الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أربعة محركات لليبرالية في سوريا

كمال اللبواني

2005 / 7 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من خلال المناقشات الكثيرة التي أجريناها مؤخراً ونحن في صدد تأسيس حركة ليبرالية ، نوهنا عنها بواسطة نشر مشروع وثيقة تأسيسية للتجمع الليبرالي الديمقراطي L D U عبر ثلاث صيغ متتابعة ، ومن خلال معرفتي الوثيقة بشخوص المهتمين والدافعين بالمبدأ الليبرالي.. توصلت لتصنيف الدوافع التي تحركهم إلى أربع محركات :
محرك أول : ذو توجه ليبرالي اقتصادي متحفظ يدفع به الحرس الجديد في السلطة .
هنا نفضل أن نعود لتقسيم السلطة إلى حرس قديم وحرس جديد وهو تقسيم مختلف بنظرنا عما هو شائع ومشوش :
1- حرس قديم يستمد دخله من المناصب التي يتولاها ، وباستعمال سلطة وأجهزة الدولة ذاتها مباشرة ، وهو إما أنه ينتظر فرصته في مغانم الفساد والاستبداد , أو قد صار فعلاً يملك رأسمالاً ريعياً ، لكنه ما يزال عاجزاً حتى الآن عن دخول سوق الاستثمار ، وبالتالي الاستغناء عن منافع السلطة المباشرة . هذا الحرس يتكون من قاعدة هرم السلطة ( الشباب الذين ينتظرون دورهم في احتلال المناصب المجزية )، إضافة إلى ذروة هرم السلطة المكون من الذين لا يريدون خسارة مناصبهم الرفيعة جداً والممتعة جداً ، لذلك فهذا التيار يرفض تغيير النظام الشمولي بالمطلق ، وهو الذي انتصر في المؤتمر القطري الأخير ، و هو المسؤول عما سبقه ولحقه من محاولات لتشديد القمع وإظهار القوة والتعنت ..
2- حرس جديد ( هو الجزء المتوسط من هرم السلطة ) الذي راكم الثروة في البداية مثل الحرس القديم من استغلال المناصب في دولة الفساد والاستبداد ونظام رأسمالية الدولة الشمولية الطفيلية ، لكنه تحول تدريجياً نحو نشاطات مستقلة جزئياً أو كلياً عن السلطة وعن أجهزة الدولة ، وإن كان هذا الحرس الجديد ما يزال يستفيد من التسهيلات والاستثناءات والقرارات المفبركة ، لكنه استطاع تحويل آلية الارتزاق من استغلال المناصب والسلب المباشر , إلى الاستثمار في السوق . وبذلك صار شريكاً مع القطاع الخاص الاستثماري ، يفسده وينافسه (منافسة غير شريفة بسبب نفوذه في السلطة )، لكنه يتعاون معه على احتكار السوق وحصار المستهلك في خيارات مجحفة وانتهازية واحتكارية .. وصار يتضايق من صعود شرائح جديدة للسلطة من المتعطشين الجائعين الذين يريدون استغلال مناصبهم في مؤسسات الدولة ، وقد لا يجدون في الشعب شريحة أكثر دهناً يمتصونها من شريحة من سبقوهم في المناصب وصاروا ( منتجين مستقلين ) يقعون تحت رحمة النظام الشمولي . فكل من يرى أن عليه الرحيل وترك السلطة ، سوف يحاول قطع الطريق على غيره وتغيير قواعد اللعبة ، كي لا يصبح هو ذاته ضحيتها ، فينقلب نحو الدعوة الليبرالية لكي يتحرر هو من مخالب من يخلفوه في المناصب ، فإذا كان لا يستطيع توريث المنصب ( قيادة المؤسسة أو الفرقة مثلاً )، لكنه يستطيع توريث الثروة ، ولا يريد لرئيس ( المؤسسة أو الفرقة الجديد ) أن ينتزع منه ما سرقه هو من غيره بذات الوسيلة ، لذلك يتحول إلى معارض للنظام الشمولي مع أنه نتيجته .
وهكذا .. ففي حين تعتبر الماكينة السياسية للحرس القديم متبلورة في السلطة الأمنية التي تمتطي حزب البعث وأحزاب الجبهة ، يفتقد الحرس الجديد ماكينته السياسية المتميزة و التي لم تتبلور بعد ، لذلك فهو يؤكد على إفلاس المشروع السياسي للحرس القديم ، و يحاول إيجاد قوى سياسية جديدة تعبر عنه وتمثله في ساحة السياسة ، خاصة بعد فشل حزب البعث في انجاز تحول سياسي أيديولوجي مناسب له في المؤتمر القطري الأخير ، وبقاء الحزب تحت سيطرة الأيديولوجية القديمة للحرس القديم ( السلطة السياسية الأمنية العسكرية ) فيشهد المؤتمر الأخير .. زوال بعض رموز السلطة ، و احتجاج البعض الآخر على بطؤ سرعة التحول الذي صار ملحاً أكثر فأكثر بسبب الضغوط الخارجية ، والأزمات الداخلية .
نحن نفهم أن الحرس الجديد يحاول المساعدة على تأسيس تيار ليبرالي يحمله نحو المستقبل ويعيد إنتاج سلطته وموقعه في الجزء الأعلى من هرم السلطة والثروة بطريقة جديدة ، فهذا المشروع يريد تغيير الحصان والوسيلة أي النظام ، مع بقاء السلطة أو الأشخاص هم ذاتهم في قمة الهرم الاقتصادي السياسي ، وهو يرى إمكانية الانتقال من آلية القمع والطوارئ ، إلى آلية الانتخاب المحكوم بقوة المال السياسي ، فإذا كانت الليبرالية تعني حكم الأغنياء كما يفهمونها فهذا يعني أنها ستنتج سلطتهم بعد أن تحكموا بأغلب الثروة ، فلماذا يعاندون المشاريع الدولية ويقاومون التغيير ( الديمقراطي ) المنشود من قبل الجميع ؟ !! . لذلك تراهم يدفعون برموز ( مستقلة أو معارضة ) للبدء في مشروعهم ويدفعون لها ، بشرط وحيد هو عدم نبش الماضي ، ليبقوا في المرحلة الحالية وربما القادمة أيضاً وراء الكواليس ، فلا مانع لديهم من توظيف طقم سياسي ينوب عنهم ويمثل مصالحهم في السلطات ( المنتخبة ) .
في كل الأحوال يجب تشجيع هذا الجناح على إجراء قطيعة أكبر مع الاستبداد والشمولية والفساد.
المحرك الثاني : ( القطاع الخاص ) يتكون من معظم من يملك الرساميل الاستثمارية اليوم ،حيث يفهم الليبرالية أنها تقليدياً مشروع الأغنياء والمستثمرين ، وهو بذلك يلتقي مع الفهم التقليدي للسياسة ومع الحرس الجديد ..
معلوم أن الكثير منهم قد جاء بثروته من شراكاته مع المسؤولين أو من ثغرات القانون والسوق السوداء والتهريب والاحتكار والرشوة والتهرب الضريبي ، أي من اقتصاد الفساد والنهب والظل الأسود الذي نما وترعرع إلى جانب القطاع العام البيروقراطي الخاسر والمنهوب ، بعد أن حطمت الاشتراكية في بدايتها هذه الطبقة وحاربت كل منتج مستقل غير مرتبط بالفساد ، ومن تبقى أو نما بجهوده الخاصة قد دفع ثمناً غالياً جداً ويستحق كل الاحترام والتقدير كبقية فئات الشعب التي دفعت غالياً ثمن الشمولية والفساد ..
ما يعزز مفهوم هؤلاء عن الليبرالية هو موقف أغلب اليساريين منها ، ونظرتهم إليها وإلى حاملها الاجتماعي ، والذين يعارضونها لصالح نظام شمولي يعارضونه هو الآخر ، أي أنهم يعارضون الشيء ونقيضه ، ويتحدثون عن شيء ثالث افتراضي لم يقدموا مثالاً واقعياً ولا تاريخياً عنه ، لذلك فهم معارضة مطلقة ( ترفض الواقع بكل خياراته ) ، في حين يستفيد من موقفهم من يريد استمرار النظام الشمولي ، أو حالة الشلل الاجتماعي . فيعارضوا الليبرالية لصالح نظام رأسمالية الدولة الاحتكاري الطفيلي الشمولي بعد تطعيمه بطعم غير قابل للحياة أي الديمقراطية ، وتحت مفاهيم اقتصادية مضللة وغائمة ..
مرة أخرى أيضاً يجب تشجيع القطاع الخاص على إجراء قطيعة أكبر مع الفساد والاحتكار والاستبداد ، والتقارب أكثر من مطالب ومصالح بقية فئات الشعب .
المحرك الثالث هو توجه ثقافي - قيمي يرى أن الليبرالية ( تماماً كما كانت الشيوعية ، والحداثة عموماً ) هي طريقة للتمرد على الواقع و الموروث .. والانتساب للغرب والحضارة ! ، فهم يريدون الحرية لكي يتخلوا ، مدفوعين بمخاوف من إرهاصات قيام نظام شمولي ديني أو قومي جديد ، وهذا النهج يتلاقى مع العولمة الثقافية ، ومع التوجه الدولي المحارب للإرهاب ( الذي يربط بين الإسلام والإرهاب والعروبة والاستبداد ).. وهو تيار ليس بعيداً ً عن الحرس الجديد أيضاً , وإن كان يصر على درجة أكبر من الليبرالية السياسية .
المحرك الرابع وقوده قوى واسعة تنتمي للطبقة الوسطى والدنيا المتضررة من النظام الشمولي الفاسد ، هي الآن في طور بلورة وعيها وبلورة هويتها السياسية الليبرالية ( التي تبنيها على أنقاض موروث أيديولوجي ثوري ويساري وديني وقومي كان شائعاً بينها في المرحلة الماضية وقد أثبت إفلاسه بالجملة والمفرق ) .
هذه القوى تحاول أن تفهم الليبرالية على أنها فلسفة للحرية في مواجهة الشمولية والاستبداد ، والتي تسمح بالتعبير السلمي عن الذات والهوية والقيم والعقائد ، من دون قمع ومنع الآخرين ولا إرهابهم ، و تفهم العلمانية على أنها تحييدا لرجال الدين عن السلطة السياسية وليس إنكارا للدين وأهميته في صعيد الثقافة والقيم . وترى أن الديمقراطية لا يجب أن تلغي الهوية القومية ولا الدينية ، لكنها تشترط استمرار اللعبة الديمقراطية و ضمان كامل لحقوق الأقليات ولشرعية المعارضة . كما أنها تفهم الحرية الاقتصادية وقانون السوق كشيء لا يتناقض مع التزام الدولة تجاه مواطنيها ، ومع نظام الضمان الاجتماعي ، لكن شكل هذا الالتزام ، يمكنه أن يتم عبر نظام ضرائب تفرض على نشاطات اقتصادية حرة وخاصة ، وليس عبر ملكية دولة الحزب الواحد واحتكارها مفاصل الاقتصاد والحياة .. كما هو في المفهوم الاجتماعي ( الاشتراكي ) . وهذا التيار لن يرحب في تبييض أموال الفساد ولا في انتقال رموزه للسلطة من جديد . إنه تيار لا يرى مشروع الحرية خاص بالمستثمرين والأغنياء ، ويرفض تبني مفاهيم سياسية ميكانيكية هي جزء من أيديولوجيا شيوعية بائدة . لكنه يناضل ضد مفاهيم قديمة عن الليبرالية وضد تشويه صورة تلك الفلسفة ويرفض اقترانها بجشع الرأسماليين على الدوام وفي كل مكان ، و يرى أن النظام الاشتراكي لم يحقق له أي من الوعود التي وعد بها . وشرط تحالفه مع بقية المحركات ما يزال غير مكتمل بسبب الموقف من الفساد والاستبداد ومن مسؤولية مرتكبيه ، ودورهم في المستقبل .
أخيراً.. إذا كان هناك في المعارضة من يريد تغيير السلطة ( حزب البعث ) دون تغيير النظام الشمولي ، والبعض في السلطة يريد تغيير النظام فقط دون تغيير السلطة وشخوصها ( ليبرالية اقتصادية فقط ) ، فإن المعارضة الحقيقية هي التي ترى ضرورة تغيير السلطة والنظام معاً وضمان أن لا تكون الحركات المعارضة مطية لإعادة إنتاج أو تكريس الفساد ولا الاستبداد ، المعارضة التي تريد من النظام الديمقراطي أن يقدم فرصاً حقيقية لإعادة توزيع وتداول السلطة والثروة معاً عبر آلية السوق وقيم الحرية والنظام الديمقراطي ، وليس عبر توجيهات الحزب القائد ، الذي لم يخطط إلا لجيوب وأبناء مسؤوليه فقط .
وإذا كان مطروحاً على التيار الليبرالي أن يدفع بمشروع التغيير السلمي للنظام الديكتاتوري الشمولي واستبداله بنظام ديمقراطي ليبرالي ، وأن يتبنى مشروع المصالحة الوطنية الكاملة ، والحفاظ على السلم الاجتماعي ، فيجب أن تتوحد المحركات الدافعة لهذا التيار على مبادئ وقيم وضمانات وروح وطنية وقيمية واضحة ومحددة ، تكون مقبولة من قبل أغلب شرائح المجتمع ، تأخذ بعين الاعتبار إرادة المجتمع الدولي ومتطلبات العولمة ، وهذا يتوقف على تغيير خطاب الحرس الجديد والقطاع الخاص الذي يتغاضى عن نقض الفساد والاستبداد ، وليس تغيير خطاب عموم المجتمع الذي ينتقدها بأقسى العبارات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست