الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمة العراقية وآفاق حلّها

محمود جديد

2014 / 7 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


الأزمة العراقية وآفاق حلّها( الحلقة الثالثة )
محمود جديد
كان انفجار الوضع العراقي الداخلي متوقّعاً لكل مراقب سياسي موضوعي نتيجة الاستبداد والفساد والمعالجة الخاطئة للاحتجاجات والمطالب الشعبية التي حدثت في العراق من جهة ، ولمفاعيل وآثار حقبة الاحتلال الأمريكي ومانثره من بذور سوء في تربته من جهة ثانية ، وإنّ أخطرها الدستور الذي وضعه وفرضه المحتل بغض النظر عن سيناريو إخراجه المزيّف ، والمليء بالألغام القابلة للانفجار في كلّ حين ، وما ثبّته من محاصصة طائفية كريهة في المجتمع العراقي بهدف تمزيقه إلى دولتين طائفيتين ، ودولة قومية كردّية إذا لم يتم إبطال مفاعيله السيّئة ( وقد وضّحت الموقف في العراق في الحلقة الأولى ) ، وممّا يساعد على تردّي الأوضاع في العراق ويزيد الطين بلّة وجود طاقم سياسي عراقي حاكم هو امتداد لمجلس الحكم البريمري ، ومتخرّج من مدرسته السياسية والأمنية ..
توقيت الانفجار :
بدت إرهاصات الانفجار في تصعيد الوضع الأمني، والاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن العراقية قبل وبعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق مؤخّراً ... وكان انتهاء المدّة القانونية لرؤساء مؤسّسات الدولة العليا الثلاث المستندة على مشروعية البرلمان العراقي ( رئيس الجمهورية - رئيس الوزراء - رئيس مجلس النواب ) الفرصة المناسبة لاستهداف النظام ، لأنّ دخول العراق في الفراغ السياسي يؤسّس لمرحلة تتّسم بالقلق والخوف وعدم الاستقرار وإفلاس الحكّام ، وفي هذه اللحظة يتقبّل المواطنون أيّة تغييرات جديدة حتى ولو كانت خارج إطار الدستور والقوانين ، سواء أكانت تمتلك مقوّمات الثورة أم لا .. ولذلك جاء توقيت التحرّك مدروساً بعناية فائقة بحيث ينطلق العمل المسلّح الواسع قبل بدء الدورة الدستورية الجديدة ، وعودة دواليب الحياة السياسية للانطلاق من جديد وفق معطيات صناديق الانتخابات، فكانت أحداث الموصل وسقوطها بيد تحالف المجلس العسكري - داعش والتي حقّقت مفاجأة بشكلها ونتائجها ، وبالكيفيّة والسرعة اللتين تمّت بهما ...
- لا أدّعي أنّني أمتلك معلومات دقيقة توضّح ماحدث ، ولكنّني سأقدّم مساهمة متواضعة في فهم ماجرى بالاعتمادعلى التحليل السياسي - العسكري ،وتصريحات المشاركين في أحداث الموصل ، وتقاطع وسائل الإعلام ووكالات الأنباء المختلفة ..
إنّ سقوط الموصل كان نتيجة لما يشبه انقلاباً عسكريًاً محافظياً ، أي أنّ التخطيط له وتنفيذه تمّ في حدود محافظة نينوى بشكل أساسي ، وكانت قيادته متواجدة في عاصمتها الإدارية مدينة الموصل .. ومن المحتمل أن تكون خطة الانقلاب قد تمّت من قبل عزت الدوري وفريقه النقشبندي والحزبي ، وبعض الضباط المسرّحين من ذوي الرتب العليا من الجيش العراقي السابق ، ومحافظ نينوى ، وبعض قادة القطعات العسكرية والأجهزة الأمنية العاملة والمتواجدة في الموصل ، وبمعرفة بعض رؤساء العشائر هناك .. ويبدو أنّ الجنود وصف الضباط ، والضبّاط من ذوي الرتب الصغيرة لم يكونوا مضموني الولاء ، أو قد رفضوا المشاركة في الانقلاب. ( جميع الضباط من مرتبة مقدّم فأعلى هم من بقايا الجيش العراقي السابق ) .. وهذاما يفسّر أسباب إعطاء الأوامر لهم من قبل قياداتهم العليا بترك مواقعهم والتوجّه إلى منازلهم ، وبالتالي انفراط عقد هذه القطعات وخروجها من دائرة الصراع وعدم قيامها بمهامها الموكلة إليها ، حيث كان يوجد حوالي 25 ألف من العسكريين والشرطة ... ونظراً للعب المحتل الأمريكي بالعقيدة العسكرية للجيش العراقي الراهن جعل قواعد الجيش في الموصل بعد صدور الأوامر لهم من قادتهم أميل لخيار عدم المواجهة ، بينما في الانقلابات المعهودة تُستخدٓ-;-م هذه القوات نفسها لتنفيذ الانقلاب أو العصيان أو الثورة ..الخ . وقد لاتكون داعش مشاركة في التخطيط لما جرى ، ولكن الحاجة إلى رأس حربة لتنفيذ الخطة المرسومة أملى على قادة الانقلاب القبول بمشاركة مسلّحي داعش في التنفيذ والتوسّع في بقية محافظات الوسط والغرب العراقي ، وهذا ما عبّر عنه بوضوح ضابط عرّف عن نفسه باسم اللواء الركن «منتصر الأنباري» في اتصال مع جريدة «الحياة السعودية »، مؤكداً أنه يتحدث من داخل مدينة الموصل، وموضّحاً أنّ قرار تشكيل مجموعات سنية مقاتلة اتخذ بعد اجتماع شمل كل الفصائل المسلحة السنية والعشائر ورجال الدين، ماعدا تنظيم «داعش» في أيار (مايو) 2013 وبعد أسابيع من «مجزرة ساحة اعتصام الحويجة» التي نفذتها قوات رسمية وخلفت عشرات القتلى والجرحى..
وعن العلاقة مع «داعش»، أوضح أن التنظيم لم يكن ضمن جهود تشكيل المجموعات السنية في بداية الأمر، الا أنه قدم بعد عدة شهور وعبر مندوبين عنه أن يكون جزءاً من التحرك العسكري وجزءاً من التحرك السني. وكانت هناك ممانعات وتحفظات كثيرة، لكن الاتفاق تم في النهاية أن تشكل وحدات عسكرية مشتركة تضم فصائل مختلفة تحت ظل «المجالس العسكرية الموحدة» منها: الجيش الإسلامي، وكتاب ثورة العشرين، وجيش النقشبندية، وكتائب سعد، ومتطوعون من العشائر، وحركة ضباط الجيش السابق، تحت ظل «المجلس العسكري» من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى .. .. "
وهنا ، أشعر بأنّ هذه الرواية قابلة للتصديق ، وخاصّة أنّ معظم قادة داعش العسكريين هم ضبّاط سابقون ، وتاريخيتهم هذه تفسح المجال لهم للتواصل مع الضباط الآخرين المنضوين في المجلس العسكري المعارض ، أو حتى المتواجدين على رأس قطعات الجيش العراقي النظامي حاليّاً. هذا بالإضافة إلى ما مارسته داعش وما أعلنته على الملأ ...
وأوضح الأنباري :
«الاتفاق أن لا تتصرف عناصر داعش بشكل منفصل، لكنهم رفضوا من البداية تلقي أوامرهم من الهيئة العسكرية التي شُكّلت، وطالبوا بأن تكون الأوامر عبر عضو يمثل داعش داخل تلك الهيئة، لكن حجمهم لا يتعدى 30 في المئة من القوة المسلحة على الأرض» حسب قوله ...
وقد علّقت على ذلك في خاطرة صباحية نشرتها على صفحتي في الفيسبوك في حينه وقلت : إنّ نسبة 30 ٪-;- من مسلّحي داعش ضمن تحالف يضمّ سبع قوى على الأقل كافية لأنّ يصبحوا الطرف القائد والمهيمن في هذا التجمّع المعارض لحكومة المالكي ، وخاصة أنّهم معروفون بتنظيمهم و عقائديتهم المتطرّفة وخبرتهم القتالية ، وقدراتهم المالية .. هذا إذا تمّ التسليم بدقة الرقم المذكور .. ومن المحتمل أن يكون أكبر من ذلك ..
وهنا ، ألاحظ عدم توضيح اللواء الركن مصير طلب الداعشيين ، هل رُفِض أم تمّت الاستجابة له ؟
وأكّد «الأنباري» أن «الوضع على الأرض اليوم يمثل قتالاً من قرية إلى أخرى، ولم تكن هناك حتى الآن مواجهات جادة، وكانت الأوامر صدرت مبكراً بعدم دخول أي مدينة شيعية مثل تلعفر في الموصل أو بلد والدجيل في صلاح الدين، أو حتى وسط سامراء حيث مرقد الإمامين لتجنب تحويل المعركة إلى حرب طائفية. وكان الهدف الوقوف عند حدود بغداد، لفرض الأمر الواقع على السياسيين من أجل تسوية وضع سكان المناطق السنية، واستعادة الحقوق المسلوبة " . وأعتقد أنّ المجلس العسكري يدرك أهمية ضرورة تجنّب حرب طائفية في العراق لأنّ هذا الطريق يتناقض مع الحس الوطني العراقي والسياسي من جهة ، ومن مخاطره على مستقبل هذا الحراك المسلّح برمّته من جهة أخرى ..
والتساؤلات المشروعة هنا : ألم تخرق داعش هذه الأوامر ؟ وما هو موقف مصدّري الأوامر من ذلك ؟ وهل سيتوقف هذا الخرق ؟ ألم يهدّد قادة داعش ( الروافض ) باحتلال بغداد ثمّ التوجّه إلى كربلاء والنجف ؟
أسئلة بحاجة لإجابة ، واتّخاذ موقف واضح من انفراد داعش بموقف مستقّل ، وخاصة أنّها أصدرت " وثيقة المدينة " التي تُعتبر ( دستور ) الموصل الجديد حتى فرض بديل له من أصحاب الأوامر العليا من الجهات المخوّلة بإصادره إنْ وُجِدٓ-;-ت .. كما اقترفت داعش جرائم كثيرة ، منها : تصفية 12 رجل دين من أئمة الجوامع في الموصل ، و175 طالب ضابط في كليّة الطيران ، و21 من قادة العشائر في الأنبار .. الخ وقد اعتمدت العديد من منظمات حقوق الإنسان العالم ، ونهب البنوك في الموصل ( يقال مبلغ قدره 425 مليون دولار) ، وتدمير أسلحة الجيش العراقي أو الاستيلاء عليها ، ونقل بعض منها إلى الداخل السوري (وظهر قسم منها في استعراض دبابات وعربات مدرعة وصاروخ في مدينة الرقّة السورية ) وهذا كلّه تناقلته مصادر الإعلام المختلفة .. وهل من أمل أو أمكانية أو وعد بالتوقّف عن تلك الممارسات .. ؟
وهناك تساؤل أخير ، ألم يتوقّع منظمّو هذا التحالف على أساس طائفي بأنّ خطوتهم هذه ستترك صدىً سلبيًّاً في نفوس المكوّنات الأخرى ، وستكون عاملاً في زيادة التأجيج الطائفي الكريه الذي سيحرق العراق الحبيب إذا غاب الحل الوطني الديمقراطي عن ساحته .. ؟
والآن أعلن البغدادي المدعو :إبراهيم بن عوّاد ( من سامرّاء ) قيام الخلافة ، ونصّب نفسه خليفة المسلمين على مناطق واسعة من سورية والعراق تحت اسم الدولة الإسلامية .. فما موقف الجميع دون استثناء ، وأوّلهم الأطراف المنضوية في المجلس العسكري الذي أبرم تحالفاً معه ... وهنا لايكفي التقليل من دور وأهمية داعش بما جرى والإشارة إلى التضخيم الإعلامي ، ولا بدّ من توضيح الصورة كما هي ، حتى لا يكونوا مشاركين في مسؤولية ما حدث ويحدث .. ونحن على يقين بأنّ التعايش بين داعش وبقية الفصائل المنضوية في المجلس العسكري شبه مستحيلة ، ولن يقبل ( خليفة المسلمين ) الجديد التعايش معهم بدون مبايعته ، ولن يقبل معه شركاء آخرين في السلطة على المناطق المسيطر عليها ، وسيكونون من ضحاياه في حال عدم طاعته ، وكلّنا يعلم ماجرى بيت داعش وجبهة النصرة في سورية ..
1 - موقف المالكي وحكومته :
لا شكّ فيه أنّ المالكي كان أوّل المصعوقين بما حدث في الموصل ، فحاول دعوة الأطراف السياسية المشاركة في السلطة لعقد جلسة لمجلس النواب واستصدار قرار بإعلان حالة الطوارئ ، ولكن الشركاء من الأكراد والسنّة لم يستجيبوا ، فلجأ إلى المحكمة الدستورية العليا لإيجاد القرار البديل ، كما أسرع بإحالة الضباط من رتبة عميد فأعلى إلى التقاعد ، واتّخذ مجموعات من القرارات الخاصة بتحريك القطعات العسكرية لإيقاف تقدّم تحالف الموصل ، وبالملاحقات القضائية للضباط المشاركين في الانقلاب هناك بهدف امتصاص الصدمة ، والمحافظة على تماسك باقي قطعات الجيش ، كما تمترس بالدستور وشرعية الانتخابات ونتائجها .. وفي الوقت نفسه ، حاول تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقّعة مع الأمريكان ، والتواصل مع أطراف دولية وعلى رأسها روسيا وإيران طالباً دعمهما ... ودعا إلى عقد جلسة مجلس النواب للبدء في تنفيذ الاستحقاقات الدستورية المترتبة عن الانتخابات الأخيرة .. وهذا ما تمّ بحضور 255 نائب من أصل 328 في الأول من تموز / 2014، ولكنّهم فشلوا في انتخاب رئيس لمجلس النواب ، وانفرط عقد الجلسة بعد تأدية تثبيت العضوية التي أمّنت للجميع راتباً جيّداً ، وحصانة قانونية .. ورُفِعت الجلسة لأسبوع ، وهذا سيعطي الفرصة لمزيد من الابتزازات والمساومات والتي قد يطول أمدها ... وقد يكون موضوع تكليف المالكي بولاية ثالثة النقطة المحورية الطافية على السطح نظراً لتقاطعات داخلية واسعة ضدّه من جهة ، واستهدافات خليجية وتركية وأمريكية له من جهة ثانية، وحسب تقديري ، ليس موضوع شخص لوحده ومهما تكن أخطاؤه هو السبب الحقيقي للاستعصاء الراهن القائم بين الأطراف السياسية العراقية المختلفة ، وإنّما الصراع الدولي على هذا القطر ، والدور المستقبلي المراد رسمه له من قبل المحاور الكبرى على الصعيد العالمي ..
وعلى كلّ حال ، نستطيع القول : إنّ الدروب كلّها حتى الآن تؤدّي إلى قطع الطريق على المالكي لاختياره كرئيس للحكومة العراقية ، ولكنّ سيناريو الإخراج قد يأتي شيعيّاً ، غير أنّ هذا الموضوع ستحدّده مجموعة من العوامل الأخرى منها : موقف المرجعية في النجف ، ووحدة التحالف الوطني ( الشيعي ) ، ومدى تماسك كتلة " دولة القانون "نفسها أو الكتل الأخرى ، وما تبقّى من جيشه حوله مع تحقيق إنجازات ميدانية سريعة على الأرض أو إخفاقات جديدة .. وهذا ماستكشفه الأيام القادمة .
في : 7 / 7 / 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان