الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب الهزيمة ، وهزيمة الخطاب ( سبعة و أربعون عاما على هزيمة حزيران )

ممدوح مكرم

2014 / 6 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


سبعة و أربعون عاما تمر اليوم على هزيمة الخامس من حزيران/ يونيو1967م، و التى خففت و لطفت لتصبح نكسة و ليس مجرد هزيمة على كافة الصُّعد ؛ بدأت بالهزيمة العسكرية و انتهت بهزائم متعددة : سياسية، و إقتصادية، و إجتماعية، و ثقافية، قتل الموضوع بحثا و كثرت عنه الكتابات محللة أسباب الهزيمة ؛ بعضها ألقى باللائمة على عبد الناصر ونظامه، و البعض الآخر أرجعها إلى أسباب أخلاقية و مثالية محضة ( كالإبتعاد عن المنهج الربانى فى الحكم و تطبيق الإشتراكية المستوردة من الغرب -و هى كفر بواح- كان هذا بالمناسبة وجهة نظر الشيخ الشعراوى ، الذى صلى شكرا لله على الهزيمة -)، حاول فريق ثالث أن يرى الهزيمة بشكل موضوعى فى إطار العقدة الإستراتجية المرتبطة بالمنطقة بشكل عام و مصر بشكل خاص ؛ نقصد بالعقدة الإستراتجية أهمية المنطقة و مصر بالنسبة للسياسة الإستعمارية ؛ خاصة أن تلك الفترة كانت بحق هى إزدهار حركة التحرر الوطنى التى زلزلت بنية الإستعمار القديم، و أجبرته على الإنسحاب و لو مؤقتا ليعيد ترتيب نفسه ، خاصة أن الإستعمار البريطانى ترك وراءه هذا الكيان العصابى المسمى (إسرائيل) ليقضم الأراض العربية و يجسد مشروعه الإستعمارى الإحلالى العنصرى؛ وفق روئ وخرافات توارتية، تم مزجها بالسياسة ، و دعمت من القوى الإستعمارية البريطانية ثم الأمريكية وبينهما الإستعمار الفرنسى خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووى الإسرائيلى و مفاعل ديمونة بالنقب العربية.
فى غضون ست ساعات استطاع الكيان الصيهيونى إلتهام جزء من الأراض العربية( سيناء المصرية، و الجولان السورية، و الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها مدينة القدس- ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية بعد نكبة 48 – الخاضعة للأردن ، و قطاع غزة الخاضع لسيطرة مصر وفق هندسة التقسيم بعد عام حرب 1948م، كان ذلك بداية النهاية لمشروع التحرر الوطنى الناصرى ، الذى ارتكن على قاعدة إجتماعية من البراجوازية الوطنية؛ حملت مشروع نصف تقدمى ، لم ينجز ثورة وطنية ديمقراطية كاملة و ناجزة ، تبنى دولة ديمقراطية علمانية حديثة ، تنهى التبعية و تشيد إقتصادا وطنيا قائما على الذات ، و مستند على قاعدة علمية و تكنولوجية، لتحديث المجتمع ، و تسييد الفكر العلمى و القطع مع الميثولوجى و الرجعى فى تراثنا، وذلك مربط الفرس؛ فى مواجهة الإستعمار و هزيمته هزيمة نهائية و قاصمة؛ فضلا عن الوسائل العسكرية التقليدية إلى جانب حرب التحرير الشعبية التى طرحها ماركسيو الخمسنيات و الستنيات من القرن الماضى.
قلنا نصف تقدمى لأن هذا المشروع تعرض للتآكل بفعل عوامل ذاتية راجع إلى بنية البراجوازية المصرية؛ التى دائما ما تقف فى نصف الطريق بين الجنة و النار، و عوامل موضوعية ؛ ارتبطت ببيئة الفترة و سقفها، لايمكن الخوض فى تفاصيل التحليل السسيولوجى للفترة ، فهو خارج نص هذا المقال، لكن يكمن أن نلتقط إن هناك ممهدات موضوعية لهذه الهزيمة العسكرية، و ممهدات ذاتية ساعدت بشكل كبير علىيها، ووفاة عبد الناصر فى 28 أيلول 1970 م عقب مذابح أيلول الأسود التى ارتكبها النظام الأردنى بحق الفلسطنيين المقيمين فى الأردن، كان ذلك الحدث- وفاة ناصر- تجسيدا رمزيا لنهاية المشروع الوطنى برمته، و تغيير البنية السياسية و الطبقية للنظام بتولى السادات الحكم، و نجاحه فى القضاء على الجناح اليسارى فى الثورة( الإنقلاب) ، و إحلال الجناح الكمبرادورى من البراجوازية المصرية محل الجناح الوطنى بهندسة إجتماعية ظهرت ملامحها أو بعضا منها بعد حرب تشرين( أكتوبر)1973م بسياسات الإنفتاح، و الإرتماء فى أحضان الأمريكان ، مهدت الطريق للإستسلام الكامل بالتوقيع على معاهدة العار 26 آذار/مارس1979م .
كان الماركسيون فى قلب الحركة الوطنية؛ استطاعوا أن يدشنوا خطابا تقدميا مقاوماعلى عدة مستويات، أخذ عبد الناصر بجزء منه فى توجهه خاصة فيما يتعلق بحقوق الطبقات الشعبية، و العداء للإستعمار، هذا لم يرق للإستعمار و ركيزته الإجتماعية فى الداخل( الرأسمالية الكبيرة/ الكمبرادورية)، فجرى العمل على قدم و ساق لفرملة هذا الخطاب و التوجه، و سنحت الفرصة صبيحة الخامس من يونيو، و لم تفلح حرب التحريك- ليس التحرير- التشرينية فى مسح آثار الهزيمة – و إن مسحت الآثار نسبيا على المستوى العسكرى- فمن جاء خطاب الهزيمة ليكون مسيطرا على حياتنا بكل تجلياتها: السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية، و نرصد ذلك فى:-
1- نمو و ازدهار التيارات الظلامية ( الإسلام السياسى) و هو تجسيد للهزيمة على مستوى مشروع التحديث الناصرى –و للحق كان تحديثا قشريا غطى رجعية شديدة المراس- حيث انطلقت هذه التيارات لترى الهزيمة بروءية سكونية غيبية معادية لروح التقدم و العلم، تعمقت فى عصر الرئيس المؤمن الذى وجد فى تلك التيارات ضالته لضرب الحركة الوطنية و هزيمتها و هزيمة خطابها التقدمى و الوطنى و التنويرى؛ لتمهيد الطريق لمشروع السلام و إضعاف مصر تماما و شل حركتها فى المنطقة، و استمر نظام مبارك على هذا النهج؛ حتى بعد إنتفاضة يناير لم تتغير تلك الصيغ الإنهزامية، بل أن الإنتفاضة !! فتحت الأبواب على مصاريعها لتيارات الإسلام السياسى لتعميق الهزيمة أكثر فأكثر بعد وصولها أو إقترابها من السلطة.
2- تعميق التبعية ووجهها الثانى التخلف بكل أنواعه و مستوياته و حجز تطور المجتمع إلى الأمام بتسييد الفكر الغيبى و الإستهلاكى و الإقتصاد الريعى غير المنتج، و ما نتج عن ذلك من تشوه إجتماعى ( الخلاص الفردى و الأنانية و النفاقو السلبية و اللامبالاة) لكن خفت هذه الظواهر بعض الشيئ بعد 25 يناير، فبدأ المصريون يتعاطون بشكل يومى مع واقعهم الذى يتبلور فى ظل عراقيل كثيرة وضعها العسكر و الإسلاميون برعاية أمريكية-طبعا- و سعودية قطرية، لا يمكن التكهن بصيرورة اتجاه هذا الواقع فى ظل المعطيات الحالية المختلطة الأوراق... بعد السقوط المدوى للإخوان فى 30 حزيران العام الماضى ، أعطى دفعة جديدة للمنطقة وأمل لتجاوز الهزيمة وخطابها ..لكن ذلك يتطلب عملا ثوريا دءوبا يراكم فعلا مقاوما على كافة المستويات .
3- الإعتراف بالكيان الصهيونى و بالتالى قبول صيغة التعايش المزعومة و التى أثمرت أوسلوو مدريد و تهميش القضية الفلسطينية برمتها و نسيان القدس ، خاصة فى أوحال الربيع العربى!! هو خريف بالمناسبة قد يدخلنا فى بيات شتوى طويل؛ إذا أخذنا فى الإعتبار مشروع الشرق الأوسط الكبير و الموسع الذى هندسته إدارة بوش الجمهورية مطلع الألفية و الذى بدأ بإحتلال أفغانستان عشية أحداث 11 أيلول/سبتمبر ولم ولن ينتهى بإحتلال العراق فالطريق مفتوح على كل التوقعات بالتزامن مع الأزمة الإقتصادية للرأسمالية خريف 2008 (توقع ضرب إيران، التدخل المتوقع فى سوريا، قبل ذلك التدخل فى ليبيا....إلخ’، هذا المشروع الذى يهدف إلى إعادة تفكيك و تركيب المنطقة لخدمة رأس المال المعولم المتعطش للربح من آبار النفط و انسياب تجارة الأسلحة، من خلال شن الحروب و سفك الدماء و إشعال حروب لا نهاية لها طائفية و دينية و مذهبية و عرقية؛ لضمان تركيع المنطقة ، وعدم فلاتانها من ربقة الإمبريالية.
4- يترتب على البند السابق تهميش القضية الوطنية و التركيز فقط على الديمقراطية و إختزالها فى صندوق الإنتخابات، و هو ماحدث فى مصر بعد الثورة ، ووصلنا إلى طريق مسدود، لقد افتقدت مصر بعد المعاهدة سيادتها الكاملة على سيناء الحبيبة ، -ولم تعد سينا كاملة لينا- خدعنا الشاعر عبد الوهاب محمد عندما غنت له شادية سينا رجعت كاملة لينا ، فكانت المعاهدة بمثابة موت سريرى لمصر استمر طيلة حكم مبارك، ولم يظهر حتى لحظة كتابة هذه السطور ما يؤشر إلى الجهر بإعداد الوطن لإلغاء المعاهدة، ولم نسمع –إلا نادرا طبعا- عن شعارات منددة بالتدخل الأمريكى ، و العربدة الصهيونية على الحدود مع فلسطين المحتلة.
5- تطبيق آليات السوق منذ السبعنيات التى عمقت التبعية و التخلف، وساهمت فى نهب ونزح الثراوات لحساب رأس المال الطفيلى التابع وعمقت أيضا الفقر و التخلف و الجهل، و تهميش دور الدولة الخدمى، و تفكيك القطاع العام الذى لعب دورا كبيرا فى تعبئة الفائض الإقتصادى و تدويره، كما كان الداعم الرئيسى لحرب أكتوبر، وكان لابد من إدخال الجيش المصرى فى لعبة البزنس لإضعافه بعد الحرب بالتخلص من القيادات الوطنية الواحد تلو الآخر، ولعبت المعونة الأمريكية ولازالت دورا كبيرا فى ذلك.
إن التحولات العاصفة التى شهدتها السبعينات ، وتنامى رأس المال الوهابى وتقاطعه مع الإمبريالية و الصهيونية ، و الداخل أسهم فى تعميق هزيمة الخطاب الوطنى و التقدمى، والذى نتج أساسا عن الهزيمة المدوية فى عام 67 .
إننا نقترح ما يلى للخروج من الهزيمة:-
1- إعادة الإعتبار للقضية الوطنية
2- رفض التدخل الأمريكى فى شئوننا و رفض المعونة و التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى.
3- بناء إقتصاد وطنى مستقل قائم على الذات و على قاعدة علمية و تكنولوجية للتخلص من التبعية و التخلف.
4- النضال من أجل إقامة دولة ديمقراطية علمانية حديثة بدستور يحمى علمانية الدولة والحريات العامة و الفردية و الحقوق الإجتماعية و الإقتصادية للطبقات الشعبية.
5- إعداد مصر شعبا و حكومة وجيشا لإلغاء كامب ديفيد و سحب الإعتراف بالكيان الصهيونى.
هذه بعض خطوط عامة قد تكون رومانسية من وجهة نظر البعض فى الظروف الراهنة، لكنها بحق هى المخرج من كل هذه الكبوات ، التى أساس حدوثها ،فتهميش هذه القضايا سيراكم فعل الهزيمة و خطابها، مما سيؤدى فى النهاية إلى ما لاتحمد عقباه.
و هنا يثور السؤال ..هل تستطيع مصر فى عهد رئيسها الجديد الذى انتخب مؤخرا المشير السيسى تجاوز خطاب الهزيمة ؟؟و البناء لخطاب مقاوم ؟؟
بشكل أولى اعتبار السيسى المعاهدة راسخة فى وجدان المصريين أمر مثير للإشمئزاز ، فضلا عن اسقاط القضية الوطنية من الخطاب و النضال لكثير من الماركسيين و القوميين فى مصر ، أمر يدعو للتفاؤل كثيرا فى الندى القصير ، فبناء خطابمقاوم ، و بناء حركة مقاومة فى مصر و المنطقة هو هدف استراتيجى بعيد ، يتطلب ربط الوطنى ( التحرر الوطنى ) بالطبقى ( الصراع الطبقى ) هو أمر فى غاية الأهمية ، و أن حرب التحرير الشعبية طويلة الأمد هى عنصر أساسى فى المقاومة ، وقد اثبتت المقاومة اللبنانية صحة هذه الروءية فى 2000 ، 2006 م ، و بناء حركة ثورية وطنية ضاغطة داخل الأحياء الشعبية ، و فى وسط العمال و الفلاحين ..هو الأساس لخوض حرب التحرير الشعبية ، ويجب تشكيل وعى ضاغط على النظام ، لأخذ مواقف لا نقول جذرية بل تقترب من الحد الأدنى من فكرة التحرر الوطنى ، حتى يتم الإعداد الجيد لإنجاز جذرى .
و ستبين الأيام القادمة أكثر إلى أين سيأخذنا السيسى فى توجهه ؟؟!! هل سيكرس الخطاب المهزوم ، أم سيهزم هذا الخطاب المهزوم ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة- إسرائيل: هل بات اجتياح رفح قريباً؟ • فرانس 24 / FRANCE


.. عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر




.. -يجب عليكم أن تخجلوا من أنفسكم- #حماس تنشر فيديو لرهينة ينتق


.. أنصار الله: نفذنا 3 عمليات إحداها ضد مدمرة أمريكية




.. ??حديث إسرائيلي عن قرب تنفيذ عملية في رفح