الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا عزاء في حارتنا

سمير هزيم

2014 / 10 / 22
الادب والفن


قصة قصيرة ..
لا عزاء في حارتنا ....
------------------
كانا متحابين ..
اتفقا على الزواج ..
وجهها الجميل اناقتها .. كان يحجز لها مقعدا بجانبه .. واحيانا تسبقه وتحجز له مقعدا في محاضرات الجامعة ..
بدأت رياح الربيع العربي تهب ....
تابع محمود مجرياتها في تونس ....
وصار يتطلع الى هبوبها في دمشق .. كانت ميادة لا توافقه الراي ..
لم تكن ميادة مقتنعة بهذا الربيع ..... وخاصة بعد ان اندلعت الثورة في ليبيا ..
وفي أحد الأيام اشتد الخلاف بينهما ..
هي قالت ان التغيير ضروري ولكن ما يجري حق يراد به باطل ..
قال محمود لها: الثورة كفيلة بالتغيير نحو الأفضل ..
وبدأ محمود بالمشاركة في الدعوة لقيام الثورة في سوريا .. وميادة تعارضه ..
بدأت الرتابة والمداراة بينهما تسيطر على لقاءاتهما ..
فهي لانريد ان يختلفا ..، لكن مجريات الأحداث كانت تجبرهما على الحديث في السياسة .. ..
بدأت الثورة في سوريا .. هلل محمود لها .. وميادة تحاول إقناعه ان الثورة غير نظيفة ..
دب خلاف شديد بينهما .... .
ذهب محمود في اليوم التالي لمصالحتها ..، وتعاهدا ان لا يتحدثا بالسياسة .
شارك محمود بالمظاهرة الاولى التي مرت على خير .. فلم يكن تفريقها عنيفا ..
شارك في المظاهرة الثانية ..
تعرض فيها محمود لضرب مبرح من شبيحة النظام .. طرحته في الفراش عشرة ايام ..
كانت ميادة تزوره يوميا وتجلس معه ساعات طويلة ماسكة بيده وتبادله نظرات الحب ..
وكانت تحضر له في كل مرة وروداً.
. لم تعاتبه ولم تسأله كيف حدث ذلك ..
اما محمود فقد كان حاقدا حانقا كثيراً على النظام الذي كسر شبيحته عظامه. وهو أعزل ..
و بعد ان شفي .
.رجع مرة اخرى للمشاركة في التظاهرات .. ياإلهي لقد اختلف الامر ..
لاحظ الهتافات قد اختلفت .. ..
الواضح انها أخذت منحى طائفياً ..
لم يشارك بالمظاهرة وبقي متفرجا ..
بعد ايام ذهب مرة اخرى للمشاركة .. تعرض لصدمة اخرى ..
الهتافات كلها دينية اسلامية متطرفة ..
هذه ليست ثورته .. حٓ-;-زِنٓ-;- ورثى الثورة .. .. أدار ظهره للمظاهرة ومشى وهو يتسند على أسوار البنايات وأغصان الياسمين تعانقه تارة وترتطم بوجهه تارة اخرى .... وهي متدلية من حدائق البيوت الأرضية ..
توقف ونظر للخلف ..
لم يرى الا شبابا تلحق بشباب تنهال عليهم ضربا بالعصي والسكاكين ..
انهم شبيحة يضربون الشباب بضراوة والشباب الثائرون يردون عليهم بما توفر لديهم من حجارة وعصي وقضبان حديدية ..
في مساء ذلك اليوم ..
جاء الى محمود اثنان من أصدقائه ... معهم كيس .. جلسوا سوية .. وقال احدهما -..
نحن نخرج بالمظاهرات السلمية والشبيحة يهاجموننا بوحشية .. نريد مواجهتهم بالسلاح ، ولن نسمح لهم بضربنا ...
قال محمود :
- وما هو السلاح؟؟
قالوا:
معنا كلاشينكوف وحسبنا حسابك بواحدة ومعها تسعون طلقة ..
قال لهم :
ويحكم .... ماهذا الجنون ..؟؟؟
واجهوهم بالعصي اذا كان الامر ضروريا .. السلاح الناري سيسبب قتل ودمار وحرق ..
قالوا:
- هذا النظام لا يمكن إسقاطه الا بالسلاح انه نظام فاجر!!
قال محمود لهم ..:
- سلاح وشعارات اسلامية ..
معناها خربت البلد ..خلونا سلميين والله سننتصر .. ودعونا لا نتكلم الا عن الحرية والكرامة والعدل بين الناس .. اقسم لكم اننا سننتصر ..
قالوا له :
- هكذا التوجيهات .. نعم ..!!!!! ؟؟؟؟؟
نعم توجيهات .. !!!!!!!
-أعوذ بالله .. يا شباب ماذا حل بكم ..؟؟؟
ثم من اين هذا السلاح كي تحسبوا حسابي به؟؟ .. قالوا:
- آتانا من متبرع يريد مساعدتنا ..
- من هو ..؟؟
- انه من احد السوريين العاملين في الخليج ..
- وكم قطعة سلاح جاءتكم؟؟ ..
- جاءت شاحنة!!! ..
- كيف دخلت ..
- كل شيء بالمصاري بصير ..ادفع .. تحصل على كل شيء .. لا احد مهتم ..
وكل الذين على الحدود ..
ربي أسالك نفسي
- قال محمود : انا لا اريد سلاحا ..
خرجا من عنده ..
وخرج محمود بدوره ليجلس في مقهى الكمال حيث يلتقي فيها أصدقائه المثقفين ..
فيها وجد عارف ومنصور وصبحي وبهاء جلس معهم .. يتحدثون عن اعتقالات جرت ..
سألهم :
- شو اخبار الثورة ..؟؟
قالوا:
- سيسقط النظام خلال ايام ..
النظام سقط فعليا ..
بقي ان يسقط رسمياً
كان النادل يكثر من زيارة طاولتهم بحجة تبديل نفاضات السجائر ... وتارة يسألهم اذا كانوا نريد شيئا .. وتارة يأخذ الكاس الذي يفرغ ..ويأتي بكأس اخر من دون طلب .. .. فيعترضون بأنهم لم يطلبوا شيء .. فيعتذر ويأخذ الطلب الى طاولة اخرى .. كانوا يتوقفون عن الحديث عند اقترابه ..
بقي محمود مستمرا بنشاطه .. يريد إسقاط النظام ..لكن كما هو يريد ..
لم يعد يرى حبيبته اكثر من مرة في الأسبوع ..
في هذه الأثناء تعرف محمود على فتاة معارضة متحمسة لإسقاط النظام اسمها بهية ....
وبسبب لقاءاتهما اليومية واختباءهما احيانا من عيون المخابرات .. وحضور الاجتماعات. .. والتخابر يوميا بينهما والمسجات على القيسبوك ... تطورت العلاقة بيننهما .. فصار يذهب الى بيتها اذا ما شعر ان المخابرات تترصده عند بيته .. فكان لديها غرفتها المنعزلة ...
وعندما كان يختبيء عندها .. كانا يتبادلان . الحب بينهما .. اياديهما تتشابك .
ويتعانقان ويدس ويتهامسان بالحب .. وهو يدس انفه في صدرها.. ...
. ولا يتحدثان في السياسة ..
فنسي حبيبته بشكل تام ..
وفي احدى الليالي وبينما كان عائدا من عند بهية ..
اعترضته سيارة هيونداي فان .. وطلب الرجل المسلح الذي بداخلها بإشارة ببندقيته. ان يتوقف ..
.حاول ان يهرب منهم ..
لكنه لم يتمكن .. اعتقد انهم من المخابرات .. بعد ان اوقفوه طلبوا منه ان يصعد معهم بالفان .. واحدهم قاد سيارته ولحق بهم ..
اقتادوه الى بلدة دير العصافير .. وكان هناك علم الثورة مرفوعا بالمكان ..
ارتاح محمود واطمأن انهم ليسوا مخابرات .
نزل ... اقتادوه الى غرفة طلبوا هويته .. عرفوا انه من الساحل ..
ما ان شاهد أحدهم هويته حتى وجه بندقيته الى صدره ..
وقال : أنت شبيح .. !!!
قال له : انا معارض وانا شاركت بالمظاهرات .. قال الخاطف انت كاذب ..
كنت تتجسس على الثورة .. ضحك ... وقال لهم كيف اكتشفتم ذلك؟؟
قالو لا تنكر ..اخذو منه هاتفه .. وفي اليوم الثاني اتصلو بأبيه ..
قالو له ابنك عندنا ..
اذا كنت تريده حيا عليك دفع مبلغ عشرة ملايين واذا كنت تريده جثة فعليك بـ 5 ملايين .. وأغلق الهاتف ...
قال محمود لهم ... أنتم مع الثورة ..؟؟؟
قالوا نحن الثورة..
نريد تمويلاً .. نحن لسنا مجرمين ..
ولكن نريد المال من اجل استمرار الثورة حتى إسقاط النظام .. ..
وانا مع إسقاط النظام .. انا صديقكم ..
وفي كل مرة ينهره احدهم متهما محمود بالكذب ...
اتصلوا مرة ثانية مع ابيه حيث اسمعوه صوت محمود بكلمتين فقط .. وأعطوه مهلة يومين ..
.. في تلك اللحظات لم يتذكر محمود سوى حبيبته ميادة .... الدراسة والجامعة وحجز المقعد ونزهاتهما .. ذهابهما الى السينما وجلوسهما في الزاوية .. الورود التي كانت تحضرها له .. ابتسامتها .. وجهها الجميل .. عينيها البراقتين .. لمسات يديها الناعمتين ...
بقي ثلاثة ليالي معتقلا بغرفة محكمة الإغلاق على بابها شاب بشع جداً ذو أنف افطس وناتيء عظام الخدين غائر العينين .. رقيق الشفاه ضيق الجبين .. كثيف الشعر ...يحمل رشاش BKC ...
.
وفي اليوم الرابع أغارت طائرة حربية على المنطقة وسقط صاروخ بمكان قريب ..، تهدم جزء من احد جدران الغرفة التي محمود بها ...
وامتلأ المكان بالغبار ..
ولم يعد احد يرى احداً .. انتهز الفرصة .. وهرب باتجاه البساتين .. وبقي يعدو قرابة ثلاث ساعات حتى وصل الى احد حواجز للجيش ..
وجهوا بنادقهم باتجاهه وصرخ احدهم قف ..!!!!
توقف محمود ثم طلب منه ان يرفع يديه ويتقدم .. تقدم ...
ثم طلب منه ان يجثو على الارض ويداه فوق راسه . طلبوا هويته .. روى لهم انني كنت مختطفاً.. وليس لدي اي وثيقة وحتى هاتفي بقي معهم .. وكذلك سيارتي .. أبقوه جاثيا الى ان اتى ضابط .. اقتادوه الى غرفة جانبية .. حضر رجل باللباس المدني ليحقق معه .. طلب منه ارقام اشخاص ليتعرفوا عليه ... قال محمود له : لا اعرف الا رقم بيتنا وهاتف ابي أخذوه بعد ذلك الى فرع المخابرات في القزاز ....
هنالك تبين لهم .. انه معارض وإنه كان يشارك بالمظاهرات ..
قال المحقق .. بلؤم شديد.. بدك حرية ؟؟؟..
قال محمود نعم وانت الا تريد الحرية؟؟ ..
قال : حرية شو ولك؟؟ .. بعدها أخذه الى الضابط المناوب نسوا انه كان مختطفاً، وبقي كل همهم انه معارض .. لم يسأله احد عن الاختطاف وأين كان مخطوفا ولا من هم الخاطفين .. ..
و يكرر.. بدك حريي يا حقير؟؟ ..
قال محمود : يا سيادة الضابط انا عندكم هنا لأنني هربت من الخاطفين .. ولست معتقلا بسبب معارضتي او اشتراكي بالمظاهرات .. قال .. بدك تعلمني شغلي؟؟ ..
وطلب من الحاجب إنزاله الى السجن ياإلهي ما ذا حل بي؟؟
من تحت الدلف لتحت المزراب؟؟ ..
في السجن رائحة قاتلة موقوفون كثر لا أوكسجين .. كان الطعام مقرفا ووجبة واحدة باليوم .. رائحة الموت تتنقل بين الموقوفين ..
بقي معتقلا ستة اشهر ولا احد يعرف شيئاً عن محمود ..
.. خرج بعدها براءة ومن دون اي اتهام .. ذهب الى بيته .. وجد صورة كبيرة له في اول الحارة ... وعليها شريط اسود عريض ..
تفاجأت به امه ...
و سقط ابيه أرضا .. وهو يقول .. انت عايش ...؟
بحث عن ميادة .. قالو له ان أهلها هجروا من بيتهم في برزة وبيتهم احترق ..
لقد تزوجت من طبيب قبل ايام وأنها ستسافر مع زوجها قريبا .. ..
قرر محمود ان يخضع للأمر الواقع .. وان يتوجه الى صديقته بهية ليتابع رحلته الرومانسية معها
.. قالو له : انها ذهبت الى تركيا ..
وبينما كان محمود يتأهب للسفر ومغادرة سوريا .. فوجئ بقرع على الباب ..
فتحت امه الباب ..
سمع صوت ميادة .. لقد جاءت لتودع امه .. وهي تقول لها بعد ساعتين سنغادر انا وزوجي .. ..
وقالت : الله ..يرحم محمود ..
سلميلي على عمو ابو محمود ...
خرج محمود من غرفته كا المجنون .. ..
شاهدته ميادة .. تربّط لسانها .. تمايلت ... وترنحت .. ركض محمود اليها ممسكا بها .. اجلسها على كرسي قريب .. صارت امه تصحيها .. فتحت عيونها شاهدته .. ثم أغمضت .. فتحت واغمضت .. ومحمود ممسك بيدها التي وضعها على خده ...
قالت : محمود .. ؟؟؟؟ وشهقت بالبكاء ..
وقفت لثواني ...
وذهبت ميادة سريعاً ..من دون وداع ..
ودون ان تلتفت ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية