الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع المسلّح في العراق وآفاقه المحتملة

محمود جديد

2014 / 7 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الصراع المسلّح في العراق وآفاقه المحتملة
محمود جديد
- لن أدخل في تفاصيل المعارك اليومية ، ولكنّني سأستعرض بإيجاز الوضع الميداني العام واحتمالاته المختلفة ... فبعد السيطرة على الموصل من قبل تحالف المجلس العسكري - داعش اندفع المسلّحون باتجاه باقي محافظة نينوى وسيطروا على معظمها بدون قتال نتيجة انسحاب وحدات الحكومة العراقية وفق طبخة وعوامل أشرت إليها في مقال سابق ( الحلقة الثالثة ) .. ثمّ تحرّكوا باتجاه المحافظات الأخرى بالتعاون مع الخلايا النائمة لهذا التحالف في محافظات الأنبار، وصلاح الدين ، وديالة مع بعض الاختراقات الطفيفة في مناطق أخرى .. غير أن النتائج كانت متباينة بين محافظة وأخرى .. ففي الأنبار وجدوا مقاومة من الوحدات الحكومية وبعض رؤساء العشائر والمنظّمين في صفوف الصحوات التي أنشأها الاحتلال الأمريكي ، واستمرّت في تقديم خدماتها للحكومة العراقية في بغداد وهي ميليشيات مدفوعة الأجر .. وبالتالي بقي الوضع الميداني راجحاً لصالح السلطات العراقية ولكنّه غير مستقرّ ، أمّا في محافظة صلاح الدين التي تشكّل حاضنة شعبية للمجلس العسكري ، وبعض قادة داعش من العسكريين ، فقد استطاع التحالف أن يسيطر على معظمها وتدور المعارك حول عاصمتها الإدارية تكريت ، والقاعدة الجوية الضخمة سكايبر التي تنطلق منها الطائرات لقصف أهداف في الغرب العراقي على الرغم من تطويقها من قبل المسلّحين والسيطرة على الطرق البرية المؤدية إليها وهم متواجدون على مسافة حوالي 4 كم فقط من أطراف هذه القاعدة ، ولذلك فالقيادة العسكرية العراقية تؤمّن كافّة إمداداتها عن طريق الجو ،وسيؤدّي سقوطها بيد المسلّحين إلى فك الطوق عن مدينة تكريت التي حاولت وتحاول القوات الحكومية قضم مداخلها وأحيائها بالتدريج وببطء ، ويبدو أنّها نجحت في السيطرة على أحيائها الجنوبية ، وهي تعتبر أفضلية أولى بالنسبة إليها نتيجة قربها من العاصمة ورمزيتها وأهميتها ، وفي حال فشل النظام في استرجاع تكريت والمحافظة على قاعدة سكايبر سيكون ذلك نكسة استراتيجية للحكومة العراقية وتهديداً خطيراً للعاصمة بغداد ، ونجاحاً عملياتيّاً للمسلّحين ، ولذلك تركّز القوات العراقية الحكومية جهدها الرئيسي في هذه المحافظة ، وتؤجّل معركة استرجاع الموصل والاكتفاء حاليّا بعمليّات الرصد والقصف الجوي لقوات التحالف لمنعها من الانتشار والتوسّع في اتجاهات أخرى ،أو التقدّم باتجاه بغداد .. أمّا في محافظة ديالة فالموضوع أقل خطورة نظراً لضعف الحاضنة الشعبية للمسلّحين هناك ، والمقاومة الشعبية لبعض رؤساء العشائر ، ولمحدودية النواحي الواقعة تحت سيطرة المسلّحين فيها ، ولقربها من الحدود الإيرانية .. كما أنّ معركة مصفاة بيجي تكتسي أهمية استراتيجية اقتصادية وعسكرية للطرفين لكونها أهم مصفاة لتكرير النفط في المنطقة ولشبكة أنابيبه المتجهة إلى مرافئ التصدير على البحرالمتوسط .. وبعد الاستعراض الموجز للوضع الميداني العام، ومتابعته منذ العاشر من حزيران الماضي وحتى اليوم نخلص إلى الملاحظات والاستنتاجات التالية :
- استطاعت القوات الحكومية امتصاص الضربات الموجعة التي تعرّضت لها في الموصل ثمّ في محافظتي الأنبار وصلاح الدين ، ورسمت وحصرت حدود المجابهة العسكرية في مواجهة قوات التحالف المسلّح .. وعلى الرغم من ظهور بعض المؤشّرات على انتقال المبادرة للقوات المسلّحة العراقية إلّا أنّ ملامح استعصاء عسكري على الوضع الميداني العام حتى إشعار آخر هي الأكثر وضوحاً ..
- توجد ثلاثة مفاصل استراتيجية في الصراع المسلّح الدائر في العراق الآن هي معارك : تكريت - قاعدة سكايبر - مصفاة بيجي ، وأيّ طرف سينجح في السيطرة الكاملة على إحداها سيكسر الاستعصاء العسكري الراهن ، ويحصل على زخم سياسي ومعنوي سيترك بصماته على سير المعارك الأخرى .. ولكنّ المعطيات الملموسة الحالية تشير إلى أنّ اندفاع قوى التحالف بعد سيطرتها على مناطق واسعة في أكثر من ثلاث محافظات عراقية قد امتصّ القسم الأكبر من قدراتها العسكرية ، ولذلك تحتاج إلى قوى جديدة إضافية حتى تستطيع تحقيق التفوّق على القطعات والتشكيلات الحكومية التي تواجه انتشارها وتقدّمها .. وحسب تقديري ، أنّ زعماء العشائر الذين ساندوا التحالف المعارض لن يتحمّسوا لإرسال مسلّحي عشائرهم ليقاتلوا في أماكن خارج مناطق نفوذهم المحلّي ، لأنّ مثل هذه الخطوة قد تخلق جروحاً وثارات مع عشائر أخرى تترك انعكاساتها السلبية فيما بينها إلى أمد طويل .. وفي الوقت نفسه ، فالقوات الحكومية ستستطيع تأمين متطوعين بأعداد كبيرة تعمل تحت قيادتها من محافظات أخرى ، وزيادة قدراتها التسليحية ، وفي هذا السياق تعزّزت القوات الجوية بسرب من القاذفة الروسية / سوخوي 25 / وقد دخلت المعارك فعلاً ، وسيصل سرب آخر قريبا فيصبح العدد 25 قاذفة ، كما حصلت على حوّامات ( هيلوكبترات ) روسية تعادل الأباتشي الأمريكية .. وبالتالي فالزمن يعمل لصالح القوات الحكومية على الأرجح .. وكان لضعف القوات الجوية انعكاسات سلبية ملموسة ساعدت المسلّحين على اندفاعهم السريع وانتشارهم في المناطق الأخرى ..
- إنّ وجود متطوعين عراقيين إلى جانب القوات الحكومية سيزيد من حماسها ، ويُنقِص من احتمالات حدوث انشقاقات في صفوفها ، ولكنّ وجود أكثرية شيعية بين هؤلاء المتطوّعين قد يفسح المجال لمزيد من التأجيج الطائفي في العراق ..
- إنّ الدروس المستفادة من الساحة السورية والتجربة المعاشة فيه تشير إلى أنّ داعش لم تتقبّل جبهة النصرة ذات (الأيديولوجية الإسلامية المتطرّفة نفسها ) ، ولذلك يستحيل تعايشها مع قوى وأطراف أخرى لا تعلن لها ولاء الطاعة في العراق ، ومن المحتمل أن يكون حلفاؤها في العراق من ضحاياها الأوائل في المستقبل غير البعيد .. وهذه الأجواء ستؤثّر على تماسك التحالف المسلّح المعارض .. ولذلك فالأخبار أو الإشاعات التي تقول بأنّ داعش أعدمت عدداً من عناصر جيش الطريقة النقشبندية في منطقة السعديّة ليست مستبعدة أو مستغربة ...
- إنّ تقدير الموقف الخاطئ للأطراف الوطنية المتواجدة في المجلس العسكري المعارض سواء على الصعيد الداخلي أم الخارجي سيؤدّي إلى قرارات وتحالفات وتموضعات خاطئة ستجلب كوارث جديدة لهم وللعراق الشقيق ..
- يوجد تلكّؤ واضح من الإدارة الأمريكية في تطبيق الاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية ، واكتفت بإرسال أعداد قليلة من جنودها لتعزيز حماية سفارتها الضخمة في بغداد ، ولتأمين الطريق الذي يربط العاصمة بمطار بغداد تحسّباً لأيّة مفاجأة غير متوقّعة كما حدث في الموصل قد تعيق انسحاب طاقم السفارة الكبيرفي الوقت المناسب عند الضرورة .. كما أرسلت 300 خبير عسكري أمريكي توزّعوا على غرف العمليات في بغداد ، وعلى عمليّات الفرق العسكرية التي تخوض القتال ضدّ المسلّحين .. والمهمّة المحتملة لهؤلاء الخبراء هي : الاطّلاع المباشر على مستوى وكفاءة القيادة العسكرية العليا في بغداد ، ومعرفة الجاهزية القتالية للقوات المسلحة العراقية ومصادر تسليحهاالجديدة وسير المعارك ومدى صحّة اتخاذ القرارات ، بدون الاعتماد على التقارير الحكومية الرسمية ، والقيام بدور ضباط ارتباط بين القطعات العسكرية العراقية والطيران الأمريكي في حال وافقت الإدارة الأمريكية على توجيه ضربات جوية على معاقل المسلّحين سواء بطيّارين أم بدونهم ، وهو السقف الأعلى المحتمل للتدخّل الأمريكي ... وأعتقد أنّ الموقف الأمريكي المتردّد في تطبيق الاتفاقية الأمنية قد خلق فرصة مؤاتية للتنصّل العراقي من هذه الاتفاقية في حال امتلاك الإرادة السياسية الحاسمة والصائبة لدى الحكومة العراقية المقبلة ...
- إنّ الامتداد الجغرافي الواحد بين سورية والعراق ، ووجود نفس الحلفاء والأعداء على رقعته ، سيملي على الحكومتين السورية والعراقية المزيد من التنسيق بينهما ، والتعاون بين جيشيهما ..
- ثبت بالملموس أنّ إدارة إقليم كردستان كانت المستفيد الأكبر ممّا حدث ، والموضوع يحتاج لمقال خاص به ، ولكنّ السؤال المطروح هل كان البرازاني على علم مسبقاً به ؟ أو هل يوجد تنسيق وتفاهم بينه وبين تحالف المجلس العسكري - داعش ؟
حسب تقديري ، لا يوجد تنسيق مع قيادة داعش ، ولكنّه قد يكون موجوداً مع بعض أطراف المجلس العسكري
وقد تكون هناك رسائل شفهية متبادلة بين الطرفين تتضمّن تطمينات بعدم تقدّم المسلّحين باتجاه منطقة كردستان العراقية ، والمناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في بغداد مقابل عدم مشاركة " البشمركة " في القتال إلى جانب القوات الحكومية العراقية خارج تلك المناطق ..
- إنّ القيادة الإيرانية ترصد وبقلق مايجري في العراق من تطوّرات ، ومن المستبعد أن تتورّط بتدخّل عسكري مباشر فيه ، غير أنّها قد تفسح المجال لمشاركة متطوّعين إيرانيين ( مدنيين أو من الحرس الثوري ) في حال انتقال المعارك إلى المحافظات القريبة من حدودها ، أو إلى الجنوب العراقي .. كما يمكن أن ترسل بعض الخبراء العسكريين والأسلحة وبحذر شديد إلى القوات الحكومية أو أن تعيد بعض الطائرات العراقية التي احتفظت بها بعد الغزو الأمريكي للعراق .. ( توجد إشاعات نفتها السلطات الإيرانية بإعادة تلك الطائرات ) ..
- وأخيراً نستطيع القول : إنّ الأوضاع العسكرية بين الأطراف المتصارعة على الساحة العراقية قد دخلت مرحلة استعصاء طويل الأمد ستتخلّله عمليات الكرّ والفرّ والاستنزاف المتبادل ، ولكنّ الإسراع في تشكيل حكومة عراقية قويّة ومتماسكة ، وتسليح القوات المسلّحة العراقية وإعادة تنظيمها بصورة أفضل سيجعل الكفّة تميل لصالحها، ولكنّ الحلّ الأمني لن يُخرِج العراق من أزمته االوطنية المزمنة ، فبدون حلّ سياسي يضمن حقوق وكرامة كافٌة المواطنين العراقيين دون تمييز طائفي أو مذهبي أو إثني أو قومي ، والخروج من دائرة الهيمنة الأمريكية لا يمكن التوصّل إلى معالجة صحيحة للأزمة العراقية .. وهذا يتطلّب تعديل الدستور العراقي والقوانين المنبثقة عنه وخاصة قانون اجتثاث البعث ، والتخلّي عن المحاصصة الطائفية الكريهة التي غرسها المحتلّ الأمريكي ، وإجراء انتخابات تشريعية نزيهة تعبّر تعبيراً صحيحاً عن إرادة الشعب العراقي تنبثق عنه حكومة وحدة وطنية قويّة .. وسيكون البديل عن هذا الخيار الغوص في مستنقع حرب أهلية ضروس تحرق الأخضر واليابس في العراق ، وسيكون المستفيد الأكبر من ذلك أعداء أمتنا ، وهذه النتيجة لا يرغب بها أيّ عراقي وطني شريف ، أو أيّ عربي غيور على مصلحة العراق والأمة العربية جمعاء ..
في : 18 / 7 / 2014 - يتبع في حلقة تالية -








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة