الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما يختفي وراء جرائم الاغتصاب

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2017 / 3 / 10
ملف 8 آذار / مارس يوم المرأة العالمي 2017 - أثر النزاعات المسلحة والحروب على المرأة


منذ أكثر من ستين عاماً، عُوقبتُ من الدولة أشد العقاب، لأنى كشفت فى كتابى «المرأة والجنس» عن حالات الاغتصاب الخفية التى تحدث داخل البيوت والمدارس، المدرس الذى اعتدى على ستة من التلميذات ولم يعاقب، حرصاً على سمعة البنات وعائلاتهن، وتم نقله إلى مدارس البنين، والرجل صاحب المنصب الكبير فى الدولة الذى اغتصب الخادمة الفقيرة وطردتها زوجته حماية لزوجها وسمعة العائلة الكريمة، والخال الذى اغتصب ابنة أخته الصغيرة حتى ارتفع بطنها بالحمل فقتلها (وإخوتها الذكور) دفاعاً عن شرفهم، الرجل القاتل المدافع عن شرفه، يخفف القاضى عنه العقاب تعاطفاً معه، لأن الشرف (العرض) عند الرجل أهم من حياته، والرجل الحق يفضل الموت دفاعاً عن شرفه، لهذا يشفق القانون على الرجل وإن كان قاتلا، فالشرف يملكه الرجل، أما المرأة فلا شرف لها، هى فقط الجسد أو المكان حيث يكون شرف الرجل، يلتصق العار بالفتاة المعتدى عليها، يطلق عليها اسم «الضحية» ويتم إخفاء وجهها واسمها كأنما هى المفضوحة، والمفروض أن تتحدى، وتكشف وجهها واسمها، وتعلن أن العار ليس عارها، بل عار المجتمع، وأنها ليست ضحية ولن تكون، كيف يتعلق شرف الوطن أو شرف الأسرة بعذرية البنت أو جسد المرأة أكثر مما يتعلق بسلوك الرجال؟ وكيف يتعلق شرف الرجل بجسد المرأة وليس بجسده هو؟ ولماذا يتعلق الشرف بالجسد فقط ولا يتعلق بالعقل؟



الشرف الحقيقى هو الصدق والإخلاص والأمانة فى الفكر والسلوك داخل البيت وخارجه، فى المجالات العامة والخاصة، فى الدولة والأسرة، فى السياسة والاقتصاد وكل شىء، الرجل الشريف هو الصادق والمرأة الشريفة هى الصادقة، المقاييس الأخلاقية لا بد أن تسرى على الجميع بصرف النظر عن النوع أو الجنس أو الدين أو الطبقة أو غيرها، القيم والقوانين الأخلاقية فى بلادنا مزدوجة، تكيل بمكيالين وأكثر، مما ينفى الأخلاق والشرف، ويسود قانون القوة (فى بلادنا والعالم) القائم على العنف والاغتصاب وعقاب الأضعف وتبرئة الأقوى.



يتربى الولد فى البيت على قيم أخلاقية تختلف عن القيم التى تتربى عليها البنت، تحت اسم الرجولة يتربى الولد على أنه الأقوى المكلف بحماية شرف العائلة وعذرية البنات، ويتمتع بحريات وحقوق لا تحظى بها أخته أو زوجته، وتتربى البنت لتقبل وضعها الأقل تحت حماية الرجل، وألا تركب الدراجة مثلا أو (تمارس الرياضة) حماية لسلامة غشاء البكارة، وأن الطاعة والسكوت والضعف فضيلة، وليس القوة والشجاعة والتساؤل والنقاش والسعى للعلم والمعرفة، تنشأ الفتاة المصرية لتكون «أنثى»، تتعرى حسب إرشادات الموضة وأدوات الزينة فى السوق الاستهلاكية الرأسمالية أو تتغطى بالنقاب أو بالحجاب حسب إرشادات القوى الدينية السياسية، تتمزق الفتاة المصرية بين قيم الانحلال وقيم الانعزال، بين الانفتاح على البضائع الأمريكية وبين الانغلاق على الفتاوى الدينية.



المرأة الإنسانة العاملة بجدية وصدق وإخلاص، المفكرة بعمق وعقل مبدع مستقل، المرأة التى لا تتحجب ولا تتعرى ولا تتبع خطوط الموضة والماكياج، المرأة القوية الشجاعة التى ترفض هوان الأنوثة، وتحمى نفسها بنفسها، هذه المرأة يقولون عنها مسترجلة وغير طبيعية، والرجل الإنسان الذى يمارس عمله بصدق، ولا يخدع زوجته، ولا يخون الأمانة فى البيت وخارجه، الرجل الذى يعتبر المرأة مساوية له فى كل الحقوق والواجبات، سواء كانت زوجته أو زميلته فى العمل أو أى امرأة أخرى، هذا الرجل يقولون عنه فاقد الرجولة (ليس دكرا) أو ضعيفاً أو لين العريكة.



الرجل الإنسان الصادق ذو الأخلاق الحقيقية يتمزق بين القيم المزدوجة المتناقضة كما يحدث للمرأة الإنسانة الصادقة صاحبة الأخلاق الحقيقية. جرائم الاغتصاب تتخفى وراء هذه القوانين والقيم المزدوجة فى حياتنا العامة والخاصة، وسوف تستمر جرائم الاغتصاب بكافة أنواعها فى حياتنا الزوجية والجنسية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية ما لم نغير القيم والمفاهيم والقوانين الطبقية الأبوية التى نتربى عليها منذ الطفولة فى البيوت والمدارس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزتي د.نوال
أحمد فتحي ( 2014 / 6 / 16 - 12:24 )
مقالك دائما انتظره بشغف
لأنه ينير عقلي الذي أرهقه المجتمع الذكوري الأبوي وتركه في ظلام دامس
حتى أشرقت مقالات وكتب حضرتك في حياتي
كالشمس القوية الدافئة


2 - اذا كان اغتصاب السلطة واقعا فكيف باغتصاب امرأة؟؟؟
عبد الله اغونان ( 2014 / 6 / 16 - 12:53 )

الاغتصاب لايتجزأ فمن يغتصب السلطة والمال والثروة والفكر

لانعجب ان اغتصب الاناث وحتى الذكور

المرأة ليست بريئة في المشاركة من الاغتصاب بتبرجها وعريها ومساهمتها في بيع

اللحم لحمها هي ولحم غيرها بالقوادة والوساطة


3 - نصف المشكلة أنثوي فلماذا نتجاهلها؟
عماد عبد الملك بولس ( 2014 / 6 / 16 - 17:17 )
تحياتي يا دكتورة

سيادتك ككل العرب تبدأين من مسلمات لا تقبل النقاش، فتتفضلين بالقول:أن مجتمعنا يعتقد فقط أن الشرف في عذرية العذاري ويتجاهل ما عدا هذا، كلا يا سيدتي، فمع إعلاء قيم الطهارة عامة عند الطبقة الوسطي إن كان للذكور أو الإناث، فعند الطبقات الدنيا و العالية قد تتآكل هذه القيم، و أيضا مفهوم الشرف ينسحب علي الرجال، فما زال تعبير - رجل شريف- له معني واضح عند هذه الطبقة الوسطي

أما التعليق الأساسي، فهو: لماذا تلوم الإناث الذكور إذا كن فعلا ذوات تأثير - و هن بالفعل كذلك - ألا يُعتبَر استسلامهن للظلم اشتراكا في هذا الظلم و هن اللائي لهن نصف قوة فعل المجتمع؟ أم أن هذا الاستسلام احتلال تكتيكي لوقع الضعف في حين أن لهن أغراض في هذا المقع؟

أعترف أن هناك إساءة تعامل مع الإناث، و لكن، ألا ترين سيادتك نفس الدرجة من إساءة معاملة الرجال و الأطفال؟ هذا مجتمع يظلمه الجهل و الفقر فيظلم بالجهل و الفقر كل من يواجهه، و ليس الإناث فقط، أعتقد أن الحل هو في حُسن التشخيص

تحياتي و شكرا


4 - ما يختفي
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 16 - 22:34 )
ثقافتنا العربية الإسلامية تحمل ثغرات ونواقص لم نكن ننتبه لها من قبل فكنا نتعامل معها بشكل طبيعي
إلى أن إنفتحنا على الغرب إبان تحرره من ثقافته القديمة التي كانت تقيده بتعاليم الكنيسة . كما أن المواثيق الدولية التي تعترف بحقوق الناس وتمنع التعامل على أساس الإختلاف في الجنس أو الدين أو العرق أو اللون الخ... كل هذا فعل مفعوله في سلوك البشر وألزم الحكومات بتطبيق هذه المواثيق العالمية
واحترام حقوق الإنسان في كل مكان . وأصبح تعامل الدول مع بعضها على أساس هذا السلوك . وهذا ما جعل العالم العربي يتغير قليلا بفضل المناضلين الشرفاء في كل البلاد العربية الذين يكافحون لتحرير المرأة من ربقة العبودية المفروضة عليها بقوة الدين والقانون . لكن هذا التغيير لم يكن كافيا لأن الشعوب العربية المتأثرة بالدين كانت دائما تقبل بواقعها الدكوري وكانت المرأة عندما يدكر إسمها ترافقه كلمة - حاشاك - كما لو أنها مثل القذارة أو الحمار أو الكلب . تابع


5 - ما يختفي
ناس حدهوم أحمد ( 2014 / 6 / 16 - 23:22 )
حتى المواطن اليهودي لما يؤتى على ذكره في الحديث ترافقه كلمة حاشاك أيضا
ورغم اختفاء هذه الكلمة بالنسبة للمرأة إلا أنها لازالت تذكر بالنسبة للحمار والكلب واليهودي
لكن قافلة التحرير لا زالت تسير ولم تتوقف ولن تتوقف لأن
العالم أصبح قرية واحدة
كما أن قوانيننا لازالت تظلم المرأة وتعاملها كما لو أنها من الدرجة الثانية والرجل من الدرجة الأولى
فقد حدث عندنا في المغرب حدثا خطيرا إذ قام أحدهم باغتصاب فتاة تسمى أمينة وعرضت القضية على القضاء لكن تدخل أهل المعتدي حول القضية إلى صلح وتم عقد الزواج بين المغتصب
بكسر الصاد وبين الضحية مما جعل هذه الضحية تنتحر بسبب عدم تحملها العيش مع مغتصبها تحت سقف واحد
إذن القانون الذي يسمح للمعتدي الزواج بالضحية لا يمكن إلا أن يكون تسجيعا على الإغتصاب وليس أقل ولا أكثر


6 - ثقافة البلطجة
حسنين قيراط ( 2017 / 3 / 13 - 22:21 )
للأسف تسود مجتمعاتنا العربية بشكل متباين ثقافة البلطجة ، والتي تجمع أمراض المجتمعات العربية جهل ،مرض وفقر....متي ترحل هذه الثقافة من مجتمعاتنا ؟ للأسف ليس في المستقبل القريب ...بل أظن أنها في علم الغيب إن لم تكن من المستحيلات أن ترحل .

اخر الافلام

.. وسام قطب بيعمل مقلب في مهاوش ????


.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية: رئيس مجلس ا




.. مكافحة الملاريا: أمل جديد مع اللقاح • فرانس 24 / FRANCE 24


.. رحلة -من العمر- على متن قطار الشرق السريع في تركيا




.. إسرائيل تستعد لشن عمليتها العسكرية في رفح.. وضع إنساني كارثي