الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع البروفيسور الدكتور محسن محمد حسين

سعدون هليل

2014 / 5 / 28
مقابلات و حوارات


"يستطيع الانسان أن يتحرر من إغترابه عن طريق التحول التكنولوجي"
الدكتور محسن محمد حسين
حاوره: سعدون هليل
الحوار مع البروفيسور الدكتور محسن محمد حسين له نكهته الخاصة،إذ يأسر سامعه بعفويته وتلقائيته بقدر مايتمتع به من عمق في فهمه وقراءته للتاريخ الاجتماعي.. هذه الثقافة التي استقاها من خلال قراءته الفاحصة والمتعمقة لمراحل عدة وانعطافات حساسة في التاريخ. كما يعد البروفيسور من أبرز المفكرين العراقيين المعاصرين في مجال علم التاريخ الاجتماعي، فتجربته تجذرت وترسخت لتنتج لنا مؤلفات مهمة نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر "الاستشراق برؤية شرقية"، "نناشد صلاح الدين ام نحاسب أنفسنا" " ميكا فيللي في الميزان" " طبيعة المعرفة التاريخية، وفلسفة التاريخ" " الاستشراق برؤية شرقية" "ابن شداد يروي ذكرياته مع صلاح الدين يوسف" "دراسة نقدية" "الاغتراب ضوء في وسط النفق". ميكافيلي في الميزان.ولد الكاتب في أربيل،.تخرج من قسم التاريخ- كلية التربية- جامعة بغداد عام 1962.خدم في التعليم الثانوي تسع سنوات ثم إلتحق بالدراسات العليا/ كلية الآداب- جامعة بغداد، فنال درجة الماجستير عن موضوع "أربيل في العهد الأتابكي".إلتحق بدراسة الدكتوراه عام 1977 ونال درجتها عن موضوع "الجيش الأيوبي في عهد صلاح الدين: تكوينه، تركيبه، تنظيمه، اسلحته، بحريته، معاركه".عمل في جامعة بغداد، كلية الآداب ثم التربية ، في قسم اللغة الكردية- وقسم التاريخ.غادر للعمل في جامعة مصراته- ليبيا 1996- 2001.ساهم في مؤتمرات وندوات عديدة في العراق وإقليم كردستان وفي الخارج. وهوعضو لجنة التاريخ الكردي في المجمع العلمي العراقي- بغداد..له تسع مؤلفات طبعت في بغداد وعمان وبيروت وأربيل.له بحوث منشورة باللغتين الكردية والعربية في بغداد في مجلات: كلية الآداب- المجمع العلمي العراقي. وفي صحف عديدة، وبحوث أخرى نشرت في الكويت والرياض (مجلة كلية الآداب).له إهتمام خاص بفلسفة التاريخ، التدوين التاريخي، منهج البحث التاريخي، الفكر السياسي، إضافة الى تخصصه في تاريخ أربيل الإسلامي وتاريخ صلاح الدين حيث ألف عنه أكثر من ثلاثة كتب.أشرف على رسائل ماجستير ودكتوراه عديدة.يعمل حالياً في جامعة صلاح الدين- أربيل.كتاباته شملت جوانب التاريخ وفلسفة التاريخ، منهج البحث، والفكر الاسلامي،في حوارنا مع الاستاذ الدكتور حسين تطرقنا بأسئلتنا الى أهم المفاصل التي تتعلق بطروحات مختلفة حول ظاهرة الاغتراب في الشرق والغرب ومامدى انعكاس الاستبداد الذي يسلط على الأفراد ومن ثم اغترابهم عن مجتمعاتهم، وهل أثرت الفلسفة على مجريات التاريخ باعتبارها مفصلا مهما من مفاصل المعرفة الانسانية.
* تطرح الكثير من التساؤلات حول مفهوم الاغتراب محلياً وعالمياً كيف تنظرون للظاهرة، وما تفسيركم لها؟
لقد أصبح العقل في هذا العصر، يخدع نفسه بنفسه، ويقع في شباك ينصبها هو ذاته، وإلا فما معنى أن يجعل من التنظيم العقلاني وسيلة لممارسة الاضطهاد؟ ويجبر الضحايا على قبول إغترابهم، وعن طيب خاطر يرى ماركيوز ان المجتمع الراهن ظهرت فيه بوادر الاستغناء عن القمع والاغتراب، وإقامة حضارة لاترتكز على الكبت، لأن المجتمع الصناعي أصبح قادراً على تحقيق قدر هائل من الوفرة، وأصبح بالامكان، عن طريق التقدم التكنولوجي الهائل، وإنتشار الآلية الذاتية (الأتمتة/ الأوتوماتية) ان يتوافر الأساس المادي الذي يتيح إنتقال المجتمع إلى شكل جديد للحضارة لا يعود فيه العمل الشاق ضرورياً، بل صار بوسع الانسان أن يتفرغ فيه لتحقيق غاياته وحاجاته وطبيعته الحيوية فالآلات غدت قادرة على تسيير ذاتها مع حد أدنى من تدخل البشر، وأن تنتج- في الوقت ذاته- بوفرة لم يحلم بها في أي عهد مضى.
وعن طريق هذا التحول التكنولوجي الهائل يستطيع الانسان أن يتحرر من إغترابه الذي عانى منه بسبب العمل الشاق وجهوده المضنية في انتاجه قبل الآن، وأن يكرس إنتاجه الوفير لصالح قواه الانسانية، ويحقق ذاته لاول مرة في التاريخ.
لكن الذي حدث هو أن الانتاج الوفير لم يستغل للقضاء على القمع، بل لزيادة القمع، ولا لاشباع حاجات الانسان الحقيقية، بل لاشباع نهم المنتجين إلى المزيد من الانتاج، والى المزيد من الأرباح، ويترتب على ذلك فائض من العمل المغترب غير الضروري، كما يترتب عليه كبت زائد لحاجات البشر الطبيعية.
والواقع ان هذا القهر يزداد كلما ظهرت بشائر التحرر، لكنه في الوقت عينه يكشف بوضوح عن التناقض الصارخ الذي يمزق الحضارة الحديثة التي تكمن فيها الامكانات التي تتيح قيام مجتمع الحرية البعيد عن القهر والاغتراب، ولكن الواقع الفعلي الملموس هو عكس ذلك، إذ نلمس في هذا المجتمع إزدياد القمع. وهذا يعني ان العوامل الاجتماعية والسياسية- لا العوامل الطبيعية- هي التي تؤدي إلى القمع والاغتراب السائدين، تلك العوامل التي تدفع المجتمع إلى تطبيق أساليب أخرى في توزيع ثروته.
* كيف استطاع الانسان التحرر من عبودية معتقداته،وهل كان التحرر مطلقا أم مستبدلاً بعبودية أخرى؟
ذكرنا اصنافاً واشكال الصنمية منها عبادة الاسلاف والطوطمية والفيتشية. وعبادة الاسلاف ما زالت من المعتقدات البدائية الموجودة في حياتنا الراهنة، فمن يجعل من شخص الاب او الام موضوعاً مقدساً، انما يعتنق نوعاً من العبادة الصنمية، مثل تقديس الاماكن التي عاش فيها (المعبود) والاشياء التي استعملها، وآثار كفه، او قدمه، او شعيرات من لحيته. ويرى فروم ان النظرة الخاطئة لـ اللاهوت قد جاءت بعد مرحلة طويلة عاناها الانسان ضد روح القمع والهيمنة التي اتسمت بها عقول الانظمة الاستبدادية. وعلى هذا فان الشك في العقيدة يرتبط بشكل وثيق بتقدم العقل، وكان خطوة الى الامام. اما الآن فان فقدان الايمان يعد تعبيراً عن التوتر واليأس وتبريراً للنسبية وعدم اليقين.
ما يعلنه فروم في هذا الصدد هو ان التحرر من اللاهوت في عصرنا لم يفض الى تحرر حقيقي، حين توهم الانسان انه قد حطم اصنامه القديمة، وتخلص من اشد قيوده ضراوة، لكن الواقع ان الانسان لم يتحرر لان الظروف الاجتماعية والاقتصادية لم تساعده على الوصول الى حريته الايجابية التي يستطيع من خلالها ان يحقق ذاته، فسار خطوات شاسعة اتجاه الحرية السلبية – كما يميز بين ما يسميه الحرية الايجابية والسلبية- التي حررته من خارجه فقط، لكنه ابتعد كثيراً عن الحرية الايجابية التي تحرره من داخله. لذلك فقد تحرر الانسان من اصنامه القديمة ليصبح عبداً لاصنامه الجديدة وهي: الدولة، الزعامة، المال، القانون (العشيرة، الحزب، الطائفة) وكل ما صنعه الانسان انه صار مغترباً عن ذاته، بعد ان ضحى بحريته، واصبح ذاتاً زائفة. وفي المعنى هذا يقول هيگل: "لا يجوز تعلم اللاهوت من الكتب، ولا ان يقتصر على العقائد الجامدة، والدين لا يكون لاهوتياً، بل عليه ان يكون قوة حية تزدهر في الحياة الواقعية للناس، في عاداته وتقاليده واعماله واحتفالاته".
فالإنسان الذي تحكمت فيه العقلانية التقنية كما يرى ماركيوز،لاينفك يفرض آلياته المتجددة على الطبيعة والمجتمع معاً،تحقيقا لحاجاته ولارادته في عقلنتهما، ومن ثم فرض سيطرته عليهما.غير أن هذا الانسان لم بفطن الى هذه التقنيات ذاتها هي نتاج تفكيره، ويتعامل معها كأنه واقع تحت رحمتها وخاضع لسلطانها،ويسوقه هذا الى الوقوف عاجزا ازاء كل ماهو قائم ومستقر،وكأن هذا قدره.
أن النظر الى الاغتراب على انه ظاهرة سلبية يؤدي الى افتراض ضرورة قهره، رغم ان فروم لم يوضح كيف يمكن ذلك، لكنه يتعرض للظروف الاجتماعية المناسبة التي يمكن في ظلها ان ينمو الانسان دون ان يعاني اغتراباً، ومن استقراء افكار فروم المبثوثة في ثنايا كتبه تحديد اسس قهر الاغتراب.
فالانسان بوعيه بالاغتراب يستطيع التغلب على الاغتراب. فالوعي به يعني طرح الاوهام، والى الدرجة التي يكتمل فيها هذا التحرر تكون عملية التحرر. فتاريخ الانسان بالنسبة لـ فروم هو تاريخ نمو الوعي الذي يكون موضوعه حقائق الانسان والانسان ذاته. وبهذا الوعي بالواقع، ونقده المتواصل يتم تغيير الواقع وقهر الاغتراب.

* الانظمة المستبدة الغربية ألقت بظلالها الوخيمة على نفسية المواطن، هل كان لتلك الأنظمة دور في ترسيخ ظاهرة الاغتراب في المجتمعات العربية؟
لم يرد كتابا في موضوع الاغتراب، غير أن "أريك فروم" الذي يعتبر من المفكرين القلائل الذين أعطوا هذا الموضوع أهمية خاصة قدر إهتمامه بدراسة المشكلات الفلسفية الأخرى، على غرار ما فعله هربرت ماركيوز وجورج لوكاتش. ولاهتمامه الكبير بعلم النفس فقد تناول المفهوم في نطاق هذا العلم، فكان الاغتراب الخطير- في ظنه- هو (اغتراب الإنسان عن ذاته) وهذه هي الفكرة الأثيرة لديه كما أنه جوهر الاغتراب في كتاباته، ولصيق الصلة بفكرة (الصنمية) الفكرة التي يكررها، ويقصد بها ليس عبادة الأصنام، بل المقصود هو كل ما يصنعه الانسان بنفسه ثم يركع له ويعبدها رغم انه صانعها. ويمكن ان يكون هذا الصنم دولة أو نظاماً سياسياً أو زعيماً أو نجاحاً أو ممتلكات، أو عبادة القوة وسلطة السوق، إضافة إلى أشكال من العبادات الصنمية كعبادة الاسلاف أو الطوطمية يميز فروم بين الذات الأصلية والذات الزائقة. والمقصود بالذات الأصلية هي الذات الفريدة غير القابلة للتكرار، والتي يتسم صاحبها بأنه شخص مفكر، قادر على الحب والاحساس، ومبدع لما يقوم به من أفعال. ويشير فروم إلى إغتراب الذات من خلال فقدان الانسان لسمة او لسمات الذات، فيصف الانسان الذي فقد تفرده وباع نفسه للحشد أو للقطيع بقوله: أنه يعاش كالآخرين كما تعاش الكائنات الأخرى. بعد أن أفضى إلى أحلال ذات زائفة محل الذات الأصلية. الهروب من الحرية- كما يرى فروم- ينتهي إلى خضوع الانسان لقوى خارج ذاته قد يعثر فيها على أمان مفقود، إلا أنه سرعان ما يكتشف أن هذا الأمان ليس إلا وهماً، زائفاً، أمان يرتبط بفقدان النفس، بالاغتراب، بالتنازل عن الحرية. ولهذا فان الأساليب التي تجعل الانسان يهرب من حريته هي نفسها الأساليب التي تؤدي به إلى الاغتراب عن ذاته، وتتمثل فيما يلي:-
1- الامتثال أو الخضوع للحشد- حين يغدو كائناً لا يمتلك حريته، فيساير القطيع.
