الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاشيء

وليد الحلبي

2014 / 11 / 6
الادب والفن



سقط جسده بقوة على الأرض، لكنه لم يشعر بأي ألم،، استند على كفيه وحملق في الأرض، فرأى صورته واضحة فيها،، لم يفرك عينيه لأنه نسي أن له عينين،، حملق جيداً، فرأى أن صورة جسده من جهة الصدر والظهر تتكرر عشرات المرات إلى أن تغيب في اللانهاية،، نظر إلى الأعلى فرأى وجهه، وخلفه امتدت صورة جسده من جهة الظهر والصدر تتكرر عشرات المرات إلى أن تغيب في اللانهاية،، أدرك الآن أنه يجلس على مرآة، وأن السقف هو مرآة أيضاً،،أدار وجهه في جميع الجهات فأدرك أنه قد سقط في فخ من المرايا،، فالجدران مرايا كذلك،، مرايا تحاصره من جميع الجهات، وصورته من الأمام والخلف تتكرر عشرات، بل ومئات المرات وفي جميع الجهات،، حاول أن ينهض فتبعته عشرات، بل مئات صوره في كل المرايا،، أراد الهروب من صوره،، لمح ثقباً في الزاوية العلوية لإحدى المرايا،، تسلق المرآة الهائلة بصعوبة بالغة، ومعه تسلقت عشرات، بل ومئات صوره في جميع المرايا،، وصل إلى الثقب معتزماً الخروج منه،، نظر من خلاله فلم يشاهد سوى وجهه،، كان الثقب مرآة صغيرة على شكل ثقب،، جفل، فانفلتت كفّاه على السطح الأملس وهوت معه صوره في جميع المرايا،، تشبثت أظافره بسطح الجدار، المرآة، فخلفت وراءها لدى انزلاقه عشرة أخاديد على السطح الأملس، وظهرت الأخاديد على أسطح جميع المرايا التي تحاصره، فظن أنه ربما سيستطيع الإفلات من هذا المأزق من خلال أحد هذه الأخاديد، لكن لم تكد قدماه تصلان الأرض حتى التأمت تلك الأخاديد، وعادت المرآة – وكذلك باقي المرايا– إلى حالتها الأصلية، سليمة من الخدوش.
لم يعد يعرف الاتجاهات، فقد امحى من ذاكرته كل ما كان فيها من معلومات، وفقد جميع مهاراته باستثناء القدرة على التحرك في جميع الجهات، نسي تماماً كيف وصل إلى هذا المكان، وأيقن أن جميع خيالاته التي تنعكس على أسطح المرايا تتهامس وهي تنظر إليه بريبة،، حاول أن يراوغ الجميع بإغماض عينيه حتى لا يراها، لكنه فشل في ذلك،، لقد نسي تماماً كل شيء، حتى نسي كيف يغمض عينيه، ولم يتبق لديه سوى صورته التي تحاصره من جميع الجهات،، وقف في وسط المكان ثم اتجه إلى المرآة المواجهة له، فتبعته جميع خيالاته وجاءته من كل الجهات،، أراد أن يركض لكنه أدرك أنهم سيفعلون نفس الشيء، فجمد في مكانه،، ابتأس وشعر بالرغبة في البكاء، لكن الدموع خانته فلم تنفر من عينيه، ولم تسل على خديه كما كان يأمل،، لقد نسي البكاء ،، أراد أن يصرخ متوسلاً خيالاته أن ترحمه وترحل بسلام عن المكان، لكنه فشل في تحريك لسانه،، لقد نسي الكلام،، ما زال يحاول أن يتذكر كيف وصل إلى هنا، فلم يفلح.
دقات على سطح المرايا قادمة من جهة ما تدك رأسه، فيعتصره بين كفيه، لكن صوتاً يتسلل من بين أصابعه: (سيدي، يا من بالداخل، هل أنت بخير؟،لقد دخلتَ منذ ساعة إلى غرفة قياس الملابس لكي تتأكد من أن البذلة التي اشتريتها تناسبك،،هل من مشكلة؟). أرتج عليه الأمر، فهو لا يعلم شيئاً عما يقوله ذلك الرجل،، أية غرفة؟، وأية ملابس؟، وأية بذلة؟، بل وعن أي مكان يتحدث ذلك الرجل؟، فتش المكان، فلم يجد أي مكان،، حاول أن يتلمس شيئاً، فلم يجد أية ملابس،، حاول أن يرى غرفة القياس، فلم يجد سوى جدران من المرايا،، هنا افتر ثغره عن ابتسامة، فوجدها تغطي أسطح جميع المرايا، وغمرت المكان آلاف الابتسامات قادمة فرحة من جميع الجهات،، فرح بما شاهد، وأدرك أنه قد نسي كل شيء سوى الابتسامة، فشعر بنشوة لم يكن يتوقعها،، هي الابتسامة: طوقه الوحيد للنجاة من بئر المرايا. اقتربت روحه من أسطح المرايا حد الالتصاق،، تحولت الابتسامة إلى ضحكة امتصتها جميع المرايا بفرح غامر دفعه إلى القهقهة بصوت عالٍ رددت صداه كل المرايا الضاحكة،، الآن، ولأول مرة منذ دخل هذه المصيدة، يدرك تماماً ما يريد، فعوضاً عن أن يسير باتجاه الصوت القادم من الخارج، وجد نفسه يدخل في إحدى المرايا، كي يغيب فيها ولا يخرج منها إلى الأبد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء


.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في




.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و