الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورتنا المغدورة*

حسن مصطفي
(Hassan Moustafa)

2014 / 8 / 2
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ثورتنا المغدورة*

لا يمكن للعين أن تخطأ واقع الصعود العسكري للثورة المضادة وعودة النظام القديم للحكم بقبضة من الحديد والنار، هذا النظام الذي لا يعبر سوى عن طغمة الفساد والاستبداد التي تسيطر وتحتكر الثروة والسلطة في بلادنا منذ عقود، لن نجمل الحقيقة، ولن ندفن رؤسنا في الرمال، فقد غُدرت ثورتنا ومُنيت بهزيمة نكراء، لكن شتان بين الإعتراف بالهزيمة، وبين الخضوع لهذه الهزيمة، أو الاستسلام لها، إننا نعترف بالهزيمة بشجاعة لكي نتمكن من مواجهتها بصمود وتحدي، ذلك أن التاريخ لن يقف عند السيسي وعصابته العسكرية بل إننا سنتعلم من هزيمتنا وسندرسها جيداً لنخوض نضال عنيد ضد هذه العصابة الجديدة القديمة التي تضطهد أغلبية شعبنا الكادح لصالح حفنة من رجال الأعمال والجنرالات تحت وصاية ورعاية الدول الغربية الاستعمارية
وعلي رأسهم الولايات المتحدة الامريكية وحليفتها الصهيونية.

إن عمق الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي دفعت الطبقة العاملة المستَغلة والمضطَهدة للثورة منذ بداياتها سوف تُطرح علي طاولتهم من جديد، قضية الثورة كضرورة ملحة حتي وإن بدى الآن أن انتصار الثورة المضادة نهائي وأن هزيمة الثورة واقعة، إن تاريخ البشرية هو تاريخ النضال الطبقي بين المستَغلون والمستغلين وجلاديهم، لن نأخذ الجانب الخطأ من المتاريس، ولن نقف على الحياد بالصمت، بل سنظل مخلصين لدماء شهدائنا ولتضحيات معتقلينا على طريق الكفاح الثوري الواعي، عبر النهج النظري الصحيح، نتناول ثورتنا بالتحليل ونتعلم منها الدروس والعبر حتي نتمكن من تحقيق النصر النهائي والحاسم على طغمة الحكم العميلة.

لماذا لم تنتصر الثورة ؟
إن الثورة إختبار صريح للقوي بين الطبقات الاجتماعية المختلفة خلال صراع من أجل استلام الحكم في الدولة، وليست الدولة غاية بحد ذاتها، إنها مجرد آلة لخدمة القوى الاجتماعية المسيطرة، وكغيرها من الآلات، تحتوي على محرك وعلى جهاز لإصدار الأوامر وعلى آخر تنفيذها. القوى التي تسّير الدولة هي المصلحة الطبقية، وجهاز المحرك فيها هو الدعاية والإعلام والصحافة والتعليم المدرسي والديني والأحزاب والإجتماعات العامة والمطالبات والانتفاضات، أما الجهاز الذي يصدر الأوامر، فهو المؤسسة التشريعية التي تتولي تنظيم مصالح الطبقات الحاكمة وتصورها على أنها تعبير عن إرادة الأمة، أما الجهاز التنفيذي، فهو الإدارة بشرطتها ومحاكمها وسجونها وجيشها.

ليست الدولة غاية بحد ذاتها، إنما هي وسيلة جبارة لتنظيم العلاقات الإجتماعية، أو لتفتيتها، أو لإعادة تنظيمها وفقآ لأسس جديدة، وبإمكانها أن تكون محركاً اساسياً للثورة، أو أن تكون آداة للإستكانة المنظمة حسب الأيدي التي تسيطر عليها.
.
لقد كان اندلاع شرارة ثورتنا هو الاختبار الذي خاضته الطبقات الاجتماعية المستَغلة والمضطهدة ضد طغمة النهب الحاكمة، ولقد برهنت جماهير شعبنا الباسل على شجاعة وإقدام قًل ما يجود الزمان بمثلها، فقد واجهت رصاص الشرطة بصدور عارية واستطاعت بعزيمتها البطولية وتضحياتها الغالية أن تطيح بالجهاز الأمني لطغمة النهب والعمالة، ولكن ما أن اطاحت الطبقات المضطهده بالجلادين حتي برزت المرتزقة السياسية والمعارضة العميلة لحسني مبارك إلى المقدمة، هذه المعارضة التي تنتمي قياداتها أيضاً لطبقة الحكم، ولكنها تلعب دور المعارضة في معادلة الحكم سواء من الليبراليين والناصريين، أو حتي من مدعي الاشتراكية، ناهيكم عن الخونة الرجعيين من جماعة الاخوان المسلمين، وهنا تجدر الاشارة للتفرقة بين القيادات العميلة والقواعد المغيبة التي تسير في اوهامها خلف هذه القيادات، فمعظم قواعد هذه الكيانات لا تعي الدور المخزي الذي تلعبه قياداتها في تسليم الثورة المصرية لاعدائها، برزت هذه القيادات لتعلن نفسها وصية على ثورة المضطهدين والمستًغلين، هذه القيادات التي وضح بجلاء خيانتها للثورة في كل مرة احتدم فيها الصراع بين الثورة وأعدائها على مدار الثلاثة سنوات المنصرمة، إلا أن الأزمة الحقيقية ليست في هذه القيادات، ففي كل ثورة يوجد العملاء والانتهازيين، الأزمة الحقيقية تكمن في عدم امتلاك هذه الطبقات الاجتماعية المستًغله والمضطهده والتي خاضت الثورة لجهاز سياسي يسمح لها باستلام الحكم بعد أن سحقت ممثلين الطغمة الحاكمة من جلادين الشرطة لكي تتمكن من شل مقاومة الثورة المضادة وتحقيق مصالحها وتطلعاتها في مجتمع جديد ينتهي فية استغلال وبطش الطغمة الرأسمالية الحاكمة وممثليها.

هكذا وجدت الثورة نفسها بدون جهاز سياسي يسمح لها بكبح جماح الثورة المضادة، وقد تسلقها الخونة والعملاء والانتهازيين، لتسقط في نهاية الامر صريعة تحت تأثير ضربات الثورة المضادة المتلاحقة. إن الجهاز السياسي للطبقة المستغلة والمضطهدة هو الحزب السياسي، فهو الآداة التاريخية الوحيدة التي يمكن من خلالها للطبقة العاملة المستغلة والمضطهدة أن تستولي على السلطة لتسخير الدولة لخدمة مصالحها، إن غياب الحزب السياسي للطبقة العاملة وعدم تمكنها من استلام الحكم في الثامن والعشرين من يناير، بعد اطاحتها بجهاز الشرطة، هو الذي مكن الثورة المضادة من تصفية الثورة و الإجهاز عليها. إن حزب الطبقة العاملة لا يولد في الثورة، إنما يولد في معمعان النضال الطبقي الذي تخوضه الطبقة العاملة ضد مستغليها الرأسماليين والدولة الراعية لهم، إلى أن يصل الصراع الطبقي عند شروط موضوعية معينة لانتفاضة ثورية، يأخذ حزب الطليعة الثورية العمالية فيها دورة كأداة لتحقيق سيادة الطبقة العاملة السياسية ، للاطاحة بدولة الرأسمالية الحاكمة وتأسيس الدولة العمالية التي تكفل المساواة والعدل والحرية للجميع.

لماذا الثورة الاشتراكية ؟
إن النظام الرأسمالي يعتمد في الاساس على استغلال الطبقة الرأسمالية للطبقة العاملة في النشاط الاقتصادي، بهدف تراكم الارباح الرأسمالية لهذه الطبقة المستغِلة الفاسدة، فهذا هو شكل السياسة الاقتصادية الدولية التي يدار بها العالم اليوم من قبل المؤسسات الدولية والدول الغربية الراعية لهذة المؤسسات، لاستغلال شعوب دول العالم الثالث بشكل استعماري تحت ستار الحرية الاقتصادية، من خلال حكومات عميلة تمثل أجهزة محلية لقمع الشعوب لصالح الاستعمار الرأسمالي الغربي وبشراكة روؤس أموال ورجال أعمال محليين، هذه الحكومات دائماً ما كانت تتلقي دعم الانظمة الغربية والمؤسسات الدولية، طالما تسير على نهج السياسة الاقتصادية الرأسمالية التي تسمح للشركات الغربية أن تستغل شعوبنا ومواردنا. شاهدنا ذلك في الدعم الذي كانت تقدمه الدول الغربية للديكتاتور حسني مبارك، ومن خلفه المجلس العسكري، ومن خلفه الجناح الآخر للثورة المضادة نظام الاخوان المسلمين، الذي راهنت الولايات المتحدة الأمريكية عليه إلى أن تأكدت من هزيمته، فذهبت برهانها عنه لتساند النظام البونابرتي العسكري للثورة المضادة القائم الآن، دائماً وأبداً ستساند الانظمة الغربية الثورة المضادة، ودائماً وأبداً ستعمل على محاربة الثورة التي تمثل نضال الشعوب للتحرر من نير الاستغلال الرأسمالي، هذا الاستغلال الذي يمثل المصالح الرأسمالية للانظمة الغربية وحليفتها الصهيونية.

وليست الزيادة الأخيرة في أسعار المحروقات البترولية ورفع الدعم جزئياً عن الخبز والتموين سوى إملائات صندوق النقد الدولي للسماح للحكومة المصرية بالاقتراض لسد عجز الموازنة، فحكومة الثورة المضادة التي تعبر عن مصالح الطبقة الرأسمالية تسعي لسد عجز الموازنة على حساب الطبقات المستغَلة والمضطهدة بأن تفرض عليهم مزيد من التقشف ومزيد من غلاء الاسعار.

فكما اسلفنا سابقاً، فالدولة وسيلة لتحقيق سيادة الطبقة التي تسيطر عليها، وبما أن الطبقة التي تسيطر الآن هي طبقة الثورة المضادة الرأسمالية، فهي تضع عبء رواتب الجلادين من جهاز الشرطة والجيش والقضاء ومكافآتهم على قمع الثورة في عجز الموازنة من اقتطاع اموال دعم المحروقات والسلع الغذائية للطبقة العاملة المكلومة.

إن الطغمة الحاكمة للثورة المضادة التي تعبر عن مصالح طبقة رجال الاعمال والجنرالات لن تتخلي عن مراكزها طواعية، بل إنها على استعداد لارتكاب مجازر بشرية من خلال جلاديها من الشرطة والجيش لحماية مصالحها ومصالح الانظمة الغربية، اما عن الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان فهي شعارات جوفاء يتغني بها الجميع، من أول الانظمة الغربية وحتي الديكتاتوريات العسكرية، إلا أنه في النهاية، تحكم المصالح المادية للرأسمالية سلوك هذه الانظمة والديكتاتوريات، ولا تلتفت كثيراً لشعاراتها التي تملئ الدنيا ضجيجاً بها، لهذا لن تنتزع الطبقة العاملة حقوقها السياسية والاقتصادية سوي من خلال ثورة اشتراكية تمكنها من استلام الحكم وتأسيس دولة عمالية تشيع الحريات السياسية وتأسس اقتصاد اشتراكي يسمح يتوزيع العمل والعائد على افراد المجتمع بشكل متساوي.

إن الثورة الاشتراكية هي الوسيلة الوحيدة لتحرير الانسان من نير الاستغلال الرأسمالي، فهي تعني تحقيق سيطرة الطبقة العاملة السياسية وانهاء استغلال الانسان كوسيلة لانتاج الارباح الرأسمالية وتخطيط الاقتصاد وتوجيهه لتحقيق مجتمع الوفرة.

ما العمل ؟
لا شك أن السياسات النيوليبرالية وإجراءات التقشف التي يمليها صندوق النقد الدولي على حكومة الثورة المضادة ستدفع الطبقة العاملة لانتفاضة جديدة في المستقبل، ولكن بدون أن تمتلك الطبقة العاملة لجهازها السياسي (حزب الطبقة العاملة) الذي يسمح لها باستلام الحكم، سيتمكن ممثلين جدد للثورة المضادة وللرأسمالية من القفز على السلطة مرة أخرى، مستغلين الحركة العفوية الغير منظمة للجماهير. إن عملية بناء الحزب الثوري للطبقة العاملة هو الضرورة الملحة الآن لثورتنا، العمل المنظم فقط هو الذي سيدفع قضية الثورة الاشتراكية إلى الامام.

سوف نعمل شهور وسنوات بدأب وتصميم ورح كفاحية لا تكل ولا تمل على بناء الكوادر الثورية، ونشر وتوضيح طبيعة الصراع الطبقي، ودور الشرطة والجيش والقضاء في هذا الصراع بوصفهم أدوات الدولة الرأسمالية، وتنظيم وبناء الخلايا واللجان الثورة التي ستكون نواة الحزب الثوري للطبقة العاملة، الذي سيقوى ويشتد عوده في معمعان النضال من أجل انتزاع الحقوق الاقتصادية والسياسية من أنياب السلطة، هذا النضال الذي يجب أن يكون الثوريين في طليعته لدفعة دائماً إلى الأمام ولتوضيح أن السلطة لا تتراجع أبداً إلا تحت الضغط والتهديد، وأنها أبداً لن تتخلي عن التعسف والبطش كآلية للحكم، وأن الثورة الاشتراكية هي الحل الوحيد للظفر بالحرية السياسية والاقتصادية.

إن قلاع الحكم الاستبدادي للثورة المضادة تنتصب أمامنا بكل جبروتها وتوحشها، تمطرنا كل يوم ارهاباً وبطشاً، وتختطف منا المناضلين لتذج بهم في السجون، لكن لن يوقف ذلك عجلة التاريخ، ولن تعود عقارب الساعة للوراء، فقد انفتح في بلادنا منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 عصر الثورة، وحتي إذا كانت الموجة الأولى للثورة قد هُزمت، فقد اصبحت قضية الثورة هي القضية المحورية لجيل بأكمله، هذا الجيل لن يوقفه الرصاص ولن توقفه السجون عن استكمال نضاله من أجل انتصار حاسم ونهائي للثورة، سنتلقي الآن ضربات الثورة المضادة بجلد وصبر ونحن قانعين قناعة تامة أن بالعمل المنظم والواعي وتحت ضغط صيرورة الصراع الطبقي، ستنهض الجماهير مرة اخرى لتدك قلاع الحكم الاستبدادي وتجهز عليه، فليحذر كل عملاء وجلادين الثورة المضادة من هذا اليوم.

ابنوا اللجان والخلاية الثورية.
الطبقة الحاكمة وعملائها وجلاديها هم العدو الحقيقي.
الثورة الاشتراكية هي الحل الوحيد.

المجد للشهداء . الحرية للمعتقلين . النصر للثورة.




*هذا العنوان مقتبس من عنوان كتاب الثورة المغدورة لليون تروتسكي أحد أبرز القادة البلاشفة لثورة اكتوبر الروسية 1917.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا