الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البابا شنودة الثالث .. شاعراً

طارق ناجح
(Tarek Nageh)

2014 / 8 / 21
الادب والفن


البابا شنوده الثالث (1923-2012).. قالوا عنه فيلسوف القرن العشرين .. وأعلنته الكنيسة القبطية قديس من القديسين .. وهو بحق حبيب الملايين .. مسيحيين ومسلمين .. فالمحبة والتسامح هي أساس كل دين .. إذا إستمعت لبعض أحاديثه أو عظاته سيُدهشَك  بقوة حُجَتُه وسلامة أفكاره وذهنه اليقظ الحاضر وخفة ظِلِّه ( قفشاته الحاضرة ) وذاكرته الفولاذية ( فهو يحفظ الكتاب المُقَدَّس عن ظهر قلب ، بأسْفَارِهِ وأصْحاحاته وأعداده ( آياته ) وأرقامِها، إلى جانب مئات الكتب التي قرأها خلال  رحلة  حياته سواء دينية ، تاريخية ، أو أدبية ) ، وهو دائماً لديه أجابة لأي سؤال ، فهو موسوعي المعرفة الدينية والثقافية ، فهو بحق مُعَلِّم الأجيال على مدار أكثر من نصف قرن منذ آن ألقي على عاتقه مسئولية الخدمة الدينية أسقفاً للتعليم على يد البابا كيرلس السادس ثُمَّ بطريركاً خلفا له ( 1971-2012 ) .
ومما يعرفه الكثيرون أن البابا شنوده كان شاعراً قديراً ، حفظ آلاف الأبيات من الشعر الجاهلي وحتَّى الحديث ، ولكن بسبب نشأته الدينية ثم رهبنَته في سن الشباب ، وإنخراطه في الخدمة الدينية ، جعل ما وصل إلينا من شعره هو الديني والروحي لراهب  زاهد في الدنيا ومُتَعِها يهيم على وجهه في الصحراء يلهج لسانه بالتسبيح والتراتيل أو قابعاً في مغارته يقرأ تعاليم وسِيَّر الرهبان الأولين وتَفَاسيرَهُم . يحيا كطيف أو خيال ليس له غرضاً أو هدفاً سوى الحياة مع الله بين الكهوف والجبال ، حيث السكون والصمت الرهيب و الإحتمال . وهو ما عبًَّر عنه في قصيدة " من تكون " والتي نظمها في مغارته سنة 1960 ، حيث قال فيها :-
كُلَّ ما هو لك صمت وسكون    ..    وهدوء يكشف الْسِّر المصون
إعتزلت الناس حَتَّى ما ترى.   ..    غير وجه الله ذي القلب الحنون
وفي عام 1946م ، وفي سنوات رهبنته الأولى  ، راح البابا شنوده يُعَبِّر عن الدوافع والأسباب التي دفعته إلى الرهبنة في قصيدة "غريب" حيث يقول :-
تركت مفاتن الدنيا    ..    و لم أحْفَل بناديها
ورحت أَجُّر تِرحالي   ..   بعيداً عن مَلَاهِيها
أطوف ههنا وحدي    ..   سعيداً في بواديها
بِقيثاري ومِزمَاري.    ..   وألحان أُغَنَّيها 
وساعات مُقَدَّسةٍ.      ..   خَلُوت بخالقي فيها
وفي مغارته الكائنة في صحراء مصر الغربية ، والتي تبعد عن الدير ساعة أو بعض ساعة سيرا على الأقدام ، وفي عام 1961م ، نَظَمَ قَصيدَّته "همسة حُبٍّ " ، والتي قد يظن القارئ للوهلة الأولى من عنوانها ، أنها عن العشق والهوى . هي حقاً عن العشق ، ولكن ليس عشق الرجل لإمرأة  بل عشق  يذوب فيها القلب والنفس في الذات الإلهية ، وهي أقصى ما يطمح اليه العابد الزاهد ( في كل الأديان وعلى مََّر الزمان ) ، حيث قال :- 
قلبي الخفَّاق أضحى مَضجًعك      ..      في حنايا الصدر أخفى موضٍعَك
قد تركت الكون في ضوضائِه.      ..      و أعتزلت الكل كي أحيا معك 
ليس لي فكر ولا رأي ولا.           ..       شهوة أخرى سوى أن أَتبَعَك 
ومن قصيدَّته "تائه في غربة" ، والتي نَظَمَهَا أيضاً في المغارة عام 1961م ، فيقول بلسان الراهب العابد الزاهد :-
لست أدري كيف نمضي أو مَتى     ..           كل ما أدريه أنَّا سوف نمضي
في طريق الموت نجري كلنا.          ..           في سباق ، بعضنا في إثر بعض
كبخار مضمحل عمرنا.               ..           مثل برق سوف يمضي ، مثل وَمض
ويكمل قائلاً :-
قُلْ لمن يبني بيوتاً ههنا :             ..            أيها الضيف ، لماذا تبني ؟
قُلْ  لمن يزرع أشواكاً ، كفى.        ..            هو نفس الشوك أيضاً سوف تجني
وكما ترى عزيزي الـقارئ ، كم كان قداسة البابا شنودة متمكناً من مفرداته اللغوية ، وكيف كانت مطية سهلة يجوب بها في عالم الشعر في سهولة ويسر .
وهكذا أيضاً عزيزي القارئ ، فإن كل الأديان السماوية تؤكد أن كل ما على وجه الأرض فانٍ ، ولا يصحب الإنسان معه إلى العالم الآخر سوى عمله الصالح ، وإيمانه بالله الواحد الذي يشرق شمسه على الصالحين والطالحين  ، على الأشرار والطيبين ، وحسابه في المنتهى ، يوم قيامة الخلق أجمعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما