الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقد هزلت حتى بدا من هزالها

امال قرامي

2014 / 9 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


المتابع/ة للتصريحات الصحفية التى أدلى بها عدد من السياسيين التونسيين فى وسائل الإعلام العالمية كالصين والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرهما ينتبه إلى سمة مشتركة بين قادة الأحزاب كالمرزوقى والغنوشى وابن جعفر تتمثّل فى الإشادة بالأنموذج التونسى، والتغنّى بمميّزات التجربة التونسية، ودعوة البلدان العربية، خاصّة مصر إلى تعلّم الدروس والعبر. وفى غياب المدّاحين والمتزّلفين يجوز للأنا أن تنتج السرديات، وأن تتفنّن فى نظم قصائد فى غرض الفخر.. لِمَ لا والتجربة التونسية أضحت حديث الجميع هذا الأسبوع.

فمن مميّزات التجربة التونسية بلوغ رقم المترشحين إلى منصب الرئاسة 70 مترشحا ومترشحة، وهو رقم يستحق أن يسجله غيناس. ويتّضح أنّ خبر تهافت الناس على تسجيل ترشحاتهم حتى آخر ساعة قد حجب الضوء عن المترشحين للانتخابات التشريعية، وجعل كلّ الأنظار تتجّه صوب الانتخابات الرئاسية. فماذا يساوى الترشّح لمنصب نائب فى البرلمان أمام إغراء منصب رئيس/ة الدولة؟

لسباق الجرى على تقديم الترشحات بعد كوميدى إذ ضحك التونسيون حتى بدت نواجذهم. فهذه أجبرتها روسيا والصين على تقديم ترشّحها، وهى مؤلفة كتاب منذ كانت يافعة، وذاك معطّل عن العمل يرى فى الترشّح للرئاسة ما يضمن علاج قضايا الشباب العاطل عن العمل والمهمّش، وآخر يتسلل من النافذة لتقديم ملفّه بعد أن أغلقت الأبواب، وتلك فئة تعنتت ولم تعترف بشروط الترشّح فقدّمت ملفاتها رغم أنف الجميع متعلّلة بأنّ الشعب رشّحها.فضلا عن رجال الأعمال، و«أزلام النظام» السابق، والمنتمين إلى قطاع المحاماة، والتدريس، والقضاء، والمتقاعدين، وغيرهم ممّا يثبت أنّ معيار النخبة المنتمية إلى طبقة محدّدة قد تمّ تجاوزه مثلما تمّ تجاوز الجندر، والسنّ، والأيديولوجيا باستثناء معيار الدين إذ لم يجرؤ مسيحى أو يهودى أو بهائى على تقديم ترشّحه. أمّا أسباب هذا الجرى الحثيث باتجاه قصر قرطاج فإنّها تعود إلى عدّة اعتبارات منها: سقوط الأسطرة عن القصر فلم يعد حكرا على كبار المسئولين والسياسيين وغيرهم من علية القوم، وإنّما صار بعد الثورة قبلة أطياف من «العوام»: وفد عليه دعاة السلفية، وأصحاب السوابق الذين تمرّدوا على القانون، وتمتّعوا بالإفلات من العقاب وتحصّنوا بانتمائهم إلى ما يسمّى بروابط حماية الثورة: فُتحت أبواب القصر فزاره من هبّ ودبّ فى تكريس فجّ للشعبويّة أطاح بهيبة الدولة.

ولئن عنّ لرئيس الدولة مخالفة المتعارف عليه من حيث الهيئة فأزال رابطة العنق والتحف بالبرنس، ولبس المظلة فى محاولة للتقرّب من عامّة الشعب فإنّ أغلب التونسيين انتقدوا ملابسه وسلوكه لاسيما فى المحافل العالمية، ورأوا أنّه عبث بأبهة المؤسسة الرئاسية. والمطلع على تعليقات الفيسبوكيين، وصور الكاريكاتور والفوتوشوب المتداولة لا يملك إلاّ أن يضحك مقرّا بقدرة هؤلاء على ابتكار الملحة وانتزاع الضحكة فى زمن عزّ فيه الفرح. وليست السخرية إلاّ حجّة على مواقف الناس من الرئيس، ومما آلت إليه مؤسسة الرئاسة فى عهد المرزوقى.

أمّا زائر القصر الرئاسى فإنّه سرعان ما ينتبه إلى التغييرات الطارئة عليه: فلا عناية بالحديقة ولا اهتمام بالبروتوكول مثلما جرت العادة من قبل، والتى جعلت مراسم الزيارة تخضع لطقوس كثيرة. كلّ هذه العوامل ساهمت فى نزع الهالة عن منصب الرئيس، الذى كان من المواقع التى لا يفكّر فيها التونسى فى احتلالها فباتت من أكثر ما يستهويه. زد على ذلك أنّ وعى التونسى/ة بأنّه أضحى يتمتع بعدّة حريات وحقوق باسم المواطنة جعله يريد أن يبرز حقّه فى الترشّح وخدمة البلاد لِم لا وتجربة المجلس التأسيسى جعلت النواب والنائبات يغترفون من ميزانية الدولة أموالا ما كانوا يحلمون باكتسابها بالعملة المحلية والعملة الصعبة.

تُبيّن هذه التحوّلات على مستوى تمثّل منصب رئيس الدولة، وفهم ما تتطلبه إدارة الحكم من مواصفات، وتصوّر ركائز ما تقوم عليه العملية السياسية، أننا إزاء تركيبة جديدة من التونسيين الذين لا يتوانون عن دخول معترك السياسة من باب التطفّل، والهواية، وخوض التجربة، زادهم محبّة الناس الذين قدّموا لهم التزكية، فضلا عن بروز طموحات ارتفع سقفها، وأطماع جديدة، هى كوميديا سوداء تمتزج عناصرها بخصائص العمل الدرامى، بل هى مأساة واقع السياسة فى تونس اليوم.

وحده حزب النهضة لجم أطماع أتباعه فجعلهم لا ينساقون وراء سباق الترشّح. وليس ذلك زهدا وتعفّفا بل من باب «التكتيك» السياسى حتى يثبت للآخرين أنّه متميّز يزّكى هذا الشيوعى وتلك المرأة المتبرجّة، وذاك التجمّعى، وذاك الملياردير يقف وراء الجميع «يدفعهم» إلى الأمام والعبرة فى النهاية: من سيضحك؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - محزن فعلا
أنيس عموري ( 2014 / 9 / 30 - 10:06 )
نعم سيدتي، إنه لأمر محزن أن يتصرف الناس في تونس وكأنهم قد أنجزوا أهم مهمة في حياتهم وكأنهم أوصلوا الدولة التونسية إلى بر الأمان. وكأن الخطر الإسلاموي وعلى رأسه النهضة لم يعد موجودا، ولا خطر الإرهاب الرابض على الحدود، وكأنهم لم يروا ما يجري في تركيا التي تشهد اليوم، بعد سبعين سنة من العلمانية، عودة قوية للمكبوت الديني والاستبداد باسمه.

اخر الافلام

.. مصادر: ضربة أصابت قاعدة عسكرية قرب أصفهان وسط إيران|#عاجل


.. القناة 12 الإسرائيلية: تقارير تفيد بأن إسرائيل أعلمت واشنطن




.. مشاهد تظهر اللحظات الأولى لقصف الاحتلال مخيم المغازي واستشها


.. ما دلالات الهجوم الذي استهدف أصفها وسط إيران؟




.. دراسة جديدة: اللحوم النباتية خطرة على الصحة