2- المتمثل المنحرف المتجسد في السادية والمازوكية، رغم ما بينهما من خلاف وتضاد.
3- الخضوع للسلطات المجهولة، مثل سلطة الرأي العام، أو الحس المشترك، أو سلطة وسائل الدعاية عندما يفقد حريته، ويصنعه الآخر، المجهول، والمعلوم.

*كيف تنظر الى التراث، ومدى علاقة السلطة بالموروث الوطني، ودور المثقف معه؟
تراثنا ليس كله مقدساً ثابتاً، وليس علينا ان نحل كل ما فيه، فهذا النموذج او الاتجاه الماضوي يتجه الى تصور ماهوية جوهرية جامدة للمجتمع الاسلامي، وكأن هذا المجتمع استثنائياً، غير قابل للتغيير، وانه يمتاز بثبوتيته، ويحافظ على روحانيته الخالصة ضد الميول والطروحات الاخرى.
اننا اذا شئنا لمجتمعاتنا ان تتنفس الهواء النقي، او تعيش في طقس فكري علمي، علينا ان نقوم بدراسة تراثها، واثارة ما يمكن اثارته من اسئلة حول قضايا عصرنا مقارنة مع تلك العصور، وهذا ما يشيع الثقة بالنفس في هذا السباق الذي نبدو فيه متخلفين عن الركب الحضاري.
ان التراث- كما يقول العروي- تحميه اليوم مؤسسة لا تترك لأحد حرية التفكير والتأويل. ومن اراد ان يحيى التراث كله، وهذا هو سر موقف المؤسسة التقليدية عندما تضعف لأحياء كل قسم من التراث القديم، ويضيف العروي ان مثل هذه الرؤى التراثية تفرعت عن النزعة التاريخية واحتفظت بالنزعة، الرومانسية وجعلتها تحكم التاريخ، بموجب وبغير موجب، لكي يتضح انها أبدلت تاريخ الوقائع بـ نظرية عن التاريخ.لا يمكننا ان نسيء الى التراث، لكننا نقرر واقعة طبقاً لمنطق عصرنا الحالي، ونعرف في الوقت نفسه.ان الحكم المنصف على التراث لا بد ان يصدر بمقياس ذلك العصر، أي ان النظر الى تراثنا بمنظار عصرنا عمل لا يمكن قبوله، او تحقيقه، بدون رذيلة التجني.
* ماذا فعلت الفلسفة بالتاريخ؟ أو كيف صارت الفلسفة (العلم) الذي يستهدي به المؤرخون للكشف عن حقيقة التاريخ؟
ان فلسفة التاريخ جاءت استجابة لحاجات حضارية حقيقية في المجتمع للاجابة على السؤال المهم: لماذا حصل ماحصل؟ ومما يذكر ان الفيلسوف الفرنسي فولتير كان اول من استعمل الكلمة المركبة (فلسفة التاريخ). وقصد بذلك عرض الاحداث التاريخية عرضاً منهجياً تحليلياً نقدياً او علمياً. بتعبير ادق كان هذا المفكر يقصد بفلسفة التاريخ نوعا من التفكير ليتقيد فيه المؤرخ بمقاييس منطقية بدلا من الاعتماد على ماجاء في الكتب القديمة.
وقد سعى فلاسفة التاريخ لكيلا تصبح دراسته اكواما من المعارك او المعاهدات السياسية والاحداث المتسلسلة.
دون منح هذه الحوادث ابعادها الحقيقية وتعليلها، ومن ثم فانهم استهدفوا تحويل الدارسة التاريخية من التاريخ السياسي والعسكري الى فلسفة الحضارة التي من مهمتها الاساسية ان تتسع دراسة التاريخ الى ماهو اهم من سرد اخبار الملوك وسير الحكام ويوميات البلاط.
الى تتبع سير العقل البشرى، وتتبع العلل التي توجه مظاهر النشاط الانساني، وهذا يعني ان اصل (فلسفة التاريخ) يرجع الى رغبة البشر في ان يجد الجواب لتفسير الحوادث المحيرة، رافضا فكرة المصادقة او اعتبارها القوة المحركة في حركة المجتمع والتاريخ.
*هل بمقدورنا ان نغير قلقنا الروحي الذي يدور اليوم حول معنى المصير الانساني والقواميس التي تتحكم في سيره. وهل بوسع التاريخ ان يرشدنا الى الحقيقة، الى الحلول، الى المصدق؟
اعرف ان الشائع اليوم ان يقال ان اكثر التاريخ المدون هو - على كل حال- مجموعة اكاذيب. انني مستعد لان اعتقد بأن التاريخ ينقصه التجرد عن الهوى والدقة، ولكن الامر الغريب الذي يميز عصرنا هذا هو الاقلاع عن الراي القائل بامكان تحري الحقيقة في تدوين التاريخ.
وتطرف في هذه النظرة احد كبار مؤرخي عصر الانوار ’’’ المعروف كيبون حين اعلن نظرته التشاؤمية الى التاريخ قوله " الحقيقة ان التاريخ اكثر قليلاً من سجل جرائم البشر وحماقاتهم ونكباتهم".
وقال هنري فورد: ان التاريخ لغو كما اعلن للمؤرخ ا.ل.راوس بان التاريخ يكاد لايصلح لشيء. بل اعلن نيشتة موت التاريخ، واعتبر هذا الموت ضرورياً لتحرير الانسان، واعلن ان المذاق المهووس للأشياء العتيقة يحاصر الانسان برائحة العفن. وان الحجارة - بقايا الانسان – لو كانت قادة على النطق لأضحى التاريخ كله اكذوبة كبيرة. ولعل من الامور الغريبة ان يعلن هيگل مؤلف فلسفة التاريخ: ان الشيء الوحيد الذي يتعلمه المرء من التاريخ هو ان احداً لا يتعلم ابداً اي شيء. وفي افضل حال فيما يتعلق بهذه النظرة للتاريخ نجد عند ميشال فوكو في كتابه (الكلمات والاشياء) حين يعتبر ان التاريخ، بل العلوم الانسانية برمتها علوم هامشية كونها تعيش على فتات العلوم الاخرى! فهل يستحق التاريخ كل هذا الازدراء ونظرة الشك اليه والى أهميته؟ (سنتحدث عن ذلك في موضعه).
وهل تقع مسؤولية هذه النظرة على عاتق التاريخ؟ ام على عاتق من يسيء استعماله، ويحاول جهده لجعله مادة مطواعة لتحقيق مآربه، واثارة الفتن ونوازع الشر الكامنة في البشر؟ ولتعظيم شأن الطغاة واجدادهم لتبرير بقائهم في السلطة الى الابد.
ثم اننا اذا نظرنا الى التاريخ كمعرفة تفيدنا، بالمفهوم النفعي- البراكماتي، فانه قد يستحق- بشكل او بآخر. هذه النظرة الدونية، لأن التاريخ لا يرقى ليس الى مستوى العلوم الصرفة، بل حتى الى مستوى العلوم النظرية(العلوم الانسانية). التي تتصارع الاراء حول طبيعتها مثل علم الاقتصاد وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الانسان(الانثروبولوجي) وعلم السياسة...الخ.
ولهذا كان على المعنيين الجادين بقضايا التاريخ الذين يرون ضرورة ديمومة الاهتمام به ان يبحثوا عن حل لانقاذ هذه المعرفة من براثن النظرة القاصرة اتجاهها، وفي محاولتهم عثروا على حلّين، احدهما خاص بشخص مؤرخ، والثاني يكمن في ايجاد نظرة شمولية ودقيقة.
* في كتابك،، طبيعة المعرفة وفلسفة التاريخ تطرق في فصول منه الى طبيعة المعارف التاريخية،، السؤال هو: من اي نوع من المعارف هو التاريخ؟ هل هو ضمن المعارف الميتافيزيقية؟ ام هو فن من الفنون الكتابية، ام هو علم؟
ابتداءاً نقول ان كثرة التساؤل حول طبيعة المعرفة التاريخية، واستجواب التاريخ امام محكمة كل هذه المعارف البشرية، جعل التساؤل- بحد ذاته – امراً مشروعاً. فهل يصح ان تكون ثمة معرفة خارج المعارف المذكورة؟
يبدو ان الجواب على هذا السؤال هو بالايجاب، اي نعم فهو خارج المعارف المذكورة فلو كان التاريخ ضمن احدى تلك المعارف لحسم الامر. وانتهى التساؤل الذي أثير منذ اكثر من اربعة وعشرين قرناً. اي منذ ان كتبت حوادث التاريخ بشكل منظم. وجعلتهم يتساءلون عن طبيعة تلك الحوادث.
* في كتابك النقدي.. سيرة صلاح يوسف، تطرقت إلى شخصية تثير الجدل، وهي، شخصية صلاح الدين الأيوبي. ما الذي أثاركم في شخصية الأيوبي؟
بتكليف من مؤسسة (موكرياني) ضمن مهمتها في نشر المعارف بمفاصلها المختلفة، ومساهمتها في نشر الثقافة التاريخية، يستوي في ذلك التاريخ القديم والوسيط والحديث، كان لنا هذا الاسهام.
والواقع ان ليس ثم شخصية بارزة تستحق إهتمامنا- نحن الكرد- وله جاذبيته، اكثر من السلطان صلاح الدين (يوسف بن أيوب بن شادي الروادي الهذباني)، ولا أدل من غزارة الكتابة عنه، ولاسيما في عصره، ثم في العصور التالية، حتى ظهرت تصانيف هامة بعشرات آلاف الصفحات، وكذلك إهتمام الغرب بعصره اللامع والمثير، وظهور كتابات بلغات المشرق الأخرى كالسريانية والارمنية والعبرية.
ثم ظهور عشرات، إن لم نقل مئات الدراسات حول هذا الرجل الباسل، سواء في ذلك في دول الغرب أو الدول العربية، خاصة في مصر والشام ثم العراق وكردستان.
وكان لنا إهتمامنا بهذا القائد منذ نحو اربعة عقود ونيف، حين نشرنا موضوعاً مطولاً دفاعياً للرد على تقولات المؤرخ عزالدين علي الجزري المعروف بابن الأثير، وتطاوله عليه بشكل ملفت للنظر.
1- على صلاح الدين يوسف، في كتابيه (الباهر في التاريخ الاتابكي) في الموصل وحلب وفي كتابه (الكامل في التاريخ)، لأسباب ذكرناها في بحوثنا.
2- آو بالأحرى للرد على دفاع الاستاذ الدكتور عبدالقادر أحمد طليمات عنه، فهذا الاستاذ باهتماماته بابن الأثير، قد حقق ونشر كتابه الاول المذكور ونال عنه درجة الماجستير في مصر، كما نال درجة الدكتوراه عن دراسة حول هذا المؤرخ الكبير.
لقد كتبنا دفاعنا عن هذا القائد في بحث، ثم ضمه كراسناموضوعات في التاريخ الكردي، سنة 1975، اي قبل أن نستقر على الكتابة عن (جيش صلاح الدين) لنيل درجة الدكتوراه، وقبل طبع الاطروحة في بيروت عام 1986، بعشر سنوات. ثم توالت كتاباتنا عنه سواء على شكل كتب او حوارات حوله، طبعت سواء في اربيل او في السليمانية، اضافة الى بغداد وبيروت، وقد ترجمت الى اللغة الكردية. كما كتبنا بحوثاً عنه نشرت في بغداد والكويت والرياض. وقد تم جمع هذه البحوث المنشورة باللغة العربية وطبعتها الاكاديمية الكردية هذا العام 2012 في كتاب اما بحوثنا المنشورة باللغة الكردية عن هذا القائد فقد طبعتها الاكاديمية سنة 2013 في كتاب ثان.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتى الى الاخ الدكتور محسن المحترم
على عجيل منهل ( 2014 / 5 / 29 - 21:16 )
وهى مقابله مهمه وارجو ابلاغ سلامى وتحياتى له


2 - افكارنا وافكار الغير
د.زينب جلبي ( 2017 / 5 / 3 - 09:07 )
قيمة اي بحث فكري تكمن في الأفكار والإستنتاجات وليدة فكر المؤلف ذاته أما نقل واجترار افكار الآخرين فأنه يسلب العمل الفكري قيمته . ما الأفكار التي تعود الى الأستاذ المحاور في هذه المقابلة ؟. قليل جدا او لا شيء ، فهو ينمّق ويعيد أفكار المفكرين الآخرين فقط ،

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر