الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجعجعة عليكم و الطحين علينا

عادل أسعد

2014 / 10 / 7
مواضيع وابحاث سياسية



عندما سقطت العاصمة الليبية طرابلس بيد المعارضة التي كانت تقاتل لاسقاط نظام القذافي تابع العالم في الاعلام المرئي كيف اجتاح الرعاع المسلحون القصر الرئاسي الليبي و عاثوا فساداً بكل جزء به . و لكن قليلون هم من كانوا قد تنبهوا بأن المعارضين الليبيين قد تقصدوا أن تكون أغلب الصور المأخوذه لهم من غرف نوم عائلة الرئيس القذافي و من غرفة نوم ابنته بالذات . وقتها ركزت وسائل الاعلام الغربية على تلك الصور و كثفت من نشرها في الجرائد و من عرضها في نشرات الأخبار كي تعمم رسالة غير مباشرة تقول ان الرؤساء لا يملكون أي حصانة و ليس لهم أي كرامة و هم ليسوا ببعيدي المنال كما تظن شعوبهم بل هم أضعف من أي مقاتل يحمل السلاح ضدهم و ان اختراق أعمق محراماتهم مثل غرف نومهم هو في الواقع في متناول أصغر معارضيهم الذين يملكون الحق في أن يسبوا هذه الغرف لأنها متاع محلل لهم ... في تلك الأيام فعلت رسالة الغرب فعلها في المعارضة السورية التي حشدت مسلحيها في ريف دمشق و كثفت من هجماتها على كتائب الدفاع الجوي و على رحب الجيش الواقعة في منطقة الغوطة الشرقية ، و لم تمض أيام قليلة على انتشار صور غرف نوم القذافي تلك حتى انتشر بين السوريين فيلم فيديو لقائد ميداني لاحدى فصائل المعارضة في غوطة دمشق و هو يصرخ متحمساً و متوعداً الرئيس السوري بأنه و رجاله سوف يكونون في غرفة نومه في قاسيون في خلال يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير . لكن ماحصل هو أن اليومين قد انقضيا و جاء ورائهم شهر ثم شهراً آخر و جاءت النتيجة بمفاجأة من السلطات السورية موجهة إلى معارضيها قبل الموالين عندما عرضت صور لجثث تعود إلى مجموعة معارضة مسلحة أبيدت على يد الجيش السوري و كانت تلك الصور تشمل ذلك القائد المعارض الجعجاع هو و غالب أفراد كتيبته المقاتلة .
منذ حوالي الشهرين نشر مسلحو المعارضة في ريف حماة فيلم فيديو يتوعدون به الضابط في الجيش السوري الذائع الصيت سهيل الحسن بأنه لو جاء إلى ريف حماة كما تقول الخبريات فسوف يواجه فيه مقاتلين يتشوقون لملاقاته كي يحققوا أمنيتهم التي انتظروها على أحر من الجمر و هي أن يذبحونه بأياديهم و يفصلون رأسه عن جسده ثأراً لاخوتهم في القتال الذين هزموا على يديه و سقطوا صرعى تحت ضربات رجاله . لكن الذي حصل هو ان العقيد سهيل الملقب بالنمر قد جاءهم إلى ريف حماة دون تأخير و شتت فلولهم و أسقط تحصيناتهم و طردهم من البلدات و القرى التي يتمركزون فيها بأسرع تواتر شهدته الأزمة السورية و لم يبق للعقيد و رجاله إلا القليل ليعيد كل المواقع المهمة في ريف حماة من سطوة ميليشيات المعارضة إلى حضن الدولة .
ابتليت سورية في حربها الأخيرة بالكثير من المصائب و مر عليها ماهو فوق طاقة البلدان من المحن السياسية و من النكبات الأمنية فقد وقع على رأسها هي دوناً عن باقي العالم كل ما قد تفتق من مكاتب مخابرات القرن الواحد و العشرين من ارهاصات الحروب الحديثة التي تضرب و تميت و تدفن بيد من داخل ذات البيت المستهدف . لكن و حسب رأي الشخصي فأن من أصعب ما واجهته سورية و مازالت هو كثرة الجعجعة بلا طحين عند أعدائها و افراطهم في نفخ صدورهم و اطلاقهم لتحديات لامسؤولة و لعنتريات فارغة بدأت من الجعجاع الأول العرعور الذي كان يرى في حي بابا عمر الحمصي قلعة المؤمنين المنيعة التي تستطيع بايمانها صد كل القوات السورية مجتمعة مما دفعه ليتحدى واثقاً الرئيس السوري بأنه لن يستطيع أن يطأ أرض بابا عمر "المقدسة" .
ان اطلاق الخطابات و رصف الكلام ذو السقف العالي عسكرياً كان أم سياسياً لا يقتصر على رعاع داعش و النصرة و ما هب و دب من تشكيلات مسلحة تقاتل الجيش السوري بل اننا نرى ،و للعجب، ان الجعجعة قد شكلت في معادلة الحرب على سورية صفة لازمة لدول اقليمية كبيرة و لدول عظمى ممن وقفوا وراء مقاتلي المعارضة و دعموهم . و للتذكير فقط ، من منا لا يتذكر تصريحات الادارة الأميركية الحاتمية عن عدم شرعية الرئيس السوري و عن أيامه المعدودة و عن جرائم الجيش السوري ، و اطلاقها لتهديد من هنا و لانذار من هناك و من ثم رأينا جميعاً كيف ان الطائرات الحربية السورية تسابق الطائرات الأميركية في السماء للاغارة على مواقع و جحور الارهابيين !!. و بالعودة إلى الوراء مع شحذ الذاكرة قليلاً فسوف نتذكر عدداً ليس بالقليل من الخطوط الحمر العسكرية التي كانت قد رسمتها الادارات الأميركية المتعاقبة للجيش السوري طوال أربعين عاماً قد تم تجاوزهم و القفز من فوقهم مراراً و تكراراً مثلما حدث في حربي تشرين و لبنان . و الكلام هذا لا يعني بأن أميركا لا تملك خطوطاً حمراء حقيقية فاصلة يجب أن تحترم من الجميع لكنه يعني بأنها تتكلم كثيراً بالنسبة لدولة عظمى و خاصة في حقبة مابعد رئاسة جورج بوش الأب لها . و لتقريب الفكرة دعونا نراجع التصريحات السورية أو الايرانية أو الروسية الرسمية و لنقارنها بغزارة و باندفاع التصريحات التي صدرت عن دول ما عرف (بأصدقاء سورية) و لنسأل أنفسنا هل سمع أحدهم يوماً ان القيادة السورية قد أطلقت خطاب ناري جعجاع مثل خطابات صدام حسين التي كان يهدد فيها بحرق اسرائيل من الوجود ؟؟ أو مثل خطاب القذافي في آخر أيامه عندما رفع قبضته و دعا شعبه للخروج بالملايين إلى الشوارع لطرد المعارضين ؟ أو هل سمع أحدهم ان سورية قد هددت علناً و استخدمت مصطلحات فجة مثل سنقتلع و سنحرق و سنبيد ضد أي دولة أو نظام أو هيئة أو حتى ضد المسلحين الذين يقاتلونها ؟؟ و الحديث هنا عن تصريحات سورية رسمية و ليس عن بوستات شعبية تنشر على الفيسبوك . هل سمع أي كان ان ايران قد قالت بأن أيام النظام الفلاني قد باتت معدودة أو ان الطائفة الفلانية غاضبة و هي على شفير الانفجار ؟؟ هل سمعنا مرة ان روسيا قد أعطت في زمن قياسي حزمة من التصريحات المتناقضة و المتذبذبة مثل فاقد للشرعية ثم أيامه معدودة ثم ان الأزمة السورية سوف تطول ثم ان النظام السوري معزول ثم عودة إلى فاقد الشرعية ؟؟.. أنا شخصياً لم أسمع بذلك بل ان أكثر ما ألاحظه على الحلف السوري الايراني الروسي و من معهم من دول مثل الصين هو تمايزهم عن دول الحلف التركي الخليجي الغربي (باستثناء اسرائيل و بريطانيا) بديبلوماسية تصريحاتهم السياسية و بعدم حدتها و وسطيتها أي بما معناه و بالمكشوف عدم الجعجعة و العنتريات .
ان للجعجعة أشكال عدة و مستويات مختلفة و كلها تتشابه بافتقارها للطحين و تجتمع تحت سقف واحد و هو معاكسة الطريقة العقلانية الهادئة و ابتعادها عن الأسلوب الاستراتيجي في معالجة المشاكل التي تواجهها . و هي صفة خطيرة جداً و مميتة خاصة اذا اجتمع أكثر من مستوى من الجعجاعين و العناتر مع بعضهم و ركضوا جميعاً وراء هدف واحد يجتمعون عليه ، و هذا تماماً ما وقع على سورية التي واجهت خلال أزمتها و لسوء حظها ثلاثة مستويات مختلفة من العناتر في آن واحد : المستوى الأول و هو الأدنى في ترتيب القوة و لكنه الأعلى في سرعة تأثيره على الميدان و على الحالة المعنوية و العاطفية للسوريين و هو يشمل الرعاع الجعجاعين أو مايعرف بالمعارضة السورية من فصائل مسلحة متنوعة الأسماء و الولاءات وصولاً إلى داعش . و يتميزون هؤلاء بتغليب الحالة العاطفية السلبية على الأمان مع غياب نهائي للعقلانية من صراعهم مع الدولة ، فتراهم و قد شحنوا عواطفهم حتى الهستيريا بمشاعر الانتقام و القصاص و باتوا يمنون النفس بانتصار قريب لكنه غير منظور و يشحذون هممهم باسترداد سير معارك تاريخية كانت تدار بالسلاح الأبيض و يرددون مصطلحات عتيقة كانت تستخدم في زمن قبضايات الأحياء مثل جبان و حريمة و خاين . انغماسهم العميق هذا في أجواء القتل و العنف و القصاص و الذي يصل إلى حد الخدر يدفعهم لتنفيذ ما يطلب منهم دون تردد و دون النظر إلى فداحته أو إلى النتائج المترتبة عليه ، أي بما معناه انتاج للطين . و هكذا وصلت بهم الأمور إلى درجة القيام بعملية انتحارية في مدرسة أطفال ابتدائية في حي عكرمة في حمص راح ضحيتها حوالي الثمانين بين قتيل و جريح أغلبهم من الأطفال و كل ذلك فقط لأنهم أدركوا بأنهم خسروا وجودهم في حمص للأبد فتجرأوا على ضرب الأطفال بغية الانتقام و التشفي و ذلك على حسب مستواهم في التفكير و الجعجعة بينما جاء الهدف من العملية الارهابية عند المستوى الأعلى من الجعجاعين بهدف خلق صدمة عند فئة من جمهور الموالاة تكون نواة لشرخ يقوم بينها و بين القيادة السورية .
المستوى العالي من الجعجعة هو الذي نجده لدى أميركا في العقدين الأخيرين من الزمن ، فرأينا الادارات الأميركية المتعاقبة كيف كانت حاتمية في اطلاق التوصيفات السياسية و التهديدات العسكرية ، و سريعة جداً في الاستدارة و القيام بانعطافات حادة على مستوى العلاقات و المصالح . و قد تبدو هذه التصرفات للبعض بأنها لا تحمل ضرراً جدياً لأنها تصرفات نظرية تضر بمصداقية أميركا فقط ، لكن الحقيقة هي غير ذلك فأميركا المتذبذبة و التي لا تعرف تماماً ما الذي تريده و كيف تحصل عليه بهدوء توكل من يقاتل عنها على الأرض و تجرب معه كل شيء ضد الطرف المقابل مادامت لا تخسر أرواحاً أميركية . فتطلق لأذرعها العنان دون تحفظ و تفتح صمامات الدماء السورية لمجرد اختبار وجهة نظر سياسية جديدة قد تأتي فعلها أو لا ، أو لايصال رسالة قاسية أو لكسب ورقة تفاوض أو ربما لتعزز تصريح سياسي جديد لها !! . و هكذا رأينا تدرج المراحل المتذبذبة لتشكلات المعارضة السورية المسلحة التي تتناسب مع تذبذب أميركا ، ففي البداية كانوا حملة الشموع و الورود مع بعض الغاضبين من حملة السلاح و من ثم جاء الجيش الحر الذي اضمحل و برزت مكانه التشكيلات الاصولية و الارهابية و التي أدين قسم منها و القسم الأخر يستخدم الأن للعودة لمحاولة تشكيل ما يعرف بمعارضة معتدلة لتدور نفس العجلة من جديد و يستمر حلف الجعجاعين في اللعب بالدماء السورية.
المستوى المتوسط هو الذي يقع في الوسط بين المستويين السابقين و يجمع بين خطرهما معاً أي غباء و رعونة الأول و خبث و عنجهية الثاني ، فنرى ان تركيا و السعودية قد اتفقتا على ترديد نغمة عدم شرعية النظام في سورية و اسقاط الرئيس الأسد على الرغم من الخلاف المستفحل بينهما على شكل سورية المفترض بعد ازاحة النظام الحالي . مع ملاحظة ان الاثنتان لم تتمكنا من اعطاء أي استراتيجية واضحة تبينان فيها الخطوات الفعالة و المدروسة التي يمكن بها اسقاط النظام السوري في مدى زمني متوقع ماعدا تكرار الجعجعة نفسها التي تقول بزيادة الدعم العسكري للمستوى الأول من الجعجاعين و تكرار الطلب من المستوى الأعلى لأقامة منطقة حظر جوي فوق الجغرافية السورية . و الغريب في الأمر بل ماهو مذهل أن كلا النظامين السعودي و التركي ينصبان أنفسهم كزعماء و أولياء لطائفة دينية ، الأول عقائدياً و الثاني سياسياً و الاثنان قد تسببا بواحدة من أكبر النكبات التي حلت بهذه الطائفة ان كان من ناحية الضحايا التي سقطوا منها أو من ناحية اندحارها الديموغرافي نتيجة لتغذية الاقتتال في العراق و سورية و لبنان دون استبصار للنتائج المترتبة عليه لانهم اعتمدوا على تكتيكات مبنية على الجعجعة فقط فدمشق لم تسقط رغم كل ماقيل و ليس هناك من مؤشرات لأن تتأثر رغم كل مايقال بينما نرى في المقابل أن صنعاء قد سقطت بيد الحوثيين بقمة السرعة و السلاسة و الهدوء و دون أي تصريح أو زعيق أو جعجعة .
لكن ماسلف لا يعني بأن الجعجاعين ضعفاء أو أغبياء بل هم يتكلمون أكثر مما يفعلون و أحياناً هم يخبئون خشيتهم وراء تصريحاتهم النارية . فتركيا مثلاً تدرك جيداً ان كل ماقيل عن استنزاف سوف يتعرض له جيشها فيما لو دخل الأراضي السورية هو صحيح مائة في المائة و هي تعرف ماذا يعني أن تبدأ سورية مع ايران و بدعم روسي في بناء مقاومة في شمال سورية ، و هي تعرف أيضاً معنى أن تنسق سورية و حلفائها مع المقاتلين الأكراد المجروحين من داعش التي تتحرك حسب رغبات تركيا التي عملت على افراغ أي منطقة محتملة لانطلاق عمليات عسكرية ضد جيشها فيما لو دخل الأراضي السورية فأمرت داعش بافراغ عين العرب (كوباني) من أكرادها بغية خلق حاجز داعشي بين جيشها و بين أي مشروع مقاومة سوف ينشأ ضده ... لكن من بين كل هذا الطين يستطيع المراقب للتطورات السياسية الهادئة أن يقرأ رسالة أخرى فمن زيارة مسؤول ايراني رفيع إلى سورية و من فتح باب التصريحات الايرانية الروسية التي تهدد من المس بالدولة و بالنظام السوري و من اعلان ايران امكانية دخول قواتها إلى العراق لحماية المقدسات إلى التقدم العسكري السوري السريع و بالذات على جبهات الشمال ، من كل هذه التطورات الهادئة نقرأ سطراً واحداً مضاءً يقول : جعجعوا ما شئتم فنحن من ينتج الطحين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يوقع حزم المساعدات الخارجية.. فهل ستمثل دفعة سياسية له


.. شهيد برصاص الاحتلال الإسرائيلي بعد اقتحامها مدينة رام الله ف




.. بايدن يسخر من ترمب ومن -صبغ شعره- خلال حفل انتخابي


.. أب يبكي بحرقة في وداع طفلته التي قتلها القصف الإسرائيلي




.. -الأسوأ في العالم-.. مرض مهاجم أتليتيكو مدريد ألفارو موراتا