الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في العيد

عايده بدر
باحثة أكاديمية وكاتبة شاعرة وقاصة

(Ayda Badr)

2014 / 10 / 2
الادب والفن


في العيد
كنا صغارا نفرح وقت يقول الأهل أن العيد اقترب و لم نكن نفقه بعد ما معنى العيد
كنا ننظر في عيون آبائنا و أمهاتنا نجد فرحة تمتزج بالتعب و المشقة و الجهد
كنا نفرح باسم العيد بقلوب أطفال تبحث في عالمها الصغير عن جديد مختلف ، عن ملابسنا الجديدة كيف ستكون و لأين سنخرج ومن سنتقابل معهم و ماذا سنلعب
في العيد كان الأقارب حريصون على معايدة بعضهم بعضا ليس عبر الاتصالات لكن من خلال زيارات و معايدات فعلية تتم أول يوم العيد و جيران يلتفون حول بعضهم لا تستطيع أن تميز وقت تراهم إن كانوا جميعا مسلمين أو إن بينهم من يحمل دينا آخر
َ تذكرني ندبة صغيرة باقية بسقوطي من أعلى السلم و أنا ألعب مع أخي من الرضاع و إن كنت لا أتذكر الحدث تماما لكنها ظلت علامة تذكرني به و بالمناسبة أخي هذا كان مسيحيا انتقلت عائلته فيما بعد و انقطعت بنا و بهم السبل
كانت المساجد حولنا تستعد و من مآذنها تسمع أعذب الأصوات بتكبيرات العيد استهلالا ، أنت لا تستمع وحدك كمسلم لهذه التكبيرات بل يستمع معك كل من حولك تشعر بجلالها و عظمة النور في صدى ترديدها ، لفت نظري لوقع هذه التكبيرات جار مسيحي قال أنا مثلكم أنتظر هذه التكبيرات تفرح قلبي عندما سألته مبتسمة و هل ستغلق محالك في العيد ؟ رد بنفس الابتسامة : و هل العيد لكم وحدكم يا دكتورة أنا أيضا أنتظر العيد ، ما يلفت نظري أن جارنا هذا لا يأكل في نهار رمضان ، يشرب لضرورة العطش بعيدا عن عيون الناس ، يحتفل بالكعك و الحلوى و الملابس الجديدة و ليس وحده من يفعل بل كثيرين
أنت لا تعلم حين يهل عيد الزعف كما نسميه من يحمل غصنا في يده هل مسيحي فقط ؟ أم أن جاره في مسكنه او صديقه في الجامعة او العمل او المدرسة يحمل معه
ذكرني اسم مريم الذي تتلهف معظم النساء على تسمية بناتهن به يكاد الاسم يوازي في عدد من تتسمى به كمسلمة نظيرتها المسيحية و كأن هذا الاسم يوحدنا للأبد و الاسم ليس مجرد حروف تتسمى به بل دلالته أقوى لأنك به تعيد و تجدد روابط لا تنتهي مع شريكك في الأرض التي تعيش عليها هذا إذا لم تفطن أنه قبلا شريكك في الانسانية و اخاك من آدم و حواء
في العيد تبحث عن كل شيء جديد لم تقم به من مدة و يتسرب إليك شعورا فطريا بالراحة لا تعرف مصدره ، قد يذكرك بأشياء تؤلم أيضا من فقدان أحبة كانوا معنا و فارقونا غصبا أو باختيارهم لكنك في العيد تعيد ذاكرتك تكرار مشاهدها المفرحة منها و المؤلمة تعيد حساب نفسك و تشعر بأنك قابل أكثر من أي وقت مضى للتسامح و نبذ اي صراع أو خلاف يبعدك عن الآخرين
في العيد تتذكر أطفالا ليس لديها من يسعدها لا تجد من يضمها أو يقاسمها فرحة العيد ، تتذكر أيضا أن هناك من لا سقف لهم يحتمون به و أحلامهم كما أطرافهم كما ألعابهم مهدمة و مبتورة ، تتذكر أن هناك من خُطف من أهله غدرا و سيق لمصير مجهول / معلوم ، في العيد أيضا تتذكر أن هناك بقايا أطفال ، أشلاء كانت تستعد لتفرح بالعيد لكن يد الغدر سبقته إليهم و انتزعتهم من أحضان ذويهم ، حينها أيضا لن تفكر هل كانوا جميعا مسلمين أم بينهم و ربما كثير غير مسلمين
العيد يأتي ليذكرك بغيرك ، يأتي ليعيد إليك بعضا من انسانيتك التي تنفرط منك طوال الوقت ، يريدك أن تعيد ترتيب نفسك من جديد لأن العيد مشاركة لمن حولك قريبين منك أم بعيدين ، العيد يعني أنت و هم و ليس أنت وحدك ، أو أنت و من تحب و تهتم به فقط ، العيد يعني أنا و أنت و نحن و هم لأنك لا تعيش وحدك على كوكب منفرد بك
كل عام و أنتم بألف خير
عايده بدر
1-10-2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع