الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السياسة كرنفال

امال قرامي

2014 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


التنافس على أشدّه بين المرشحّين والمرشّحات للانتخابات التشريعية، ولمنصب رئاسة الجمهورية ولا غرابة فى ذلك فبعد سنوات الامتثال لسياسة «تجفيف المنابع» بلغ «نهم» التونسيين مداه، وصار الجرى وراء المناصب الهواية المفضّلة لعدد من التونسيين، لا فرق فى ذلك بين الرجال والنساء، والكهول والشيوخ والشباب، والمنتمين إلى معسكر اليمين أو اليسار. وللمرّة الأولى تتقلّص بعض الفوارق الطبقية، والجندرية، والجهوية، والعمرية.

غير أنّ هذا الحراك النسبيّ على مستوى مختلف البنى لم تصاحبه ديناميكيّة فى مجال الفكر السياسيّ غاية ما لدينا صراع بين الخصوم : الفاعلين الجدد واللاعبين «السياسيين» المعروفين بحنكتهم، ومعنى ذلك أنّ الجدل بدل أن يكون حول البرامج والتصوّرات وإنتاج الأفكار الجديدة صار صراعا حول الأشخاص. هى أنوات تتصارع من أجل البقاء والهيمنة على المسار الجديد متخذة أساليب مهترئة للتأثير على «العوام». فالجميع يبرّر ترشّحه بأنّه علامة على حبّه للوطن، ورغبته فى خدمة التونسيين، وتصحيح المسار.. وفى أوقات الوجع يغدو استحضار البعد الكرنفالى ضروريّا للخروج من الأزمة.

<<<

ما أشبه استعدادات المرشّحين والمرشّحات للانتخابات باستعدادات المشاركين والمشاركات فى الكرنفال. فالجميع يتهافت على الحلاّقين والحلاّقات: يصبغون، ويغيّرون التسريحات، ويتردّدون على بائعى العطور، ومحال الملابس، والنظّارات، يتّبعون حميات قاسية، علّهم يبرزون فى مظهر يليق بالمناصب التى يأملون الوصول إليها.

يتقن أغلب هواة السياسة، والمتطفّلين عليها الرقص على الحبلين، والتلاعب بالوقائع والتاريخ والمشاعر، ويتفنّنون فى ازدواجية الخطاب والفعل، يصيحون، ويهتفون، ولا يتحكّمون فى مشاعرهم، و«نفلتون»، ويتحرّرون من القيود، والضوابط الأخلاقية، والقيم فيسعون إلى الإطاحة بخصومهم متوخّين فى ذلك أساليب شتّى منها التراشق بالتهم، والسبّ، واللعن، وإفشاء الأسرار، وتشويه السمعة.

ومع اقتراب الموعد الانتخابى يتحوّل المشهد السياسى إلى كرنفال شعبيّ تختلط فيه المعايير، ويتخلخل فيه نظام التراتبية ممّا يجعل الزمن الكرنفالى يعبث بالزمن الرئيس. فالحاضر: حاضر الثورة يغدو ماضياً والماضى يحلّ بقوّة ويصبح حاضراً، وسرعان ما تذوب الفوارق بين المنظومة القديمة التى أسّسها «بن عليّ» ومحاولات بناء منظومة جديدة تتلاءم مع «استحقاقات الثورة» . إنّ الجديد، بعد أن تحوّل إلى يوتوبيا، وعجز عن تعطيل المستقرّ، والمتعارف عليه وإطلاق طاقة جديدة بات يتفاعل مع القديم يستلهم منه الدروس والعبر بل إنّه بات يوفّر له فرصة جديدة للحياة، والفعل فى الواقع.

وليس أمام عامة التونسيين إلاّ السخرية، والضحك، وإنتاج الملحة أو «الحنين إلى الزمن الجميل: زمن الزعيم بورقيبة أو زمن صانع التغيير بن عليّ» فهذه الأساليب تتحوّل إلى سلاح يواجه به المواطن/ة واقعا محبطا للآمال مخيّبا للتوقعات والانتظارات تضاعفت فيه العمليات الإرهابية وانتشرت فيه التجارة الموازية، وصار التهريب المعوّل عليه، وتدحرجت فيه المقدرة الشرائية، وتفاقم فيه عدد المعطلين عن العمل والمهمّشين. يكفى أن نتابع تفاعل التونسيين على صفحات الفيس بوك لنتبيّن أنّ الثقافة الشعبيّة قادرة على تفكيك الخطاب السلطوى الذى يستمر فى أثواب جديدة، فأحادية الرأى التى تصرّ على عدم الإنصات إلى الأصوات الجديدة مازالت حاضرة نجدها لدى عدد من السياسيين والمثقفين والإعلاميين وغيرهم. وهذه الأحادية التسلطيّة تُواجه بصور الفوتوشوب، وبممارسة التحرّر اللغوى، والتعليقات الساخرة، والأمثال، والحكم.

<<<

خيّب أغلب الفاعلين فى المجال السياسى آمال التونسيات والتونسيين، وما استطاعوا تحويل المشهد السياسى إلى عرس يحتفى فيه «بالديمقراطية الناشئة»، وعجزوا عن حفز التونسيين على المشاركة فى الانتخابات القادمة والاحتفال بمراسمها. كما أنّ السياسيين لم يستطيعوا أن يستثمروا دلالات الكرنفال العميقة المتمثّلة فى بلورة رؤية جديدة للسياسة وتجسيد نظرة جديدة إلى الحياة والكون. وحين تُعيى الحيلة السياسيين يغدو مقترح راشد الغنوشى: المطالبة بترشيح رئيس توافقى يجنّب البلاد الحرب الأهليّة الحلّ الممكن، فى نظر عدد من السياسيين.

ولا يذهبن فى الاعتقاد أنّ المسار الانتقالى بات مهدّدا نظرا إلى هذا الخواء الفكرى وقلّة حيلة الفاعلين السياسيين الجدد، والقبح الذى نعانيه منذ مدّة. فالمجتمع المدنى لا يزال يعمل ويتحرّك مؤمنا برأى «باختين» حين اعتبر الكرنفال فعلاً خلاّقاً، ومنتجا ومولّدا قادرا على عرض واقع مغاير، وابتكار نظام جديد، وولادة إنسان جديد بإمكانه أن يتجه إلى الأمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توترات متصاعدة في جامعات أمريكية مرموقة | الأخبار


.. !الرئيس الألماني يزور تركيا حاملا 60 كيلوغرام من الشاورما




.. مئات الإسرائيليين ينتقدون سياسة نتنياهو ويطالبون بتحرير الره


.. ماذا تتضمن حزمة دعم أوكرانيا التي يصوت عليها مجلس الشيوخ الأ




.. اتهام أميركي لحماس بالسعي لحرب إقليمية ونتنياهو يعلن تكثيف ا