الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصلاح وسيكولوجية الشعب المقهور

صالح بوزان

2005 / 7 / 23
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


الإصلاح
وسيكولوجية الشعب المقهور
كثيرون هم الساسة والمثقفون الذين يبحثون في الشأن السوري من مختلف جوانبه. ورغم الآراء المتمايزة والمتناقضة أحياناً بين السلطة وموالاتها من جهة وبين المعارضة بشتى تشكيلاتها من جهة أخرى، فإن حصيلة الأبحاث الجادة تظهر عمق الأزمة الشاملة التي تعيشها سوريا.
وإذا كانت هناك مقاربة في تشخيص الأزمة لدى الجميع، فثمة خلافات جوهرية في تحديد أسباب هذه الأزمة وطرح الحلول الناجعة للخروج منها بين أطراف القوى السياسية والثقافية المختلفة في سوريا.
يميل الحزب الحاكم و الأحزاب الموالية له إلى إعادة أسباب الأزمة غالباً للعامل الخارجي المتمثل بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية والعدو الإسرائيلي. دون التخفيف من شأن هذا العامل الخارجي، فالهدف الفعلي في حصر الأزمة بهذا المثلث هو تبرير الذات من المسؤولية التي يحمّلها الشعب لحزب البعث وجبهته التقدمية، وتهربه من الاستحقاقات الوطنية الكبرى.
من خلال متابعة ما ينشر في الانترنيت، يمكن القول أن ثمة رأي عام, علني غالباً ومبطن أحياناً، يشير إلى فشل حزب البعث في تحقيق الأهداف التي من أجلها تأسس، ووصلت تجربته في الحكم إلى أفق مسدود. تبين الدراسات العلمية لهذه التجربة أنها سعت منذ البداية إلى السيطرة الشمولية على جميع مفاصل حياة المجتمع السوري خارج الشرعية التي تكلم ويتكلم عنها حزب البعث في وثائقه وفي خطابات مسؤوليه الكبار منذ أربعة عقود. أريد القول أن حزب البعث نسف بنفسه شرعية حكمه، عندما أعطى الدور الأساسي لترسيخ هذا الحكم وتحقيق أهداف الحزب إلى تلك الأجهزة التي كان من المفروض أن تقاد من قبل الحزب وليس العكس. لعل خير برهان على ذلك هو خوف الحزب على سلطته حتى الآن بدون الأحكام العرفية والصلاحيات الاستثنائية للأجهزة الأمنية التي لا حدود لها. لا أعتقد أن النظام القائم في سوريا، رغم البند الثامن من الدستور الذي يعطي لحزب البعث حق قيادة الدولة والمجتمع، يعبر عن ايدولوجيا وإرادة حزب البعث، بغض النظر عن التجربة التاريخية التي كشفت عدم واقعية فكر البعث أصلاً.
من هنا لا بد طرح سؤال واصح وهو, من هي الجهة التي تريد الإصلاح من داخل النظام؟ هل هي حزب البعث؟ أم الرئاسة متمثلة بشخص رئيس الجمهورية ومستشاريه؟ أم هي الأجهزة الأمنية التي هي الحاكم الفعلي في سوريا، هذه الأجهزة التي تحولت بعد وفاة الرئيس السابق إلى مراكز شبه مستقلة. ثمة اعتقاد لدى غالبية الباحثين أن الرئيس الراحل كان مرجعية لكل مؤسسات الحزب والجيش والأجهزة الأمنية، ولم تكن لأي جهة من داخل النظام حرية التصرف في مجال عملها وغير عملها دون الحصول على الموافقة العامة من الرئيس، بل أصبحت هذه الأجهزة والمؤسسات تملك من الخبرة بحيث تعرف ما يوافق عليه الرئيس وما لا يوافق.
على ضوء ما تقدم أميل إلى الاعتقاد أن فكرة الإصلاح والتطوير التي ظهرت على الساحة السياسية في سوريا، أو التغير كما تحبذه غالبية قوى المعارضة, هي فكرة ضبابية من حيث مرجعيتها, وتغيّب القوى المادية التي من المفروض أن يتم الإصلاح أو التطوير على أكتافها. أقصد لا أحد يجاوب على السؤال ما هي الطبقات والفئات من الشعب السوري التي تجد في هذا المصطلح أو ذاك حلاً لواقعها وأفقاً لمستقبلها؟
عموماً أن الفكرة التي لا تستقطب الجماهير ولا تتحول إلى قوة مادية في الواقع هي إما فكرة خاطئة أو متأخرة عن الواقع، أو متقدمة عنه. وفي كل هذه الحالات لا تجد طريقها إلى النور. ويشعر القارئ أحياناً أن الكتابات التي تكتب حول الشأن السوري ، خصوصاً حول مسألة الإصلاح والتغير والمقترحات التي تقدم من هذه الجهة أو تلك، هي عبارة عن آراء فكرية وكأنها تجري في أكاديمية عليا لا علاقة للشعب بها. يدفعني هذا الاستنتاج إلى أن جميع المؤسسات السياسية والثقافية الكلاسيكية في سوريا؛ من حزب البعث وأحزاب الموالاة والمعارضة وكل المؤسسات المهنية أصبحت خارج تطلعات الشعب ااسوري وطبقاته الاجتماعية المختلفة. وقد يكون أهم مؤشر على ذلك عدم ثقة الشعب بشعارات النظام وموالاتها، بل نجد في حالات كثيرة السخرية منها، وكذلك عدم جاذبية أطروحات المعارضة له.
أعتقد أن السبب الرئيس في كل ذلك هو حالة سيكولوجية يعيشها الشعب السوري ككتلة بشرية وكأفراد، أقصد سيكولوجية الشعب المقهور. وهي سيكولوجيا عامة ترسخت في أعماق نفسية المواطن السوري ، أينما كان موقعه، سواء داخل الأحزاب السياسية, بما في ذلك داخل حزب البعث, أو خارجها. لقد نتجت هذه السيكولوجيا بفضل هيمنة الدولة الأمنية على المجتمع السوري. هذه الهيمنة التي مثلته الأجهزة الأمنية بامتياز، من خلال انتشارها في كل مكان، ودخولها إلى كل بيت, وبالتالي إلى نفسية المواطن، فالمواطن مدان مسبقاً ما لم تبرئه الأجهزة الأمنية، خصوصاً أنه عاش لفترة طويلة مع شبح الأجهزة الأمنية وقصصها التي تسربت من أقبيتها المظلمة سواء بقصد منها أو خفية عنها, وأصبح عقله لا ينتج سوى تخويف الذات.
لقد عانى جيل كامل وولد آخر في ظل الخوف والرعب اللذين أفقداه حتى إنسانيته. ولهذا نجده منطوياً على الذات، مبتعداً قدر الإمكان عن الشأن العام, وخاصة عن السياسة. لقد أصبح همه الأساسي كيف يحمي نفسه ويقلل من احتمالات هدر كرامته. بل وجد قسم من المواطنين الدخول في حزب البعث حماية لأنفسهم من الأجهزة الأمنية، إلى جانب أولئك الذين دخلوا هذا الحزب لتأمين معيشتهم. تبين التجربة أنه حتى الدخول في حزب البعث لم يحقق الحماية للغالبية العظمى منهم. ففي حزب البعث لا توجد حرية المناقشة، شأنه شأن جميع الأحزاب السورية، ولا يستطيع العضو طرح معاناة الشعب، ولا يقيّم سلوك المسؤولين أو الهيئات، فيتربى العضو على التزلف للمسوؤل والتهرب من الانزلاق لمعارضته. بل ثمة مسألة أخرى أكثر تأثيراً على البعثي تتمثل في المسؤول الأمني في كل دائرة حكومية. فهذا المسؤول يستغل ويستخدم موقعه بامتياز، وهو ليس رقيب على غير البعثيين فقط، بل تشمل دائرة عمله البعثيين أيضاً, وسلطته أقوى من سلطة أي مسؤول حزبي أو إداري، بل حتى هذا المسؤول الإداري أو ذاك يحسب حسابه ويسعى إلى إرضائه لكي لا ينقل تصورات سلبية عنه إلى الأجهزة الأمنية.
خلق كل ذلك حالة من الازدواجية لدى هذا المواطن البعثي . فهو من ناحية تحول إلى رقيب لما حوله، هذه الرقابة التي جعلته ينسلخ من محيطه كإنسان عادي. فالخوف منه لا يقل كثيراً عن الخوف من الأجهزة الأمنية. ومن ناحية أخرى يصبح خضوعه للجهات الأعلى ومتطلباتها لا تقبل المناقشة غالباً, وبالتالي يفقد شخصيته المستقلة. لقد حولت هذه الحالة البعثيين إلى فوتوكوبي، فهم يحسبون ألف حساب للأجهزة الأمنية في جمبع مناقشاتهم الداخلية، وكذلك فيما بينهم وبين المواطنين العاديين أو القوى السياسية الأخرى. والبعثي لن يقول رأيه الخاص، إذا كان مختلفاً عن رأي الجهات العليا في النظام إلا إذا كان واثقأ منك أولاً ولايوجد في ذلك اللقاء رفيق بعثي آخر(خشية من الإفشاء به). أردت القول أن المواطن السوري الذي دخل حزب البعث لحماية نفسه، غير شكل الاستبداد العام الذي يمارس تجاه المواطن السوري بشكل آخر يكون أحياناً اشد وطأة.
لا بد القول أن حالة المواطن داخل أحزاب الموالاة لا تختلف كثيراً عن حالة المواطن البعثي أو غير المتحزب كلياً. فقد رسخت هذه الأحزاب نوعاً آخر من القهر, عندما أجبرت أعضاءها على ترداد شعارات وهمية واخضاعهم الأعمى لإرادة القيادة السياسية العليا، خصوصاً لإرادة الزعيم الأوحد. هذه الإرادة التي تناقضت غالباً مع مصالح الجماهير، تلك الجماهير التي يحتك بها هذا العضو الحزبي العادي أكثر من غيره، فهو الذي يكتشف في الواقع العملي مدى ابتعاد إرادة الزعيم عن مصالح وقضايا الجماهير الملحة. لقد أدى التنظيم الحديدي للزعيم إلى تقزيم شخصية عضو الحزب, فلكي يكون عضواً حزبياً"جيداً" عليه أن يكون مريداً للزعيم ويتخلى عن مبادئه وصداقاته، وأحياناً يخون رفاقه إذا تناقض كل ذلك مع إرادة الزعيم. ونتيجة انعدام الديمقراطية داخل حزبه، فهو لا يشعر بثقل غياب الديمقراطية في المجتمع، ويتحول من حيث يريد أو لا يريد إلى داع لتبرير الواقع والدخول في مواجهة الجماهير التي حسب زعم زعيمه لا تدرك مصالحها. وهكذا نجد أن دور أعضاء هذه الأحزاب ضعيفاً في المجتمع، وليس عندهم ما يبشرون به الشعب سوى تبرير سلوك النظام والإكثار من الهجوم على الإمبريالية والصهيونية العالمية التي هي "الحكومة العالمية السرية"، هذه الحكومة التي تقود كل السياسات العالمية حسب رأي زعيمهم الأوحد. ومن جهة أخرى تحولت عضوية المواطن في هذه الأحزاب أيضاً إلى نوع من أنواع الحماية الذاتية من الدولة الأمنية، فهو يقبل هذا القهر داخل حزبه خوفاً من القهر الذي قد يتعرض له فيما إذا تمرد على الزعيم وشعاراته ووقف إلى جانب الجماهير وبالتالي في مواجهة النظام. هناك تجارب عديدة تعرض فيها بعض أعضاء الحزب الشيوعي السوري بتياريه الجبهويين لاستجوابات ومضايقات من قبل الأجهزة الأمنية حين تركوا حزبهم أو تكلموا بشكل مخالف لسياسات الزعيم.
لا بد التطرق هنا إلى واقع المواطن بين صفوف المعارضة أيضاً. فإذا كان النظام قد ألغى دور الشعب عن دراية، وهو المسبب الأساسي في خلق وتعميم سيكولوجية القهر على المواطنين السوريين، فالمعارضة التي عاشت في ظروف سرية طويلة, وتعرضت للقمع والاعتقالات، قد تحولت مع الزمن إلى أحزاب حديدية في التنظيم لمواجهة القمع والاعتقالات، وبالتالي تقلصت إلى مجموعات صغيرة تربطهم حالة سيكولوجية خاصة أكثر مما تربطهم المعتقدات الفكرية والسياسية. ولهذا السبب فهي عديمة التأثير، ولا تجد حولها إطاراً جماهيرياً يمكنها للتحول إلى قوة فاعلة. وهكذا حدث تناقض بينها وبين الجماهير، هذا التناقض الذي يتجلى في أن الجماهير تحتاج إلى معارضة قوية لكي تستطيع أن تتحرك بثقة من أجل التغير. كما أن هذه المعارضة الضعيفة تريد من الجماهير أن تحميها من القمع في حال قيامها بفرض التغير المطلوب على النظام. إنها معادلة غير متكافئة، جوهرها أن كل طرف يفكر في حماية ذاته من النظام بالآخر.
لابد الحديث عن واقع الأكراد السوريين الذين يشكلون نسبة لا تقل عن 10% من الشعب السوري. فبالإضافة لخضوعهم إلى كل ما تقدم من أشكال القهر، لديهم نوع آخر من القهر أكثر استبداداً لكونهم أكراداً ويشكلون القومية الثانية في سوريا. فخلال أربعين سنة من حكم حزب البعث جرى تسعير النزعة القومية الشوفينية ضدهم على صعيد الدولة وكذلك على صعيد عامة الناس، خصوصاً عند العرب المحتكين بالأكراد من حيث الجغرافيا. فقد تم تعميم نظرة الشك والريبة تجاههم، وهم متهمون مسبقاً بالارتباط بالخارج. وهناك نظرة عامة بأن مطالبة الأكراد لحقوقهم في سوريا هي خروج عن الإجماع العام وتعرّض الوحدة الوطنية للخطر. هذه النظرة ليست موجودة لدى حزب البعث ومؤسسات دولته فقط، بل الأخطر من ذلك أنها معممة على الناس العاديين وحتى البعيدين عن السياسة. والملفت للانتباه أن القوى السياسية المعارضة مازالت حذرة جداً في تعاملها مع القضية الكردية السورية(ربما لكي لا تخسر ورقة المصالحة مع النظام، أو خشية تتجاوز الخطوط الحمراء للفكر البعثي القومي). تجلى هذا الحذر بوضوح في أحداث 12 آذار في قامشلي عام 2004 ، حيث تعاملت بشيء من اللامبالاة المقصودة تجاه هذه المؤامرة التي استهدفت الأكراد. وبرزت هذه اللامبالاة لدى التيارات الماركسية المختلفة أيضاً( باستثناء حزب العمل الشيوعي الذي يعترف منذ البداية بالحقوق الكردية الكاملة، ولو خف حماسه بالمقارنة مع الماضي).
لقد قامت المعارضة السورية في السنوات الأخيرة ببعض الفعاليات العامة مثل التظاهر( ولو ضمن حجمها الصغير) تضامناً مع العراق ضد الغزو الأمريكي، ومع القضية الفلسطينية، وهما قضيتان عربيتان، لكنها لم تتعامل مع الحدث الكردي السابق الذكر بنفس السوية رغم أنه قضية وطنية سورية. هناك إحساس لدى الشارع الكردي السوري أن أي اتفاق وطني بين المعارضة والنظام(حيث تسعى القسم الأعظم من المعارضة إلى ذلك) سيكون حتماً على حساب الأكراد، لأن المعارضة السورية لا تعتبر القضية الكردية السورية إحدى أجندتها الثابتة، باستثناء بعض المثقفين العرب السوريين الذين ارتفعت أصواتهم عالياً في السنوات الأخيرة تجاه الشأن الكردي ومعاناتهم( وهم رغم قلتهم يستحقون كل التقدير، ويعبرون عن الوجه المشرق للأمة العربية).
بكلمة أخرى، فالأكراد السوريون يعانون من قهر متنوع التركيب. زد على ذلك أن ثمة تصور لدى الأكراد بأن القوى السياسية السورية ذات الطابع العربي وبكل تياراتها القومية العربية والماركسية والإسلامية لا تنظر إلى الأكراد كجزء من الشعب السوري مع الاحتفاظ بخصوصيتهم القومية الكردية، بل تنظر إليهم مجرد مواطنين أو مشروع تحول إلى العروبة. ولذلك أعتقد أنهم،أي الأكراد، مبعدون من أي نوع من الإصلاح والتغير في المشروع التطبيقي لكل التيارات السياسية السورية الراهنة. ولا أدري إذا كانت القوى الكردي السورية تدرك ذلك.
وهكذا فسيكولوجية القهر الشاملة التي يعيشها المواطن السوري جعلته لا يهتم بأي شأن عام، لا بالإصلاح ولا بالتغير، ناهيك أن يكون له دور في كل ذلك. فهو يعتبر أن ما يطرحه النظام من فكرة الإصلاح والتطوير هو شأن داخلي للنظام ولا علاقة له بها. لأن جميع أمور النظام منذ أربعة عقود جرت دون أن يكون للجماهير دور فيها. ومن ناحية أخرى ترى الجماهير أن الضجة القائمة حول الإصلاح أو التغير ربما هي نوع من الصراع بين النظام والقوى الخارجية. وقد أوصلت السياسات التي اتبعها النظام حتى الآن الجماهير إلى قناعة بأنها لم تكن في يوم من الأيام معنية حتى بالصراعات الخارجية، فكل شيء يجري بالتفويض عنها. لقد علمتها التجارب أن الحماية من بطش الدولة الأمنية تكون مضمونة غالباً إذا اعتبرت علناً أن النظام على الصواب في كل الحالات، وأعلنت التأييد اللفظي له دون أي اعتبار لقناعتها ودورها.
بعد هذا الاستطراد الطويل نعود إلى السؤال الرئيس. من هي الجهة التي تريد الإصلاح أو التغير وقادرة على ذلك في هذا الواقع السوري المعقد والذي تشل سيكولوجية القهر قوة الشعب وإرادته؟
أعتقد أن المعارضة غير قادرة على ذلك. لأنها ولكي تستطيع القيام بذلك فلا بد من تأييد الشعب لها قولاً وفعلاً، وهذا غير متوفر. كما أن هذا الشعب المقهور غير قادر على ذلك للأسباب التي سبقت الإشارة إليها، ولعدم وجود قوة قيادية قادرة على تنظم حركته. وإذا جئنا إلى دور حزب البعث، فهو الآخر غير قادر على القيام بالإصلاح أو التطوير لأنه في حال القيام بذلك سينقلب على واقعه الراهن، وهو أمر شبه مستحيل، كما أن البنية التي رسخت القهر الداخلي في الحزب لا تفتح المجال لكوادره التفكير بذلك أصلاً. زد على ذلك فحزب البعث تنظيم هش في الواقع، ولا يملك وحدة فكرية وسياسية وتنظيمية بمفهوم الحزب السياسي المعاصر، فهو عبارة عن حشد من الناس خاضع للإيرادات الفردية العليا.
وهكذا لا يبقى أمام الإصلاح أو التغير في سوريا إلا أن يأتي من إحدى المراكز الثلاث. إما من موقع الرئاسة، وهذا يتطلب أولاً تحجيم دور الأجهزة الأمنية في حياة البلد المختلفة ولا سيما على صعيد السياسية، أي نزع الصفة الأمنية من الدولة والانفتاح الكلي على الشعب. ويبدو أنه ما زالت هناك صعوبات كبيرة أمام هذه الحالة. أو يأتي الإصلاح من قبل الدولة الأمنية نفسها، وعندئذ لا يمكن التنبؤ بنوعية الإصلاح والتغير الذي سيحدث، والتجارب السابقة تعطينا تصوراً متشائماً. أو أن يأتي التغير نتيجة العامل الخارجي المتمثل بالضغط الأمريكي والفرنسي نسبيا،ً أو تجاوباً مع هذا الضغط بالتفاهم. وفي هذه الحالة ستختلط الأوراق كلها، وسيخرج الإصلاح والتغير عن المسار الذي يريده الشعب السوري، وستبدأ عندئذ فترة أخرى من الزمن الضائع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أوروبية جديدة على إيران.. ما مدى فاعليتها؟| المسائية


.. اختيار أعضاء هيئة المحلفين الـ12 في محاكمة ترامب الجنائية في




.. قبل ساعات من هجوم أصفهان.. ماذا قال وزير خارجية إيران عن تصع


.. شد وجذب بين أميركا وإسرائيل بسبب ملف اجتياح رفح




.. معضلة #رفح وكيف ستخرج #إسرائيل منها؟ #وثائقيات_سكاي