الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لما كان التجنيد الإجباري عقابا للرؤوس -السخنة- والخدمة المدنية لإدماج الغاضبين على النظام

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 7 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ مارس 1965 توسعت سياسة العقاب والنيل من السياسيين سيما الشباب منهم ، الذين كانوا آنذاك ينضوون تحت لواء الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.
وقتئد كانت السلطات الأمنية تحصي أنفاس المعارضين وتعد لهم التهم مسبقا.
فمنذ منتصف ستينيات القرن الماضي، طغت منهجية العقاب "(قاعدة " العصا لمن عصا"). وتزامنت هذه الفترة مع اتساع حراك الشباب المتعلم والمتمدرس وسيادة غياب إرادة حقيقية للإصلاح والتغيير .
هذا وعلاوة على القمع الشرس ، كانت هناك أساليب أخرى للعقاب . ففي سنة 1967 تم نفي قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى طانطان ، وكان ممن نفوا إلى هناك فتح الله ولعلو ، عبد القادر باينة ، عبد الإلاه الفشتالي، سعد وحمزة الشرقاوي.
كما عزمت السلطات على إعادة تجنيد قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب مرة ثانية رغم ان القانون الجاري به العمل يقر بوضوح منع تكرار التجنيد الإجباري، بل و كان لا يفرض على العائلة الواحدة إلا تجنيد واحد من أبنائها، و الباقي معفون بنص القانون و تواصلت عمليات العقاب على المنضمة الطلابية "أوطم" إلى ان تم إصدار قرار حظرها في شهر يناير 1973.
و كان التجنيد الإجباري في سبعينيات القرن الماضي تحت إشراف "اعبابو" آلية لمعاقبة "الرؤوس الساخنة" .
و أول فوج لنظام الخدمة العسكرية ( التجنيد الإجباري) في شهر يوليوز 1966 و كانت قيادة المنظمة الطلابية "أ .و. ط .م" قد شكلت أول المستهدفين من السياسيين الشباب وقتئذ .
لقد زج بأعضاء اللجنة التنفيذية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في هذا الفوج الأول الذي دشن تطبيق التجنيد الإجباري بالمغرب. و كان منهم محمد الحلوي ، عبد الرزاق المعدني ، عمر الفاسي ، محمد التوزاني ، حسن بن إسماعيل ، محمد الأخصاصي و محمد الفاروقي.
أتم هذا الفوج الأول أكثر من سنة و نصف في ثكنة الحاجب تحت قيادة القبطان (آنذاك) محمد اعبابو ، العقل المدبر لانقلاب الصخيرا ت الفاشل في صيف 1971 ، ثم انتقلوا إلى ثكنة "هرمومو" تحت إمرة الكولونيل البوزيدي، و قد تمكن هذا الفوج من الاستفادة من تكوين عسكري و بدني نفعهم كثيرا في مسارهم النضالي.
وشكل المرسوم الملكي رقم 137.66 الصادر في 9 يونيه 1966 بمثابة قانون يتعلق بإحداث وتنظيم الخدمة العسكرية.
إن الخدمة العسكرية الإلزامية كانت مفروضة على المغاربة الذين تبلغ أعمارهم 20 عاما لمدة 12 شهرا باستثناء الطلاب والأشخاص الذين يقومون برعاية أسرهم والذين لديهم سجلات إجرامية.
وفي سنة 2006 أ صدر أن الملك محمد السادس القائد الأعلى للجيش والرئيس العام لهئية الأركان، ألغي بموجبه الخدمة العسكرية الإلزامية فى المغرب "بأثر فورى". وأكد نبيل بنعبد الله، الناطق الرسمي باسم الحكومة وقتئذ، أن هذا القرار لا صلة له بالأحداث التي عرفتها البلاد آنذاك إشارة إلى تفكيك الخلية الإرهابية التي كانت تخطط لشن هجمات في المغرب.
وفي يوليوز 2012 ، فاجأ، البرلماني حسن جبران (حزب الاستقلال) - العقيد السابق في القوات المسلحة الملكية- في جلسة عامة لمجلس النواب، وذلك عندما طالب بعودة العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية التي توقف العمل بها منذ تفكيك "خلية أنصار المهدي" عام 2006. لقد طلب من الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، بتبليغ السلطات العليا، رغبة النواب في عودة العمل بالخدمة العسكرية الإجبارية، لأنه بذلك ستساهم القوات المسلحة في تدريب عسكري شامل لفائدة شريحة مهمة وعريضة من الشباب المغربي، وستساهم كما كانت دائما في حل بعض المشاكل الاجتماعية منها المشاركة في امتصاص البطالة من الشارع.
هذا بالنسبة للتجنيد الإجباري لما كان عقابا للرؤوس "السخنة"، أما الخدمة المدنية فقد تمّ تسخيرها في البداية لإدماج الغاضبين على النظام.
من مهندسي الخدمة المدنية بالمغرب لحسن بروكسي ، و هو رفيق درب إدريس البصري . و قد تم خلق الخدمة المدنية عندما كان يشتغل في ديوان البصري بوزارة الداخلية .
يعتبر لحسن بروكسي أوّل من ابتكر مشروع الخدمة المدنية لمصالحة الفصائل الطلابية مع المخزن. وهناك منهم من دخلوا إلى الوزارة من بوابة الخدمة المدنية وتحولوا إلى عمال وولاة.
بدأت القصة بإعداد مشروع مصالحة بين الداخلية والجامعة، أو انفتاح الإدارة على المحيط الطلابي. لم يتحمس وزير الداخلية آنذاك، بنهيمة، لهذه الفكرة، وقدمها على مضض إلى الملك الراحل الحسن الثاني، بينما أعجب البصري بها وساندها، أما الملك الراحل فوصف الفكرة بالنيرة. هكذا رأى مشروع "الخدمة المدنية"، الذي أشرف عليه بروكسي لسنوات عديدة ووضع أسسه وخطوطه العريضة، واضطلع بتكريسه داخل الإدارة المغربية.
لكونه كان ومثقفا (دراسات عليا في العلوم السياسية بفرنسا) وقيادي سابق في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، هذا ما شجع الكثير من الطلبة الذين أنهوا دراستهم الجامعية على الانخراط في مشروع الخدمة المدنية، وطمأنتهم حول "براءة" الفكرة وعدم وجود خلفيات وراءها. كل هذا ساعد بروكسي على إظهار حسن النوايا في المصلحة التي يشرف على تدبيرها، هكذا تمكّن من ضمّ مجموعة من الطلبة المدمجين في إطار الخدمة المدنية، أغلبهم من تيارات يسارية متطرفة. وقد راهن بروكسي على هؤلاء الشباب كي يصبحوا من خدام الدولة شريطة تمكينهم من الثقة اللازمة، لذلك وضع رهن إشارتهم كل الملفات السرية من أجل دراستها، لتطبيع العلاقة بين المخزن والحركة الطلابية.
اختار لحسن بروكسي، محمد إساري - الذي سيتولى فيما بعد مهمة مدير للتلفزة المغربية- مساعدا له ومنسقا بين مختلف الشعب التابعة للمصلحة. كما أنشأ قسما مختصا في الأبحاث والتحاليل، وقسما للحدود، وبفضل خلية الخدمة المدنية وانتشار عدد كبير من المجازين العاملين في إطار هذه الخدمة على كثير من مصالح مديرية الشؤون العامة التابعة تحولت وزارة الداخلية إلى بنك للمعلومات. من مشتل الخدمة المدنية تخرج مجموعة من العمال والولاة يمارسوا مهامهم على رأس عمالات وأقاليم متعددة ومنهم من احتل مناصب المسؤولية في الإدارة المركزية، بعد أن تلقوا أولى دروس الإدارة الترابية تحت إشراف بروكسي الذي أعدّ رسالة الدكتورة في موضوع إعداد التراب.
وقد أوصى الملك الراحل الحسن الثاني بهذه الفئة من الشباب المنخرطين في تجربة الخدمة المدنية ودعا إلى توفير السكن وعدم تأخير المنحة المخصصة لهم.
و بفضل الخدمة المدنية تطور أداء الإدارة المغربية، وتم تشبيب هياكلها بشكل سلس، بل إن هؤلاء الموظفين المستفيدين من هذه الخدمة، أيقنوا أن الدولة ليست عدوا، وانصهروا في دواليب الإدارة دون أي صدام، وحين استوعبت الوزارة الفكرة وظهرت مؤشرات نجاحها، نظّم ادريس البصري – عندما كان على رأس مديرية الشؤون العامة كاتبا للدولة في الداخلية - مناظرة وطنية في مدينة القنيطرة للتداول في مشروع الخدمة المدنية وتقييم التجربة التي ساهمت في امتصاص بطالة الأطر في فترات سابقة، وبوأت إدريس البصري مكانة مرموقة في الهرم الأمني للبلاد، سيما وأن المشروع قد ساهم في تحقيق السلم الاجتماعي ولقى استحسانا كبيرا من طرف الملك.
ومع مرور السنوات أضحت الخدمة المدنية تخلق مشكل مالي للدولة، إلى أن أعلن عبد العظيم كروج ،الوزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة ، إن الحكومة ستتخذ عددا من الخطوات لتخفيض العجز العام من خلال تقليص حجم العاملين في الخدمة المدنية.

ويشكل الظهير رقم 1.73.415 الصادر بتاريخ 13 غشت 1973) بمثابة قانون يتعلق بإحداث وتنظيم الخدمة المدنية. ويقرّ فصله الأول أن الخدمة المدنية تفرض لمدة سنتين متصلتين على جميع الأشخاص المغاربة المتوفرين على شهادة من مستوى لا يقل عن الليسانس المسلمة بإحدى الكليات أو على شهادة من الشهادات المعادلة لها المطلوبة للتعيين بأسلاك إدارات الدولة المرتبة في سلمي الأجور رقم 10 و11. غير أن هذه الخدمة تفرض أيضا على المحصلين على شهادة أو إجازة تخول الحق في ولوج سلك المساعدين التقنيين المختصين بالإدارات أو سلك مماثل للتعليم التقني مطابق. في حين نصّ فصله الثالث على أنه لا يمكن الجمع بين الخدمة المدنية والخدمة العسكرية ولهذا فإن الأفراد الذين قضوا إحدى الخدمتين الإجباريتين المدنية أو العسكرية يعفون بحكم القانون من قضاء الخدمة الأخرى. غيرأن فوج المدعوين للخدمة المدنية يمكن أن يلزم بموجب مرسوم بقضاء فترة تدريب عسكري لمدة ستة أشهر تعتبر في حساب المدة الإجمالية للخدمة المدنية. وتجرى على المدعوين للخدمة طيلة هذه المدة القوانين والأنظمة العسكرية. وتتولى إحصاء الأفراد المفروضة عليهم الخدمة المدنية السلطة الحكومية المكلفة بتكوين الإطارات استنادا على الخصوص إلى البيانات التي تقدمها وزارة التربية الوطنية والوزارات التابعة لها مؤسسات تكوين الإطارات العليا. وتقوم في الخارج بإحصاء الأفراد المفروضة عليهم الخدمة المدنية السلطات التابعة لوزارة الشؤون الخارجية. ويتقاضى المدعوون خلال المدة الفعلية للخدمة المدنية أجرة معفاة من الضرائب تحدد بمرسوم. و لا يمكن أن يمارس الأشخاص أية مهنة عمومية أو خصوصية إلا إذا أدلوا بشهادة تثبت قضاءهم الخدمة المدنية وتسلمها السلطة الحكومية المكلفة بتكوين الإطارات. يعاقب بحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وثلاثة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 1.200 و 5.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص ثبت عليه أنه تملص عمدا أو حاول التملص من الخدمة المدنية. ويتعرض للعقوبتين المنصوص عليهما في المقطع السابق كل من توقف عمدا أو من غير عذر مقبول عن قضاء الخدمة المدنية لمدة متصلة تعادل أو تفوق ستة أيام. و يعاقب بغرامة يتراوح قدرها بين 1.200 و5.000 درهم كل مشغل استخدم عمدا شخصا لم يثبت قضاء الخدمة المدنية أو لم يدل بالشهادة تثبت ذلك.
هكذا تم تدقيق "الغرزة" - كما يقال- لمخزنة النخبة في سبعينيات القرن الماضي استنادا على مقترح لحسن بروكسي.


هذا الأمازيغي الذي تحول من راعي غنم في هضاب "زايان" إلى مستشار في أم الوزارات ورجل من رجالات ابن الشاوية ادريس البصري، ومن شاب مشبع بالفكر الثوري حريص على التصدي لغارات المخزن إلى حارس أمين لقلعة توصف بأم الوزارات. هذا عندما كان إدريس البصري مهندس علامات التشوير السياسي بالمغرب، مستمدا قوته من ثقة الملك الراحل الحسن الثاني في إخلاصه وولائه. وبروكسي هو واحد من الرعيل الأول للمستشارين الشباب الذين ائتمنهم البصري على ملفات حساسة في وزارة الداخلية قبل أن يهمّشه ويستغني عن خدماته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا