الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرئيس الجديد

حسن خليل

2014 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الرئيس الجديد

بني عبد الناصر شرعيته علي (ثورة) 1952 و معه استمرت الشرعية الثورية حتي موته و لم تفسح المجال كاملا أبدا لشرعية دستورية . و عبد الناصر هو صانع ثورة 1952 – الانقلاب – و هو بالتالي جديرا بأن يستند لشرعيتها و أن يبقيها حية فهي تمنحه ما يريد من حرية اتخاذ أي قرار بعيدا عن الالتزام بدولة القانون . فالقانون مهما كان استبداديا يضع قيودا علي حكم الفرد من زاوية الالتزام به مقابل عدم الالتزام بأي شيء علي الإطلاق.
الرئيس المصري الجديد – السيسي- يبني هو الأخر شرعيته علي الثورة المصرية في يناير 2011 و ثورة يونيو 2013 – أو سمها ما شئت موجة ثورية أو حتي انقلاب – فهو يؤكد في كل أحاديثه و خطاباته أن الثورتين هم منبع شرعيته. و في الحقيقة أنه بدونهما لم يكن ممكنا أبدا للسيسي أن يكون رئيسا للجمهورية. فثورة يناير أطاحت بمبارك و عائلته و فتحت الباب أمام تطور ديمقراطي – مهما كان تعرج مساره – و بدونها كان السيسي سيظل قائدا عسكريا يعمل في جيش مبارك أو جيش نجله جمال و لا يمكن أن يحلم بالوصول للمنصب الأول . و ثورة يونيو أطاحت بحكم مرسي و الإخوان و فتحت الباب مجددا لتطور ديموقراطي بعيدا عن هيمنه تنظيم الإخوان علي السلطة. و مهما قيل عن طبيعة العملية الديمقراطية الجارية منذ يونيو 2013 و قصورها و الخ إلا أن الثابت أن في ظل حكم الإخوان كانت الديمقراطية تنتحر في مصر.

لكن علي عكس عبد الناصر فأن السيسي ليس صانعا لا ثورة يناير و لا حتي لثورة يونيو. و بالتالي لا يمكنه أن يعتمد علي شرعيتهما . فثورة يناير دعت لها فئة من الطبقة المتوسطة المسيسة و قام بها شعب كامل خصوصا فقراء المدن و العمال . و كذلك ثورة يونيو دعت لها نفس الفئة و قامت بها نفس الطبقات و في كل مرة كان تركيز كل طرف من أطراف معادلة الثورة علي جانب من جوانبها فالشباب الثوري ضد الاستبداد و الاعتقال و التعذيب و انتهاك الحريات العامة و الطبقات الشعبية ضد الإفقار و التهميش و كل ما يلتحق بهما. و من الأنصاف أن نقول أن السيسي لعب دورا في كلتا الثورتين . ففي ثورة يناير كان الجيش هو من عزل مبارك تفاديا لحرب أهلية بينه و بين الشعب الثائر. و يقال حتي أن السيسي شخصيا تنبيء بثورة يناير قبلها بشهور – و هو لم يكن أمرا غامضا علي أي مطلع علي الحياة السياسية علي كل حال – و يقال أيضا أنه من وضع خطة عدم أشتباك الجيش مع الثورة . و أن كنت أعتقد أن عمر سليمان رجل مبارك القوي و المخابراتي الداهية هو صاحب هذا التكتيك . أما ثورة يونيو فتدخل الجيش فيها أوسع بما لا يقاس . فالجيش حث المواطنين علي الثورة حثا . ليس لشيء إلا لتجنب القيام بانقلاب مكشوف تكون نتيجته كارثية علي كل من الجيش و الشعب و النظام برمته.فلم يكن هناك خيارا أخرا لدي الجيش في مواجهه أخونه الدولة بمؤسساتها المختلفة من قبل الإخوان و أعوانهم.

إذن فأن السيسي حينما يجعل شرعيته مستمدة من ثورتين شعبيتين أنما يناقض نفسه تناقضا عميقا فمن له الحق بتبني شرعية الثورة هو قائدها أو صانعها و هذا لا وجود له فكلتا الثورتين أقرب للعفوية و لغياب التنظيم و القادة كما هو معروف. فكما كانت السلطة ملقاه في عرض الطريق تنتظر من يلتقطها في فبراير 2011 فأن الثورة أيضا أصبحت ملقاه في عرض الطريق تنتظر من يدعي أمتلاكها في يونيو 2013 . و ربما كان السيسي ذكيا فلم يسير وراء الجوقة الإعلامية و رجال مبارك في إنكار ثورة يناير بل و الادعاء بأنها ليست أكثر من مؤامرة أمريكية مدفوعة الثمن. فما الذي يضره من أخذ شرعية ثورة شعبية قامت في يناير 2011 مع شرعية ثورة شعبية أخري قامت في يونيو . فهو المستفيد الأول من ادعاء تملك شرعية الثورة.أما تفاصيل التعامل مع هذه الشرعية مثل اعتقال الشباب و العمال و قمع المظاهرات و الإضرابات الخ فهذا أمر أخر . لكن هذا لا يخفي التناقض العميق الكائن في تبني شرعية ثورة ممن لم يكون متصدرها . و لو كان حمدين صباحي انتخب رئيسا لكن له بعض الحق في تبني شرعية الثورتين كرجل شارك فيهما مشاركة فاعله .

علينا هنا أن نتوقف لفهم كيف يري السيسي الثورتين . و مفتاح هذا الفهم في تقديري هو الدولة.فالسيسي كما تدل أحاديثه يفهم أن كلتا الثورتين لم تقم إلا لإنقاذ الدولة المصرية من الضياع. ففي حكم مبارك بلغت الدولة حدا بعيدا من الاهتراء بسبب الفساد المستشري في كل أركانها و بسبب نموذج حكم مبارك الذي أتسم بطابع مملوكي يقطع هذا أو ذاك من الشخصيات المقربة صلاحيات بلا حدود في أقطاعية ما . مثل الوزارات المختلفة و الأراضي و الخ. فكيان الدولة نفسه تعرض للتهميش علي يد مبارك . و في عصر مبارك علي الرغم من السطوة الاستبدادية للدولة و الاعتقال و القتل و تقييد الحريات أصبحت الدولة هشه رخوة بتقسيمها المملوكي بين شله من المنتفعين و اللصوص و المافيا بحيث تحولت من دولة إلي تنظيم عصابي. و هكذا يري السيسي أن ثورة يناير لم تقم إلا لإنقاذ الدولة المصرية من مصير اسود . و نفس الشيء في ثورة يونيو فثورة يونيو لم تقوم لتدهور مستوي المعيشة و شح البنزين و السولار و لا لتدهور الحريات العامة و لا حتي لما يسمي مدنية الدولة . و أنما بالنسبة للسيسي قامت ثورة يونيو لإنقاذ الدولة ذاتها من عبث الإخوان و محاولتهم تفكيكها لصالح تنظيمهم الخاص. فيكاد يكون مرسي مثل مبارك تماما – من وجهه نظر الدولة المصرية – شخص عمل علي تفكيك الآلة المركزية في المجتمع التي تهيمن عليه بل و تبتلعه ابتلاعا.

و في الحقيقة أن كلتا الثورتين لم تلقي بالا للدولة بشكل خاص. بل علي العكس كانت القوي الثورية تتوجه دائما للدولة لتنفيذ الأهداف مثل العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية . فلم تطرح أيا من الثورتين دولة أخري من نوع جديد . و حتي إجراءات عادية مثل انتخاب المحافظين و العمد لم ترد علي بال الثورة إلا قليلا جدا.فالمثل الأعلى للثورتين عمليا هو نفس الدولة المهيمنة و المركزية الأخطبوطية النفوذ و السلطة و قد تحولت بقدرة قادر الدولة راعية و في خدمة المجتمع و ليست فوقة . و هذا بالطبع تناقضا أصيلا في الثورتين لا يمكن تبريره إلا من عجز كلتهما أن تقديم بديلا شعبيا أجتماعيا يقدم من يراقب و يعدل و يوازن ثقل هذه الآلة العملاقة الفاسدة. فغياب فكرة الدولة البديلة في كلتا الثورتين هو بمعني ما جانبا رجعيا فيهما . فالثورتين لم تقوما لإعادة تنظيم المجتمع بشكل جديد و لإعادة توزيع السلطة بشكل جديد و أنما لتحقيق أهداف أقتصادية و سياسية مطلوب من نفس المؤسسة التي انتهكتهما أن تنفذها.

السيسي إذن يلتقط الجانب الأكثر رجعية في الثورة كي يضرب به جانبها الثوري حقا. جانب الحفاظ علي كيان الدولة المركزية المهيمنة الذي لا يمكن إلا أن يفضي إلي الاستبداد مقابل جانب العملية الثورية من تظاهرات و احتجاجات و إضرابات و تحدي قوي لسلطة هذه الدولة ذاتها. و هنا تتبدي شرعية السيسي الثورية في كامل نقائها . نحن مع الثورة حينما تقف ضد تفكك الدولة و النظام و ضدها حينما تعني أن للشعب حقوقا و نصيبا في الثروة و السلطة معا . و لا شك أن هذا التناقض العميق سيتضاعف في الأيام القادمة

حسن خليل
8 يونيو 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرئيس الجديد-القديم
نبيل السوري ( 2014 / 6 / 9 - 08:41 )
أولآً أحسنت بتحليلك
السيسي هو خلاصة مصر من 1952 لغاية 25 يناير 2011 بكل سلبياتها (أنا ممن يؤمنون بأن هذه المرحلة لا يوجد فيها إيجابيات)، و هو يحاول أن يلبس لبس عبد الناصر (أصل البلاء) لكنه يفشل حتى بهذا

برأيي أن السيسي يشبه عبد الناصر بنكهة عبد الحليم حافظ أبو عيون جريئة
المصيبة أن الإخوان البلهاء لم يتبعوا مثل ماليزيا أو تركيا بل مشي خلف عاهات إسلامية مثل إيران و السودان وأرادوا أن يأخونوا كل مفاصل مصر بسرعة الضوء
ثورة 30 يونيو سرقها السيسي الكاذب الذي وعد بعدم وجود مطامح سياسية له، من أول يوم بمباركة أصحاب رؤوس الأموال الفاسدة (تقريباً جميع أغنياء مصر) و الجيش الذي لم يرق له أن يكون بعيداً عن السياسة والفساد

السيسي قال أن مصر بحاجة لمبلغ 500 مليار دولار لتنهض، وهو رقم صحيح، نبقى هنشوف إذا كان عربان الخليج سيؤمنون له ولو 10% من هذا المبلغ

الفشل هو مصير السيسي وعلى المصريين أن يثوروا تكراراً على ألا يسمحوا بسرقة ثورتهم لا من إخوان ولا من عسكر
وإلا فالعوض عليكي يا مصر


2 - نشترك جميعا في هذا
حسن خليل ( 2014 / 6 / 9 - 18:07 )
أستاذ نبيل السوري . فعلا يحاول السيسي و غيره أرتداء عباءة عبد الناصر حتي أن أشد شتامي عبد الناصر سابقا يصرخون العدالة الاجتماعية (أى في مفهومهم السماح بالاستثمار) و يصرخون ضد أمريكا الخ كل هذا الهراء . لكن السيسي لم يسرق ثورة يونيو . ثورة يونيو لم تقدم بديلا مثل ثورة يناير و أكثر فلم يكن هناك حتي من يترشح للرئاسة -عدا حمدين- فلقد أشتري الشعب الجيش باعتباره مؤسسة كبيرة و الآن هو الحزب السياسي الأكبر دون منازع . و كي تذداد الأمور لصالح السيسي قام الإخوان و عملائهم بموجة ارهابية عنيفة و أصبح الأمن هو المطلب الأول للشعب و بالتالي الجيش مطلوب أكثر. خدم الإخوان السيسي بالارهاب و خدمت القوي الثورية السيسي بعدم قدرتها علي تقديم بديل لذا كانت الثورة ملقاه في قارعة الطريق مع السلطة في انتظار المخلص كي يلتقطها و يدعيها لنفسه . تحياتي


3 - ألمُغامر و أضواء ألرئاسة - 1
هانى شاكر ( 2014 / 6 / 9 - 19:23 )

ألمُغامر و أضواء ألرئاسة - 1
_______________


حل مشاكل مصر يتطلب ما هو أكثر و أصعب من مٍجرد ألبلايين :


1 - فصل ألأسلام تماماً عن ألعمل ألعام ... ألحكومة ، مجلس ألقرية أو ألمدينة ، و ألمحكمة و ألمستشفى ، و ألمدرسة ..

فرئيس ألوزراء إلى ألوزير إلى ألقاضى إلى ألمدرس إلى عامل ألنظافة ... يعيش مشلولا .. و أسير ألرعب ألدائم فيما ينتظره من عذاب ألقبر و ألنار إن هو تبول واقفاً ...

2 - وقف ألأنفجار ألسكانى على ألمدى ألقصير .. و ألعمل على ألوصول إلى تعداد سكانى يبلغ عشرين مليون بألتدرج .. نزولا من ألتعداد ألحالى ألبالغ تسعين مليون ..

تنفيذ هذا ألهدف فى مائة عام ممكن و ضرورى .. و سترتفع قيمة ألأنسان ألمصرى .. و دخله و صحته و تعليمه .. فتصبح مصر قوية ، غنية ، حرة .. بعمل و أنتاج أبنائها ... ولن يستطيع أو يجروء ألخليجى على شراء فتاة ريفية قاصرة ب 500 دولار .. أو جنرال مصرى فاسد أستخدام شاب ريفى جاهل ، مُجَند ، للعمل فى ألسخرة فى مزرعته ، مجاناً

....


4 - ألمُغامر و أضواء ألرئاسة - 2
هانى شاكر ( 2014 / 6 / 9 - 19:25 )


ألمُغامر و أضواء ألرئاسة - 2
_______________


3 - ألعمل على تخفيض مستوى ألفساد ، تدريجياً ، وفى خلال مائة عام .. من ألمستوى ألحالى ألبالغ مائة فى ألمائة ( فساد كامل ) ألى عشرين بألمائة .. كما هو ألحال فى فى ألدول ألمتقدمة


هذا هو ألدواء ألمر ... فإذا لم يستخدمه .. سيكون ألسيسى مُغامر آخر أخطأ حساباته ... و يكون كل ماهو حاصل فى ألبلاد من ثورات ( 25 يناير و 30 يونيو ) .. و خطوات ( دساتير ، برلمانات ، أنتخابات ) و خطط طريق ... هو تضيع وقت و فُرص ... و محض هراء

....


5 - ,والبديل ماهو
عبد الله المهدي ( 2014 / 6 / 9 - 20:14 )
بدلا من الكلام العائم علي الكاتب ان يطرح تصوره للدوله البديله كما يتصورها وهل لها سوابق باي مكان في العالم--
وهناك حديث للسيسي يصف في احداث ثوره يناير انها هددت الدوله بالسقوظ الامر الذي يقطع بانه لا يؤمن بفكره الثوره اصلا وما حديثه عنها سوي كمصدر شرعيه الا استكمالا للمسرحيه الرديئه التي يؤديها باداء مبتذل لممثل متواضع الموهبه منذ الصيف الماضي


6 - الحوار المتمدن تمنع تعليقاتي
حسن خليل ( 2014 / 6 / 9 - 22:01 )
للاسف فأن الحوار المتمدن يمنع تعليقاتي و حينما ستكون متاحة سأرد علي كل المداخلات السابقة

اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