الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رسالة الشاعر الأب يوسف سعيد

عدنان محسن

2014 / 10 / 23
الادب والفن



لم أعرف الشاعر العراقي الأب يوسف سعيد إلا عن طريق الكتابة ولم يتعرف عليّ إلا عن طريقها أيضا. كان ذلك يوم أصدرت مجموعتي الأولى ( إلى آخره) بطبعة محدودة جدا وُزعت على الأصدقاء من الشعراء . أخذت عنوانه من الصديق الشاعر عبد القادر الجنابي وأرسلت له مجموعتي على عنوانه في السويد، ولأني لا أعرفه شخصيا ولا أحب أن أكتب الإهداء التقليدي الممكن إرساله للجميع ، اخترت مقطعا من نصوصه الشعرية كإهداء، وكان من أقرب نصوصه إلى اختياراتي الشعرية.
وبعد أسبوع وصلتني منه رسالة جميلة تعكس حسه الرفيع وذائقته وفوق كل هذا وذاك ، عكست هذه الرسالة كرم روحه وسموها. واليوم إذ انشر هذه الرسالة المكتوبة في 22 شباط 1955 ليس فقط من باب الاعتزاز بشاعر قرأ وكتب وتفضل بآراء أراد منها إن تكون صلة القربى بين كائنين عرف بعضهما الآخر عن طريق الكتابة وحدها، إنّما أيضا لأني ما زلت وسأبقى شديد الحساسية لكرم الآخر الذي استمد منه ثروتي الشخصية، وللكلام الجميل الذي بدونه يكف الشاعر إن يكون صانعا للدهشة ، بل يكف عن أن يكون إنسانا .
نص الرسالة :
الديوان الذي أخرجتموه إلى الوجود، لتمارس كلماته ماء الحياة منشولا من جداولها، الآن قبيل ساعات سلمني إياه ساعي البريد. أدهشني العنوان قبل مطالعته، تُرى لو كان عنوانه ( الخ )، أو ( له صلة ) أو ( له بقية ) كلها تنبض بالجمال اللغوي. أسئلتك الشاعرية مبطنة بانباض الفلسفة. سؤلك سؤال شاعري، وجوابك فلسفي (...) ولعلك تؤمن بفلسفة ( أيها الإنسان أعرف نفسك ) أو بعبارة مقتضبة : أعرف نفسك، واليك هذا الحوار الذي توقفت عند حافاته، وبلغني سربال الدهشة وتغرفني بحور الكلمات المقتضبة :
قدري
أن أسلك خاتمتي
وسبيلي كي أجعل منك شبيها
هو أن أجمع بعضي فيك
أو أن أجعل منك سواك.
في السطر الأول المكوّن من كلمة ( قدري) تتحدث مع نفسك للوصول إلى النهاية السعيدة، وفي عوالم هذه الخاتمة التي هي خاتمتك يُخلق الشخص الثاني، وفي السطر الثالث يتكرر الثاني، أما في السطر الخامس فهناك شخص ثالث، الثالوث في التعبير اللاهوتي، فكلمة سواك هي في الحقيقة الثاني لكنه سال بالثالث وعوالمه البعيدة الغريبة.وإن دلّ هذا على شيء، فيدل على الروعة التي تحتبسها في أعماقك.
أتوسد بالآخرين
وأنام معي
أيها الصباح لماذا تقودني بالرغم عنّي إليّ
أيها الماء لماذا بايعتني في العباب
وأنكرتني في السواحل
ايها الشبيه كيف ضيعتني على مقربة من سواي
في أقصى النهار تخرج من عزلتها الشمس
كي تنام بآلاف الكواكب في يدي
سأمضي بعيدا حيث لا تجري الرؤوس فوق أشلائنا
ولا يمشي فوقها الآخرون.
الكلمة الشعرية التي تمارسها تبدو لي خلقا جديدا.حياة لا يحدها طوفان الغرق، عهود من رحمة تتدفق من خاصرة العبارة. الكلمة ، السطر، كأنها بالمثاقيل، مقتضبة، لكنها فاعلة، ومعبأة بإكسير الحياة . كأنها مجد القديسين.
يبقى الشاعر وحده يحمل صولجان الرهبة، امتناني لديوانك المهدى إلي، ربما لا أستحقه، واسلم لمن يسرّه التعرف بك.
الأب يوسف سعيد
22 شباط 1995
ملاحظة : ( ...) هذا قطع لأني لم أتمكن من فهم الجملة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية