الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب التقسيم

خالد صبيح

2014 / 6 / 13
مواضيع وابحاث سياسية



ما توحي به تطورات الاوضاع السريعة والدراماتيكية في العراق ان مايقع هو بداية حرب تقسيم للبلد. واذا لم تؤد هذه الحرب الى التقسيم الفعلي فانها ستكون اختبارا او (بروفة) اولية ستضع البلد في فم مشروع التقسيم القادم، هذا المشروع الذي ولد متلازما مع سيرورة الاحتلال وماتبعه من ممارسات كانت تريد تحقيقه على ارض الواقع لكن بشروط مناسبة لكل الاطراف الساعية اليه. فانهيار جيش بهذا التعداد الكبير امام مجاميع صغيرة كما بدا الامر في بداية الاحداث الاخيرة في الموصل وتكريت هو امر غريب ومثير للريبة، فميدانيا ليس هناك مايدفع هذا القدر من القوة العسكرية للانهيار، فهي لم تتعرض الى اية ضغوط ميدانية حقيقية الامر الذي يشجع على تتبع اسباب اخرى لهذا التدهور السريع، تسليم مدن بكاملها بغير قتال، غير الضعف والتفكك ومااليهما من اسباب واهية نسبت للجيش العراقي هناك.

الحكومة العراقية تحدثت عن مؤامرة وتواطؤات، وهذا صحيح ومقنع بل ومطلوب، وقد اثبت مسار الاحداث وبعض الانباء عن ملامح لهذه المؤامرة وللتواطؤات التي صاحبتها. وبعض الانباء المتاخرة (تصريح لزعماء المجالس العسكرية لعشائر الانبار والفلوجة) تحدثت عن ان مايقع الان هو انتفاضة لابناء المناطق السنية ضد الحكومة، وان العشائر المنتفضة التي تحالفت مع قوى عديدة هي التي طالبت القوات الامنية، الجيش والشرطة، في المناطق التي تهاجمها، بعدم المقاومة حفاظا على دم جميع الاطراف. وهذا يبدو منطقيا وواقعيا ويفسر الى حد كبير، ان ثبتت صحته، الطريقة التي وقع فيها انسحاب القوات او ماسمي بـ (الهزيمة).

مشروع تقسيم العراق، كما دللت عليه كل وقائع السنوات العشر التي تلت سقوط النظام البعثي في عام 2003، هو مشروع (شيعي) كردي بالدرجة الاولى. الاكراد لهم دوافعهم التي اهمها انهم لايستطيعون الانفصال عن بلد موحد، لهذا يجب بالنسبة اليهم تقسيم العراق ليكون الانفصال امرا بديهيا وتحصيل حاصل. و(الشيعة)، او طائفيوهم المتمثلين بالاحزاب الاسلامية ومايتبعهم من مثقفين وكتبة، لهم مشروعهم الصريح في بناء دولة شيعية لها امتدادات وترابطات اقليمية، ايرانية. ـ علما ان مشروع التقسيم برمته وبكل تفاصيله هو مشروع اقليمي دولي تشاركت دول عديدة، من بينها اسرائيل، بالرغبة في تحقيقه ـ لبعض الوقت بدا وكأن (السنة)، (لامناص من هذه التسميات التي غدت حقائق في الخطاب السياسي) هم من يحمي وحدة العراق، لكن اتضح لاحقا بجلاء ان طائفيي السنة وامراء حربهم وتجارهم ورجال دينهم يريدون عراقا موحدا يديرونه ويقودونه هم وليس غيرهم، وكأن امر قيادتهم للبلد قدر وبديهية (كثيرا مانظر (السنة) الى شركائهم في الوطن من الشيعة والاكراد على انهم رعية او ضيوف، بل وضيوف ثقلاء غالب الاحيان). بمعنى ان عراقا لايقودونه هم من الافضل له ولهم ان يُقَسّم. وقد أدرك طائفيو (الشيعة) هذا الامر ولهذا سعوا وبقوة طوال فترة تحكمهم بالسلطة السياسية، في فترة مابعد سقوط النظام البعثي، للضغط على (السنة) في النقطة الحرجة والمصيرية بالنسبة لهم وهي الشراكة في السلطة، وهو البديل الذي وافق عليه (السنة)، وان مؤقتا وعلى مضض، بعدما استعصى عليهم امر الانفراد بها.

هذه الخلفية وتلك الدوافع تفسر الى حد كبير التواطؤ الذي تحدثت عنه الحكومة ومصادرها الرسمية والاعلامية الذي وقع بين السلطات المحلية والقوات الامنية في المدن التي سقطت على يد مهاجميها الداعشيين، كما أُعلن، من جهة، و المنتفضين (الذي سيتحيرون لاحقا في تفسير ومن ثم تبرير وجود داعش بينهم) من جهة ثانية.

ويبدو ان الحكومة واحزابها الطائفية ليست ببعيدة عن هذا التواطؤ، بل هي في لبته، وبالتاكيد انها شجعت عليه، ضمنا على اقل تقدير، لانه يمهد لها الارضية المناسبة لوضع مخطط التقسيم على ارض الواقع العملي. ووجود داعش ساعدها كثيرا على التاجيج الطائفي والتحريض الوطني، فما قدمته داعش من خطاب طائفي عدواني سوف يسهل العملية على اطراف التقسيم (الشيعية) مما يمكن ان يلقي بظلال من الشك على ان هناك دورا ما للحكومة شجع على حضور داعش في الاحداث ومحاولة استثماره لاقصى حد وبافضل السبل. فداعش دعت على لسان الناطق الرسمي او الاعلامي لها مقاتليها الى التوجه الى بغداد، فهناك على حد تعبير الناطق لهم تصفية حساب ( وتصفية الحساب هو ايضا شعار الحكومة الذي تصدر شاشة وسيلته الاعلامية الخاصة، الفضائية العراقية، ولا ادري من سبق من في رفع هذا الشعار) وكذلك ذكر الناطق الداعشي مدينة كربلاء كهدف ثان مهم بعد بغداد، وبادخال كربلاء في مشروع القتال والمواجهة قدمت داعش خدمة جليلة للحكومة واحزابها السياسية لما يحمله هذا التحريض من شحنة عداء طائفي، لما لكربلاء من موضع رمزي ونفسي مميز لدى الشيعة، ستوظفه الحكومة بيسر للتعبئة ضد الخصوم ،كل الخصوم، لاجل تنفيذ مشروع التقسيم الذي سيكون عبارة عن نفاد صبر الجميع من الجميع. واظن ان حملة التطوع الواسعة التي تشهدها بغداد والمدن الجنوبية الاخرى الان هي تعبير موحي عن شكل التجييش الطائفي الذي تحتاجه الحكومة واحزابها الاسلامية لتاجيج الوضع وتصعيد الموقف.

بالتاكيد ان اي مشروع او مخطط او حتى سيناريو يمكن ان ياخذ في خط تطوره منحى مغايرا للمسار الذي أُختِّطَ له، قد يؤدي بعض الاحيان الى الانحراف باتجاهات غير محسوبة تؤدي الى نتائج غير مرغوبة. ويبقى الامر في النهاية منوطا بالكيفية التي تسير بها الاحداث وبالكيفية التي يتحرك بها الفاعلون المؤثرون فيها، لهذا اميل الى الظن بان السيناريو الذي يمكن ان تتمخض عنه الاحداث الحالية يميل الى ان ياخذ الشكل التالي: قوات (السنة)، متحالفة مع داعش، تتجه الى بغداد، وهي مدينة مختلطة ومركز مهم لن يفرط به اي طرف من الاطراف المتصارعة مهما كان الثمن، فتواجهها هناك قوات (شيعية)، وعلى ضوء تطورات الصدام والتفاوض تقسم بغداد ـ كما قسمت بيروت ذات يوم ـ الى منطقتي نفوذ وادارة واحدة شيعية والاخرى سنية. اما الاكراد فقد استثمروا الموقف من جانبهم على احسن وجه، وتحركوا على مايرونه مهما لهم، اقصد مدينة كركوك، لتثبيت القدم هناك تأهبا لتطور الاحداث وماسيرافقها من شد وجذب لغنم ما يمكن غنمه لمشروعهم الكبير. وهكذا ستتحقق الدويلات الثلاث، (السنية) و (الشيعية) والكردية، التي ربما تكون بداياتها اقاليم منفصلة، متنافرة ومتحاربة بعض الاحيان لتنتهي مرة واحدة والى الابد الى تقسيم عملي وقانوني للعراق الذي سيكون جيلنا الحالي هو جيل ( العراقي الاخير) فيه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قميص -بركان- .. جدل بين المغاربة والجزائريين


.. مراد منتظمي يقدم الفن العربي الحديث في أهم متاحف باريس • فرا




.. وزير الخارجية الأردني: يجب منع الجيش الإسرائيلي من شن هجوم ع


.. أ ف ب: إيران تقلص وجودها العسكري في سوريا بعد الضربات الإسرا




.. توقعات بأن يدفع بلينكن خلال زيارته للرياض بمسار التطبيع السع