الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تيمة الفساد في رواية الرجل المحطم وفقاً للنقد الموضوعاتي

أدهم مسعود القاق

2014 / 10 / 30
الادب والفن


الرجل المحطم، الطاهر بن جلون، ترجمة علي الباشا
( ورد للطباعة: دمشق، ط1، 1998) كلّ الاستشهادات المذكورة في متن الدراسة مأخوذة من هذه الطبعة
أدهم مسعود القاق، باحث دكتوراه في جامعة الإسكندرية
تدلّ الموضوعة "التيمة" في الرواية على الفكرة الجوهرية المتجسدة فيها، وهي عنصر من المضمون الذي يتجلى شكلاً في نصّ الرواية لتحقيق وحدة المعنى فيهافيتكون حينئذ الموضوع، وتتجلى وحدة المعنى في رواية الرجل المحطّم للطاهر بن جلون بتركيزه على موضوع الفساد وتكثيفه وكشفه بمعالجة تيمات صغرى متعلقة بالسلطة والحب والجنس، وبالتديّن الزائف، وموقف المجتمع المتخلّف من المرأة. تقتضي القراءة من منظور النقد التيماتي تنظيم العمل الدرامي للنص الروائي وفقاً للتيمات المعالجة المتعلقة بمضمون الرواية ليتمكن المتلقي من التوصل إلى الفهم والتفسير والتأويل.
وبداية، فموضوع الفساد مقصود، واختاره الكاتب عن وعي مسبق، وربطه بشخصية مراد صاحب عنوان الرواية، الذي يحيلنا فوراً لمقولة همنغواي في الشيخ والبحر"قد يحطّم المرء ولكنه لايهزم" وعزل تيمةالفساد التي شكلت هاجسًاّ وفكرة رئيسية للروايةعن كل ماهو خارج عنها ومتابعة تحولاتها في احداث النصّ و وربطها بالحياة الاجتماعية المعيشة ضرورة من ضرورات النقد التيماتي، لإبراز احوال التمايز الرهيب بين الفقراء والمتخمين الفاسدين.
لن يجد القارئ مشقة وصعوبة في فهم وتأويل مارمت إليه الرواية، فرائحة الفساد في ثنايايها تزكم أنف قارئها، والدلالة الاجتماعية في مادة خطابها وفي أفكار الشخصيات الموجّهة لمعالجة الفساد واضحة ومكشوفة، لا مواربة في تقولاتها، ولابعثرة فيها ولا تشتت. ومعظم شخوص الرواية تمثل الجيل المنغمس بالفساد، فأعدادهم وفعالياتهم غالبة في أحداث الرواية، وبلغوا أكثر من 25 شخصية فاسدة: الحاج حميد ومراكشي وحليمة وأمها وأصهارها والممرض ومسؤول وزارة الصحة والصبان ومدير عمل مراد والبقال وعباس مع سائقه وطيبي وأعضاء فريق المفتشين وموظفو البنك وإلخ...، يقابلهم مراد
وحيداً مع حلمه بقصة حبّ مع ناجية المعلمة العذبة والأرملة صاحبة الحشمة التي ربتها امها بعد ان تزوج ابوها من امرأة أخرى، والتقى أيضاً مع طبيب شاب لمرة واحدة في المشفى التي أسعف ابنته إليه، وربمامع امرأة انتقلت للعمل في مكتب مراد اسمها دوكالي، وأخرى طالبة طب اسمها ناديا خاض مراد معها مغامرة جنس ناجحة، وصديق طفولته الذي التقاه في طنجة والمسمى حبة الرمل لأنه عمل على منع الفساد وأعاقه، فحورب من رؤسائه بوقاحة. إن أصحاب الفعل في زمن وأحداث هذه الرواية هم الفاسدون، إذ نجد المدير والحاجب يدفعان مراد للدخول في عملية الفساد ومدير دوكالي يطلب مضاجعتها وعندما ترفض يعاقبها بالنقل، وكذا ضابط الشرطة المغتصب للنساء وموظفو البنك ولجنة التفتيش، اما الآخرون، امثال مراد فيتلقون أذياتهم من دون امتلاكهم طاقة للرد، على الرغم أنهم يشكلون بوارق أمل للخلاص.
هذا الجيل المتنكّر لجيل سابق رمز له الكاتب بأبي مرادالشريف الذي توفى بعدان عمل 70 عاماً ولم يترك أي ثروة، لأنه تمسك بكرامته وشرفه، والمهمل لجيل الأطفال، فابن مراد يدرس مع أقرانه على ضياء أعمدة الشوارع وابنته مريضة في الربو وابنة ناجية طفلة عمرها13 عاماتعيش بدون أب، والتي تهتم بها ناجية.
بعدأن مهدالكاتب للرواية مستخدماضميرالغائب للتعريف بالشخصيةالرئيسية مراد،انتقل في الصفحة 14 ليتحدث مراد عن نفسه بضمير المتكلم حين عرضت عليه رشوة كبيرة فغضب ورفضها وتساءل "هل غضب لأنّ هنالك شكّ بنزاهته أم لأنّه كان آسفاً ونادماًعلى شدّة دقته وتمسكه بالنزاهة"ص13وهنا يبدأ صراعه الداخلي بين رفضه لواقع فاسد أوالتكيف معه وتعلم السرقة تاركاً المبادىء والمثل العليا جانبا، ثم يتذكر زواجه من حليمة عندما راهن على حريته بعد ان تمنّعت عنه وأغرته، وتواطات مع اخيها الكبير ليفاجئهم عراة ويجبراه على الزواج منها. لقد أراد الكاتب أن تكون علاقة مراد بامرأة كحليمة وجهاً لتيمة صغرى تكشف عن الفساد، ويجدلها من خلال علاقته بناجية، المرأة التي يميل إليها كلمااعتزم رفض الفساد، ولكنه
عندما تسلم الرشوة بدا يتذكر جسدهامن دون روحها، لاسيما عندما شرب الخمرة التي خدّرته وجعلته يسترسل بتخيلاته"نهديهاالصلبين الثابتين، بطنهاالمنبسط، وردفيهاالمكوّرين.."ص50، ويستمر حلمه على شكل مونولوج داخلي لأكثر من 70 صفحة يتذكر فيهابإيقاع سريع ضرورة تحصيل منحة لابنه في المدرسة، وردات فعل حليمة البشعة على سلوكه الشريف، والمحامي سيدي العربي المختلس لتعويضات المتضررين، ثم يركن في حلمه مع ناجية المعلمة الفاضلة، ويصحو من حلمه عندما يقابل البقال ويعطيه دفعة من ديونه، ثمّ توجّه إلى بيته لـ"تقابله زوجته وهي مزدانة مبتهجة"ص28 وبررت له تزينها بأنها حصلت من جارتها على نقود لتخيط لها فستانا، فأثار شكوكه وظنونه، ولابد ان نشير هناأن المشهد لم يكتمل ليكشف عن ردة فعله إزاء الموقف، إذ توقّف تدفق وصف المشهد من دون مبرر جمالي.(ولا ندري إن كان مصدرهذا التوقف القسري للمشهدالتأليف ام الترجمة)
بعد أن أكثر الكاتب من استخدام الجمل الفعليةفي الزمن الحاضرالدالة على الحركة والاستمرار للأحداث والتي تترك مسافة بين أفق توقع القاريء وأفق النص بغية التامل بالمصير، توجّه بالسرد نحوالصوت الداخلي الهامس باستخدام صيغة فعل الأمر"فكر، اسلك، اصعد، دع،.. على شكل مونولوج داخلي يصل لدرجة هذيانات وتخيلات يشتري مراد من خلالهاسيارة، ويغير المسكن ويستأجر فيلا ريثما يشتري أخرى، ويحيل فرش الفيلا إلى حليمة من دون تذكّر ناجية، ثم يستمر بتخيلاته مخاطباً نفسه"تعتني بهندامك، وترتدي وتخرج وتذهب إلى المسجد"ص50، ثمّ يتذكر أمه المحتاجة ووالده الذي لم يورّثه شيئا، وبالنتيجةمال للفساد وعزم عليه، فاختلفت مشاهداته للشارع بعدالرشوة، فقبلها كان لايرى إلا الظلم والشجارات بين الناس نتيجة بؤسهم تحت سماء رزقاء توحي بالقحط واليباس، وبعدالرشوة بدأ يرى الناس سعداء في الربيع"وأن البلاد ستتغلب على هذه المحنة، وقد توحد مع البلاد، واعتبر نفسه مماثلاً لهاويقول"إذا كنت طفوت ونجوت من الغرق فإنهاهي سوف تنجو من الجفاف والقحط"ص51 وعلى الرغم من قبوله الرشوة لدرجة انه يقول عن إضبارة لشركةأجنبية:"وقعت على جميع الوثائق حتى دون أن أقرأها"ص49 ثم ذهب وتناول ثمار البحر في مطعم فخم وأسرف في مصروفه، إلّا أنه بقي أسير صراعه الداخلي الذي جعله يتساءل من جديد"إن كنت ٌقدأرسلت رسائل الى حليمة أم لا، لكني أشعر برغبة الكتابة إلى ناجية"ص49هذاالصراع بين ان يكون
محبا لناجية النقية والمهذبة أو داعرا مع زوجته الطامعة في الاحتياجات النفعية، هو إبراز لحيرته التي لازمته طيلة الرواية في موقفه من الفساد"لاادري لماذا يوجد أناس مثلي حُكم عليهم بالسير دائماً في أحد الأنفاق، وتكون نهايتها بئراً عميقاً يصل إلى قاعه مع كل كابوس يأتيه كل وقت"ص34. وعندما اشترى باقة زهر ليقدمها إلى ناجية افترض عدم وجودهافي البيت، فيمنحهاحيئذ لحليمة، ويكذب عليها بأنه يقدمها لهااحتفالاً بمناسبة حصوله على مكافأة، هذاالكذب الذي تعلمهكمل يقول"مع مرورالزمن عن طريق الصمت وعدم البوح بما يجب أن أبوح به، وهذا تصرف يتسم بالنذالة والجبن"ص53. ومع غياب زوجته عن البيت تمكن من الانفراد بابنته كريمة، وطفرت الدموع من عينيه عندما لاحظ نظراتها تنم عن حزن عميق، ووعدها برحلة إلى شاطئ البحر بناء على توقها لهذه الرحلة كما صرّحت له، ثمّ حضرت حليمة واعترضت على وجود باقة زهر في بيتها وذكرته بعدم تأمينه للخبز والحليب لأبنائه، نتيجة ضعفه وفقره.
عندماوصل طنجة مع ابنته زار صديقه الشريف الذي لم يذعن أو يقبل بالرشوة"فهو يناضل ضد الذئاب، ضد الفساد، وضدأسلوب العمل، ونظام بكامله. ويقوم بذلك وحده وبمفرده"ص66، ثم يعود للمونولوج موجهاحديثه لذاته وكأنه يشعر بالخذلان والعار من فساده:"أنت رجل بسيط تضيق ذرعاً بنزاهتك التي كانت تسيطر على حياتك، وهاأنت تنحرف عما يسمى الطريق المستقيم"ص66
لقد وضحت التيمة الرئيسية في الرواية المتعلقة بالفساد من خلال متابعة حياة مراد، الشاهد والشهيد لعملية الفساد المنتشرة بالمجتمع، وتمكّن الكاتب من توظيف تيمات فرعية تدعم فكرته الأساسية عن الفساد، ومنها معالجته لظاهرة التديّن الزائف والمضلّل فنتابع منذ بدايةالرواية تناوله لشخصية الحاج حميدالفاسدالذي"يحفظ بعض العبارات الدينيةالتي تدوّخ محدثيه وتدير رؤوسهم"ص59 وبعض الأحاديث النبوية، ويذهب إلى العمرة كل سنتين، وكل جمعة يتوجه إلى المسجد، وسائق السيارة وهو أحد الإخوان المسلمين"مسبحة معلّقة، مصحف صغير مفتوح، وشريط مسجّلة يتلو منه عبد الصمد سورة
البقرة، نظراته قاتمة ولحيته كثّة تبعث على الخوف"، كما ذكر ان أستاذ الفلسفة قال عنهم:"إنهم وليدو الفساد، وهذا يعني أنّه كلماازدادالمواطنون فساداً ازداد الإسلاميون بإيجاد المبررات لوجودهم ولنضالهم"ص73ويكشف الكاتب عن تيمة التدين فالبقال المتدين تعني السياسة له"هي سياسة الدين وزيادة الأسعار، يضاف إلى ذلك هوسه بالصلاة دون وضوء في القسم الداخلي من حانوته"ص31 ثم يدعم أثر التدين السلبي في حياة الناس عندما يتذمر ركاب الحافلة ويشتمون السائق ويذكر أحدهم ضرورة الحمد لله فيردّ ملتح"الله أكبر، سوف تذهبون إلى جهنم"وآخر يصرخ"الله،لاعلاقة له بأموركم"ص43، وبعد ان قبض مرادالرشوة حلم كيف سيداوم على الذهاب إلى المسجد، وأن ينضمّ إلى حلقةالتدين المضلّل والكاذب الملازم لظاهرةالفساد، ويشيرأيضاًإلى بيئة طفولته المتدينة حيث علقت في بيتهم"الصورة الساذجة لملاك يهبط من السماء نحو النبي ابراهيم، العجوزالملتحي الذي كانت سكينه قريبة جدا من عنق الفتى البائس"ص142، ثم بعد أن شعر بشلل جسده لم يجد أمامه سوى سورة التغابن تتلى من التلفاز، وتخيّل أنه يقيم في"وبئس المصير"ص150 ثم بدأ بالهلوسات، وفكر بالانتحار ولكنه خاف من جهنم فـ"المنتحر يكررون انتحاره إلى مالا نهاية هذا مايقوله الدين"ص151
وينتقل الكاتب بالسرد للمونولوج الداخلي فيحدث مراد نفسه، محاولاً الابتعاد عن الفساد، ولكن يظهرالصوت الاخر،القرين المشوّش له"هياأركض، غنّ اخرج، اقفز، ضع بعض الألوان لبشرتك وماء زهر البرتقال تحت إبطيك واحلق هذا الشارب المضحك، ولا تلتفت إلى الوراء"ص72، ولا يصحو من تشوشاته إلّا عندمايقارن بين ناجية الواضحة والشريفة وحليمة الجشعة والشرسة، فتتوضح تيمة المرأة كإحدى مدعمات موضوع الفساد، وأول ماتناوله في الرواية بما يخص المراة هي نظرة المجتمع المتخلفة لها، وذلك عندما عبّرت ناجية لمراد في زيارته الأولى لها ان الناس أشرار فهم يغتابونها كونها وحيدة وتقول"لكني أعرف نفسي واراها في الوجوه الحزينة وأجد فيهاإلفة وشبها"ص57، ثم يلتقي مراد في القطار أثناء رحلته مع ابنته إلى الشاطئ بشابة جميلة متزوجة من رجل مسنّ ثري تحولت عنده إلى مستهترة، وبالمصادفة، يلتقي مع نادياالطالبةالجامعيةالتي تعيش وحيدة في أحياء الفقراء وسط خوفها من المحيط. ومن جهةأخرى يذكر علاقات الفاسدين ومن بينهم مديره و ح.ح والطيبي الأكثر فسادا وفحشاًالذي كان يلتقط الفتيات عن أبواب المدارس
الثانوية، و"الفتيات تتساقط عليهم كالذباب، وهم يقيمون حفلات السكر والدعارة"ص86. كما يقدم ح.ح الذي يريد تزويج ابنته لأنه مسؤول عن فضيلتها وعفتها"، ولايرى نفسه كيف يستغل،دون حشمةأو وقار،سذاجة وبراءة فتيات أخريات"ص92والمديرالفاجر يقول"من الأفضل ألّا يكون لدى المرء سوى الصبيان"فنحن نعيش في عصر ساءت فيه الأخلاق"ص94 كما يذكرامرأة جميلةاسمهادوكالي نقلوهامن عملها لأنها رفضت طلب مديرها مضاجعتهاوهي تقول"أناأعرف أين أعيش ، وماذا أعمل، فالمغرب يتغيّر ويتطور، وسوف ترون"ص105، بمقابل بؤس النساء كما قدموافي الرواية مثلن وناجية بارقة أمل المحاولة إعادة مراد إلى جادة الحق والصواب، فهي رفضته بعد ان أخبرها عن فساده وقالت له"أنا لم أكن أعرف أنك هكذا، يمكن أن تقدم على سرقة المجتمع والدولة والشعب"ص79 وأخذت تبكي بحرقة فشعر بالخجل والعار، وعرف انها لن تتراجع لأنهاامرأة قوية وصالحة، واشترطت على تقبله معهاان لا يسرق، وان ينظّف نفسه من المال الحرام، ويقول مراد"ثم وضعت ناجية كتباًوبعض الحاجيات في كيس من البلاستيك وقالت لي: وداعا" ص88إلى جانب النساء الأخريات المذكورة وبمتابعة علاقته معها نعرف أن ممارسة الحب معهاأعاد له توازنه. أمّا حبه لحليمة الجشعة والشرسة فقد"انطفأ ببطء وتلاشى وحلّ محله الحقد والضغينة"ص99ومن التيمات التي عالجتهاالرواية دور السلطة في نشر الفساد والإفساد، فهاهو ضابط الشرطةاحد ممثلي السلطة يغتصب في منزله مئات الفتيات والنساء ويصور تلك المشاهد على أفلام فيديو ثم يبيعها في أوروبا"ص60 كما أنه اغتصب أكثر من 500 امرأة"ص91 وطيبي الأكثر فسادا وفحشاًالمسؤول في إحدى الوزارات متخصص بشراء المعدات والأدوات، كما يذكرأحد المناضلين الاشتراكيين السابقين القائل أن الرشوة تشكل"اقتصاداً موازياً تدور عجلته في الخفاء"ص87 كإشارة إلى عدم وجود فروق بين تيارات الفكر السياسي العربي السائدة في داخل السلطة أو خارجها، كما"شكّل النائب العام مفرزة مكافحة الفساد، ولم تمارس مهامهاعلى الإطلاق"ص93و"حقوق الإنسان تسقط حالماتجتازعتبة مفوضية الشرطة"ص95
وبعد ان قاوم مراد طيلة عشرين عاماًبمفرده ضد الفساد وإغراءاته، وجعل أسرته تعيش حياة الفقراء، ولكن بضمائر مرتاحة يقول:"رضخت مرتين وتناولت عمولتين. قبضت المال الحرام، القذر، لقد احرق لي هذا المال أصابعي، دمر حياتي وخرب آمالي وأوهامي.."ص138 وروى لناجية كل شيء فقالت
له"..أنت كنت عضوا مشاركا في هذه الألاعيب والدسائس. يمكنك أن تعيد النقود، وتقيم دعوى على الفساد في هذه البلاد وتثير المشكلة"ص140، ثم روى لها قصة الحب بين أوليفيتي الألة الكاتبة المهملة في دائرته والتي اخذها إلى بيته بعد تعثر المدير بها ولاروس القاموس الفرنسي الذي وضعته زوجته فوق أوليفيتي لترفع سرير ابنه، وبنتيجة اهتزازات السرير كانت تتسرب حروفامن القاموس إلى مجرى الكتابة في الآلة فتكتب نصوصاأقرب بمعناهالعبثية الواقع الذي يعيشونه ولغرابته، فضحكت ورأت "أنهما زوجان جديران بالقيام بجميع الأعمال السحرية"ص140 فآمن بكلامها وقرر أن يعطي الآلة كل ثقل لاروس المثقل باللغة الفرنسية ليعرف المفاتيح الضرورية للخروج من هذا المأزق، وقد يكون الكاتب هناوظّف علامة لضرورة الاستعانة بالتحضر الفرنسي لتجاوز حاضر بائس، أو الحضارة الغربية المرموز لها بأوليفيتي، وبقيت قصةالحب هذه حديقته السرية التي يتمتع وبتخيل فيها بعد ان يغلق باب غرفة ابنه بالمفتاح ويجالس أوليفتي ولاروس عازلاً نفسه عن محيطه، حتى فهم أخيرا أن التعقيد لا يفسر الظلمة والغموض، واقتنع بحلم شوبنهور"الحياة والأحلام هي صفحات لكتاب واحد"ص141إلأ أن الفئران قضمت الورق وأحدثت ثقوبا بحيث تغيرت آلية عمل أوليفتي مع لاروس فأصبحا ينظمان شعراً لا وقائع. وعندما كان ينتظر حليمة والأولادامام التلفاز وهو يفكر بملايين المغاربةالبؤساء عاش حلما مع ماضيه، وتساءل هل تستحق زوجته والفاسدون"أن يؤخذوا على محمل الجدإلى درجةالموت بسبب روائح تفاهتهم الكريهة والتي تثير الغثيان"ص146 ولكنه تذكر ناديا قرينه الأنثوي في الآلام التي حلم معها على فراش الحب حلم الليل للنهار"ص147ليتوازن من جديد.
والآن لايستطيع مرادان يكمل قصة مآسيه، فهو جالس على أريكة يعجز عن النهوض عنها، ولا يمكنه رفع يده أوالصراخ، وبعد هلوساته عرف أن المشكلة تكمن فيه فيقول عن نفسه"أنا لأاحب العراك ولاالنزاعات، إني مسالم ببلاهة وسذاجة"ص151 ولكنه يكمل هلوسته متمنياًشنق نفسه، لتكمل الشنق حليمة زوجته بركلة منها للأسمكلة، ثم يحلم بركلةأخرى يقوم بهاح.ح ويصحو على ضربات ودفعات حليمةالتي أدمته بالفعل صارخة به"إخرج من هنا"عاجز، بائس، مسكين، نذل، مفلس، شحيح.."ص153 ليخرج باحثاعن مأوى وسط مخاوفه من زوجته التي تقطع انفاسه، فالخوف الموروث من أبيه والذي سيورثه
لابنه، مستمر وسط ظروف الفساد، ولكن أمله كبيرأن لايستجيب ابنه لهذا المرض فهو يسعى للعمل بمنظمة دولية تعمل على إنقاذ الأطفال الذين يسىء معاملتهم الرجال"ص155. يستمر بالمشي ويشاهد أكوام الزبالة في أحياءالفقراء، ورجل يتبول على الحائط وسائق تكسي يعرض عليه مومسات، ويلاحظ فيلات تجارالعقارات محاطة ببعض الأشجارالقليلة، ومر أمام بيوت الصفيح،"ولم يتمكن من تبرير قباحة العصر، قباحة البشر قباحة الموت"ص156. ثم حلم بالذهاب إلى ناجبة ليستحم وليصلح هندامه، ويبدأ حياة جديدة بملابس زوجها، حياة لاتشوبها وساوس ولاتبكيت ضمير، وفكر بالموت وبالديدان التي ستأكل كبده، ولكنه رغب بمتابعة العيش عندما قبّلت ناجية شفتيه، إنها المرأة وإلى جانبها جيل من شباب يدركون أن اهاليهم يعيشون بلاكرامة وبلا أخلاق، المرأة التي كانت إلى جانب شباب ثورات الربيع العربي في عام 2011 في بداياياتها والتي لم يتمكن بن جلون من التنبؤ باندلاعها،هذه الثورات التي نمت في رحم مجتمع يتماوت بظل انظمة فساد وتغول وجريمة. وحلم أنه عاد إلى عمله وفي مكتبه لاحظ وجودالألة العتيقة على الأرض، تفاجأ بها ولكنه عرف انها رومينغتون وليست أوليفتي، وعرف من السيد ح.ح أنه والمدير دبرا له هذه القصة كي يرتاح قليلا، ثم قال ح ح ارفعواالآلة الموضوعة عن الأرض وارفعوها فوق الخزانة، كما رفعت في المرة الأولى في بداية الرواية، لتستمر لعبة الفساد ذاتها من دون توقف، وليحلم مراد من جديد أن ح.ح يرحب به في زمرة الفساد.
أدهم مسعود القاق، باحث دكتوراه في جامعة الاسكندرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيران الفنان صلاح السعدنى : مش هيتعوض تانى راجل متواضع كان ب


.. ربنا يرحمك يا أرابيسك .. لقطات خاصة للفنان صلاح السعدنى قبل




.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال