الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بوكو حرام في نيجيريا ....داروين حرام في فلسطين

عبد المجيد حمدان

2014 / 7 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بوكو حرام في نيجيريا ..............داروين حرام في فلسطين
بوكو حرام تعبير ، أو اسم ، فرض نفسه على سمعنا ، وعلى مدار السنوات الماضية . ورغم معرفتنا أنه اسم لتنظيم إسلامي ، يتخذ العنف طريقا لتحويل نظام أكبر بلد إفريقي – نيجيريا 154مليونا و923 ألف كيلومتر مربع – إلى نظام ديني إسلامي ، رغم ذلك فإن الاسم ذاته ، لم يحفز فضولنا للوقوف على محتواه ، أو حتى على معناه . وفي ظني أن ذلك يعود لسببين . الأول : أن تيارات ، ومنظمات الإسلام السياسي التي تتخذ العنف طريقا لبلوغ هدفها – إقامة الدولة الدينية – كثيرة ، وناشطة ، ومنتشرة على مساحات واسعة من كرتنا الأرضية . والثاني ، وربما هو الأهم ، أن لفظة بوكو غير مفهومة لنا ، ربما لكونها غير موجودة في قواميس اللغات الحية .
مؤخرا قامت هذه المنظمة باختطاف 276 طفلة ، تحت سن الثانية عشرة ، من مدرسة مسيحية داخلية . ووفر هذا الاختطاف ، وتبجح أحد قادتها بنية اتخاذ بعضهن ملك يمين ، وبيع البعض الآخر ، وعلى الطريقة الإسلامية ، سبايا قي سوق النخاسة ، ثم فشل الدولة النيجيرية ، والقوى المساندة ، في العثور على أي أثر لهن ، كل ذلك وفر حافزا للحفر في اللغات ، فمعرفة المعنى لهذا الاسم ؛ بوكو حرام . واتضح أن كلمة بوكو مأخوذة من لغة محلية ، محكية ، ومعناها التعليم .
العلم الكافر :
"التعليم حرام "، هو إذن اسم هذا التنظيم الإسلامي ، الساعي لتحويل أكبر دولة إفريقية ، يشكل المسلمون 50 % من سكانها ، إلى دولة دينية إسلامية ، وفرضها على النصف الآخر من السكان ، مسيحيين ووثنيين . ولأن تنظيم " التعليم حرام " ينتمي عقائديا لأمة اقرأ ، فمن غير المنطقي والمعقول ، سحب حرمة التعليم ، على كل تعليم . ومع أن هذه المنظمة ، ومثيلاتها ، تعلن بعلو الصوت أن كل التعليم حرام على الإناث ، فهي في ذات الوقت تؤكد أن بعضه فقط حرام على الذكور . وهذا "البعض !" محدد بدقة ، وهو ما يوصف ، في أدبيات كل تيارات الإسلام السياسي بالعلم الغربي الكافر . والأخير يشمل كل العلوم التي يجري تعليمها في مختلف الكليات الجامعية ، والمعاهد العليا ، والكليات التطبيقية ، والمؤسسات البحثية ، باستثناء العلوم المتعلقة بالدين وباللغة العربية . يعني ذلك أن تعبير "العلم الغربي الكافر " ينطبق على عشرات إن لم يكن مئات من فروع العلم المختلفة . وهو كل ما تدرسه كليات العلوم والآداب والهندسة والطب والصيدلة ، والتجارة والاقتصاد ، والحقوق ، والفنون ... الخ ... الخ ، عدا كلية الشريعة وأصول الدين ، والمعاهد الدينية المتعددة ، وقسم اللغة العربية وآدابها ، في كلية الآداب . أما لماذا كل هذه العلوم ،هي علوم كافرة ، فذلك ، ومن منظور تيارات الإسلام السياسي ، لسببين : الأول أن المسلمين لم يسهموا فيها بأي إسهام ذي قيمة فعلية . ومن أسهم منهم فقد جاء إسهامه بعد حصوله على جنسية أخرى ، وباسم هذه الجنسية الجديدة ، أحمد زويل كمثال . والثاني أن كل هذه العلوم تحوي فرضيات وأفكارا ونظريات وقوانين ، تناقض أو تعارض ، تنفي أو تدحض ، كثيرا من ثوابت الدين ، كما وردت في الكتب المقدسة ، وفي القرآن على وجه التحديد .
وبالعودة لتنظيم " التعليم حرام " ، فإنه يلفت الانتباه فالدهشة ، أن هذا التنظيم ، رغم فجاجة اسمه ، وتتالي جرائمه ، وليست جريمة خطف الطفلات آخرها ، حظي ، وما زال يحظى ، بدعم محلي وخارجي متنوع ، فاعل وقوي . دعم معنوي ، سياسي ، إعلامي ، أدبي ، مالي وعسكري متعدد الوجوه والإمكانات . والدليل قوته المتنامية من جهة ، ونجاحه في إفشال جهود الدولة النيجيرية ، والقوى المساندة لها ، وأمريكا في المقدمة ، في تتبع ولو لخيط واحد يقود إلى الفتيات المخطوفات ، من جهة أخرى . معنى ذلك أن هناك قوى ، وأشخاص بكل تأكيد ، ما زالت تفضل عتمة الجهل على نور العلم ، وتضع الكثير من إمكانياتها ، وتوظف قدرا كبيرا من طاقاتها ، ليسود ذلك .
وليست فجاجة الاسم – التعليم حرام – هو ما يتوجب أن يدعونا للتنبه إلى خطره ، والذي قد يراه بعض المتحذلقين من المثقفين ، تطيرا لا مبرر له . فمثيل هذا التنظيم – طالبان أفغانستان - ، حين حكم ، حول الاسم إلى واقع ، وأعاد التعليم هناك قرونا إلى وراء .
والواقع على الأرض ، القائم منذ عقود ، يقول أن الحكومات العربية ،المتأثرة بفكر تيار من تيارات الإسلام السياسي ، نجحت في المواءمة بين صورة عصرية تحتاجها إقليميا ودوليا ، وبين الاستجابة لرؤية وموقف هذا التيار ، من العلم الغربي الكافر .

ففي العالم العربي أبقت النظم الحاكمة على هذه العلوم في المناهج التعليمية ، المدرسية والجامعية . وحرصت في ذات الوقت على إيصالها لمتلقيها شكلا بلا مضمون . وبعبارة أخرى أبقت تعليمها عند حدود المعرفة النظرية فقط ، وبعيدة تماما عن تطبيقاتها العملية . وظلت النتيجة ، وعلى مدار العقود الماضية ، تظهر على صورة نجاح هذه النظم في تحصين متلقي هذه العلوم ، في المدرسة أو الجامعة ، ضد استيعاب فرضيات ، أفكار ، نظريات وقوانين هذه العلوم ، والقذف بها عند عتبة الفصل ، لحظة الخروج . ذلك يحدث رغم محاصرة تطبيقاتها للمتلقين ، في كل وأبسط تفاصيل حياتهم . هل يفسر ذلك حقيقة أن العقل العربي سطحي ، غيبي ، قدري ، لا علاقة له بالعلم وتفسيراته ، رغم محاصرة العلم ، تفسيراته وتطبيقاته ، لهذا العقل من كل جانب ؟ ربما .
داروين في فلسطين :
ومن التعميم تعالوا ننتقل إلى شيء من التخصيص . في فلسطين ، كمثال ، طبق قطاع غزة المنهاج المصري ، فيما سرى تطبيق المنهاج الأردني على القدس والضفة . والتزم الاحتلال بهذا النظام ، بعد شطبه لمنهجي الزراعة والقضية الفلسطينية ، وإجراء بعض التعديلات على منهجي اللغة العربية والدين . وفي صراع النظام الأردني مع منظمة التحرير الفلسطينية ، قبل وبعد أيلول الأسود ، استعان النظام بجماعة الإخوان المسلمين ، وسلمهم وزارة التربية والتعليم ، محط نظر منظمات الإسلام السياسي . ولم يكتف الإخوان بما تحقق من تفريغ علوم الطبيعة ؛ الفيزياء والكيمياء والأحياء والجيولوجيا ....من مضامينها ، أسوة بما هو حادث في بقية البلدان العربية . ففي وقت لاحق عمدوا إلى حذف مادتي الفلسفة وعلم الاجتماع من منهاج الصفوف الأدبية ، وحذف نظرية داروين من كتاب الأحياء ، للتوجيهي العلمي . وسارع الاحتلال ، بدعوى الالتزام بتطبيق المنهاج الأردني ، بحذف هذه المواد من مناهج التعليم في الأرض المحتلة .
السلطة الفلسطينية ، وبعد تسلمها لإدارة التعليم ، تصرفت وكأنها قادمة من الهنولولو . أبقت على المناهج كما تسلمتها من الاحتلال ، وبما في ذلك هذا الحذف لمادتي الفلسفة وعلم الاجتماع ، ولنظرية داروين في مادة الأحياء . وأكثر ، أبقت على الحذف الآخر الذي أحدثه الاحتلال -، أي حذف منهاج الزراعة لمختلف الصفوف ، كما حذف مادة القضية الفلسطينية . وبعد بعض الوقت أجرت ما وصفته بتحديث للمناهج ، زادها سوءا على سوء .
وحدث أن ثريا فلسطينيا ، وبمشاركة أثرياء آخرين ، وظف استثمارا في مجال التعليم . بنى صرحا أطلق عليه اسم مدارس المستقبل . اسم لافت للنظر ، وباعث على الأمل والتفاؤل . ولكسب التنافس داخل سوق المدارس الخاصة ، الممتد ،والمتمدد داخل الأرض المحتلة ، رأى هذا المستثمر وجوب تقديم جديد ومتميز ، في الخدمة التعليمية . ولأن وزارة التربية والتعليم ، تكتفي في علاقتها بالمدارس الخاصة ، إلزام الأخيرة بالتقيد بالعناوين العامة للمناهج المقررة ، فقد اختار المستثمر وشركاه ربط مدارسهم بمنهاج كامبريدج ، وبدءا من الصف التاسع . ويبدو أن الربح المادي المتحقق ، حفزهم هذا العام لتطوير الربط بمنهاج كامبريدج ، وليبدأ من الصف السادس فما فوق .
إلى هنا كان هذا التطوير رائعا ويبعث على التفاؤل والأمل . وفي بداية العام وزعت الإدارة ، كما تقضي الأعراف ، المناهج والكتب المقررة ، على الطلاب والمعلمين . وكان أن منهج العلوم للصف الثامن ، ودون أن تنتبه الإدارة كما يبدو، وربما المستثمرون أيضا ، تضمن نظرية داروين . كما كان أن أحد أولياء الأمور ، توجه بسؤال للإدارة عما إذا كان تدريس نظرية داروين ، حدث في إطار النشاط العام ، الذي لا يريد لابنه حضوره ، أم وقع ضمن المنهاج ، ولا حول ولا .
ولي الأمر هذا لم يكلف خاطره بالاطلاع على الكتاب المقرر الذي يحمله ابنه . كما أن الإدارة أفاقت على هول الحدث ، وليبدأ نائب المدير تحقيقا مع الطلاب ، الذين أفادوا بأن معلمة المادة علمتهم النظرية ، وان نقاشا ، كما هي العادة في مثل هذا الحال ، جرى بينهم ومعها .
استدعت الإدارة المعلمة المختصة التي أفادت بأنها فعلا درست النظرية . وردا على سؤال الإدارة أوضحت بأنها مقررة في المنهاج الذي تسلمته في بداية العام ، والذي وزعته المدرسة على الطالبات والطلاب . وبدرجة من الغباء قل مثيلها ، بدا أن الإدارة فوجئت ، سألت المعلمة ما إذا أوضحت للطلاب أن النظرية خاطئة أم لا . ولما كان رد المعلمة بالنفي ، سألوها إن كانت تؤمن بالنظرية . ولما ردت بأن النظرية علم ، وليست دينا ، لتؤمن أو لا تؤمن بها ، انتقلوا إلى سؤالها عما إذا كانت تعتبرها صحيحة أم لا . وانتقلوا مباشرة إلى تكفيرها ، حين قالت بصحة النظرية . وهكذا انتقل الحوار الاستجواب ، إلى مجال آخر ، انتهى بقرار الإدارة فصل المعلمة ، وتعليل الفصل بجملة اتهامات ؛ منها التكفير ، فسب الدين ، وشتم الذات الإلهية – نعتت الإدارة بالجهل في كل من العلم والدين - ، وقبل هذا وذاك تدريس نظرية داروين الإلحادية .....الخ .
وقفة قصيرة :
وهكذا إذن نكون قد وصلنا متأخرين عن أوربا قرنا ونصف القرن ، وعن أمريكا أقل من قرن بقليل . فما أن نشر داروين ملخص أبحاثه التي استمرت خمس عشرة سنة ، أواسط القرن التاسع عشر ، في كتابه المعروف بأصل الأنواع ، حتى قامت قيامة رجال الدينين المسيحي واليهودي . وازدادت الحملة شراسة بعد نشره كتاب " أصل الإنسان " ، المكمل لكتابه الأول . وخلاصة الكتابين أن جميع أنواع الكائنات الموجودة على كرتنا الأرضية ، بما في ذلك الإنسان ، لم تكن لحظة النشوء ، على الصورة التي هي عليها الآن . وأنه في مسيرة التطور المعقدة ، وطويلة المدى ، انقرضت بعض هذه الكائنات ، فيما تدل على ذلك بقاياها الأحفورية ، وحلت أخرى محلها .
ما أثار حفيظة رجال الدين ، أن نظرية داروين جاءت ، ليس فقط ، لتحيي الجدل حول كروية الأرض ، ودورانها حول نفسها وحول الشمس ، بما عنت من نقض لثوابت دينية . ذلك الجدل الذي أنهى حياة عديد من العلماء حرقا وشنقا . فالنظرية الجديدة – نظرية داروين - تنقض الرواية الدينية للخلق ، خصوصا خلق الإنسان ، على ذات الصورة التي هو عليها الآن ، من أب واحد ، وأم واحدة ، آدم وحواء ، وأسطورة الجنة ، والخطيئة الأولى ، وطردهما منها .
وكما يحدث في هكذا معارك ، جندت الكنيسة المسيحية ، والكنس اليهودية ، بعض من وصفوا بالعلماء ، لدحض وتخطيء نظرية داروين . وطال الصراع مع النظرية ، في أوربا القرن التاسع عشر ، وأمريكا القرن العشرين ، ولكن لينتهي إلى عكس النهاية التي انتهى إليها صراع القرون الوسطى ، والذي أودى بحياة العديد من العلماء حرقا وشنقا ونفيا . انتهى هذه المرة بانتصار العلم وتثبيت النظرية ، وتدريسها في المدارس والجامعات .
وبديهي أن علماء المسلمين لم يقفوا متفرجين على هذا الصراع . أدلوا بدلوهم هم الآخرون . لكنهم ركنوا إلى حالة التخلف والجهل التي تعيشها بلدانهم ، واكتفوا ليس فقط بإدانة النظرية وتخطيئها ، بل وبتكفير من يطلع عليها ومن يعلمها ، ومن يقبلها .
وما لا يعرفه الكثيرون أن داروين ، مثل كوبرنيكس وغاليليو وآخرين ، بدأ حياته بدراسة اللاهوت ، والدفاع العنيد عن تفسير الدين للظواهر الطبيعية . لكن انخراطه في أبحاث امتدت عشرات السنين ، وما توصل إليه من حقائق لا تقبل الدحض ، هو ما حوله إلى الانحياز للعلم ، ولينال شرف اتهامه بالإلحاد ، ومسلسل الاتهامات اللاحقة .
لماذا الآن ؟
أما اللافت للنظر فهو أن مدارس المستقبل – لاحظوا الاسم ودلالاته – الآن ، وفي فلسطين ، أعادت ، وبنسخة كربونية ، ما جرى في مدرسة أمريكية - ولاية تينيسي - العام 1925 . هناك أيضا اعترضت الكنيسة ، وليس إدارة المدرسة ، على قيام معلم شاب بتدريس نظرية داروين . وبلغ التحريض ، والمظاهرات ، حد تقديم المعلم لمحاكمة ، عرفت باسم محاكمة القرد ، سجلتها السينما الأميركية في فيلم رائع تحت اسم Inherit the wind . . وحيث انتصر العلم على التحريض والخرافة .
وكما أشرت ، جندت الكنيسة علماء قالوا بخطأ نظرية داروين . واليوم يستند من يصفون أنفسهم بعلماء المسلمين ، ومنهم إدارة مدارس المستقبل ، إلى ما يصفونه بخطأ نظرية داروين ، ونقض مكتشفات علم الانثروبولوجي ، وعلم الجينات ....الخ ، لما جاء فيها . وما يثير الأسى أن هؤلاء العلماء دأبوا على تسول موقف لأي شخص غربي ، يخلع على نفسه صفة العالم ، ويقول بخطأ النظرية .
وفي القرن الماضي شهدت الولايات المتحدة جدلا مشابها ، تعلق بصحة وخطأ نظرية داروين . هذا الجدل دفع مؤسسات بحثية ، وجمعيات علمية ، لتقديم إحصائية حول الأمر . وجاءت النتيجة على النحو التالي : في الولايات المتحدة 334 ألف عالم وأستاذ جامعي متخصص في علوم الطبيعة ، يقولون بصحة النظرية ، بينهم 46 ألف متخصص في علوم الأرض و44 ألفا في علم البيولوجي – الأحياء – مقابل 720 متخصصا في نفس العلوم يرفضونها .
مأزق صغير :
الآن يلجأ رافضو النظرية إلى كشف لعلم الانثربولوجي ، لتكرار القول بخطئها . علماء الانثروبولوجي عثروا مؤخرا ، في إثيوبيا ، على هيكل عظمي لامرأة ، قدروا أنه يعود لأربعة ملايين سنة . البعض ، ومن هذا البعض علماء ، زعموا أن هذا الكشف ينفي استنتاج داروين بانحدار الإنسان الأول ، من عائلة منقرضة من القرود ، أقرب للشمبانزي . وقد يكون هذا الاستنتاج صحيحا ، لكن معتمديه من رجال الدين ، يوقعون أنفسهم في مأزق صغير . فإذا كان الإنسان ، والأنثى بشكل خاص ، موجودا باستقامة عموده الفقري ، منذ ذلك الزمن السحيق ، فماذا عن حكاية خلق آدم ، وخلق حواء من ضلعه ، وطردهما من الجنة ، وإسكانهما الأرض لإعمارها ؟ فهذه الحكاية – الأسطورة ، كما وردت في الكتب المقدسة ، تعيد وجود آدم إلى ما يزيد قليلا عن ستة آلاف سنة . كيف ؟
في البحث عن الجواب ، دعونا لا نلتفت إلى ما تقوله التوراة ، لقناعة المسلمين بأنها محرفة ، وبالتالي لحساباتها ، التي تقدر عمر آدم بقرابة الستة آلاف سنة . ودعونا من جدل استنطاق القرآن في المسألة ، ونكتفي بالشاهد التالي ؛ وهو سلسال نسب النبي . وفي هذا السلسال الذي يتصدر كل كتب السيرة النبوية ، ويؤمن كل مسلم بصحته إيمانا قاطعا ، نقع على ما يلي :
يعيد هذا السلسال نسب النبي إلى آدم ، مرورا بإبراهيم ، ونوح . وبحسبه يأتي إبراهيم في مركز الجد الثلاثين ، ونوح الجد الأربعون ، أما آدم فهو الجد الخمسون . وبحساب بسيط وبافتراض أن الفاصل الزمني بين الجد والحفيد هو خمسون سنة ، وحتى مائة سنة ، يكون آدم قد سبق النبي بخمسة آلاف سنة ، وب6400 سنة من الآن ، ولنقل سبعة آلاف سنة . هذا معناه أن عمر آدم ، أبو البشرية كلها ، وعمر أمنا حواء ، من عمر الحضارة المصرية ، كما هو من عمر الحضارة السومرية . وإذا كانت أنثى الإنسان موجودة قبل أربعة ملايين سنة ، فما معنى اضطرار الله لخلق حواء من ضلع آدم ؟ وكيف يكون آدم ، حسب الرواية القرآنية ، أبا للبشرية كلها ، وخليفة الله في الأرض ، وقد سبقت الحضارة الإنسانية نزوله من الجنة ؟ هل يعني هذا ، من منظور العلم ، غير أن كل قصة آدم ، وما ترتب عليها ، وفي المقدمة خلق حواء من ضلعه ، ما هي إلا مجرد أسطورة لا مكان لها في عالم الواقع والحقيقة ؟ وقياسا على ما يحدث مع نظرية داروين ، هل يتوجب على سدنة الدين النهوض وتخطيء علم الانثروبولوجي ، ومنع تعلمه ومزاولته وتعليمه ، أسوة بما يفعلونه مع نظرية داروين ؟ بديهي أن لو حكم هؤلاء ، فلا مكان لهذا العلم أو غيره في حياتنا .
ومن جديد لماذا الآن ؟
لكن ما سبق يطرح علينا سؤالا وبإلحاح : لماذا الآن يجري هذا التغيير على نهج ، في تعليم العلوم ، أثبت نجاعة ، وحقق نجاحا متواصلا ؟ فالذين قاموا قومتهم في فصل معلمة درست نظرية داروين ، وداروا خيبتهم الإدارية بكيل تهم الكفر، وسب الدين ، وشتم الذات الإلهية لها ، ربما لا يعرفون أن تدريس هذه النظرية ، على مدى ثلاثة عقود ، من العام 1950 حتى العام 1980 ، لم ينجم عنه ما يبرر مخاوفهم . فهل كان الحوار في الصف هو ما أثار رعبهم ؟ وهل كان القرار قطعا لطريق الحوار في باقي العلوم ؟
هناك إقرار الآن بكروية الأرض . ومجسم الكرة الأرضية لا تخلو منه مدرسة ، أساسية أو ثانوية . وهناك إقرار بدوران الأرض حول الشمس ، وحول نفسها . وعندما خرج علينا مفتي العربية السعودية ، المرحوم بن باز ، قبل بضع سنوات ، بتكفير من يقول بكروية الأرض ، ووجه بالكثير من السخرية ، قبل الاستنكار . والحقائق السابقة هي ذاتها التي تسببت في الحكم على مكتشفيها من العلماء بالحرق وبالإعدام والنفي . فهل يتذكر أحد الآن شيئا عن تلك المحاكمات ، وعن تناقض هذه الحقائق مع ثوابت الأديان السماوية الثلاث ؟
لقد نجح نهج تدريس العلوم ، في بلادنا العربية ، بتجريدها من مضامينها . ولأنها غدت كذلك ، فلا يخطر ببال أي متلق لأي علم منها ، أن قوانينه تناقض ثوابت الدين . كيف ؟
لنأخذ مجسم الكرة الأرضية كمثال . هذا المجسم موجود في كل المدارس والمكتبات كما أشرنا. وقد يتصدر الكثير من مكاتب كبار الموظفين . ومع أن قصة حرق علماء قالوا بكروية الأرض معروفة ، فلا يحفز وجود هذا المجسم أمام ناظري أي شخص على التأمل فيه ، ومن ثمََّ على معرفة ما يحمله من أوجه التناقض مع ثوابت الدين . والسبب أن نهج التعليم تكفل بذلك .
الطريف الآن أن بعض مرتزقة العلم بالدين ، يتحفوننا باكتشاف رهيب ، وهو ما يصفونه بسبق القرآن للقول بكروية الأرض . ففي سورة النازعات ، تقول الآية 30 : { والأرض بعد ذلك دحاها } . ومع أن كل التفاسير القديمة تقول بأن دحاها تعني بسطها ، إلا أن هؤلاء السادة العلماء ، يقولون أن دحاها تعني كورها ، أي جعلها على شكل كرة . وتبعا لذلك يكون القرآن قد سبق العلم بالكشف عن كروية الأرض بأكثر من ألف سنة .
ونقول : نِعْمَ القول هذا ، ونِعْمَ التفسير هذا . لكنهما – القول والتفسير – يجبراننا على العودة للتدقيق في مضمون الخلاف ، والذي انتهى بحرق أولئك العلماء الذين قالوا بكروية الأرض . فهذا القول – بكروية الأرض - ناقض ما استقر عليه فهم ما ورد عنها في الكتب السماوية ، وهو أن الأرض منبسطة . وللقائلين بأن دحاها ، في الآية السابقة ، تعني جعلها على هيئة الكرة ، تعالوا نتمعن في الكثرة من الآيات التي تطرقت لخلق الأرض . 1- { الذي جعل لكم الأرض فراشا .....} 22 البقرة . 2- { وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا .....} 3 الرعد . 3- { والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها ......} 19 الحجر . 4- { أمَّن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي .....} 61 النمل . 5 – { والأرض فرشناها فنعم الماهدون } 48 الذاريات . 6- { والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا فيها سبلا فجاجا } 19 نوح . 7- { ألم نجعل الأرض كِفاتا * أحياءا وأمواتا * وجعلنا فيها رواسي شامخات ....} 24 ، 25 ، 26 المرسلات 8- { ألم يجعل الأرض مهادا * والجبال أوتادا } 6 ، 7 النبأ . 9- { والأرض وما طحاها } 5 الشمس . 10 – { وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بكم وجعلنا فيها سبلا ....} 31 الأنبياء .
وكما نرى تجمع هذه الآيات بين الصورة التي خلقت الأرض عليها ، مسطحة منبسطة ، وبين الدور الموكل للجبال ، كرواسي ، كدعائم ، كأوتاد ، تحفظ هذه الأرض المنبسطة ، المسطحة ، من احتمالية خطر الميلان فالانقلاب . والآن ربما يقول قائل : ولكن كل الآيات السابقة لا تعني أن الأرض ، كل الأرض ، هي المنبسطة ، وإنما تعني تلك البقعة ، أو البقع ، من الأرض التي يعيش عليها الناس ، وهي منبسطة فعلا ، رغم حقيقة كروية الأرض . وهذا قول منطقي ومعقول تماما .
إذن تعالوا نتجاوز السؤال عن دور الجبال كرواسي ودعامات تحول دون ميلان الأرض وانقلابها . ولنسأل : هل المقصود في الآيات السابقة ، بعبارة الأرض ، كوكب الأرض ، أم اليابسة من الأرض ، والتي تشكل ربع الكوكب تقريبا ؟ أم بقعة محددة يعيش عليها الناس ، ويرونها منبسطة ؟ للإجابة تعالوا نستطلع المزيد من آيات خلق الأرض .
أي أرض ؟ :
إضافة للآيات التي مر ذكرها ، تعالوا نستعرض بعض ما جاء منها في خلق السماوات والأرض ؛
1- { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم } 29 البقرة ، و{ بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون } 117 البقرة .
2-{ إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره .....} 54 الأعراف .
3- { إن ربكم الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر .....} 3 يونس .
4- { وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ....} 7 هود .

5 -{ وهو الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ......} . 2 الرعد .
6- { أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما * وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتنا معرضون } 30 ,32 الأنبياء .
7- { ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه .....} 65 الحج .
8 – { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين } 17 المؤمنون .
9- { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم } من 9 – 12 فصلت .
10 – { والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون * والأرض فرشناها فنعم الماهدون } 47 ، 48 الذاريات .
تقول هذه الآيات أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام . ودعونا نتجاوز الآن ما تقوله الآيات ، بند 9 ، من سورة فصلت ، بأن الخلق تم في ثمانية أيام لا ستة . المهم أن الآيات تقول وبوضوح أن خلق الأرض سبق خلق السماوات ، كما سبق خلق الشمس والقمر . وهذا أمر مناقض تماما لما استقرت عليه العلوم الطبيعية . فإذا كان عمر الشمس نصف عمر الكون تقريبا ، فقد سبقت خلق الأرض بمئات ملايين السنين . وأكثر من ذلك تقول النظريات العلمية بأن الأرض جزء من الشمس ، انفصلت عنها بعد انفجار هائل حدث في الشمس ، واحتاجت ملايين من السنين إلى أن بردت . وأما القمر فقد انفصل عن الأرض بعد ذلك بملايين السنين أيضا ، ونتيجة لاصطدام جسم كبير مع الأرض . ما يهمنا هنا أن العلوم وقوانينها مناقضة لثوابت الدين . وهو ما يضعه رجال الدين في صدارة اهتمامهم عند إقرار مناهج العلوم وتدريسها .
وإذا ما عدنا لموضوع الأرض ، نرى أن الآيات السالفة تؤكد أن تعبير الأرض شامل وواسع ، من حيث كونه صنوا للسموات . يعني أن الحديث عن انبساط الأرض وتسطيحها ، لا يجري عن بقعة منها ، ولا حتى عن مجموع اليابسة – تشمل القارات الخمس وآلاف الجزر في المحيطات - . وذلك يعني أن القول بكروية الأرض ، ينسخ كل الآيات السابقة . والنظر لمجسم الأرض يرينا وبوضوح ، أن الجبال لا تؤدي مهمة الرواسي ، ولا تحافظ على توازن الأرض ، هذا التوازن الذي تتكفل به قوانين الجاذبية . وهي ، أي الجبال ، وحسب معروف الرصافي ، في كتابه العبقري ، " الشخصية المحمدية " ، لا تتعدى كونها بثورا ، تشوه جمال وجه الأرض . ونخلص إلى القول بأن معارضة سدنة الديانات السماوية للعلم ، والسعي لمنع تدريسه ، لم تنطلق به الكنيسة من فراغ . وظنت أنها باستصدار أحكام حرق العلماء ، أو إعدامهم ، إنما تخدم خلاص البشرية الروحي .
السماوات :
السماوات ، في الآيات السابقة ، سقوف بعضها فوق بعض . والنجوم والكواكب موجودة في السماء الدنيا ، بغرض الزينة ، وحماية السماء من استراق الشياطين السمع ، عند نزول الله وملائكته ، إلى السماء الدنيا . { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد *لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دَحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } .من 6 – 10 الصافات . و { ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فاتبعه شهاب مبين } 16 ،17 ، 18 الحجر .
ولقد أطنبت سيرة الإسراء والمعراج ، وعلى لسان النبي ، في وصف هذه السماوات . سقوف عملاقة ، لكل واحدة منها بوابة ، كما هو الحال على الأرض ، يقف عليها حراس من الملائكة . وكما في البيوت ، تنفتح هذه البوابات ، بعد الطرق عليها ، وبعد تدقيق الملاك الحارس ، في هوية الطارق ، يسمح أو لا يسمح له ، بعدها بالمرور .
أما الشمس والقمر فلهما مهمة واحدة هي إنارة الأرض . ومرة أخرى ناقضت علوم الطبيعة كل ذلك جملة وتفصيلا .
ومنذ وقت بات معلوما لدينا أن الأرض كوكب صغير ، وواحد من مليارات الكواكب المنتشرة في الكون على أبعاد هائلة . وما تعارف عليه الأقدمون بأنه السماء ، ما هو في حقيقة الأمر ، إلا غلاف غازي محيط بالأرض ، وبسمك يصل إلى بضع مئات من الكيلومترات . وبعد هذا الغلاف الغازي فضاء لانهائي . ومدار الأرض حول الشمس يقدم دليلا واضحا ، بأن لا وجود لسماوات ، مسقوفة ، أو غير مسقوفة ، وبالأوصاف التي تحدثت عنها الآيات السالفة وغيرها .
دوران الأرض :
وجاءت ردة فعل رجال الدين ، على كشف العلم لحقيقة دوران الأرض حول نفسها ، وحول الشمس ، أكثر حدة من سابقتها – المتعلقة بكروية الأرض - . ذلك لأن هذا الكشف حمل تناقضات جديدة مع ثوابت الدين ، أكثر وضوحا ، وأبلغ أثرا من سابقاتها . وللوقوف على ما استفز رجال الدين ، تعالوا نطالع الآيات التالية :
1. تنص سورة القدر على التالي : { إنا أنزلناه في ليلة القدر * وما أدراك ما ليلة القدر * ليلة القدر خير من ألف شهر * تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر * سلام هي حتى مطلع الفجر }
2. { وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل ٌّفي فلك يسبحون } 33 الأنبياء .
3. { وذلك بأن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وأن الله سميع بصير } 61 الحج .
4. { تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا منيرا * وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذَّكِر أو أراد شكورا } 61 ،62 الفرقان .
5. { خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار } 5 ص
6. { ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا * وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا } 15 ، 16 نوح
7. { وبنينا فوقكم سبعا شدادا * وجعلنا سراجا وهاجا } 12 ،13 النبأ
الآن وإذا ما وقفنا عند دوران الأرض حول محورها ، وتستغرق الدورة أربعا وعشرين ساعة ، نقع على تفسير فيزيائي بسيط ، لكل من الليل والنهار . وأكثر تفسر لنا هذه الظاهرة الضوئية ، تفاوت حالات النهار ، من فجر ، وصبح ، وضحى وظهر ، وعصر ، ومساء . كما تفسر التفوت في درجات عتمة الليل . المسألة تخص كمية أشعة الشمس الواصلة للمكان ، أثناء دوران الأرض حول نفسها ، ومواجهة أجزاء منها للشمس ، واحتجاب أخرى عنها . وصار بإمكان أي طالب إجراء تجربة مثيلة في المختبر ، والتعرف على حقيقة الليل والنهار ، ودرجاتهما . بمعنى أن هذه الظاهرة الفيزيائية ، الضوئية ، تنفي صفة الإعجاز التي تتحدث عنها الآيات السابقة .
وتبقي مسألة ليلة القدر . فقد بتنا الآن نعرف أن لا شيء اسمه ليل ، أو نهار ، على كامل الكرة الأرضية . هناك نهار على نصفها المواجه للشمس ، وليل على نصفها المعاكس للشمس . وكل واحد منا يستطيع الآن ، وبسهولة ، باستخدام الانترنيت ، معرفة التوقيت في أي بلد في العالم ، بما في ذلك إن كان نهارا أو ليلا . ولنأخذ الحالة التالية :
حين ينتصف الليل على مكة مثلا ، اللحظة المقدرة لظهور ليلة القدر ، يكون الوقت الخامسة عصرا على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ، والثالثة ظهرا على ساحلها الغربي . ويكون العاشرة صباحا في جزيرة من جزر شرق الصين ، والثامنة صباحا في كوالالمبور . وهكذا حتى يكون الحديث صحيحا عن ليلة القدر ، يتوجب ربطها بمكة . أما أن تكون ليلة للقدر في كل العالم ، فذلك هو المستحيل بعينه .
ونخلص للقول أن الإقرار بحقيقة دوران الأرض ، حول محورها ، وحول الشمس ، يصطدم قولا وفعلا بثوابت الدين ، وهو ينقض ليس سورة القدر فقط ، بل وكل الآيات التي مر ذكرها ، وأخرى لم نتطرق لها .
الأرض والكون :
ونعود لنقول : تضع آيات خلق السماوات والأرض ، الكون كله كصنو للأرض ، كما سبق وأشرنا . لكن علوم الفضاء تضعنا أمام حقيقة لا تقبل الجدل ، تقول أن الكون يتشكل من مليارات النجوم ، كالشمس ، والكواكب كالأرض . وأن بينها مسافات تقاس بالسنين الضوئية ، والتي قد تزيد عن آلاف ، عشرات الآلاف ، وحتى الملايين منها . وإذا ما رغبنا في تقديم تجسيد ملموس لحجم الأرض ، قياسا بمكونات الكون ، نقول أنها قد تعادل حبة رمل مقابل رمال الصحراء الكبرى .
إذن فكيف نفهم ، كما تنص الآيات السابقة ، استنفاذ خلق الأرض ليومين كاملين ، وباقي الكون – السموات السبع ، مليارات النجوم والكواكب – لنفس الوقت ، يومين آخرين ؟ وكيف نفهم الآية :{ أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما } ؟ وكيف نفهم ، وعلى ضوء هذه المسافات الشاسعة ، بين الكواكب والنجوم – ألاف السنين الضوئية أحيانا ، وملايينها أحيانا أخرى _ مضمون الآية – أو الآيات - : {إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دَحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } .
خاتمة :
حقائق العلم ، نظرياته وقوانينه ، تتعارض وتناقض ثوابت الدين . ولرجال الدين كامل الحق في رفض العلوم ، تعلمها وتعليمها . والفلسفة في المقدمة منها . وزادت علوم الآثار الطين بلة . فهذه العلوم كشفت عن ، نقلت وقدمت لنا ديانات وعقائد الأقدمين ، والتي نطلق عليها تسمية الديانات الوثنية . وقالت أن ثوابت الأديان السماوية تشترك ، وتتطابق أحيانا ، مع ثوابت أديان سبقتها . أديان ، بعقائدها ، بطقوسها وعباداتها ، وبشرائعها ، أوجدوا البشر أنفسهم . وكنت قد بدأت سلسلة تحت عنوان :" تقاطعات بين الأديان " ، أستعرض فيها هذه الثوابت .
والسؤال الآن : هل الخوف من تفعيل تدريس العلوم ، ومن ثم الوقوف على تناقض نظرياتها وقوانينها ، مع ثوابت الدين ، كان هو محرك إدارة مدارس المستقبل ، في فلسطين ، لفصل معلمة التزمت بالمنهاج المدرسي ، وعلمت نظرية داروين ، بطريقة علمية سليمة ؟ وهل جاء هذا الفصل خطوة إستباقية لسد الطريق على التفكير بالانتقال لتعليم العلوم من النهج القديم إلى نهج جديد وصحيح ؟ وهل يبشرنا هؤلاء بأن هذا مصير العلوم إن دان الأمر لداعش أو النصرة ، أو بوكو حرام ، أو أي من هو على ذات الشاكلة ؟ فوقوا يرحمكم الله .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرد الشافي في قصيدة الرصافي!!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2014 / 7 / 1 - 07:36 )
الاخ الكريم بعد التحية:انه من المنطق والبديهي استحالة اي خلاف بين الحقائق العلمية وما يقال انه وحي من الله اذا كان وحيا فعلا واذا ثبت الخلاف بينهما انتفى الوحي وهذا لا يحتاج الى برهان فالله لا يخطئ وهو خالق الموجودات:

احب صراحتي قولا وفعلا **** واكره ان اميل الى الرياء
فما خادعت من احد بامر ** ولا اضمرت حسو ا في ارتغاء
ولست من الذين يرون خيرا *** بابقاء الحقيقة في الخفاء
ولا ممن يرى الاديان قامت **** بوحي منزل للانبياء
ولكن هن وضع وابتداع *** من العقلاء ارباب الدهاء
ولست من الالى وهموا وقالوا ** بان الروح تعرج للسماء
لان الارض تسبح في فضاء * وما ذاك السماء سوى الفضاء
ولست من الذين يرون فخرا *** لمفتخر باهراق الدماء
ولا ممن قد ارتبطوا بماض *** فعاشوا ينظرون الى الوراء
ولا ممن يرى للناس حكما * * * سوى الحكام ارباب القضاء
ولا ممن تودد في حضور *** وعند الغيب جاهرر بالعداء
ولا ممن يرى الانساب مما *** يمت به الانام الى العلاء
ولا ممن اذا وبؤا استعاذواا *** بتمتمة الدعاء عن الوباء
ولا ممن معشر صلوا وصاموا ** لما وعدوه من حسن الجزاء
ولا ممن يرون الله يجزي *** على الصلوات بالحور الوضاء


2 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 7 / 1 - 11:17 )
تحياتي أخي فهد . أشكرك مرتين ، مرة على مشاركتك ومرة أخرى على تذكيرنا بهذه القصيدة الرائعة .


3 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 1 - 18:23 )
أولاً : نظرية التطور ليست حقيقه علميه مسلّم بها , تابع :
- افتتاح ثلاث مدارس للخلق و عاصفة من الاحتجاجات ضد أسطورة التطور :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?51755-افتتاح-ثلاث-مدارس-للخلق-و-عاصفة-من-الاحتجاجات-ضد-أسطورة-التطور
- سَنَّت ولاية (تنيسي) قانوناً يمنع تدريس أي نظرية تُنكِر قصة (الخلق الإلهي) للإنسان كما تُعلَّم في الكتاب المقدس، ويمنع القانون أيضا أن يدرس بدلا منها أن الإنسان منحدر من حيوانات أدنى منزلة.
- كوريا تلغي نظرية التطور تماماً من مناهجها الدراسية , بسبب : التشكك في مصداقيتها العلميه :
http://www.nature.com/news/south-korea-surrenders-to-creationist-demands-1.10773
ثانياً : العلماء المسلمين يعترفون -منذ الزمن السحيق- بكروية الأرض , راجع :
كرويـــــــــــة الارض في الأســــــــــــلام :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?19985-%DF%D1%E6%ED%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%C9-%C7%E1%C7%D1%D6-%DD%ED-%C7%E1%C3%D3%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%E1%C7%E3

يتبع


4 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 1 - 18:23 )
ثالثاً : خلق الكون في القرآن الكريم , راجع :
- ملخص موضوع: ترتيب خلق السماوات والأرض :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?20696
- في 6 ايام :
http://antishobhat.blogspot.com/2012/11/6.html
- البروفسور (ألفرِد كرونر) , يُعلق على نشأة الكون كما جاءت في القرآن الكريم :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=28265

يتبع


5 - تعليق3
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 1 - 18:23 )
أخيراً : هنالك نظريات فيزيائيه ترى أن كوكب الأرض هو مركز الكون , ما رأيك؟ .
يرى الفيزيائي | (ديفيد بوهم) أن (مجموعتنا الشمسية مُحاطة بهولوغرام كوني عملاق... المجرات حولنا مجرد هولوغرام) .
حديثا قام الفيزيائي (رافائيل بوزو raphael bousso) بـ(جامعة ستافورد) بطرح فكرته المدهشة والتي تعتبر الأفلاك والمجرات الأخرى أشبه ما يكون بظلال لمجرتنا وما داخل مجرتنا أشبه ما يكون بظلال لمجموعتنا الشمسية ....
http://www.cosmolearning.com/videos/...as-a-hologram/
خرج (ليونارد سسكايند) -العالِم الأبرز حاليا في ميكانيكا الكم- بمفاجأته الكبري لقد أثبت المبدأ الهولوغرامي في كل ما يسود حولنا من مجرات .
(ليونارد سسكايند) أستاذ الفيزياء النظرية بـ(جامعة ستافورد) ؛ كان مُلحدا وله كتاب (وهم التصميم الذكي ) صدر عام2005 لكن بعد أبحاثه الأخيرة أعترف أنه يستحيل أن ينشأ الكون إلا من خلال تصميم ذكي وتَرك سسكايند الإلحاد جانبـا وهو مدافع شرس الآن عن أنه لابد لهذا الكون من خالق (فبداهة يستحيل أن ينشأ الهولوغرام الكوني من تطور أو انفجار كبير أو صدفة) .


6 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 7 / 1 - 21:04 )
تحياتي . يا أخي عبد الله خلف أو أبو بدر الراوي ، أيهما شئت ، ما رأيك أن ترد على نقطة واحدة مما طرحت . أنا لاحظت كم أنت مأخوذ بأي اسم غربي ، وخصوصا عندما تصبغ عليه صفة عالم . لكن ما رأيك بدل ذلك أن تشرح لنا كيف تعمل جبال الهملايا رواسي للمحيط الهادي ، أو كيف تحل ليلة القدر على سائر ربوع المسلمين ، وفي نفس اللحظة . لو فعلت أكون شديد الامتنان لك .


7 - عبد المجيد حمدان
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 1 - 21:50 )
جميل جداً ؛ أنك عجزت عن الرد على تعليقاتي , كما يؤسفني أنك لم تنشر تعليقي الأول , و الذي يدين (التطور) , لذلك ؛ نتمنى نشره ؛ لأجل الحق .

الرد على تساؤلاتك البسيطه .
عملنا بحث عن تساؤلات , و وجدنا روابط ترد على تساؤلاتك ؛ نرفقها لك :

أولاً : الجبال واسي , تابع :
- الإعجاز في الأرض - والجبال أرساها متاعاً لكم :
http://kaheel7.com/pdetails.php?id=1119&ft=3
- الجبال والتوازن الأرضي :
http://www.kaheel7.com/ar/index.php/2010-02-02-20-10-20/108-2010-02-27-13-56-47
- إشراقات علمية حول آيات الجبال والرواسي في القرآن :
http://www.alukah.net/culture/0/63837/

ثانياً : الرد على شبهة : حول ليلة القدر :
http://www.hurras.org/vb/showthread.php?t=48851


8 - الشبهة لا زالت قائمة وستبقى قائمة!!
فهد لعنزي ـ السعودية ( 2014 / 7 / 2 - 09:19 )
الاخ عبد الله خلف المحترم. بعد التحية.لقد قرات الرد على شبهة ليلة القدر على الرابط المذكور فذكرني بالحديث الذي ترويه السنة والشيعة حول مغيب الشمس وهو ما نقله الفريقان بان ابا ذر سال محمد عن مغيب الشمس فقال له انه تسجد تحت العرش حتى يؤذن لها بالشروق في اليوم التالي وهو الاعتقاد السائد آنذاك بان الارض مسطحة ووقت الشروق والغروب واحد اي تغيب عن الارض مرة واحدة وهو المقصود في الآية: هي حتى مطلع الفجر اي فجر الارض كلها. عندما اثبت العلم بان الارض كروية وان اوقات الشروق والغروب مختلفة بالنسبة للمواقع الارضية اصبحت الأية المذكورة موضع تسائل هل القرآن وحي من الله العليم ام انه تاليف بشري؟؟.للخروج من هذه الورطة حاول علماء المسلمون لايجاد اجوبة لتبرير هذه الورطة وهو تبرير لا منطقي ولا عقلاني.
كل انسان حر فيما يعتقد شرط ان لا يدعي ان ما يعتقده هو الحق وغيره باطل وان ثبت ان ما يعتقده هو الهراء بعينه.


9 - فهد لعنزي , تحيه
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 2 - 17:04 )
أولاً : العلماء المسلمين يعترفون -منذ الزمن السحيق- بكروية الأرض , راجع :
كرويـــــــــــة الارض في الأســــــــــــلام :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?19985-%DF%D1%E6%ED%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%C9-%C7%E1%C7%D1%D6-%DD%ED-%C7%E1%C3%D3%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%DC%E1%C7%E3
ثانياً : الرد على شبهة (الشمس تسجد) :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?1290-%C7%E1%D1%CF-%DA%E1%EC-%E3%C7-%C3%CB%ED%D1-%E3%E4-%D4%C8%E5%C9-%CD%E6%E1-%CD%CF%ED%CB-%D3%CC%E6%CF-%C7%E1%D4%E3%D3-%CA%CD%CA-%DA%D1%D4-%C7%E1%D1%CD%E3%E4


10 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 7 / 2 - 17:59 )
بداية أشكر الأخ العنزي على مساهمته مجددا . بخصوص الأخ عبد الله ، أو أبو بدر إليك التالي .1) لا علاقة لي بنشر أو عدم نشر التعليقات . هي تخضع لمعايير خاصة بالحوار . لذلك لم أر تعليقك الأول . 2 ) إذا اعتبرت أنك أعجزتني فمبروك عليك . لكنني أعيد القول : أنت يا سيدي لم تقل شيئا . لم تناقش فكرة ولم ترد على أي شيء . 3 ) أما لجوءك للاستشهاد بآخرين من خلال روابط تقترحها فأقول لك أنا آسف لا أتجاوب مع مثل هذا التكتيك . أنت تقدس كلام أي شخص يحمل اسما غربيا ، هذا شأنك ، لكنه لا يهمني . أنا لم ولن أفتح رابطاتقترحه . إن كنت مقتنعا بما يقوله صاحب الرابط فيمكنك طرحه ومحاورتي . . أما هذا فهو لاحوار . 4 ) أنت تعرف وأنا أعرف أن أمولكم جندت ، وقادرة على أن تجند ، كذبة يتقنون تجارة العلم بالدين . هؤلاء أيضا لست معنيا بمناقشتهم . ما أطرحه قائم أمامك إن كنت فعلا تملك ردا فتفضل .غير ذلك أنا آسف


11 - عبد المجيد حمدان
عبد الله خلف ( 2014 / 7 / 3 - 02:44 )
أولاً : أنت لا تهمني , كل ما يهمني هو القاريء الكريم , فعلى القاريء الكريم النظر فيما نقلناه للرد , و في الأخير للقاريء الكريم عقل يحلل و يحقق .
ثانياً : يجب عليك أن تترك التهم , فعن أي أموال تتحدث؟!... ثم يجب عليك أن تفهم أن إتهامك (الغير صحيح) خالي من كل دليل , و في عُرف كل محاكم الدنيا ؛ يتم رفض أي إتهام بدون سند أو دليل , لذلك , إتهامك ؛ إتهام باطل .
لذلك , أظن أنني كفيت و وفيت في الرد عليك .


12 - رد من الكاتب
عبد المجيد حمدان ( 2014 / 7 / 3 - 16:44 )
شكرا يأ أبو بدر فعلا كفيت ووفيت . أوافقك أن للقارئ عقل . عقل جرت مصادرته منذ قرون ، وهناك من يوظف امكانات هائلة وقدرات ضخمة لمواصلة مصادرته عقل نتمي ونريد ، نسعى ونعمل ،لمساعدة القارئ على استعادته ، من أسر كل الكذبةوالأفاقين باسم العلم ، وكل المنافقين باسم الدين

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد