الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة العنف والرأي الواحد (الأنا) ... كلنا داعش وإن لم ننتم !

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2014 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


دعوت ، وغيري من قبل ، في أكثر من مناسبة إلى ضرورة أن نقف لنراجع تراثنا وثقافتنا ، بجرأة وشجاعة ، لنعرف مواطن الخلل ، وأسباب تخلفنا والأزمات التي تمر بها مجتمعاتنا اليوم ، وإلا سنظل نراوح ضمن حدود دائرة التخلف الملعونة ، وما أن نتخلص من داعش , إلا ونبتلى بماعش ، ولنبقى مامش !
فثقافتنا بائسة ، وهي أرضية مناسبة وحاضنة ولاّدة للطغاة والبغاة من كل شكل ولون حتى اللحظة ، وداعش وليد طبيعي وشرعي ، وإن كان مسخ ، لمجتمع وثقافة (الغلبة والاستئثار) والغزو والحروب والعنف الفظ واللامحدود المقترن بهما . ونرى أن (داعش) تمتد جذورها عميقا في الصحراء والشعر العربي ، الذي نفخر بمعلقاته ! وهي تستقر في أعماق اللاشعور الجمعي والفردي . ومن يقرأ بتمعن وعقل مفتوح ، ولو شيء من تراثنا يجد أن الدود – من مختلف الملل والنحل – نخر وغيّب وطمر كل ما هو ايجابي وإنساني في هذا التراث ، وعلى مر تاريخنا لدينا أكثر من (داعش) ، وإن اختلف المكان والتسمية .
إن جوهر الموقف والمبدأ (الداعشي) واحد ، وهو تهميش وإقصاء ونفي ومسخ (الآخر) وصولا بهذا الفعل إلى أقصى مدى بالتغييب الفكري والجسدي ، وإن وجد فرق بين ماعش وداعش فهو نسبي ، وفي شكل ودرجة النفي والتغييب والمسخ ومدى العنف والتطرف ومكانه وزمانه .
فإذا كانت (داعش) - في رأي البعض الذي يهرب من مواجهة الحقيقة - حالة استثنائية وغريبة على ثقافتنا ، وإنها تستند إلى فهمها الخاص وتفسيرها المتطرف والمتخلف للتاريخ والتراث والدين ، لتبرير القتل والدمار وهتك الأعراض والتجاوز على المقدسات وهدمها ، فهذا ليس جديد ، حيث سبق ورجمت الكعبة بالمنجنيق واستباح المسلمون نساء المسلمين في مدينة نبي المسلمين ؟!
إن (داعش) كمظهر للأزمة المزمنة في الموقف من الآخر المختلف الذي ذكرناه من قبل ، نجدها في صلب ثلاثة من أبواب وأغراض الشعر العربي الخمسة ، فالفخر والمدح والهجاء كلها تعظم (الأنا) الجمعية والفردية وترسخها ، ويلازمها بالضرورة تحقير الآخر وصولا إلى تغييبه وتسقيطه وتمجيد تصفيته جسديا ومصادرة أمواله وسبي نسائه بالغزو !
ونشرب إن وردنا الماء صفوا *** ويشرب غيرنا كدرا وطينا
وهنا :
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم *** ومن لا يَظلم الناس يُظلم
وفي :
ودع كل صوت غير صوتي فإنني *** أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
وهنا :
أبا كل طيب لا أبا المسك وحده *** وكل سحاب لا أخص العواديا
يدل بمعنى واحد كل فاخر *** وقد جمع الرحمن فيك المعانيا
ثم لغرض نفعي ذاتي بحت ، وبقدرة شاعر ! تنقلب صورة (أبا المسك) - الذي جمع فيه الرحمن المعانيا - بزاوية 180 درجة ، لتظهر لنا داعش هنا :
وأن ذا الأسود المثقوب مشفره *** تطيعه ذي العضاريط الرعاديد
من علم الأسود المخصي مكرمة *** أقومه البيض أم آباؤه الصيد
وهنا :
معللتي بالوصل والموت دونه *** إذا مت ضمآنا فلا نزل القطر
ونحن أناس لا توسط عندنا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر
وهنا فيما قاله شاعر النيل :
والله ما غالها قدما وكاد لها *** واجتـث دوحتها إلا مواليـها
وقولـة لعلـي قالـهـا عـمر *** أكرم بسامعها أعظم بملقيـها
حرقتُ دارك لا أبقي عليك بها *** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
أما توظيف الدين والمقدس ومن بعده الفتاوى ، وفقا للهوى والمصالح ، فحدث ولا حرج ، وداعش ليست الأولى ولن تكون الأخيرة . فقد قُتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين ، وتزعمت زوجة نبي المسلمين وأم المؤمنين للحرب ضد خليفة المسلمين وابن عم نبيهم ، ورفع القرآن على رؤوس الرماح في الحرب بين المسلمين - وكما سبق ذكره – رمى الحجاج ، حافظ القرآن ، بيت الله بالمنجنيق ! ووضع عبيد المال والسلطان كثير من الأحاديث النبوية والفتاوى خصيصا لتناسب الطاغية الداعشي ، وتبرير سلطته الإلهية فـ(حاكم غشوم خير من فتنة تدوم) ، و(السلطان ظل الله في الأرض) ، التي يراها الداخل لقصر السلطان العثماني (توبكابي) في اسطنبول حتى اليوم !
داعش موجودة في (موقعة الطف) ، وما فعله جيش المسلمين بجسد سبط نبي المسلمين وسبي نساء آل بيته وحملهم للرؤوس على الرماح إلى قصر خليفة المسلمين في الشام ! وفيما كرر فعله المتوكل العباسي خليفة المسلمين الذي هدم قبر الحسين بن علي أربع مرات ، حتى قال فيه الشاعر :
فلقد أتاه بنـو أبـيـه بـمـِثْلِهِ *** هـذا لَعَـمْرُك قبرُه مهـدومـا
أسِفُوا على أن لا يكونوا شاركوا *** فـي قتله، فـتتبّعوهُ رميما

داعش نجدها في أفعال خلفاء المسلمين الذين ابتكروا وأبدعوا في قتل خصومهم ، فحرقوا ابن خليفة المسلمين الأول في جوف حمار ! والقوا بغيره في التنور ، وقطعوا أوصال آخرين ، ووضعوا بعض آخر أحياء في أسس البناء وجدرانه ، وبنوه عليهم .
داعش وعنفها موجود في نكبة البرامكة وفي قتال الأمين والمأمون ، وفي صراع ورثة الخلفاء والسلاطين من الأزواج والأبناء والجواري والغلمان والمماليك ، وما فعله بعضهم ببعض من قتل وسمل للعيون وتشريد . ( راجعوا موسوعة العذاب لعبود الشالجي) .
داعش تستمد مواقفها من تراث في اضطهاد الديانات والطوائف الأخرى من (أهل الذمة ، والعجم والموالي) ، وفرض نمط معين من اللباس والسلوك عليهم .
داعش هي فرهود اليهود وتهجيرهم ومصادرة أموالهم . داعش في قتل العائلة المالكة ، وسحل جثث الخصوم الموتى في الشوارع في 14 تموز 1958، وسحلهم اليوم بعد حرقهم وربطهم بالهمرات ، أو بتعليقهم في أعمدة الكهرباء ، أو في ساحة التحرير ، في مواجهة نصب الحرية !
هي في تسفير الأكراد الفيليين ومصادرة أملاكهم ، وانتهاك حرماتهم وهم عزل ، في طريقهم إلى المجهول ، هي بالاعتداء على دولة جارة (إيران) ، ومحرقة بشرية لمدة ثمان سنوات شعارها ديني طائفي (الفرس المجوس ... والطريق لتحرير القدس يمر من عبادان ) ، ثم في غزو دولة جارة وشعب شقيق (الكويت) وانتهاك حرماته . داعش هي في قصف المدن والعتبات المقدسة بالصواريخ ، وأخذ الناس من الشوارع ودفنهم أحياء وهم في حافلة النقل ، هي في إبادة ١-;---;--٨-;---;--٠-;---;-- ألف كردي في الأنفال ، في قصف حلبجة بالكيمياوي .
تاريخ طويل عريض يضج بالظلم والعنف والقسوة المفرطة وغير المبررة . قد يتبرأ بعضنا من هذا التاريخ ويدينه آخرون ، ولكنه السائد حتى اليوم ، ويفرض نفسه في تراثنا وثقافتنا - معارضون ومؤيدون - والغالبية الساحقة في الشارع العربي الإسلامي من عامة الناس والسياسيين والمثقفين تؤمن وتفخر به ، وتتغنى بأمجاد الماضي ، وتعتاش عليه ، وتضفي عليه هالة مقدسة ، خاصة وبعض أبطاله ، رموز سياسية أو ثقافية أو رموز الإسلام ، وصحابة رسول الله ، وخلفاء المسلمين وولاة أمرهم ، وقراء القرآن وحفظته ، ومنهم خال المسلمين وكاتب الوحي !
تلفتوا حولكم اليوم في العراق ، وطول بلاد العرب وعرضها ، ستجدوا (داعش) في كل شيء ، في السلوك واللغة و(الإبداع) ، حتى في أسلوب التحشيد والمواجهة العشائري الميليشياوي وما يرافقه من ردح ومفردات طائفية كالشيعة الروافض والسنة النواصب ، يبدو طبيعيا لا يثير الاستغراب .
داعش تكمن وتعشش وتفقس في العقل والفكر العراقي والعربي السائد ، الذي لا يزال يتمرغ في الماضي ، حيث توقف زمنه عند عتبة (السقيفة) ، ولم يستطع مغادرتها ، ولا يزال الناس عنده بين ناصبي ورافضي ، فلم الاستغراب حين أصبح خارج الزمن ؟
وأخيرا داعش هي ظاهرة لأزمة فكرية وحضارية ، لا يقتصر حضورها في خليفة المسلمين الجديد ، بل في عبيد المال والسلاطين ووعاظهم من (دواعش) السياسة والدين و(مبدعي) الثقافة ، الذين يعيدون إنتاج الثقافة (الداعشية) ، بالأمس واليوم وغدا ، وإشاعتهم لموقف ثقافي عام هش ومتواطئ معهم .
هذا غيض من فيض ، يشير إلى أن التوقف والمراجعة أصبح أكثر من ضروري لمن يريد الحياة الحرة الكريمة ويطمح لمكان تحت نور الشمس ، فكفى تهربا من مواجهة الحقيقة بالتفسير السهل لظواهر الكوارث المتلاحقة ، وتعليق الفشل والعجز والتخلف على شماعة المؤامرة فـ(لم يدخل اليهود من حدودنا *** بل نفذوا كالنمل من عيوبنا) ... وكلنا داعش وإن لم ننتم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيأتينا الدور نحن ايضاً لتعلم الدرس
سعد السعيدي ( 2014 / 8 / 10 - 22:41 )
استاذ محمد ناجي
لم تكن حروب اوروبا الدينية ولا محاكم تفتيشها تمارس فظاعات اقل هولاً مما ذكرته. ف -دواعشهم- كانت ايضاً تملأ الحيز والوقت والفكر بالاقصاء. وإن لم يكف , فبالوان مبتكرة للقتل والتعذيب. وتوجوها لاحقاً بحربين عالميتين اكلت اليابس والاخضر في القرن الماضي. ماذا كانت نتيجة كل هذا ؟ لقد تعلموا من اخطائهم واقاموا حضارة. لهذا فسيأتينا الدور نحن ايضاً لتعلم الدرس وإقامة الحضارة...

اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب