الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاري صاحب الكيف تاجر سيارات مستعملة

وليد الحلبي

2014 / 11 / 5
كتابات ساخرة


فشل مشروع المتحف للاستثمار في الضباط العرب القدامى، وذلك بموت معظمهم اختناقاً في خزائن المتحف عندما نسي جاري صاحب الكيف تشغيل المراوح في يوم قائظ، فكان لا بد له من التفتيش عن عمل جديد يقيت به عائلته،،، اقترحت عليه العودة إلى العمل كبواب في نفس المدرسة الابتدائية التي كان قد طُرِد منها، فأخبرني أنهم رفضوه حرصاً منهم على سلامة الطلاب أن يتعلموا منه عادة الكيف، متحفظين على أنه ربما يبدأ ببيع المخدرات لطلاب الصفوف النهائية، وربما حتى للأساتذة، فكان رفض عودته إلى بوابة المدرسة قاطعاً.
حزنت لأمره واعتقدت أنه الجوع لا بد ضاربه مع عائلته، إلى أن كان ذات يوم عندما أخبرني أحد الجيران أن صاحبنا يدير مكتباً لبيع وشراء السيارات المستعملة، وبالفعل فقد رأيته متصدراً مكتباً حملت واجهته لافتة كتب عليها بخط عريض (نشتري فقط السيارات الرباعية الدفع وبأسعار مغرية)، وعندما استفسرت منه عن سر اقتحامه هذا النوع من العمل، ونبهته إلى مخاطره، أفهمني أنه سوف ينجح فيه لا محالة، فهو يعرف ماذا يريد، ويعرف ماذا يفعل كي يصل إلى ما يريد.
ومع أنه لا يملك حتى ولا ليرة واحدة في جيبه، فقد كان هدفه شراء 200 سيارة ذات الدفع الرباعي من أصحابها الراغبين في البيع على شروط مغرية، والتي تتلخص في أنه سوف يدفع فوراً لكل صاحب سيارة مبلغاً قدره 25% من أعلى سعر لها في السوق، أما سعرها بالكامل فسوف يدفعه له بعد شهرين، ومقابل استلام السيارات من أصحابها، يُعطى هؤلاء شيكات مؤجلة قابلة للدفع الفوري بعد شهرين، وبهذا يضمن أصحاب السيارات استرداد أسعار سياراتهم منه، علاوة على مبلغ الـ 25% الذي قبضوه بمجرد تسليمهم سياراتهم إلى المكتب. قلت له:
- ولكن من أين لك بهذه الـ 25% التي تبلغ مئات آلاف الليرات، وربما الملايين، وأنت الذي لا تملك أسرتك قوت يومها؟.
- قال: لا تخف على صاحبك، فقد أقنعت ممول خليجي بإقراضي تلك المبالغ التي تغطي الفوائد التي سأدفعها لأصحاب السيارات مقابل فائدة قدرها 25% كذلك للموِّل، ولكي يضمن حقه، فقد أعطيته أيضاً شيكات مؤجلة مستحقة الدفع بعد شهرين، تماماً كما فعلت مع أصحاب السيارات.
- قلت: يعني حضرتك تتكلم عن شيكات بملايين الليرات، فماذا ستفعل بـالمئتي سيارة؟، ومن ذا الذي سيشتريها منك في هذه الفترة القصيرة؟، وكيف لك أن تدفع مبالغ الشيكات التي تستحق الدفع بعد شهرين، سواء لأصحاب السيارات أم للرجل الذي موَّلك؟، ألا تخشى الدخول إلى السجن بسبب إصدارك شيكات بلا رصيد، فتشرد زوجتك وأولادك؟.
- قال: قلت لك لا تخف عليّ أنا صاحبك، ولو كنت أعرف أن في رأسك دماغاً تجارياً مثلي، لأشركتك معي واستفدنا معاً، لكنك موظف جبان على باب الله، يعني متسول محترم.
بالفعل، مررت بعد أسبوع أمام مكتبه، فإذا بعشرات من سيارات الدفع الرباعي تملأ الشارع، علاوة على ساحة جانبية اكتظت كذلك بعدد هائل منها ،،، لقد فعلها المجنون، فأيقنت أنه مسجون لا محالة حينما سيحين موعد سداد الشيكات، فمن أين له أن يبيع هذا الكم الهائل من السيارات في فترة وجيزة؟، وماهذا الغباء الذي قاده إلى هذا المأزق؟، إلى غير ذلك من عشرات الأسئلة التي لم أعرف الإجابة على أي منها.
لم تمضِ سوى عشرة أيام، حتى فوجئت باختفاء جميع السيارات من أمام المكتب والساحة الجانبية، فاعتقدت أنه قد نقلها إلى مستودع آخر أكثر أماناً، لكنني عندما اقتربت من واجهة مكتبه، فوجئت به متصدراً المكتب، وأمامه شيشة ينفث دخانها يميناً وشمالاً، وقبل أن أسأله عن مصير السيارات، بادرني قائلاً:
- أهلاً بالصديق الموظف، أرى على وجهك سؤالاً وربما أسئلة تود طرحها عليّ؟.
- قلت مؤنباً: الواقع نعم: أين هي السيارات المئتان؟، لقد نصحتك ألا تغامر وتعمل في مهنة لا تعرف عن أسرارها شيئأ، أين هي تلك السيارات؟، وهل أعدتها إلى أصحابها؟، أم صودرت؟، أم بيعت؟، أم ماذا؟.
- قال: أخبرك ولا تقول لأحد؟. لقد بعت جميع تلك السيارات بثلاثة أضعاف سعر شرائها، فالضعف الأول دفعته لأصحاب السيارات واسترديت منهم الشيكات المؤجلة، ومن الضعفين الباقيين دفعت المبلغ الذي اقترضته من الممول وفوقه نسبة 25% كربح، واسترديت منه الشيكات المؤجلة، والباقي دخل في حسابي البنكي.
- قلت: يعني في حسابك الآن الملايين؟.
وبدون أن يجيب، وبينما هو ينفث دخان الشيشة، أومأ برأسه أن نعم.
- قلت له بأدب متصنع، وقد أحسست بضعفي أمام ملايينه: آسف على هذا السؤال الأخير، لكن لمن بعت كل تلك الكمية من السيارات؟، وفي هذه الفترة القصيرة؟.
قال هامساً وكأنه يفشي سراً:
- بصراحة، ولا تقول لأحد: فلأنني بطبعي على الحياد دائماً، ولأنني – كحال الكثيرين من أمثالي - حمار في السياسة ولا أعرف أن أؤيد طرفاً ضد طرف آخر، فقد بعت 100 سيارة لتنظيم داعش الإرهابي، والـ 100 سيارة الثانية بعتها لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، فسيارات الدفع الرباعي، كما تعلم، هي السلاح الحاسم الوحيد في معارك الربيع العربي، بل وفي معارك جميع الفصول العربية.
- قلت: وهل سوف تتوقف عن هذا العمل بعد أن كونت ثروة طائلة تكفيك لآخر العمر؟.
- قال: لا، أبداً، ولماذا أتوقف عنه وعندي الآن طلبية قدرها 400 سيارة دفع رباعي سوف تذهب إلى اليمن مناصفة بين جماعة الحوثي وتنظيم القاعدة، وبعدها ربك يسهل، ربما سنرسل كميات متساوية كذلك إلى 8 آذار و 14 آذار في لبنان، وربك كريم، الخير قادم على الطريق، فكل دولة عربية فيها الآن على الأقل فريقان متحاربان لن يحسم الصراع بينهما سوى سيارات الدفع الرباعي.
أنا الذي ضحكت من مشروعه في البداية، تركته وأنا آسف أنه لم يدعُني إلى الاشتراك معه في هذه الصفقة المضمونة، فشعرت أمامه بالهزيمة، إذ أن انتصار الحشاش على العاقل أصبح اليوم أمراً بديهياً، ببساطة: لأننا نعيش زمن الجنون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في


.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/




.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي