الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسرائيل تعزف و النصرة ترقص في الزمن الضائع

عادل أسعد

2014 / 11 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


هي ضربة في الوقت الضائع مثل سابقاتها ، هكذا جاءت حادثة اغتيال مهندسي الطاقة النووية الخمسة في دمشق و التي تضاف إلى سلسلة عمليات مركزة تطال رجال علم و ضباط سوريين يعملون في مجالات حيوية و حساسة لا علاقة لها لا بالاعلام و لا بميادين القتال المتوزعة على الأرض السورية . و مثل كل حوادث الاغتيال المخابراتية تحمل هذه الحادثة رسائلها الخاصة و تكشف عن وقائع أمنية على الأرض و عن حقائق سياسية و عسكرية متعلقة بالأزمة السورية و بموقع سورية السياسي و العسكري في المنطقة .
الرسائل العريضة القادمة من اغتيال المهندسين السوريين معروفة و لا يختلف اثنان حولها ، فمن يقف وراء العملية و من نفذها هما جهتان مختلفتان لكنهما واحد في المصلحة و في الهدف و في حكم تبعية أحدهم للأخر . جهتان الجميع متيقن من هويتهما و ان اختلف أحدهم معنا في الرأي حولهما فهو اما مختل عقلياً أو مناكف خبيث أو يلعب اعلامياً في الوقت الضائع ... في بعض التصريحات الاعلامية السورية تتهم الجهات الأمنية جبهة النصرة بتنفيذ العملية ، و يأتي تحديد الجهة المنفذة بالأسم ليقول ان هذا الاتهام له سنده عند أجهزة الأمن السورية . و بمقاطعتنا لهذه التصريحات مع الوقائع الميدانية التي تقول ان لجبهة النصرة حضور قوي في ريف دمشق و طاغي في جنوب سورية على طول الحدود مع الجولان المحتل نستطيع أن نلمس الود الكبير الذي تتعامل به اسرائيل مع جبهة النصرة التي تسيطر على القسم الأكبر من الشريط الحدودي معها دون أن نسمع مرة أن انتحاري واحد من العشرات التي تكدسهم الجبهة قد أدار وجهته و ذهب إلى عمق الأراضي المحتلة . أما من ناحية اسرائيل فكل مارأيناه منها هو التغطية الاستخباراتية و اللوجستية و أحياناً النارية لجبهة النصرة أثناء قتالها للجيش السوري .
مع الرسائل العريضة هناك أيضاً رسائل صغيرة أو رسائل تفصيلات ترافق كل حدث أو عملية و لقرأتها نحتاج إلى تحليل الحدث مع الظروف المحيطة به و من ثم نربطه بما سبقه من أحداث . فعندما نصف حادثة الاغتيال بانها جاءت في الوقت الضائع نقصد بهذا انها ضربت على غفلة و في توقيت مزدحم بالتطورات الميدانية مع اختيار لحظة الضعف و نقطة الضعف بنجاح يدل على حرفية في التخطيط و في قيادة التنفيذ ...لا تبتعد عملية اغتيال المهندسين الخمسة عن عملية اغتيال الكفاءات العلمية العراقية ابان ذروة الفلتان الأمني في العراق بعد سقوط صدام ، و هي لا تبتعد عن ضرب المفاعل النووي العراقي من قبل الطائرات الاسرائيلة و لا عن عملية ضرب موقع الكبر في سورية . و تتشابه هذه العملية في تنفيذها إلى حد كبير مع عملية مماثلة تمت خلال الأزمة السورية و هي اغتيال عدد من ضباط الطيران الحربي السوري الذين كانوا مؤهلين لقيادة طائرات مقاتلة حديثة سيملكها أو حصل عليها الجيش السوري ، فقد تمت تلك العملية بينما كانوا الضباط في الباص الذي يقلهم إلى مكان عملهم في منطقة مؤمنة عسكرياً ، أي انها تقع ضمن نطاق سيطرة الجيش السوري و قد نفذت المجموعة عمليتها بسرعة و انسحبت دون أن يسجل سقوط ضحايا بين أفرادها . سيناريو يتطابق مع عملية اغتيال المهندسين الخمسة التي ضربت باص العمل الذي يقل الضحايا في موقع مؤمن بالحواجز العسكرية وقد مرتا كلتا الحادثتين دون تطبيل و تزمير اعلامي من قبل المعارضة السورية مع صمت تام اسرائيلي متوقع .
عندما نراجع تاريخ العمليات العسكرية أو الأمنية المحدودة التي نفذتها اسرائيل بحق الدول العربية بداية من تشكيلها لعصابات الهاغانا مستغلة سذاجة جوارها السياسية إلى مبادرتها المفاجئة في قصف مطارات مصر في حرب ال67 و ثغرة الدفرسوار الطارئة ضد الجيش الثاني المصري في حرب تشرين وصولاً إلى لائحة عمليات اغتيال طويلة لشخصيات علمية أو قيادات عسكرية و أمنية عربية (معادية) نفذتها على مدى عقود طويلة من الزمن . و بالنظر إلى سلسلة عمليات نفذتها طائراتها الحربية ضد أهداف محدودة و حساسة كعملية قصف المفاعل الذري العراقي و موقع الكبر في محافظة دير الزور و منطقة جمرايا بالقرب من دمشق . نلاحظ على هذه العمليات جميعاً أنها تتمتع بقواسم مشتركة و بصفات عامة تتميز بها شخصية اسرائيل ، صفات رسمتها أيادي أجهزتها العسكرية و الأمنية . و منها ان اسرائيل في صراعها مع أعدائها تعول كثيراً على اقتناص الفرص و لا تصنع الفرصة فهي تعرف ماتريد و تجلس منتظرة الظرف الملائم لتحقيق ما يمكن تحقيقه . و الملاحظ عليها أنها ناجحة على العموم في تقييم الظرف و اتخاذ توقيت التنفيذ حسب المعطيات الميدانية و المناخ الدولي . و قد حققت من وراء ذلك اصابات عديدة مع أعدائها إلا فيما يختص بصراعها مع حزب الله لأن هذا الأخير قد عرف كيف يحد من موهبتها في اقتناص الفرص بسبب خبرته العسكرية و الأمنية في التعامل معها يضاف لها تركيبته العسكرية المميزة فهو ليس بجيش نظامي ضخم و مكشوف و ليس بميليشيا هزيلة و محدودة الامكانيات .
ان بنك الأهداف الاسرائيلي لا يتأثر بالتغيرات السياسية التي تطرأ على البلد العدو و لا يقيم وزناً للزمن فقد رأينا كيف ان العلماء العراقيين قد سقطوا تباعاً برصاصات كاتمة للصوت و محترفة مع ان صدام و نظامه قد ولوا إلى غير رجعة مما يعطي لهذه الأهداف صفة الأهداف الاستراتيجية و يعطي لعمليات التنفيذ صفات بعيدة عن البراغماتية و قريبة أكثر من عاطفة الانتقام . و لكن أهم يلفت الانتباه في العمليات الاسرائيلية هو عامل التخريب لأساسات البلد الشيء الذي تتفرد به بامتياز عن محيطها ، فنحن قد رأينا كيف ضعفت السلطة المركزية لبعض البلدان مثل لبنان و العراق و كيف نشطت فيها أجهزة المخابرات لدول الجوار كي تستفيد من هذا الوضع الطارئ لتعزيز نفوذها لكننا لم نرى أبداً أن جهة أمنية تابعة لأي من هذه البلدان المجاورة قد اغتالت مهندساً أو خبيراً أو عالماً كما فعلت اسرائيل .
لقراءة الرسائل الأكثر شفافية التي تحملها عملية اغتيال المهندسين نحتاج إلى أكثر من عملية تحليل عادية فما نحتاجه هو استنتاجات سليمة مبنية على التسلسل المنطقي في تفكيك تداعيات الحادثة بالتفصيل .. و حسب التسلسل المنطقي نجد أن جبهة النصرة قد تشكلت على أساس واحد و هو محاربة أجهزة الأمن و الجيش السوري لاسقاط النظام ، و اعتمدت على استراتيجية ثابتة و هي تحقيق خروقات عسكرية كبيرة و قضم مواقع الدولة السورية بالتدريج و تقليص المساحات التي يسيطر عليها الجيش وصولاً إلى حشره في مساحات محاصرة و من ثم اسقاط النظام . و عليه فقد جاءت عملياتها كهجمات ضخمة تبدأ بانغماسيين انتحاريين يتبعها هجوم عسكري واسع ، و ان قامت بعمليات مفردة فتكون سيارات مفخخة ترسلها لاسقاط أكثر ما يمكن من الضحايا . و أي اغتيال قد نفذته جبهة النصرة سابقاً بحق عناصر محسوبة على الدولة السورية فهو قد استهدف أفراداً يملكون سلطة عسكرية أو أمنية أما أصحاب العلم فهولاء لم تراهم النصرة أبداً و لن تراهم إلا في حال أن هناك من يمون عليها و يهتم بتصفية الكوادر العلمية في سورية قد وكلها بتنفيذ مهمة اغتيالهم .
ان اصدار اسرائيل لأمر عملية الاغتيال يعني انها تضع سورية و السلطات القائمة فيها من خانة العدو اللدود فنحن لم نسمع مثلاً ان الموساد قد اغتال عالم أردني أو سعودي أو تركي أو قطري .
تدل عملية الاغتيال على ان اسرائيل تتخوف من النشاط العسكري العلمي السوري .
ان عدم اغتيال أي رجل علم سوري قبل الاحداث يدل على أن اسرائيل كانت تجد صعوبة في التنفيذ وقتها و المتمثلة في تأمين اليد التي ستنفذ العملية كون اسرائيل لا ترسل عناصر من مخابراتها لتنفيذ عمليات مماثلة بل هي تعتمد على عملاء من داخل البلد تجندهم كما حصل في حادثة اغتيال خبير الصواريخ السوري نبيل زغيب و عائلته .
ان تنفيذ العملية في وقت تضع فيه الأجهزة الأمنية و الجيش السوري كل طاقاتهم في قتال المعارضة المسلحة و النصرة و داعش انما يدل على ان اسرائيل تخطف الفرصة التي تجنبها التعرض لعملية أمنية انتقامية من قبل المخابرات السورية الغارقة حتى أذنيها في المشاكل الداخلية . و هذا التكتيك قد رأيناه سابقاً من اسرائيل عندما لم تتجرأ على الاقتراب من مفاعل العراق إلا بعد أن اطمئنت بأنها لن تتلقى رد فعل من المخابرات و الجيش العراقي الغارقين في قتال ايران .
ان توقيت العملية الموافق لتقدم جبهة النصرة في جنوب سورية يدل على ان اسرائيل تريد أن تعزز من عامل الأمان الذي يجنبها التعرض إلى أي رد فعل من جهة الجنوب السوري بالآضافة إلى الرسائل الموجهة التي تحملها العملية .
حسب هذا التداعي المنطقي للحادثة نستطيع أن نعتمد النقاط التالية : اسرائيل و سورية أعداء ... اسرائيل تكمن لسورية و تضرب أهدافاً فيها محددة مسبقاً متى ما سنحت لها الفرصة ... اسرائيل تأخذ حذرها من سورية و تستغل نقاط ضعفها لضربها ... اسرائيل لا ترحم في سورية و تغتال علماء سوريين يعملون في مؤسسات الدولة و يتقاضون رواتبهم منها ... اسرائيل لا تميز بين الطوائف في ضربها للسوريين فمن سقطوا في عملية الاغتيال الأخيرة كانوا من أبناء ريف دمشق ( التل و منين) .., جبهة النصرة أقوى فصائل المعارضة السورية و أكبرها و هي تنفذ اغتيالات لعلماء سوريين لمصلحة اسرائيل ... جبهة النصرة تنتشر بكثافة في جنوب سورية على الحدود مع اسرائيل .
بما أننا لم نسمع عن عملية واحدة قام بها فصيل معارض سوري مهما كان معتدل ضد اسرائيل بينما هناك من قتل ضباط سوريين و خبراء نووين سوريين و مهندسي صواريخ سوريين لأجل عيون اسرائيل فإننا نستطيع و حسب المنطق أن نقسم الفرقاء المتقاتلة في سورية إلى فريقين اثنين لا ثالث لهما ، واحد يقاتل مع عدو سورية (اسرائيل) و واحد يقاتل مع عدو اسرائيل (سورية) و بناء على هذا فلا يوجد في سورية أدنى مكان لمن يدعي بأنه ضد النظام السوري و اسرائيل معاً أو صديق للاثنين في نفس الوقت لأن من بقي يدعي ذلك هو يعيش بعكس المنطق و يلجأ إلى تداعي الوهم كي يبقى تائهاً في الوقت الضائع .. في الزمن الضائع .. في عالمه الضائع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كشف النقاب عن الوجوه الغادره
سوري فهمان ( 2014 / 11 / 11 - 16:19 )
لم يطلق صديقك الأهبل و المقبور أبوه رصاصه واحده ضد إسرائيل ولكنهم لم يترددو لحظه بتدمير سوريا و إفناء شعبها ومن قبل قتل اللبنانين والفلسطينين كفى حروبا كلامية فقد كشف النقاب عن الوجوه الغادره
وحقيقة الشيطان باتت سافره

اخر الافلام

.. حماس تواصلت مع دولتين على الأقل بالمنطقة حول انتقال قادتها ا


.. وسائل إعلام أميركية ترجح قيام إسرائيل بقصف -قاعدة كالسو- الت




.. من يقف خلف انفجار قاعدة كالسو العسكرية في بابل؟


.. إسرائيل والولايات المتحدة تنفيان أي علاقة لهما بانفجار بابل




.. مراسل العربية: غارة إسرائيلية على عيتا الشعب جنوبي لبنان