الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاري صاحب الكيف يكشف سر داعش

وليد الحلبي

2014 / 10 / 24
كتابات ساخرة


اشتركت معه في رحلة جماعية إلى مصر، وفي القاهرة قصدنا ذات بعد ظهيرة واحداً من أشهر معالمها: مسجد سيدنا الحسين، يقابله على الناحية الأخرى من الشارع الجامع الأزهرالذي يتجاوز عمره الألف عام. بعد أداء صلاة العصر في مسجد الحسين، كان لا بد من اكتساء كوب من الكركديه في واحد من أشهر المقاهي في العالم العربي: مقهى الفيشاوي المجاور لمسجد سيدنا الحسين، والذي يعتبر الملتقى المفضل لأدباء وفناني مصر. بعد أن اتخذنا مقعدينا، ذهب جاري إلى نادل المقهى، وتحادث الرجلان برهة من الزمن، ورأيت النادل يشير بيده كأنما يدل صاحبي على مكان ما سأل عنه، فلم أكترث للأمر، وانشغلت بتحريك كأس الكركديه الذي كان النادل قد أحضره لي قبل لحظات. استأذنني جاري للغياب بضع دقائق، فاعتقدت أنه داخل إلى خان الخليلي القريب من المقهى لشراء بعض الهدايا التذكارية لعائلته وأصدقائه، فأذنت له. بعد فترة من الزمن طالت، إذا به يهل علي فجأة ويجلس متهالكاً على الكرسي المجاور، وبعد أن أخذ نفساً عميقاً وجفف عرقه، أخرج من جيبه قطعة من منديل ورقي يبدو أن شيئاً ما قد لف فيها على عَجَل،،، فتح اللفافة وأخرج منها قطعة حشيشة (لم أعرف أنها حشيشة قبل أن يدسها في رأس الأرجيلة فيما بعد)، وقبل أن أصرخ في وجهه، تأفف بضيق كأنما أصابه مس من الحنق قائلاً:
- يا أخي والله لا أعرف كيف يستطيع الناس الفقراء العيش في هذه البلاد مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني،،، تصور: كنت أشتري قرش الحشيش هذا منذ عشرين عاماً بخمسة جنيهات، والآن أصبح سعره خمسة عشر جنيهاً، قل لي بالله عليك: ماذا يفعل الحشاشون أمثالي إن استبد بهم وازع الكيف؟، ومن أين لهم بشراء هذه السلعة الحيوية مع انخفاض دخولهم؟.
شعرت وكأن الرجل كان يمازحني أو ربما يستهزيء بي، فقد كانت هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها الحشيشة ، إذ أنه عندما طلب الأرجيلة من الكرسون، ودس القطعة في رأسها، تأكدت من أنه يمارس إدمانه المعهود، وبعد سحبه عدة شفطات من خرطوم الأرجيلة ونفثِ دخانها في جو المقهى، قال بجدية مطلقة:
- هل تعلم إلى أين ذهبتُ الليلة الماضية؟.
- ولا إلى مكان، لقد نمنا سوية في نفس الغرفة حوالي الساعة العاشرة.
- قال بنفس الجدية: هكذا تظن بسذاجتك المعهودة، لكنني في الواقع لم أنم كما تظن، بل ذهبت إلى قصر الاتحادية مقر رئيس الجمهورية.
ضحكت من كل قلبي حتى كدت أن أسقط عن الكرسي، لكنه تابع دون الالتفات إلى قهقهتي.
- نعم، ذهبت إلى مقر سكن رئيس الجمهورية، وخذ عندك هذا السر: الأمر الذي لا تعرفه أنت وباقي المجموعة التي جئنا معها أنني جئت معكم في هذه الرحلة الجماعية كتغطية على استدعاء من جهاز المخابرات، وهم الذين جاؤوا إلى الفندق حوالي الساعة الحادية عشر ليلاً بينما أنت نائم، واصطحبوني إلى منزل الرئيس، وقد استقبلني سيادته بحفاوة بالغة، وقابلني وهو في ملابس النوم رفعاً للتكليف، وجلسنا ندردش بشكل ودي حتى ساعة متأخرة من الليل، وعندما أتيت إلى الفندق بعد أن أوصلتني سيارة الرئاسة، كنت أنت تغط في نوم عميق.
توقفت عن الضحك استعداداً لسماع قصة خيالية يختلقها كالعادة، وسألته بتهكم واضح.
- ها، وهل كان اللقاء مثمراً وبناءً؟.
- قال بتباه بعد أن نفخ الدخان ورشف من فنجان قهوته: هل تذكر قصتي مع الخليفة البغدادي التي حدثتك عنها سابقاً، وموضوع الخارطة التي رسمتها له وكادت تودي بحياتي؟.
- قلت: نعم، وهل هي قصة تنسى، ولكن ما علاقة ذلك بمقابلتك مع الرئيس؟.
- قال: يا أخي، والله العظيم لا يملك الإنسان سوى الإعجاب بجهاز المخابرات في هذا البلد، فلا أدري كيف علموا بقصتي مع البغدادي والخارطة التي رسمتها له وليست عليها حدود بين الشام والعراق، فاتصلوا بي ناقلين لي رغبة الرئيس بمقابلتي.
شعرت أن اللحظة مناسبة لسماع قصة خيالية أنقلها إلى قرائي، فشجعته على متابعة روايته، فقال:
- تعلم أن الرئيس الحالي هنا يتباهى بأنه جمال عبد الناصر الثاني، ولذلك فقد درس بالتفصيل حياة الرئيس الراحل، والمتاعب التي واجهها من قِبَلِ بعض الحكام العرب، وخاصة قضية خيانة بعض الضباط له عندما قاموا بانقلاب فصموا به عرى الوحدة المصرية السورية عام 61، ومن ملاحظات عبد الناصر على أسباب فشل الوحدة، والتي درسها الرئيس الحالي باهتمام وتحليل عميقين، تبين للسيد الرئيس أنه لو كانت الوحدة قد قامت بين مصر من جهة، وبلاد الشام والعراق الموحدة من جهة ثانية، لما كان بإمكان ثلة من الضباط اغتيال الوحدة السورية المصرية، وبما أنه وحدوي كالرئيس الراحل الذي يتشبه به، لذا طلب من أجهزته الأمنية والاستخباراتية التمهيد لذلك، وذلك بتكوين مجموعات مسلحة من بقايا الجيش العراقي السابق والمنشقين من قيادات وجنود الجيش السوري، وبقيادة أبي بكر البغدادي، تقوم بإزالة الحدود بين العراق والشام، وضمهما كدولة واحدة تمهيداً لقيام الوحدة بين مصر من جهة، والشام والعراق من جهة ثانية، وبما أن الرئيس كان قد سمع من أجهزته الاستخباراتية عن الخريطة التي رسمتها للخليفة البغدادي دام ظله، فقد استدعاني من أجل تقديم بعض النصح والإرشاد بما يخدم هذه القضية.
- قلت له مستهزئاً: حتى الآن هذا الفيلم محبوك بشكل جيد، لكن هل عندك دليل يقنعني ويقنع القراء بصدق روايتك؟.
اقترب مني أكثر، وأخرج من جيبه ورقة وقلماً،،، نظر حوله يمنة ويسرة وقال هامساً:
- اكتب لو سمحت الأحرف الأولى المختصرة لاسم تنظيم "داعش" باللغة الإنكليزية.
كتبت على الورقة ISIS. نظر فيها وكأنه قد اصطادني محاولاً إحراجي وقال:
- والآن اكتب تلك الأحرف، ولكن بشكل معكوس.
كتبت على الورقة دون أن أنتبه SISI ، عندها ضرب المسطول على الطاولة بيده صائحاً بصوت دوى في أرجاء المقهى: هل رأيت؟ (سيسي)، وقبل أن يكمل صاحبنا صياحه، إذ برجلين ضخمين كل منهما بحجم عِجْلٍ كانا يجلسان في زاوية المقهى، يحملانه مع الكرسي الذي كان يجلس عليه، ويقذفانه في جوف سيارة انطلقت به لا أدري إلى أين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة جميلة وطريفة
آكو كركوكي ( 2014 / 10 / 24 - 07:59 )
مقالة جميلة وطريفة


2 - جيد
نور الحرية ( 2014 / 10 / 25 - 22:43 )
والله رائعة

اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة