الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراب الوطن ... أجساد الحور

أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة

2014 / 6 / 19
سيرة ذاتية


يقول عرّابُ الإخوان «سيد قطب» "ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن" ... هكذا يري سيد قطب مؤسس فكر جماعة الإخوان تراب الوطن. هو لا يقصد بالطبع تراب مصر في حد ذاته، لكن تراب الوطن، أي وطن بالنسبة لهم. عندما كنت صغيرا في قريتي في صعيد مصر، قرر أبي أن يبني لنا بيتا جديدا يبعد عدة أمتار عن بيت جدي الذي شهد مولدي. كان الطوب الذي بني به البيت من تراب الوطن، من الطمي المحروق في قمائن الطوب كما جرت العادة في ذلك الوقت قبل أن يظهر الطوب الرمي والأسمنتي والجيري الذي يشيع إستخدامه الآن. قياسا على القاعدة القطية الإخوانية هذا الطوب الذي يحتوينا تراب عفن. أذكر أيضا أن الرمل الذي كان يستخدم في البناء كان يأتينا من سفح الجبل المجاور لقريتنا والمجاور لمدافن القرية والقرى المجاورة، وكان هذا الجبل رمز للحياة الآخرة، وإستمر هذا الإرتباط حتى ذهبت للعمل في الجامعة الأمريكية في بيروت. أتذكر أن زملائي كان يسألونني دائما عما إذا كنت قد زرت الجبل أم لا، يقصدون بالطبع جبلا غير الجبل ولكن الصورة الذهنية عن الجبل كرمز للحياة الآخرة لم تفارقني خاصة أنني إعتدت زيارة الجبل لأعود موتاي كللما سنتحت الفرصة. نعود للرمل الذي كان يأتينا من هذا الجبل في وقت لم تكن صناعة المحاجر قد تطورت بعد، كنا نجد في الرمل القادم من الجبل عند غربلته ليصبح صالحا للبناء، كنا نجد عظاما آدمية. ننحيها جانبا بوقار ونعيدها للجبل مرة أخري. النتيجة أن الرمل الذي بنيت به بيوت كثيرة قد إختلط ببقايا جثامين آبائنا وأجدادنا. هذا الرمل الذي يحتوينا يرونه هم حفنة من تراب عفن.

أحد علماء السكان الأمريكيين (جون بونجارت) أعد دراسة منذ عدة سنوات قام من خلالها بإعداد تقدير لسكان العالم منذ بدء الخليقة حتى وقت إعداد الدراسة بإستخدام تقدير عكسي للسكان أي أنه بدأ بعدد سكان الأرض وقت إعداد الدراسة وعاد للخلف وإستكمل التقديرات وخلص إلي نتيجة مفادها أن عدد السكان الذين عاشوا على ظهر البسيطة يقدر بـ 16 مليار نسمة. إذا نحينا جانبا السبعة ملايين الأحياء نجد أن من إحتواهم باطن الأرض يقدر بنحو تسعة ملايين نسمة، لا يوجد لقبور غالبيتهم أثر الآن. هولاء الراحلين ذابوا في الأرض وتحولوا، طبقا للمنظور الإخواني، الى حفنة من التراب العفن. آباؤنا وأجدادنا تحولوا الى حفنة من التراب العفن.

هذا هو رأي أصحاب الكفر، أما أصحاب الفكر فلهم وجهة نظر مغايرة تماما. العالم والفيلسوف والشاعر عمر الخيام ، الذي ظلمه القدماء والمحدثون ونعتوه بالفسق والفجور والزندقة له وجهة نظر أخري في التراب الذي نمشي عليه، تراب الوطن. يقول الخيام في رباعياته التي ترجمها الشاعر العظيم أحمد رامي والتي تغنت بها سيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم:

فامش الهـــوينا ان هـــــــذا الثرى من أعين ساحـــــرة الإحورار

إمش ببطء وإن إستطعت فلترتفع عن الأرض قليلا لأن التراب الذي تطأه قدماك قد يكون من عيون سيدات حوريات. يقول الفيلسوف الشاعر أبو العلاء المعري في ذات السياق:

صاح هذي قبورنا تملأ الرُحبَ فأين القبور من عهد عاد
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
وقبيح بنا وإن قدُم العهد هوان الآباء والأجداد

أي أن هذه قبور من توفاهم الله في زماننا وقبله قليلا، فأين قبور من ماتوا منذ عهد عاد. لابد أن أديم الأرض هو أجسادهم ، لذلك يجب أن نخفف من ضرب أرجلنا على الأرض لأننا ندوس بأقدامنا أجساد آبائنا وأجدادنا.

يقول الفنان الجميل سمير الإسكنراني في أغنيته الرائعة "يا رب بلدي وحبايبي"

إن مت إجعلني طوبة يعلوا بيها جدار

أي أنه يدعو الله بعد أن يموت أن يجعل من جسدة قالبا من الطوب يستخدمه الوطن في البناء والتعمير

هذه هي الوطنية وهذا هو تراب الوطن الذي يراه الإخوان حفنة من تراب نجس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 6 / 20 - 00:41 )
و أين أنت من قوله تعالى : (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى)؟ .

اخر الافلام

.. وزير الخارجية التركي: يجب على العالم أن يتحرك لمنح الفلسطيني


.. غارات إسرائيلية تستهدف بلدتي عيتا الشعب وكفر كلا جنوبي لبنان




.. بلومبيرغ: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائف


.. التفجير الذي استهدف قاعدة -كالسو- التابعة للحشد تسبب في تدمي




.. رجل يضرم النار في نفسه خارج قاعة محاكمة ترمب في نيويورك