الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل خرجت تونس من النفق؟

امال قرامي

2014 / 11 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


اُعلِنت النتائج النهائية للانتخابات فهلّل من هلّل، وشكّك من شكّك، وفرحت فئات وحزنت فئات أخرى، ولكن بعيدا عن هذه المشاعر المتباينة يحقّ لنا أن نتساءل: هل بإمكان الطبقة السياسية المخضرمة أن توفّر الاستقرار السياسى والاجتماعى، وأن تحقّق بعضا من الوعود المقطوعة؟

من الواقعية بمكان أن نعترف أنّه ليس بإمكان أى حزب أن يخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية، وأن يخفّف من المعاناة اليومية لأعداد كبرى من التونسيين، وأن ينقذ الطبقة الوسطى من خطر الاضمحلال. فالانهيار الاقتصادى بلغ مداه، ولن تنفع برامج الإنقاذ التى اقترحتها الأحزاب، التى تدّعى أنّها تملك خبراء قادرين على تنفيذ «المنوال الاقتصادى» المرجوّ. فهل بإمكان «حزب نداء تونس» بالدرجة الأولى أن يعلن أمام بقية الأحزاب أنّه عاجز بمفرده عن تحقيق المعجزة، وأنّه «سيجرّب» مثل غيره من النخب أن يعالج الوضع؟ ثمّ هل بإمكان الحكومة الجديدة أن تصارح المواطنين بحقيقة الوضع، وبمحدودية المعالجة وغياب التصوّر العملى المناسب لصياغة السياسات الاقتصادية.. وهل بإمكان الطبقة السياسية أن تصغى إلى بقية الأصوات مهما كان انتماؤها الحزبى دون أن تشعر بعقدة التبعية للآخر غير الموالى؟

•••

لا تلتقى الأحزاب السياسية فى افتقارها إلى تصوّر دقيق لإدارة المرحلة المقبلة فحسب بل إنّها تلتقى أيضا فى: أوّلا قصورها عن تقديم مشروع متكامل يمكن أن يقنع الشباب الذى كان وقود الثورة، وثانيا عجزها عن تقديم إجابات دقيقة عن الأسئلة الحياتية التى تشغل الشباب كالعمل، والكرامة، وحقّ الاعتراف، والخروج من التهميش، والثقة فى المستقبل، والأمل الذى يمكن أن يثنى أعدادا كبرى من الإقدام على الانتحار: حرقا، وشنقا، وغرقا، أو الانضمام إلى عالم الجريمة المنظّمة، أو السفر للجهاد فى سوريا، أو الانتماء إلى تنظيمات إرهابية، أو الرغبة فى التعامل مع «الدواعش». وعلى هذا الأساس هل استعدّت الأحزاب لمواجهة هذه المعضلة، والتفاعل الجدى مع هذه الأجيال أم أنّها ستتجاهل هذا الملفّ، وستنشغل بتصفية الحسابات الضيّقة، والتناحر من أجل السلطة؟

وليس غياب بلورة سياسة واضحة للتعامل مع فئة الشباب الهنة الوحيدة فى ما اقترحته الأحزاب من برامج بل إنّ التعاطى مع ملف الإرهاب مثّل هو أيضا علامة على ضبابية الرؤية. فهل تملك الأحزاب الجرأة على مواجهة الفكر الأصولى، وتقديم أجوبة علمية حول أسباب إقبال فئة من الشباب على هذا الفكر المتشدّد؟ أليس غياب الأنموذج والخطاب البديل، والشخصيات القدوة من بين أسباب تسلّل الفكر المنغلق إلى ربوعنا؟ ألا تتحمّل النخب مسؤولية ما تعانيه الأجيال الجديدة من شعور بالإحباط والعدمية واليأس؟

وهنا لا يمكن التغاضى عن مشكلة غياب القيادات السياسية. فجميع الأحزاب تفتقر إلى وجود شخصيات سياسية تتمتّع بالكاريزما المطلوبة فى سياق ثورى، ولها القدرة على صياغة خطاب سياسى، ولغة سياسية تتلاءم مع مطالب التونسيين، وتلبّى حاجاتهم فضلا عن توفّر مميّزات سياسية، وقدرات عملية تمكّن صاحبها /صاحبتها من فهم الواقع المتغيّر وتحليله ثمّ استشراف المستقبل. فأنّى السبيل إلى إقناع الجماهير وتقليص الفجوة بين السياسى وعامة التونسيين فى الأرياف والجبال وفى غيرها من المناطق المهمّشة؟

•••

إنّ الزعم بألا خيار أمام التونسيين إلاّ «التوافق» يقتضى، فى تقديرنا، الاعتراف بأنّه لا وجود لحزب قادر بمفرده على إدارة البلاد، وإخراجها من الأزمات، وهذا يترتّب عنه إعادة بناء العلاقات بين مختلف الفاعلين السياسيين لا على قاعدة الأغلبية والأقلية بل على أساس مقتضيات التعددية السياسية التى تفرض مشاركة جميع الأطراف المؤمنة بالثقافة الديمقراطية التشاركية، وهو ما يتطلّب صياغة عقد سياسى واجتماعى جديد تلتزم به جميع الأحزاب التى يمكن أن تتفق حول مشروع موحّد.

وليست إدارة الشأن السياسى حكرا على أهل السياسة من حكام ومعارضين، وبعض قوى المجتمع المدنى مثلما دأبت النخب السياسية والإعلامية على فرض هذا التصوّر بالقوّة بل آن الأوان لتغيير التصورات، وفتح المجال أمام كلّ من يستأنس فى نفسه القدرة على تقديم الإفادة من فنانين وجامعيين وأصحاب الخبرات وغيرهم. فتونس الغد بحاجة إلى الجميع وليس من المقبول أن نتفاعل مع بنية ثورية بأساليب فهم قديمة، وعقول متكلسة، وبنية نفسية مضطربة تهاب التغيير، وتعدّد الأصوات، واختلاف المناظير. ليست الآمال معلّقة على حزب نداء تونس بقدر ما هى مرتبطة بمن له القدرة على استكمال المسار الثورى وتلبية النداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مشابهات مع اختلافات
محمد البدري ( 2014 / 11 / 4 - 11:05 )
مضت التجربة الثورة التونسية زمن الحبيب بورقيبه علي قاعدة من الافكار تختلف كثيرا عما كانت تقوم به مصر زمن عبد الناصر. كان العالم الخارجي هو ذاته بالنسبة للتجربتين وكان الهدف المعلن لكل منهما ان يكون لنا موقعا تحت شمس العالم. المؤسف ان ينتهي حال البلدين الي الحاجة الملحة للثورة وهو ما يجعلنا نعيد النظر في القاعدة الثقافية العامة التي لعبت كلا من التجربتين دورهما عليها. تلك القاعدة التي تحمل الاستبداد والفاشية وامكانية الارتكاس الي الدين في تجلياته البدائية. .... - فليس من المقبول أن نتفاعل مع بنية ثورية بأساليب فهم قديمة (انتهي الاقتباس) تلك هي الحكمة والدرس الذي علي جميع القوي الواعدة بالتغيير ان تضعه نصب اعينها. تحياتي وجزيل احترامي وتقديري

اخر الافلام

.. ما الهدف وراء الضربة الإسرائيلية المحدودة في إيران؟|#عاجل


.. مصادر: إسرائيل أخطرت أميركا بالرد على إيران قبلها بثلاثة أيا




.. قبيل الضربة على إيران إسرائيل تستهدف كتيبة الرادارات بجنوب س


.. لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟




.. هل وصلت رسالة إسرائيل بأنها قادرة على استهداف الداخل الإيران