الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل غيّر القرضاوي نهجه المعتدل بعد إنجازات الإسلام السياسي؟

منعم زيدان صويص

2014 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


من الواضح أن الحرب على المنظمات الدينية المتطرفة التي تعتمد تفسيرات معينة للمعتقدات الدينية لن تنجح إلا إذا إستهدفت العقول وقارعت أعضاء هذه المنظمات ومؤيديها ومنظريها بالحجج وأقنعتهم أنهم على خطأ. وقد رأينا محاولات من هذا القبيل، ولكن الإتجاه العام كان دائما إعتقال هؤلاء وتصفيتهم وإهمال نظرياتهم وأفكارهم. والحقيقة أن الأنظمة العربية وقادة الرأي لم يتنبهوا لهذه المسألة إلا بعد أن سددت القاعدة ضربتها التاريخية إلى أقوى وأغنى دولة في العالم، لا بل في التاريخ، وهي الولايات المتحدة، وبيّن الهجوم على نيو يورك، الخطر الهائل الذي يمكن أن يشكله عدد قليل من الشباب المنحرف المتحمس على العالم، وشعرت بعض الدول العربية والإسلامية أن عليها أن تفعل شيئا بهذا الصدد. فبعد أحداث 11 إيلول 2001، شهدت بعض الدوائر في العالم الإسلامي حركة تدعو إلى الوسطية والإعتدال والتعامل مع العالم الخارجي بطريقة سلمية، واقتنع رجال دين عديدون أن الضرر الذي ألحقته القاعدة بالإسلام والمسلمين، في العالم ككل، كان أفدح من الضرر الذي الحقته بالولايات المتحدة، وبناء عليه بدأوا بتبني أفكار تدعو إلى التسامح والتفاهم مع العالم.

وكانت أول إشارة في هذا الصدد، ما ورد في بيان ميثاق منظمة العالم الإسلامي الجديد عام 2008 الذي ركز "على تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز الحكم الرشيد والديمقراطية والسعي إلى إشاعة قيم التسامح والاعتدال والتنوع ومكافحة الإرهاب." وحاول رجال دين وعلماء من المعتدلين أن يصححوا الأفكار المتطرفة، وكان أشهرهم الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي انتقد المتطرفين "والمتشددين" الإسلاميين، وفي عام 2008 ، ألف كتابا هاما سماه "فقه الجهاد: دراسة مقارنة لأحكامه وفلسفته في ضوء القرآن والسنة." وكان من المعجبين بهذا الكتاب الزعيم الإسلامي التونسي ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي.

يقول القرضاوي في كتابه: "إننا نستطيع أن نعيش في ظل إسلامنا في عالم ينادي بالسلام لا الحرب وبالأمان لا الخوف، وبالتسامح لا التعصب وبالحب لا بالكراهية... نستطيع أن نعيش مع الأمم المتحدة والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وجماعات حماية البيئة. والحق أن مشكلتنا الكبرى مع إخواننا المتشددين الذين أغلقوا على أنفسهم النوافذ وأصروا على وجهة نظر واحدة. آفتهم أنهم يحيون في الماضي لا في الحاضر، في الكتب لا في الواقع". وفي كتابه فضّل القرضاوي استخدام مصطلح "غير المسلمين" بديلا عن مصطلح "الكافرين."

ويقول انه "في ظل الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان ومنها حقه في حرية الاعتقاد والدعوة إليه وإقامة مؤسساته وحماية الأقليات، ينتفي مسوغ أساسي من مسوغات جهاد الطلب، أي الغزو من أجل الدعوة إلى الإسلام وما كان يهدف إليه من إزاحة عقبة الأنظمة الطاغوتية التي كانت تمنع الشعوب من أن تفكر أو تؤمن." ويضيف القرضاوي: "بينما اليوم قد انداحت في الأرض كما لم يحصل في أي فترة ماضية من تاريخ الإسلام مساجده وأقلياته، بما يجعل حاجتنا أكثر إلى جيوش جرارة من الدعاة والمعلمين والإعلاميين المدربين المقتدرين على مخاطبة العالم بلغاته المختلفة." ويقول: "أنك قد تجد الكثير ممن هو مستعد لأن يموت في سبيل الله ولكن القليل القليل ممن يملك الاستعداد ليعيش في سبيل الله."

يقول الغنوشي عن الكتاب: "يَعتبر المؤلف أن الجهاد ضد الظلم والفساد في الداخل مقدّم على جهاد الكفر والعدوان الخارجي، إلا أنه يؤكد أن المواجهة السلمية هي الأصل في الوقوف في وجه الظالمين مستفيدين مما طور الآخرون من صيغ معقولة في مواجهة سلاطين الجور، ويقصد بذلك الأنظمة الديمقراطية مثل البرلمانات المنتخبة والأحزاب والفصل بين السلطات." ويضيف الغنوشي: "كما يؤكد المؤلف على أهمية الجهاد الفكري والثقافي، ويضيف: "لا ندعو إلى عزلة عن العالم بل إلى تفاعل ثقافي وحضاري، نأخذ منهم وندع وفق فلسفتنا ومعاييرنا كما أخذوا هم عنا قديما واقتبسوا وطوروا وبنوا عليها حضارتهم، ولكن ما نأخذ نضفي عليه من روحنا ومن شخصيتنا ومواريثنا الأخلاقية ما يجعله جزءا من منظومتنا الفكرية والقيَمية الحضارية وتُفقده جنسيته الأولى."

ويقول الغنوشي: وبالعموم يتوصل المؤلف من خلال استقرائه لفقه الجهاد في الإسلام إلى أن الجهاد نوعان: جهاد مدني وجهاد عسكري بمعنى قتال الأعداء إذا اعتدوا على المسلمين بالقوة، ما يقتضي الاستعداد لذلك عندما تتوفر دواعيه "وهو نوع تُعنى به الدول". وهناك الجهاد الروحي المدني، ويشمل المجال العلمي و الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والتعليمي التربوي والمجال الصحي والطبي والمجال البيئي والمجال الحضاري.

هذه الأفكار تدل على أن الإسلام السياسي، كما يؤمن به الإخوان المسلمون، إتخذ إتجاها معتدلا قبل الثورات العربية الحديثة، ولكن هذا الإتجاه بدأ يتغير بعد الثورة المصريه على حكم حسني مبارك والتجربة المُرّة التي مر بها الإخوان لاحقا. وكان واضحا في البداية أن الإخوان أصابهم الذهول وأسقط في يدهم عندما عبأ شباب مصر المستنيرون الشعب المصري وبرزوا كقادة المستقبل، ولم تمض بضعة أيام إلا وكان الشيخ يوسف القرضاوي في القاهرة ليقود الإخوان ويمكنهم من الإستيلاء على الثورة. وربما كان هذا نقطة فارقة في تفكير القرضاوي وتفكيرهم فأوقفوا التحرك نحو الإعتدال والحديث عنه، لأن الوضع في رأيهم، لم يعد بحاجة إلى تنظير بل إلى التطبيق العملي لأفكار سيد قطب.

وللأسف لم يحظ كتاب فقه الجهاد بكثير من التحليل والتعليق، لا بل انه هوجم من قبل الكثيرين. ومع أن علاقة القرضاوي بقناة الجزيرة متينة وعضوية، إلا أن القناة لم تخصص أيا من مقابلاتها مع القرضاوي، في برنامج الشريعة والحياة، لشرح الأفكار التي ذكرها، إلا في أواخر 2010، بعد أكثر من سنتين على تأليف الكتاب وبعد ظهور مقالات واستفسارات عنه في الإعلام، ربما لأن الجزيرة تعلم أن الإعتدال، وخاصة في هذه المسألة، سيضعف شعبيتها لدى الكثيرين، وهذه الشعبية مهمة جدا بالنسبة لقناة تعتمد على الإثارة. ولم تركزالحلقتان المتتاليتان من برنامج الشريعة والحياة على الجوانب المهمة للكتاب، وخاصة مسألة الجهاد ومسوغاته التي بُحثت بطريقة سطحية.

الشيخ يوسف القرضاوي الآن قريب من نهاية الثمانينات وقد قل نشاطه بشكل عام ولكن أعمال عالم مهم ومعاصر كالقرضاوي لا تموت معه، و يجب الإستفادة منها وخاصة في هذه الأيام العصيبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة