية، وفساد سريع، وفقدُ تنافسية. وثمة تخوف أعظم مما يخص الولايات المتحدة من إفلاسات بنوك بعواقب مجهولة.

3- تمثل أوربا إجمالا "رجل الرأسمالية المريض"، فمنطقة اليورو هي الأكثر عرضة لخطر هشاشة البناء المؤسسي الجامع لرأسماليات متنافرة، ولخطر سياسة نقدية وائتمانية فاقمت أزمة مديدة على نحو غير مسبوق. بلغت فروق تطور الناتج الداخلي الإجمالي مستوى قياسيا (أوربا الشمالية: +3% قياسا بالعام 2007، أوربا الجنوبية: -9%). و تبدو الديون العامة، رغم عدم تقلصها منذ2007، محتواة في مشد البنك المركزي الأوربي وأدوات الضبط الجديدة (الصندوق الأوربي للاستقرار المالي، آلية الاستقرار الأوربية)، التي تخفف توترات أسعار فائدة الاقتراض، مع سياسة نقدية تظل مقيدة.

البلدان المشهر بها بما هي "PIIGS" (**): أوربا الجنوبية وايرلندا خاضعة لرقابة بواسطة عمليات "تطهير" قاسية. وتفلح ألمانيا وأوربا الشمالية في تخليص نفسيهما، لكن فرنسا تشهد هجمات اجتماعية غير معهودة منذ منتصف القرن العشرين، ويتعاظم ضغط التنافس الضريبي بكل مكان.هل نحن، بعد سنة ركود في 2013، إزاء بداية حل رأسمالي، مفيد تماما للرأسماليين... أم نحن إزاء تسرع انكماش اقتصادي(انخفاض الأسعار والأجور وجمود اقتصادي) كطور جديد من الأزمة؟

4- إن لسياسات البنوك المركزية الكبرى أثارا على الكتل الاقتصادية الأخرى، القديمة (اليابان) أو "الصاعدة" (شرق آسيا، الهند، البرازيل وأمريكا اللاتينية، روسيا، تركيا): ألن تغدو، بدلا من طرف رابح، ضحايا بدايات انتعاش أمريكي وصيني و كذا الفروق النقدية الكبيرة؟ تبدي الأسواق النقدية فعلا تهيجا كبيرا، وتوجد بعض تلك الاقتصاديات، مثل الأرجنتين والهند وروسيا، في كماشة ديناميات الولايات المتحدة الأمريكية أو أوربا، مع هروب نقدي ومالي يزعزعها.

3.I. التشغيل،و البطالة ...و الأرباح

يجري في كل بلد استعمال عناصر الأزمة على نحو حاد لتبرير هجوم الطبقات السائدة. تعيد المعارك من أجل التنافسية، وضد الحقوق والمكاسب الاجتماعية، ومن أجل جعل البيئة سلعة، صياغة قواعد دولانية تخدم أكثر نزع الضبط الليبرالي.

1- يستند هذا الهجوم على بطالة جماهيرية، لا تنفك تتزايد (أكثر من 200 مليون عاطل في العالم)، وبلغت مداها الأقصى بأوربا: 26 مليون عاطل بالاتحاد الأوربي، أي نسبة 11% من السكان النشطين (لكن 6% بألمانيا و 20% ببلدان جنوب القارة). وثمة أيضا صعود عام لهشاشة التشغيل. وتمثل النساء أول ضحايا هذه المجالات، وكذا الشباب، لأن على هاتين الفئتين يجري بالمقام الأول تجريب كل تقنيات إضفاء الهشاشة.

2- يجري أكثر فأكثر استعمال التنافس من أجل الاستثمارات الدولية وترحيل الأنشطة الاقتصادية، بين القارات وبين البلدان وداخل كل بلد، لغاية توطيد عبودية العمل المأجور... لكنها تفضي أيضا إلى تنام عددي لطبقة الأجراء. وهؤلاء الأجراء ضحايا على نحو متزايد للهشاشة، مع تمفصل عمال مؤَمـَنين وعمال فقراء في حالة هشاشة، محجوزين في هذا الوضع داخل أقسام إنتاج عالمية وحتى داخل كل مقاولة. وتجدر الإشارة إلى أن أول ارتكاس عند انطلاق جديد للاقتصاد إنما يأتي من "هالة التشغيل" هذه.

3- الأرباح. تواصل الشركات العابرة للأوطان حركة تركزها، وتعزز سلطاتها بوجه الدول. وإن كانت مؤشرات البورصة قد استعادت مستوياتها لعام 2008، فلا يبدو أن الأرباح – المعقد تحليلها على الاقتصاديين الماركسيين- تعود إجمالا إلى الارتفاع لحد الآن، بفعل استمرار ضعف فعالية الرأسمال المستثمر (أو إنتاجية الرأسمال) رغم ارتفاع معدل الاستغلال. لذا تواصل الأرباح التوجه نحو التوزيع الريعي على مالكي الأسهم، أكثر مما نحو الاستثمارات المنتجة. ومن المناسب ، ولا شك، أن ندقق تحليلنا حسب القطاعات، وأن ندرس مثلا بدقة قطاع السيارات الذي استعاد مستوى إنتاجه الإجمالي لما قبل الأزمة ، بفعل مكانته المحورية في الإنتاج الرأسمالي.

4- خلاصة: كان لانتشار الأزمة الاقتصادية الراهنة طابع عالمي، لكنه متفاوت حسب أقسام العالم. لحد الآن، يتعذر إجمالا الحديث عن فكاك من الأزمة بعد ست سنوات من تفجرها، فالأرباح لم توطد، و"الانتعاش" الاقتصادي هش، وعناصر زعزعة الاستقرار كبيرة جدا.

تواصل الرأسمالية اشتغالها، محتمية بتنظيمها بالغ التعقيد ومرونتها الكبرى. لكن الاضطرابات الاقتصادية، والنمو الهائل للتفاوتات، يحولان دون صعود صلب لشرعيتها في عالم بات فيه الوصول إلى المعلومات يسيرا على نحو غير مسبوق، ما يتيح ذيوع أمر دال من قبيل أن " 85 شخصا الأغنى يملكون ما يملك نصف سكان العالم" ( تقرير منظمة أوكسفام لعام 2014)

II – أوجه تزعزع الاستقرار و أزمات اجتماعية سياسية متنامية

1. II . ديناميات تنافس الامبرياليات

مع بقائهما الكتلتين الرأسماليتين والامبرياليتين الأولين، أصاب ضعف مكانتي الولايات المتحدة الأمريكية، وبدرجة أكبر مكانة أوربا، لصالح انزياح نحو آسيا أساسا وليس حصرا، وبالمقام الأول نحو الصين، لذا قد يتفاقم الصراع بين الامبرياليات من أجل استعادة مواقع سيطرة جيوسياسية أو الحصول عليها.

1- كان هجوم المحافظين الجدد المضاد في عهد بوش فشلا جليا. وتأكد الطابع الكارثي لحربي العراق و أفغانستان، وليست محاولة أوباما الوثوب من جديد على قاعدة أقل عدوانية في سياق الثورات العربية أكثر إقناعا. و إن عزم الولايات المتحدة الأمريكية على الانشغال أولا بآسيا الشرقية – وأن يتولى الاتحاد الأوربي المقدمة في أماكن أخرى- أمر لا يسير على ما يرام. نشهد إذن تلمسات لتدبير "السلام الأمريكي" : مع إيران من جهة ، ومع إسرائيل من جهة أخرى... دون تحقيق الكثير. وتعاني مصداقية السلطة الأمريكية في العالم من قضايا ويكليكس وSnowden-NSA. وفي الآن ذاته، أصاب ضعف حكم أوباما بفعل مصاعب في فرض سياسته الداخلية: أزمة الميزانية المؤدية إلى إغلاق مؤسسات حكومية، وحدود قانون "Obamacare" الخاص بنظام الحماية الاجتماعية.

لكن الولايات المتحدة الأمريكية تظل القوة الرأسمالية الأولى الساعية دوما إلى تطوير مزاياها. على هذا النحو، أفلحت في العام 2013 في إقناع حكومات الاتحاد الأوربي بالتفاوض النهائي – والسري- حول معاهدة تبادل حر جديدة من أجل سوق كبيرة عابرة للمحيط ستفتح لتنافس جامح أقساما برمتها من الاقتصاديات الأوربية (الخدمات والصفقات العامة، أنظمة الحماية الاجتماعية، الثقافة و البيئة...) ما يمنح للمجموعات الخاصة الكبرى حقوقا خارقة لاستغلال الشعوب والطبيعة.

2- لا يبدي الاتحاد الأوربي، الذي يهيكل تلاقي المصالح الرأسمالية النيوليبرالية، إلا قليلا جدا من الوحدة السياسية. وفيما يطبع التقلب السياسة الخارجية للاتحاد الأوربي، تسعى الامبرياليات البريطانية، بخاصة الفرنسية، إلى لعب ورقتها الخاصة، لكن بنتائج موطدة قليلة: لا سيطرة على ليبيا بعد التدخل الغربي، وتزعزع دائم لاستقرار منطقة الساحل بأفريقيا، وعودة دور روسيا بالشرق الأوسط انطلاقا من الصراع السوري. وتعاني حكومتا هولاند وكامرون، اللذين أعاد إطلاق السياسات التقليدية لامبريالتيهما بالتدخل خارج أوربا، من ضعف، فيما تستفيد حكومة ميركل من علاقات "مركز/ محيط" داخل أوربا. وأخيرا يتأكد صعود قوى نابذة للمركز داخل بعض الدول: في الدولة الاسبانية، وفي بريطانيا وبلجيكا...

3- تؤدي سياسات التقويم الهيكلي، وأنماط التدخل الامبريالية، إلى تفكيك بنيات دولانية عديدة. ولا يفضي النمو الاقتصادي الممكن ملاحظته ببعض البلدان سوى إلى تنامي التفاوت وتدمير اقتصادات قوتية وإلى اليأس. إن تأكد دور الصين كفاعل امبريالي جديد، وتنافس فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وبزوغ الحركات السلفية الدينية الانتهازية كفعلة أيديولوجيين جدد، وكذا ردود الامبرياليات الغربية (التدخلات في مالي، وأفريقيا الوسطى)، كلها عناصر تواصل دفع هذه القارة نحو الحروب والفوضى و الكوارث الإنسانية. بعد جنوب السودان، حل دور الكاميرون أو أي بلد آخر؟

4- في الشرق الأقصى، نشهد منذ سنوات عديدة تنامي توترات بين الامبرياليات اليابانية والصينية والولايات المتحدة الأمريكية حامية ASEAN – منظمة أمم جنوب شرق آسيا، لا سيما بقصد السيطرة على بحر الصين لكن أيضا مع كوريا الشمالية.

وفي مطلع العام 2014 ، تفاقمت توترات أخرى شرق أوربا لأن بوتين يرفض أي إضعاف جديد لسطوة روسيا على جيرانها، مثل أوكرانيا.

مع تفاقم التنافس الاقتصادي، وتجدد استعمال النزعات الشوفينية لحرف المشاكل السياسية والاجتماعية الداخلية لكل بلد، باتت مخاطر احتدام المواجهة بين الدول فعلية ومتعاظمة.

2.II. كوارث بيئية، وجعل البيئة بضاعة وحركات تنقل سكان

فقط الآن بدأت عواقب تبدل المناخ تظهر في العالم برمته، لكنها ُتستشعر أولا في المناطق المدارية. وقد بتنا نرى خسائرها الجارية (جفاف، فيضانات)، وحتى الكوارث الممكن عزوها لهذا التبدل، مثل العواصف الاستثنائية التي تطرح مسألة رفع مستوى التضامن الإنساني و لإعادة الإعمار، في حقبة يتضح فيها عدم فعالية متزايدة لدى الدول والمؤسسات الدولية ( انظر حصيلة هايتي). إن تطوير ردنا الخاص على الكوارث هو موضوع مساهمة خاصة في دورة اللجنة العالمية هذه، انطلاقا من إ عصارات الفلبين وتجارب تضامن الأممية الرابعة فيها.

بوجه هذه المخاطر المحدقة بالبشرية، يستعمل الرأسماليون، مثل كواسر آكلات جيف، الأزمات البيئية، لا سيما المناخية والطاقية، لخلق مصادر ربح جديدة ( "رأسمالية خضراء"، منح كاربون، أسواق الأشغال الأساسية في البناء...

أيا كان ارتقاء السكان إلى وعي بيئي، تظل الأضرار بالبيئة كثيفة وتؤدي إلى تدهور شروط الحياة في مجالات وأماكن عديدة: تدمير متسارع للغابات لا سيما بالمناطق الاستوائية، وتلويث المياه (البحار والأنهار) واستئثار بالمياه العذبة، واستغلال نهاب لثروات المناجم، وفضيحة غاز الشيست، والمخاطر النووية وكلفتها (لم تسو بعدُ عواقب كارثة فوكوشيما).. وفي الآن ذاته، تواصل الشركات العابرة للأوطان الضغط من أجل تملك الأراضي، ومواد الزراعة و براءات اختراع المادة الحية. وكل هذه الأضرار هي اليوم دافع إلى نضالات أساسية.

وأخيرا، تؤدي العولمة النيوليبرالية، والأزمات الاجتماعية والبيئية والسياسية، إلى تكاثر الصراعات المسلحة وتنقلات السكان الاضطرارية، وكلها ذات كلفة بشرية رهيبة. وفيما تتحول بلدان الشمال، وأوربا بالمقام الأول، إلى قلاع منيعة ترمي المهاجرين واللاجئين إلى البحر، ُيحشر ملايين البشر في مخيمات بؤس ببلدان الجنوب. تشهد هذه الظاهرات صعودا في أفريقيا وآسيا والآن حول النزاع السوري. وسيكون التخلي عن اللاجئين مصدر فضائح وعدم استقرار للوضع العالمي على نحو مطرد.

3.II تفجرية الحركات الجماهيرية ضد مختلف أوجه الأزمة

إن للحركات الجماهيرية المتكاثرة أبعادا اقتصادية واجتماعية ومؤسسية وبيئية. فإزاء تدهور أوضاعها وغياب مستقبل للشباب، ُتمفصل حركات التمرد الجماهيرية هذه الأبعاد على نحو مجدد، على نحو مجانب في الغالب للحركة العمالية القديمة، المدمجة في السياسات السائدة أو المتجاوزة إلى حد بعيد.

1- ثمة السيرورة الثورية بالمنطقة العربية: بعد سقوط الديكتاتوريات بتونس ومصر، نشهد استمرار الحركات الجماهيرية حتى رحيل الحكومات اللاحقة ولا سيما الحكومات الإسلامية، و كذا أزمة الإخوان المسلمين التي طفحت حتى إلى تركيا . تراجعت حركات التمرد الجماهيري ببعض البلدان ( المغرب، الأردن...) لكنها تستمر أو تنشا بأماكن أخرى (السودان، وحتى المملكة السعودية...) لكن، وكما يعيش ذلك الشعب السوري على نحو بطولي لكن مرعب، يتصاعد الهجوم المضاد لأجهزة الدول وللتيارات الدينية ذات الميول الفاشية. ويتزايد الطابع الإشكالي لغياب منظورات اشتراكية. ويمدنا جليبر الأشقر بأدوات أساسية لفهم السيرورة في تعقدها، واستمرارها المحتمل على أمد طويل، بأوجه تقدم وتراجع جزئية، ولدعمها بقصد مساعدتها على التطور.

2- ثمة انفجارات اجتماعية سياسية بدافع من أزمات مدينية ومن النضال ضد الفساد، وهي تهز بلدانا اُعتبرت مستقرة بالنسبة للطبقات السائدة: شهدنا منتصف العام 2013 في الآن ذاته انتفاضة في تركيا دفاعا عن منتزه جيزي وساحة تقسيم، وفي البرازيل احتجاجا على أسعار النقل وشروط تنظيم كأس العالم لكرة القدم. وتمثل التطلعات إلى الديمقراطية والعدل الاجتماعي خمائر تمرد في بلدان صاعدة عديدة لا ينقصها سوى الانفجار.

3- كما نشهد حركات تمرد بروليتارية في شرق آسيا، مع تمثيل سياسي بالغ الضعف أو منزاح أحيانا: بنغلاديش، كمبوديا... إنها ساحات جديدة للبحث عن بدائل جذرية عن العولمة الرأسمالية.

4- في جنوب أوربا و البلقان، بوجه تدهور غير مسبوق لشروط الحياة، وبوجه التراجعات الاجتماعية، باتت حركات التمرد والتعبئات هيكلية، تتدفق أو تتمدد رغم ندرة المكاسب، وحتى دون نجاح في صد سياسات التقشف، وحتى دون مخرج سياسي: اليونان، البرتغال،اسبانيا، بلغاريا، والبوسنة حاليا... فيما تحتضر الحركة العمالية القديمة، ما مقدرات الحركات الاجتماعية الجديدة؟ على هذا النحو يكتسي مستقبل الوضع باليونان أهمية خاصة.

5- في الاتحاد السوفييتي السابق، تجلى بقوة في روسيا في 2012-2013 الاحتجاج على "الديموكتاتوريات" بما هي أنظمة خاصة لمصالح الأمن والأليغارشية والفساد. في متم العام 2013 ومستهل العام 2014 أفضت الحركة المذهلة حول "ميدان" في أوكرانيا إلى اندحار زمرة حاكمة بفضل حركة جماهيرية:. هذه هي المقاربة الواجب علينا اعتمادها: رغم مستوى قمع مرتفع، ورغم مناورات الامبرياليات الغربية، ومع تشوش سياسي حاد، تبحث الحركات الشعبية عن طريقها.

6- في أمريكا اللاتينية بلغت حدودها تلك السياسات الإنمائية الاستخراجية الجديدة- بكل تنويعاتها- من الأشد معاداة للامبريالية (فنزويلا) حتى الأعمق اندماجا في النيوليبرالية (البرازيل)، مرورا بالأشكال الوسيطة (الأرجنتين). وتظهر حركات جماهيرية جديدة، لكن اليمين الرجعي هو أيضا بالمرصاد.

رغم تشوشها في معظم الأحيان، وبفعل مطالبها العادلة، نساند تقريبا كل حركات التمرد بالشارع الخارقة تلك. هذا مع استثناءات نادرة، مثل تايلاند وفنزويلا، إذ أن هذه حسب ما نعلم مهيكلة كليا من قبل حركات فائقة الطابع الرجعي. كما نرى أن الحركات الجماهيرية قد تتحول، بانعدام منفذ سياسي على المدى المتوسط ، إلى فتن طائفية مدمرة، وقد ُتمنى إجمالا بهزيمة من الهجمات المضادة للطبقات السائدة التي تعبئ أدوات مضادة للثورة.

4.II . الثورات المضادة تتقدم

مع احتداد الأزمة الاقتصادية، تتبلور الميول المضادة للثورة على قاعدة الهجمات السابقة للطبقات السائدة: تنظيم التراجعات الاجتماعية المميزة للنيوليبرالية، وانحرافات جهاز "محاربة الإرهاب" من جانب الحكومات من جهة وصعود التيارات فائقة الرجعية من جهة أخرى، وتضافرهما.

1- ترُد القوى السياسية السائدة المهتزة بقوة مستعملة أجهزة الدولة، وتنال من المكاسب الديمقراطية باسم الدفاع عن المصالح الوطنية: مراقبة الكترونية معممة، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصين، وقوانين جديدة قاتلة لحريات التنظيمات والمناضلين، وتطوير شراسة الأجهزة المضادة للمظاهرات. وقد أبانت قضايا عديدة حديثة أن ما من قارة تفلت من تجريم النضال العمالي والديمقراطي والثقافي: في أوربا (اسبانيا، فرنسا، روسيا...)، وفي آسيا (باكستان، الصين..)، وفي أفريقيا (مصر، أفريقيا الجنوبية..)، وفي أمريكا اللاتينية (الأرجنتين ، ...).

2- يلاحظ، حتى في أوربا حيث كانت المكاسب الديمقراطية أكثر ثباتا، تراجع للحقوق الديمقراطية على كافة الصُعد: إبطال الاشتغال الديمقراطي من طرف "الترويكا" (اللجنة الأوربية، البنك المركزي الأوربي، صندوق النقد الدولي)، قوانين وقرارات قضائية ضد المناضلين، أجهزة ومعدات بوليسية وأمنية مضخمة، حتى الخاصة منها.

3- تتدخل التيارات فائقة الرجعية والفاشية على نحو متزايد الفعالية على الساحة السياسية بكل مكان في العالم، بأشكال بالغة التنوع ومركبة أحيانا، مجرمة حقوق النساء والسحاقيات والمثليين جنسيا والمتحولين جنسيا، وساعية للنيل من الخدمات العامة الاجتماعية:

- حزب الشاي في الولايات المتحدة الأمريكية والحركة المناهضة لزواج المثليين في فرنسا؛

- حركات شعبوية عنصرية في أوربا، ضد العرب و المسلمين والسود، وعلى نحو أكثر تعميما ضد الغجر؛

- حركات شعبوية يمينية متطرفة حاكمة في هنغاريا وربما في الهند غدا؛

- حركات نازية جديدة في اليونان، وفي أوربا الشرقية، وقوية الحضور أحيانا في حركات احتجاج ديمقراطي متعددة الهوية الطبقية؛

- أصوليات كافة الديانات، قوية بكل مكان، تستبسل ضد الحق في التعليم وحقوق النساء والمثليين جنسيا، وضد حق التعبير الفني، وتصل أكثر فأكثر حد القتل، وأوصوليات دينية تحرف حركات تحرر شعبية و تحاول سحقها؛

- جهاديون و"مجانين الإله" يشنون عمليات عسكرية وصولا إلى نزاعات عسكرية حقيقية، تتفاقم في قسم من أفريقيا و آسيا.

يجب في هذا السياق التأكيد على العنف والإصرار الرجعي الذين ُتهاجـَم بهما بكل مكان حقوق النساء في كل المجالات، وعلى كونها مهددة على نطاق واسع في المجال المؤسسي، كما حال حق الوقف الإرادي للحمل في اسبانيا.

4- خلاصة: نحن إزاء ثورات مضادة عديدة تطرح مشاكل تكتيك قديمة في صيغ جديدة:

* ما مستوى التحالف السياسي الممكن ضدها؟

* أي تعامل واجب مع التيارات ذات الميول الفاشية والأصولية التي تخترق حركات الغضب الشعبي؟

III - ثورات وثورات مضادة دائمة في مطلع القرن 21 – مهامنا

يتعين علينا العمل في وضع بالغ التناقض، حافل بمفارقات (من حسن حظنا أن لدينا تفكير ديالكتيكي): ثمة من جهة نمو عددي للطبقة العاملة على صعيد عالمي ونضالات جماهيرية؛ ومن جهة أخرى أزمة رأسمالية ُمنهـِكة وهجمات مضادة للثورة بارزة، في سياق فقد الحركة العمالية لتهيكل ولمنظور اشتراكي. لكن ثمة أمر أساسي متمثل في تراجع على نحو حاسم للخوف من مواجهة السلطات القائمة، في أوضاع عديدة جدا.

1- التمردات والثورات ( بالمعنى الموضوعوي لدى لينين) بالغة القوة ومفعمة بالإصرار، وتبتكر أشكال نضال جديدة، لكن تنظيمها الذاتي محدود، وتصوغ القليل من بدائل السلطة – ولا تفلح في الحصول على مكاسب أو الحفاظ عليها. وهي لذلك ليست "مثالا" إلا جزئيا، وتتواصل في ظل تشوش كبير . كيف يمكن التقدم، لا سيما في مستوى الوعي؟

2- استحالة استجابة الرأسمالية لتطلعات الجماهير العريضة يمنعها من تثبيت الأوضاع بطرائق الديمقراطية البرجوازية . يفتح هذا مساحات لأدوات مضادة للثورة على نحو أكثر مباشرة. لكن لماذا كل هذا القدر من المصاعب في إعادة انتشار الحركة العمالية و مكونها الثوري؟

3- تتواصل أزمة الحركة العمالية القديمة بدمج متزايد العمق للاشتراكية الديمقراطية في الأجهزة البرجوازية (حكومات تحالفات كبرى في 16 بلدا أوربيا، رئاسة هولاند في فرنسا...)، ودمج الاتحادات النقابية الكبرى. لم تعد الاشتراكية الديمقراطية غير شكل تناوب برجوازي، مع ثقافة تاريخية يسارية "للاستعراض".

تواجه النزعات الإصلاحية الجديدة، مجسدة في الأحزاب الشيوعية السابقة، صعوبة في استثمار المساحات التي تمكنت من إعادة خلقها على يسار الاشتراكية الديمقراطية. وتصطدم بصعوبة تطوير منظورات دينامية، وتروج أحيانا مآزق حمائية جديدة، و تتبنى في الغالب رؤية "معسكرية" للعلاقات بين القوى الكبرى تفضي بها إلى إنكار انتفاضات شعبية من أجل الحرية مثل انتفاضتي الشعبين السوري والأوكراني.

كما يلزم تحليل تطور الحركات الوطنية ذات الأصل التقدمي التي تواجه أزمة رأسمالية عالمية متعددة الأشكال تضعها إزاء تحديات توجه حاسمة.

أخيرا، ما الحصيلة الممكنة لموجة العولمة البديلة، المتراجعة حاليا، بما هي محاولة لتخطي تلك الأزمات؟

4- يسعى اليسار المناهض للرأسمالية والثوري إلى الخروج من الهامشية في الحركات الجماهيرية، الجديدة. ويتدخل دوما في الحركات الاجتماعية ويحصل أحيانا على نتائج انتخابية دالة تفوق تأثيره الفعلي. لكنه لا يجد نقاط ارتكاز كافية تجعله منفذا سياسيا تقدميا ذا مصداقية... ويتمزق.

5- يفلح تيارنا، الأممية الرابعة، في التموقع على نحو متعذر استبداله: سعي إلى التنظيم الذاتي للجماهير، والى الوحدة لأجل الظفر بمطالب أساسية اجتماعية وديمقراطية، ونضال ضد الامبريالية ورفض النزعة "المعسكرية"، وصياغة برامج مناهضة للرأسمالية و بيئية ونسوانية وأممية، متطابقة مع الوضع الجديد المتسم بالاضطرابات وانتقالية نحو الاشتراكية... بدءا بمصادرة البنوك وتشريك المجموعات الكبرى مثل مجموعات الطاقة التي تخرب البشرية والكوكب. لكن ذلك لا يكفي لكسب تأثير ذي دلالة في هذا الطور المطبوع بالنفور من "الأجهزة السياسية". يجب علينا إيجاد الجسور بين مستوى تنظيم الجماهير المناضلة وتنظيم أحزاب سياسية من أجل انتصار البروليتاريا ضد كل استغلال. ويجب أن نتتبع عن كتب تجارب التجميع الجديدة في اليسار الجذري أو الثوري، في خصوصياتها: في الدولة الاسبانية وفي بريطانيا و في الأرجنتين...

6- نحن حاضرون إلى هذا الحد أو ذاك، ونتدخل على قدر قوانا في بلدان عديدة، لكن ثمة من هي في هذه اللحظة دالة على نحو خاص على مسؤوليات تيارنا كما في اليونان وسوريا والبوسنة وفنزويلا، التي يجب ان نفكر بصددها في إسهامنا العالمي.

الرهان بالنسبة لنا هو بناء تمفصلات عالمية جديدة بين الطبقات المستغلة، وبين مختلف أشكال النضال ضد تنويعات الاضطهاد. كيف يمكن بث روح جديدة في التضامن العالمي والنضال السياسي؟ لأن غيابهما قد يؤدي إلى انتصار ميول التشظي الرجعي للمجتمع.

--------------------------------------------------------------------------------

(*) اختتال: حالة الكائنات الحية التي تعيش مما تقتنص أو تأخذ من الكائنات الأخرى [م]

(**)PIIGS : لفظ قدحي يشير إلى بلدان أوربا ذات اقتصاد ضعيف: البرتغال، ايرلندا، ايطاليا، اليونان، اسبانيا [م]

===============

نشر بمجلة انبركور

Inprecor n° 603-604 / Mars-Avril 2014

تعريب: المناضل-ة




--------------------------------------------------------------------------------


- * كريستيان بابل : عضو قيادة حزب مناهضة الرأسمالية الجديد بفرنسا. قدم هذا التقرير باسم المكتب التنفيذي للأممية الرابعة في دورة اللجنة العالمية يوم 22 فبراير 2014

- 1- ميشال هوسون

La théorie des ondes longues du capitalismes contemporain – http://hussonet.free.fr/mandelmh13pdf, décembre 2013

- 2- Issac Joshua - Une réaction historique originale- 18 Novembre 2013 -;- http://www.europe-solidaire.org/spip.php? article30707








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا