الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاري صاحب الكيف، طائفي ماكر

وليد الحلبي

2014 / 10 / 28
كتابات ساخرة



أثناء الحرب الأهلية الطائفية في لبنان في سبعينيات القرن الماضي، كان جاري الحشاش يعمل سائق تاكسي بين بيروت ودمشق، ومع أنه حاول جاهداً أن أكون واحداً من ركابه أثناء زياراتي المتكررة إلى لبنان، فقد كنت أرفض ذلك لأنني كنت لا أثق بقدراته على القيادة الحكيمة.
في إحدى المرات لم أجد في مكتب السفريات سوى جاري المذكور، فاضطرتني الحاجة للسفر إلى الركوب معه. اجتزنا الحدود ودخلنا إلى الأراضي اللبنانية حيث تنتشر الحواجز المسلحة للطوائف المختلفة على الطرق، والتي كانت تطلب من السائق والركاب بطاقاتهم الشخصية، تلك الحواجز التي أحياناً ما كان يقع عليها ما عرف في تلك المرحلة بـ (القتل على الهوية). لاحظت على سائقنا وكأنه قد أصيب بمرض جلدي في رقبته، فبمجرد الاقتراب من حاجز مسلح، كان يحك رقبته بشدة، فاعتقدت أن فزعه من أفراد الحراسة ربما يصيبه بنوع من الخوف الذي يتمثل بالتهاب في جلد الرقبة. تكرر ذلك مع كل حاجز عبرنا من خلاله: حواجز مختلفة المذاهب: سنة (الحركة الوطنية) وقوميون (الحزب القومي السوري) وشيعة (أمل) ودروز (جنبلاطيون) وفلسطينيون (من جميع الفصائل) وموارنة (الكتائب)، ومع كل حاجز كان يتكرر نفس السيناريو: حكة شديدة في الرقبة، واستقبال حافل من أفراد الحاجز دون تأخير أو تفتيش.
وصلنا بيروت، وبعد أن ترجلنا من السيارة وذهب الركاب، اقتربت من جاري السائق الحشاش ناصحاً إياه بمراجعة طبيب للأمراض الجلدية، لكنه قهقه ضاحكاً وهو يقول:
- صلي على النبي، لا جلدية ولا غيره يا رجل.
- إذاً لماذا تصاب بحكة شديدة في الرقبة عند كل حاجز؟.
فتح ياقة قميصه وصرخ بصوت عالٍ قائلاً:
- انظر ما هذا؟.
- قلت: سلسلة من ذهب، إذن هل عندك حساسية من الذهب؟.
- قال: أبداً، ألا ترى ما علقت بهذه السلسلة؟، هنا في المقدمة، ألا ترى هذا المصحف المذهّب؟.
- قلت: وماذا في ذلك، فأنت مسلم، وطبيعي أن تحمل في صدرك مصحفاً.
- أدار السلسلة على رقبته 180 درجة وقال: وما هذا؟.
- قلت: يخرب بيتك، صليب مذهب؟.
- عاد إلى القهقهة بصوت عالٍ قائلاً: قبل وصولي إلى الحاجز، أبحث عن أي فصيل يتبعه وذلك من خلال الأعلام التي يرفعها حراسه، أو من شكل سحناتهم كذلك، فإن كانوا مسلمين، أدرت المصحف إلى الأمام بحيث يرونه بشكل واضح، وإن كانوا مسيحيين أدرت الصليب إلى الأمام بحيث يرونه بشكل واضح، وهذا هو سر الترحيب بي من قبل جميع الحواجز.
- قلت، وكأنني قد ضبطته ما زال في خطر: وماذا لو طلب منك أحد الحواجز بطاقتك الشخصية؟، عندها ماذا سينفعك المصحف أو الصليب يا ذكي؟.
- قال جاداً هذه المرة وهو يخرج من جيب قميصه الشمال: {هذه بطاقتي الأصلية (عبد الرحمن الحاج)}، ثم أخرج بطاقة ثانية من جيب قميصه الأيمن:{وهذه واحدة مزورة بإتقان (جورج عبد المسيح)}، وهذه ثالثة مزورة متقنة أكثر من التي قبلها (عباس عبد الحسين)، ما رأيك الآن؟.
لم أجد شيئاً لكي أقوله، فقد أفحمَتني ألاعيبه، وأخرسني مكره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وكالة مكافحة التجسس الصينية تكشف تفاصيل أبرز قضاياها في فيلم


.. فيلم شقو يحافظ على تصدره قائمة الإيراد اليومي ويحصد أمس 4.3




.. فيلم مصرى يشارك فى أسبوع نقاد كان السينمائى الدولى


.. أنا كنت فاكر الصفار في البيض بس????...المعلم هزأ دياب بالأدب




.. شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً