الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط

شوقية عروق منصور

2014 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط
شوقية عروق منصور



ربطت الصور الحزينة المفجعة بكبرياء الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم..؟ الجثث الطافية التي حضنت أمواج البحر لعلها تكون ارحم عليهم من اليابسة التي اغتالت احلامهم وحياتهم وحولتهم الى ارقام هروب من الأوطان ، لا أدري لماذا اصبح قلق المقارنة ينتابني كلما رأيت وسمعت نشرات الاخبار ؟ هل لأن الواقع العربي المجنون يجرنا الى حفر الذل وعلينا أن نواجه قمامة الأحداث واللقاءات والمفاوضات والدمار والعجز وحالات التردي بالمقارنة بين الماضي والحاضر وبين الاحلام والتوقعات التي انحرفت الى الطريق المجهول.
كنا نحفظ القصائد العصماء ، يقف المعلم ويهددنا بالعلامات والفصل اذا لم نحفظ ، مشينا في الليالي مع المتنبي وركبنا الخيل مع عنترة وعشقنا ابن زيدون وولادة وخولة طرفة بن العبد لم تترك الأطلال لأن رحيلها ترسخ في نفوسنا ، أما الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم فكان له الشأن العظيم في عدد الحصص التي استغلها استاذنا الشاعر سعود الأسدي في الشرح والبحث والحفظ حتى كرهنا ابن كلثوم المتعجرف وكرهنا لأجله المطربة أم كلثوم لأنه يحمل اسمها.
لقد كان الاستاذ سعود الاسدي يتقمص شخصية الشاعر عمرو بن كلثوم الذي كان والده سيد قومه وأمه بنت المهلهل المعروف " الزير" وقد رفض عمرو اهانة امه فهب واقفاً منشداً قصيدته التي لخص فيها الكبرياء والرفعة والسمو والمباهاة ولا أنسى البيت الذي يقول :
ملأنا البر حتى ضاق عنا
وماء البحر نملؤه سفيناً
أي نحن ملأنا البر بالقوة والشجاعة وها نحن نملأ البحر بالسفن والسيطرة والاقتحام .
هنا ارتطمت صور الجثث العائمة بصخرة الفخر العربي الكاذب الذي نفخ القصائد حتى تطايرت البالونات في سماء الخداع ، ها نحن نملأ البحر بالجثث ، وكل جثة وراءها قصة وحكاية وطن عربي ضغط على المواطن حتى حوله الى قزم ثم قام بالدوس عليه وسحقه ، ان المواطن العربي الآن مجرد صرصار انقلب على ظهره ، يحرك رجليه لكن لا يستطيع العودة الى سابق عهده أو المضي نحو المستقبل، يعيش في غموض ويحيا على خراب .
الشعوب العربية تفيق يومياً على صور الموت وارقام القتلى ، تفجيرات في كل مكان ، رصاص يزنر الطرقات والشوارع ، والأمان بحاجة الى امان ، ويضاف لحناء الموت الذي يخضب أرجل اليأس و الاحباط الغرق .
هؤلاء الذين يهربون من الأوطان العربية فيقعون في فخ الموت غرقاً لم يجدوا الصرخات والتساؤل والرفض من قبل رؤساء الدول والحكومات ، قضية موت المواطن العربي بأي شكل من اشكال الموت المقهور والمذبوح والمفخخ والغرق ، لم تعد تهز شعرة في جسم النظام العربي، لم يؤثر على رؤساء الدول ، لم نسمع كلمة يغزلون بها ثياب الحزن بدلاً من اكاليل العار التي يعلقونها في اعناقهم ، لقد اصبحنا نشعر أن هناك تواطئاً بين الرؤساء العرب والموت ، كأنهم يريدون التخلص من المواطنين حتى يتخلصوا من ازعاجهم .
الغرقى من مصر وسوريا والصومال وفلسطينيين من غزة ، وهنا غزة الوجع والاحتلال والحصار والخنق والضيق والبطالة واليأس والأفق المشبع بالموت والبيوت المدمرة ورائحة انتظار الخلاص التي تمشي ببطء ، الشباب الذين غرقوا من غزة كانت أرواحهم تتوق للانطلاق والتحرر من سجن الخوف والذعر والفقر، لقد استغلهم تجار الموت والأحلام العريضة المزيفة ، بعد ان وجدوا احلام الشباب الصغيرة عرضة في اسواق المفاوضات والمباحثات السلحفائية ، والادهى حين تقف حركتي فتح و حماس في لعبة شد الحبل السياسي والكلامي ، المواطن يشاهد ويرى ويكبت خوفه وعمره الذي يتبدد ، وكلما كان الحبل مشدوداً هرعت احلام الهجرة الى البحر ، الغرق ولا البقاء هنا ..!! هل سيفهم رجال السياسة الفلسطينيين معنى الهجرة وترك الوطن عن سبق واصرار الموت ..!
القادة والزعماء الفلسطينيين أصبحوا مثل القنافذ التي تكومت فوق بعضها البعض تنشد الدفء هرباً من البرد القارص ، لكن بدأ كل قنفذ يبتعد عن الآخر لأنه يشعر بوخز الاشواك .
اشتد البرد بعد الحرب الأخيرة عادت تتكوم القنافذ ثانية لتعود الى سابق عهدها كلما اقتربت ابتعدت .

رائحة الخبز لن تصل الى ابو مازن

وقاحة مميزة في عصر خارج عن الزمن ، مستوطن يحتل الأرض ويقيم فوق الأرض الفلسطينية بيتاً وملعباً ومدرسة ، هذا المستوطن الذي خلع شرش الحياء يرفع دعوى ضد صاحب الأرض "الشيخ سالم الهذلين" من القرية البدوية "أم الخير " التي تقع جنوب الخليل .
الشكوى تقول أن المستوطن يعاني من رائحة الخبز المنبعثة من طابون الشيخ ويريد التعويض بربع مليون دولار ، رائحة الخبز تضايق المستوطن ويريد التعويض أي مهزلة ، فماذا يقول الشعب الفلسطيني بعدما شم رائحة النهب والقضم والمصادرة وأي تعويض سيطالب ..؟!
بقي السؤال هل وصلت هذه القضية الى الرئيس أبو مازن لعله يقول حين يفاوض أي اسرائيلي ( اخجلوا من تصرفاتكم واحذروا من الوقاحة ، لأن الوقاحة لا تدوم )
ماتت زكية شموط
بهدوء انسلت وماتت بعيدة عن الوطن في الجزائر ، المرأة التي ملأت الدنيا ضجيجاً ورعباً ، كنت اسمع اسمها وهو مغلف بالخوف والتردد والهمس ، امرأة تسكن بالحارة الشرقية في الناصرة ، تتحول الى فدائية ويحكم عليها بأربع مؤبدات ، بعد أن نفذت عدة عمليات وقد ساعدها زوجها "مسعود شموط" الذي لم تعرف قبل به الزواج أنه احد الفدائيين .
زكية من أوائل الفدائيات اللواتي آمن بالنضال والكفاح والمواجهة ، ومن أوائل النساء اللواتي اعتقلن وكانت سجينة في سجن النساء " نفي ترتسا " . واطلق سراحها ضمن صفقة عام 1983 حيث اختارت اللجوء الى الجزائر ، وقد استقبلها آن ذاك الرئيس الشاذلي بن جديد .
حين اعتقلت زكية كانت حاملاً في الشهر السادس وقد تلقت الضربات والتعذيب بروح عالية وكان الجميع يؤكدون أن المولود سيكون ميتاً ، لكن ولدت طفلة واطلقت عليها اسم ناديا على اسم المناضلة التونسية التي كانت سجينة معها في سجن " نفي ترتسا " " ناديا برادلي " ونادية أبنة زكية متزوجة من المناضل خالد أبو اصبع الذي قام بعملية مع ( دلال مغربي ) .
استطاعوا اخذ ابنتها ناديا بعد عام ، وأذكر يومها أننا اقمنا مظاهرة نسائية عند العين في الناصرة نطالب فيها ببقاء الطفلة نادية مع والدتها، لكن السلطات رفضت وعاشت نادية مع اخوتها في احدى ملاجىء الناصرة .
بعد اطلاق سراحها لم تستطع زكية ضم اولادها ، ضمت البنات الثلاث بعد ذلك عن طريق الصليب الأحمر اما اسرائيل رفضت رفضاً تاماً سفر الأولاد الذكور .
حياة زكية تستحق ان تسجل وتكون امام الاجيال القادمة ، انها امرأة جاءت في الزمن الصعب لكن واجهت الزمن بأسلوبها وطريقتها ، لم تجلس تثرثر في الصالونات ولم تهرع وراء دور الأزياء ، كانت امرأة صلبة وقوية الشخصية ، فهل نقدر هذه الصلابة ونقول كلمة حق في شجاعتها ، كانت تحلم بالعودة الى الوطن .. لكن الموت كان أسرع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا تنظر في حصانة ترامب الرئاسية في مواجهة التهم


.. مطالب دولية لإسرائيل بتقديم توضيحات بشأن المقابر الجماعية ال




.. تصعيد كبير ونوعي في العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل|


.. الولايات المتحدة تدعو إسرائيل لتقديم معلومات بشأن المقابر ال




.. صحيفة الإندبندنت: تحذيرات من استخدام إسرائيل للرصيف العائم س