الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاكم فرداً وقائداً: المالكي نموذجاً

سلام عبود

2014 / 8 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


صدر مؤخرا عن دار الجمل في بيروت كتاب " المجتمع والثقافة تحت أقدام الاحتلال – التجربة العراقية) لمؤلفه سلام عبود. والكتاب تحليل لطبيعة الفرد والمجتمع العراقي من منظور ثقافي ونفسي. يقع الكتاب في 512 صفحة، يشتمل على ثلاثة أبواب وثلاثة عشر فصلاً.
أدناه مقطع صغير من الفصل الرابع، الباب الأول، يتناول ملمحما واحدا فحسب من شخصية المالكي كفرد.
إذا كانت طقوس التعازي الحسينيّة، وما رافقها عام 2012 من تصعيد عدواني متبادل للدوافع والخطط الشريرة، شأنا مرضيّا من الناحية الاجتماعية، فإن عددا كبيرا من الوقائع والأحداث السياسية المرتبطة بالأشخاص تشير الى الظاهرة نفسها، ولكن بدلالات فردية. ومن بين تلك الأحداث تركيز محاكمة صدام بحادثة الدجيل، أضأل واقل جرائم صدام سعة وقسوة، لكنها أكثرها تركيزا في مضمونها الحزبي. كان إصرار القوات المحتلة على جعلها القضية الرئيسية في جدول المحاكمات أمرا معروف الدوافع والأسباب. لكن الحاكم العراقي المحلي ارتضى، لدوافع أنانية، أن تتركز المحاكمة في قضية الدجيل، التي صعدت تصعيدا خاطئا، جعلها تتفوق في أهميتها على جرائم تاريخية كبرى، تجازوت حدود مدينة الدجيل الصغيرة وقضية الاغتيال محدودة الأثر، الى مستوى عربي ودولي، مثل احتلال الكويت والحرب العراقية الإيرانية وقمع الانتفاضة. وعلى الرغم من أهمية الانتفاضة سياسيا واجتماعيا وقضائيا، إلا أن التركيز الجرمي فيها كان ضعيفا وأميل الى الدعاية العاطفية منه الى المحاكمة الاجتماعية التاريخية لنظام حكم ساقط، ولحكام قساة. يدرك الأميركان أن الاستغراق في تفصيلات الحربين يجرّهم الى مواقع غير مستحبة. ولم يتوقف الأمر على هذا الاستدراج، فقد جرى ربط الحكم على صدام بالدين ربطا فجا، قسريا، في سعي الى إعطاء الحدث تصعيدا خاصا. وبما أن رئيس الجمهورية السني رفض التوقيع على قرار الإعدام، فإن رئيس الوزراء الشيعي هو من تحمل وضع الصبغة الطائفية على الإعدام، الذي هو شأن حقوقي ووطني في الأساس. الإشارات الطائفية لم تتوقف عند هذا الحد: التوقيت والمكان والحضور. كانت الإشارات مرتبطة ببعضها، تدل دلالة تامة على أن توجيه الإعدام كان هدفا مصمما ومخططا بعناية فائقة، بإرادة طائفية. لقد قادت تلك الإشارات الخاطئة الى تجريد الديكتاتور من ظلمه الواسع والشامل، الذي هو سبب الغزو، كما يدعي أنصار الغزو أنفسهم. إن إعدام صدام حسين، في يوم مقدس لدى المسلمين (العيد)، وما صاحبه من إشارات سياسية وطائفية، واقترانه بأحداث شخصية مباشرة، مثل تزامن الإعدام مع زواج ابن رئيس الوزراء - الجهة المنفذة لقرار الإعدام- منحت هذا الحدث أبعادا مفزعة، شديدة الخصوصية في مجال تصعيد الدوافع العدوانية بشكلها الغريزي المرضي (سنعود الى هذا بشكل أعمق في الفصول القادمة). فعدا عن الأخطاء القضائية والقانونية المترتبة على الحدث، وعدا ما تضمنه من إشارات سلوكية ودينية وسياسية وأخلاقية كريهة، فإن الحدث يؤكد - لو جُرّد من مضمونه العام والسياسي وأخذ من منظورعلم التحليل النفسي- أن الجمع بين رغبات الإعدام وطقوس العرس، بين طقوس المآتم وطقوس الأعياد، بين تطبيق العدالة وإساءة استخدامها، بين الحياة والموت، بين الانتقام والبهجة، يشير الى سلوك عصابي والى ذات ذات مركبّة تركيبا عالي التعقيد والشذوذ. هذا البناء التركيبي يسمح لحامله، بيسر، ومن دون تأنيب ضمير، الانتقال من المحرم الى المقدس وبالعكس، من القانوني الى اللاشرعي، من الشخصي الى الاجتماعي، من العاطفي الى السياسي. يتم هذا الانتقال بمنطق مرتب، هو منطق الذات العارفة بمكنوناتها الملتبسة وبدوافعها، وبدرجة تطابقها مع البيئة الثقافية المعيشة ومكوناتها العدوانية. ربما يكون هذا التركيب السلوكي، والتعقيد العالي للدوافع، ممكنا ومحتملا في الحياة اليومية، لدى الأفراد العاديين. لكنه يغدو مصدرا أكيدا للخشية والقلق حينما يكون حامله رجل مجتمع وسلطة. وإذا كان هذا المجتمع هو المجتمع العراقي المضطرب والعنيف، والسلطة هي سلطة قائمة على العنف والعنف المضاد، فإن الخشية تكون أعظم، وقد تنقلب الى خوف حقيقي على المصير الشخصي والوطني.
وحتى لو تم التغاضي عن ذلك كله، فمن غير المنطقي أن يتحرك سلوك الحاكم الانفعالي بأثر رجعي، من دون روية أو تبصر وتفكّر، إلا في حالات محددة، تقع جميعها خارج السوية النفسية والسلوكية. إن قرار الحكم لم يصدرعقب سقوط الديكتاتورية المباشر، وما رافقه من انفعال اجتماعي حاد وعواطف عالية. ولم يتم من دون تجربة محلية في الحكم. فقد توالى على حكم العراق خمسة حكام وحكومات (غارنر، بريمر، مجلس الحكم، علاوي، الجعفري). لذلك كله، قد يغدو مقتدى الصدر مثلا حليفا وشريكا مؤتمنا، وقد ينقلب قاتلا ومجرما بأسرع من طرفة عين؛ وربما سار على الدرب نفسه طارق الهاشمي أو المطلك أو البارزاني والنجيفي وغيرهم كذلك. ما يحمله هذا الحدث من دلالات عاطفية وشعورية متناقضة، صورة نمطية لأعصبة الحرب وأمراض الطغيان، المستندة الى عواطف القطيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. امتعاض واعتراض وغرامات.. ما رأي الشارع العراقي بنظام المخالف


.. عبد الله حمدوك: لا حل عسكريا للحرب في السودان ويجب توحيد الم




.. إسرائيل أبلغت دول المنطقة بأن استقرارها لن يتعرض للخطر جراء


.. توقعات أميركية.. تل أبيب تسعى لضرب إيران دون التسبب بحرب شا




.. إبراهيم رئيسي: أي استهداف لمصالح إيران سيقابل برد شديد وواسع