الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاري صاحب الكيف يتاجر بالمسؤولين العرب

وليد الحلبي

2014 / 11 / 1
كتابات ساخرة


كان آ خر عمل له، على ما أعرف، بواباً في مدرسة ابتدائية، فرجل مثله يحمل مؤهلاً دراسياً لا يتعدى مرحلة الدراسة الإعدادية، لا يمكن له أن يحلم بعمل أفضل من هذا، حتى هذا العمل الذي لا يكفي دخله حد الكفاف، فقده بسبب إدمانه السخيف، فطرد من عمله شر طردة، وما زال عاطلاً عن العمل منذ شهرين، غير أنني رأيته بالأمس منشرح الصدر على غير عادة من طرد من عمله، واعتقدت أنه وجد عملاً آخر، فبادرت إلى سؤاله:
- أراك سعيداً هذا اليوم، فهل من أخبار سارة بشأن عمل جديد.
سحب نفَساً من أركيلته وقال باطمئنان:
- الحمد لله، ربك فرجها، وأنا الآن أدير عملاً حراً لحسابي الخاص في المتحف الوطني.
عجبت لأمره، فهذا الرجل لا يملك من المعارف المتعلقة بالمتاحف أي شيء، علاوة على أن المتاحف – كونها قطاعاً عاماً تشرف عليه الدولة – لا يمكن أن يكون لأحد أن يعمل فيها عملاً حراً لحسابه الخاص، وهذا ما حفزني على متابعة الحديث معه.
- هل يمكن شرح ما قصدته بقولك عمل حر لحسابك الخاص في متحف تديره وزارة الثقافة؟.
- اسمع يا صديقي: أنتم الرجال الذين لم تعرفوا حلاوة الكيف، وبالتالي الأجواء التي يمكن أن يجعلكم تحلقوا فيها بتعاطيه، لا تستطيعون ابتكار أفكار جديدة مثمرة لكم ولمجتمعكم، فتبقون محنطين داخل معلومات حشاها نظام التعليم الفاشل في عقولكم، فأنتم أسرى تفكير تقليدي لا يرى سوى ما أمامه، ولا يقدر على التفكير في ما سواه، تماماً كالبغال التي يضعون على جانبي أعينها أقنعة حاجبة تمنع عنها رؤية ما على الجانبين.
استفزني تشبيهه لغير المتعاطين – وأنا واحد منهم – بالبغال، وقبل أن أثور في وجهه، أشار بيده لي أن اصبر، وأتبعها بـ "طوِّل بالك علي".
- المشكلة معكم أنكم، كالعادة، تتسرعون في الحكم على الأمور، فاسمع القصة حتى نهايتها: تعلم أن قطاع السياحة يعاني من مشاكل جمة، على رأسها عزوف السياح الأجانب عن القدوم إلى البلد، فانعكس ذلك بالتالي على ندرة الإقبال على المتاحف، أما المواطنون، فآخر همهم التفرج على جثث المومياءات، أو الحجارة الصماء، أو التماثيل الخرساء، ناهيك عن عدم قدرتهم على دفع رسوم دخولها، على رُخْصِهِ، لأن همَّ الحصول على الرغيف يفوق الرغبة في زيارة المتاحف، حتى من عندهم الرغبة في زيارتها ملوا مشاهدة المعروضات التقليدية، وحفظوا أشكالها عن ظهر قلب، فعزفوا عن زيارتها، فانخفضت بذلك دخول المتاحف حتى أوشكت الدولة على إقفالها، أو بيع محتوياتها إلى المتاحف الأجنبية، وفي هذا ضياع لتاريخ أمتنا العظيمة، فوجدت الحل الذي يعيد الحياة إلى هذا المرفق الهام من مرافق بلدنا الحبيب.
ثم تابع بعد عدة سحبات من جوف أركيلته:
- أنت تعلم أن للعرب جيوشاً كثيرة، وهذه الجيوش عاطلة عن العمل والإنتاج منذ عقود طويلة من الزمن، ربما حتى منذ تأسيسها، ناهيك عن أن ضباطها يستهلكون نسبة كبيرة من ميزانيات الدول العربية دون أن يكون لذلك مردود بالمقابل، فلا هم يحاربون فيحققون الانتصارات التي تبرر الإنفاق عليهم، ولا هم يموتون فيريحون ميزانياتنا من رواتبهم المرتفعة، لذا فقد أصبح متوسط العمر بين أصحاب الرتب العليا من رتبة لواء فما فوق، حوالي 87 سنة، أي أنهم أصبحوا عاجزين عن المشي، بل ربما حتى عن الكلام، ناهيك عن أن أعدادهم قد أصبحت بعشرات الآلاف، لذا، فقد طلبتُ الاجتماع بوزير الثقافة، وعرضت عليه أن ننقذ المتحف من الإغلاق بأن ندخل تجديداًعلى المعروضات التي ملَّ الناس مشاهدتها، وذلك بأن ننشيء في المتحف الوطني جناحاً خاصاً بالقيادات العسكرية الهرمة في الدول العربية، بحيث تستطيع كل دولة عربية تريد التخلص من ضباطها الكبار، الذين استهلكم عامل السن بعد أن استهلكوا ميزانيات الجيوش، أن ترسلهم إلينا لعرضهم في جناح خاص بهم في المتحف الوطني نسميه "جناح الضباط القدامى"، والذي لن يُسمح بالدخول إليه للفرجة على أولئك الضباط إلا برسم إضافي، علاوة على رسم الدخول إلى المتحف، حيث سيُعرَضُ أولئك الضباط الذين شارفوا على الفناء، مع أوسمتهم التي يحملونها وما أكثرها، وهم جالسين على كراسٍ مريحة في خزائن زجاجية ذات ألواح مثقبة لتسهيل التنفس، وأمام كل واحد منهم لوحة كتب عليها اسمه ورتبته، والدولة التي ينتمي إليها، والدورات العسكرية التي حضرها، والمبالغ التي أنفقتها عليه دولته دون أن يكون لها أي مردود، بحيث يستطيع زوار هذا الجناح التعرف على قيادات جيوشهم العظيمة قبل انتقالها إلى الرفيق الأعلى. أما الريع الذي سوف نجنيه من الجماهير الغفيرة التي سوف تزور هذا الجناح، والتي نتوقع أن تكون أعدادها بالملايين، فسوف يذهب جزء منه إلى إدارة المتحف لدعم ميزانيته، وجزء آخر كنفقات للعناية بتلك الأشياء - أي كبار الضباط - من حيث التغذية والعناية الطبية والنظافة الشخصية، أما الجزء الأكبر من الريع فسيكون مكافأة لي على هذه الفكرة العبقرية، وكذلك نظير متابعتي المشروع وتطويره من حيث الحصول على كم متواصل من هذه المعروضات من كافة الجيوش العربية لتعويض النقص المتوقع نتيجة وفاة بعضها، كما أن الذين يموتون من هذه المعروضات، يمكن الاستفادة من جثثهم بإعادة تدويرها لصالح المتحف، والاستفادة منها حتى بعد موتهم، وذلك بتحنيطها وعرضها في قسم مومياءات الفراعنة.
- قلت مستهزئاً : وفي أية مرحلة أنت الآن من هذا المشروع؟.
- قال: قاعة "جناح الضباط القدامى" في المتحف أصبحت جاهزة الآن لاستقبال المعروضات، وليس أمامي سوى انتظار مكتب الشحن والتخليص الجمركي لإخراجها من الميناء، ونقلها إلى قاعة العرض في أسرع وقت ممكن.
أعجبتني فكرته، فأردت أن أضيف عليها فكرة أخرى، فليس هو وحده القادر على التحليق في أجواء الأفكار الجديدة، فقلت له:
- ما رأيك لو أضفنا إلى المتحف الوطني جناحاً آخر لوزراء الخارجية العرب القدامى، أولئك الذين يمكثون في مناصبهم خمسين سنة فأكثر؟.
- قال: وهذا هو التطوير الذي سوف أنفذه ابتداء من العام القادم.
- قلت: وماذا تعطيني لو أسررت لك بفكرة تساوي ذهباً؟، هل تعدني بمكافأة مجزية؟: ما رأيك لو أفردنا في العام الذي يليه جناحاً خاصاً بالرؤساء العرب السابقين؟، فهو سيجتذب بالتأكيد عدداً أكبر من الزوار.
انقلب على ظهره من شدة الضحك، واستغرق وقتاً لكي يصحو من نوبة القهقهة والسعال، فاعتبرت ذلك إهانة لفكرتي الخلاقة، وعندما تماسك قال باستهزاء:
- ومن قال لك بأن عندنا نحن العرب رؤساء سابقين مثل باقي خلق الله، فالرئيس عندنا يا صديقي لا يغادر كرسيه إلا في حالتين: إما لقضاء الحاجة، أو إلى القبر.
تركته وأنا واثق من أنني لا يمكن أن أجاريه في يوم من الأيام في سرعة البديهة ولا في غرابة الأفكار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض