الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفدرالية الكردستانية ضمانة للعراق الديمقراطي

صالح بوزان

2005 / 8 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


بدأ المشهد العراقي يكشف عن حقائق ساطعة، خصوصاً تلك الحوارات الماراتونية حول الدستور، والتي كشفت أن الديمقراطية هي الأسلوب الوحيد للتفاهم بين مكونات الشعب العراقي. إلى جانب أنه لا يستطيع أي طرف أن يخفي نواياه عن الآخر، فالحوار يجري فوق الطاولة وليس تحتها، كما كان يحدث في السابق. زد على ذلك يتبين للجميع أن الديمقراطية أصبحت الطريقة الوحيدة التي بالا مكان أن تجمع المتناقضات وتتعايش معاً دون أن تتفجر وتقضي على بعضها بعضاً.
ولكوني غير عراقي وأنظر إلى جميع القضايا العراقية بنظرة مراقب عن بعد، فقد أعجبت كثيراً بالحوارات والمقالات التي يجريها العراقيون في الفضائيات ويكتبونها على شبكة الانترنيت. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما يكتبه الدكتور كاظم حبيب والدكتور عبد الخالق حسين والدكتور عزيز الحاج وغيرهم.
بتقديري أن هؤلاء يكشفون عن الوجه المشرق للعراق الجديد، ويكتبون بأخلاقية عالية. ولكن مقابل هؤلاء يوجد العديد من الكتاب العراقيين-ناهيك عن الكتاب العرب غير العراقيين- الذين يتباكون على وحدة العراق، ويصرّحون جهاراً أن الفدرالية الكردية تهدد العراق بالتقسيم، بل يقول بعضهم دون خجل بأنها مشروع صهيوني. وللأسف أن معظم هؤلاء الكتاب كانوا في المعارضة ضد صدام حسين، بل كان بعضهم محسوباً على اليسار. لقد كشفت المدة القصيرة لعمر الديمقراطية في العراق( رغم وجود المحتل) حقائق كثيرة، وأزالت المكياجات البلاغية عن الكثيرين، هذه المكياجات التي كانوا يخفون خلفها عنصريتهم، ونزعتهم الاستبدادية.
أميل إلى الاعتقاد أن الذين يعتبرون الفدرالية الكردية تهديداً لوحدة العراق إما دجالون ومنافقون، أو عنصريون يخفون تحت عباءتهم صدام حسين آخر لا يختلف عن الذي يقبع في السجن حالياً. لقد بات معروفاً أن كل الاستبداد الذي مارسه الحاكم العربي هنا وهناك تغلف بشعارات القومية والوحدة الوطنية ومصالح الأمة والوطن. لقد جعل الحاكم العربي العدو الخارجي بعبعاً ليبرر بواستطه دكتاتوريته القرون وسطوية التي تذكرنا بطغاة العالم الأقدمين. وزعق من خلفه ومازال رهط من الكتاب الفاشيين لتحويل هذا الحاكم المستبد إلى إله شرقي لا يجوز المساس به.
لقد نسي هؤلاء الكتاب بسرعة حقيقة صدام حسين، حيث نسمع ونقرأ لبعضهم المساعي الحثيثة للتخفيف من المجازر التي حدثت للأكراد، بل يعتبر بعضهم أن موقف صدام حسين كان مصيباً تجاه الشيعة" العملاء للعدو الصفوي". ويتباكى بعض الآخر على انهيار الدولة العراقية، هذه الدولة التي بنيت على الظلم واستخدمها حكام العراق لممارسة شتى أنواع الاضطهاد ضد الشعب العراقي، وحولها صدام حسين إلى دولة فاشية من حيث البنية والتركيب والوظيفة على طريقة هتلر وموسوليني. ويكثر آخرون أسفهم الشديد لحل الجيش العراقي(الوطني)، هذا الجيش الدي لم يمارس إلا الانقلابات الداخلية، ومن خلاله جاء صدام حسين إلى السلطة واستخدمه أداة طيعة للاضطهاد الداخلي وقمع انتفاضات الجنوب بوحشية، وحرب الآنفال العنصرية، وألأهم من ذلك كله استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعب العراق، إلى جانب الحروب الخارجية ذات النزعة الاستعمارية. وفوق كل ذلك يظهر بعض الكتاب والساسة العراقيين في الفضائيات العربية وعلى صفحات الانترنيت بأن هذا الجيش كان وطنياً. يا لها من مغالطات فظيعة.
أميل إلى الاعتقاد, لو لم يجري انهيار أو القضاء على هاتين المؤسستسن، الدولة العراقية والجيش العراقي، لما كان سيفتح الطريق أمام عراق جديد. وهذا ما تم لألمانيا الهتلرية وإيطاليا الفاشية بعد الحرب العالمية الثانية.
في الحقيقة أصيب بالدهشة حين أرى أن غالبية هؤلاء الكتاب عاشوا أو مازالوا يعيشون في الغرب، ومع ذلك يحتفظون بكل عنصريتهم الباطنية، ويعتبرون الحقوق الكردية تهديداً لوحدة العراق. إنهم يريدون أن يفرغوا محتوى الثورات الكردية التي قدم من خلالها الأكراد تضحيات لا مثيل لها في العصر الحديث. إنهم يريدون تحقيق ما فشل صدام حسين من تحقيقه بالقوة، وذلك بتقديم بعض الكلمات الرنانة والنوايا الحسنة للتهرب من الاستحقاقات الكردية والعراقية الجذرية. أعتقد أن التهرب من تضمين الحقوق الكردية(الفدرالية) في الدستور يكشف عن نوايا مبيتة تجاه مستقبل الأكراد. بل نجد أن وطنيتهم العراقية العالية تنهار عندما يقولون أن المطالب الكردية تستفز دول الجوار، أي أنهم يريدون إدخال دول الجوار في الحوار العراقي-العراقي من أجل تخويف الأكراد، وثنيهم عن مطا ليبهم. إنها والله للعبة قذرة، خاصة أنها تأتي من المثقفين الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطين وليبراليين ويساريين، وأنهم كانوا وما يزالوا يرفضون الفكر القومي العربي العنصري الذي ساد في العراق، وخصوصاً في عهد بعث صدام الفاشي.
لو كانت نوايا هؤلاء غير شريرة تجاه الأكراد، فما المانع من أن يتضمن الدستور الفدرالية، وما المانع حتى من إقرار حق تقرير المصير لفترة محددة، ولكي تكون هذه الفترة مجرد اختبار للنوايا، وأنه لن يعود حكام بغداد لاضطهاد الأكراد وسلب حقوقهم مرة ثانية عندما تحين الفرصة المناسبة. ولا سيما أن الطرف العربي الذي كان يستلم السلطة في بغداد تميز بالغدر تجاه الأكراد طيلة تاريخ الدولة العراقية. فكان يبدي استعداده لحل المسألة الكردي، وبمجرد أن يتمكن من تعزيز سلطته يبتلع كل ما قيل سابقاً ويبدأ الحرب على الأكراد(وكما يقول المثل العربي:تمسكن حتى تمكن... ولما تمكن..تمكن..). لقد قال البعثيون كلاماً جميلاً بداية استلامهم للسلطة، بل وقعوا على اتفاقية 11 آذار، ومن ثم داسوا على الاتفاقية وقاموا بالتصفية العنصرية على طريقة هولاكو.
ولهذا، فالطرف الكردي ليس متعنتأ ولا يضع خطوطاً حمراء غير قابلة للتحقيق كما يدعي هؤلاء، بل هو لا يستطيع أن يمحي عن ذاكرته ببساطة كل التجارب السابقة، وينسى الغدر الذي مورس تجاهه. أنه يريد ضمانات قانونية داخلية-الدستور- وعالمية-الأمم المتحدة- لأن الطرف الثاني(العربي الحاكم) لم يكن صادقاً مع الأكراد كما كان الأكراد يبدون الصدق تجاههم ويلتزمون به.
وإذا وضعنا كل هذه التناقضات جانباً وانطلقنا من مصلحة العراق الجديد شعباً ووطناً، فأعتقد أن الفدرالية الكردستانية وفصل الدين عن الدولة، والحقوق المدنية هي الضمانة الوحيدة لعدم عودة حكام بغداد لاحقاً إلى الاستبداد. فالسلطة المركزية في الشرق هي بوابة الحكم الفردي واستلاب الحقوق الخاصة والعامة، ناهيك عن الانزلاق إلى التعصب والتمزق الاجتماعي والسياسي. وبالامكان دراسة تاريخ الدولة الهندية والباكستانية، فالأولى فدرالية والثانية غير فدرالية، فماذا نستنتج. لقد كثرت الانقلابات العسكرية في باكستان حتى السنوات الأخيرة، وقد اغتصب برويز مشرف السلطة وضرب عرض الحائط كل القيم الديمقراطية. بينما تعتبر الديمقراطية الهندية أكثر رسوخاً في الشرق. فمن يستطيع أن يضمن أن لا يقوم ضابط عراقي آخر بانقلاب جديد ويسيطر على السلطة المركزية في بغداد ويعيد العراق إلى المربع الأول. بينما في حال الفدرالية سيفكر هذا الضابط كثيراً بأن السيطرة على الحكم بالانقلاب العسكري سيعرض العراق إلى التقسيم. فإذا كان الجيش في المركز يؤيده، فإن الأقاليم لن تؤيده، بل قد ترفض فروع الجيش في الأقاليم أوامره، مما يحتم حدوث الحرب الأهلية والصراع داخل الجيش. وهذا كله سيفقده التأييد الجماهيري وحتى تأييد الوطنيين في صفوف الجيش لحركته. وكما نعلم أن النصوص القانونية لم تردع في يوم من الأيام الحاكم العربي، بل كان الواقع على الأرض هو الذي يحسب له ألف حساب. فصار هذا الحاكم قومياً عندما كان المد القومي طاغيا,ً وصار إسلامياً عندما اتجه المجتمع باتجاه الأوصولية، وصار المؤمن الأول. بل صار طائفياً عندما لم يجد سوى الطائفية وسيلة لتعزيز سلطته.
أعتقد أن الديمقراطية لن تزدهر في الشرق إلا بتقسيم السلطة المركزية على الأقاليم. وعندئذ لن يستطيع الحاكم امتلاك الوطن والشعب كمزرعة له ولعائلته وطائفته, كما كان سائداً في عراق الصدام حسين وفي الكثير من البلدان العربية حالياً.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التجسس.. هل يقوض العلاقات الألمانية الصينية؟ | المسائية


.. دارمانان يؤكد من الرباط تعزيز تعاون فرنسا والمغرب في مكافحة




.. الجيش الأمريكي يُجري أول قتال جوي مباشر بين ذكاء اصطناعي وطي


.. تايلاند -تغرق- بالنفايات البلاستيكية الأجنبية.. هل ستبقى -سل




.. -أزمة الجوع- مستمرة في غزة.. مساعدات شحيحة ولا أمل في الأفق