الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسباب عودة الأصولية الإسلامية

حاتم بن رجيبة

2014 / 11 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



على عكس الإسلام السياسي التي لم يغب أبدا وكليا عن جل المجتمعات الإسلامية فإن الأصولية الإسلامية لم تدم إلا سنوات معدودات ضمن حكم الخلفاء الراشدين لتترك مكانها للإسلام السياسي تحت إشراف ملكيات وراثية مناقضة لحكم الخلافة المبني على التشاور في اختيار القائد السياسي. بعد سبات دام قرابة 1400 سنة ها هي الأصولية الإسلامية تنهض من جديد على أيدي منظري الإخوان المسلمين وعلى رأسهم السيد قطب وحسن ألبنا . هذا التيار الجارف الذي استفاق بداية القرن العشرين وتحقق في كل من السودان و إيران وهاهو يعصف بقوة مستندا على رياح وطاقات الربيع العربي متوجا بقيام الدولة الإسلامية في شمال العراق والشام و ولايات متفرقة في العالم الإسلامي يهدد بالرجوع بنا إلى عالم ماض مات و اندثر ليرممه و يواصل في غزو العالم و أسلمة الكون بالحديد و النار .

شغفت بمعرفة أسباب هذا الصعود القوي والمفاجئ بعد ألف وأربعمائة سنة تقريبا من السبات العميق . بحثت منتظرا تفسيرا عميقا وشافيا بإبراز أسباب عديدة ومختلفة لظاهرة اجتماعية وسياسية معقدة ولكم كانت خيبتي كبيرة بتعليلات أحادية جادت بها أقلام محللين غربيين كنت اتعشم منهم الكثير لأنني تعودت على تحاليلهم العقلية والموضوعية ولتقديمهم لعدة تفسيرات توضح ظاهرة معينة ؛ لذلك محاولتي هذه لفهم هذه الظاهرة من خلال تقديم أسباب مختلفة أعتقد أنها وراء استفحال هذا ألإتجاه السياسي .إني من المقتنعين بأنه من النادر أو المستحيل أن يكون سبب وحيد وراء ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو إقتصادية أو حدث تاريخي ، فهناك دائما عوامل عدة تختلف طبعا في نسبة الأهمية والقوة وراء كل ظاهرة هامة أو حدث بارز . وكلما قرأت دراسة أو مقالة تحليلية أو اطلعت على أيديولوجيا تفسر شيئا ما بتقديم علة منفردة ووحيدة سقطت قيمة ذلك التحليل أو تلك الفكرة .

الأصولية الإسلامية تقوم على ركيزتين وهما تطبيق الشريعة الإسلامية حسب كتاب القرآن والسنة النبوية ثم اختيار الخليفة على أساس الكفاءة وليس على أساس الدم . لذلك يعتبر هذا التيار خطرا على العلمانية التي ترى العقل البشري كأساس للتشريع وليست الشريعة الإسلامية كما على العائلات الملكية في العالم الإسلامي حيث لن يكون لها مشروعية في الحكم وهذا ما يفسر اتحادهما ضد الإخوان المسلمين التي هي تجسيم للأصولية الإسلامية الحديثة .

إذا فالنننتقل إلى صلب الموضوع : ما هي أسباب استفاقة الأصولية الإسلامية :

-السبب الأهم هو الإستعمار واحتكاك المجتمعات الإسلامية المتخلفة مع الغرب المتطور . لقد كانت صدمة مدوية بدأت مع غزوات نابليون إلى المنطقة لتزداد عنفا مع الإمبريالية الإستعمارية في نهاية القرن التاسع عشر ثم الحرب العالمية الأولى وانهيار الإمبراطورية العثمانية .الضربات كانت هائلة ومتتالية وقاتلة للنرجسية الإسلامية ولوهم التفوق وألعظمة . الغرب فقأ عيون العرب ولم يدع أمامهم أدنى مجال للشك في مدى تفوقه عليهم خاصة في المجال العلمي والتقني باختراعاته الباهرة واسلحته الفتاكة وآلاته العجيبة ليظهر الغرب كالجبار الهائل والمسلم كالقزم الأبله . هذه الصدمة جعلت أب الأصولية الحديثة السيد قطب يفقد الأمل كليا في الإلتحاق بركب التطور الغربي ويعتقد اعتقادا راسخا باستحالته كما ورد في مقدمة مؤلفه الأم معالم في الطريق مبينا أن للإسلام طريق وحيد لمنافسة الغرب والتغلب عليه ألا وهو الجانب الروحاني والأخلاقي وذلك بالرجوع إلى أصول الإسلام الذي عرف عصره الذهبي في عهد الرسول والحلفاء الراشدين بتطبيقهم لتعاليم الإسلام بحذافرها .

إذا الأصولية الإسلامية هي محاولة لتقليص التفوق الغربي ولمداواة النرجسية الإسلامية والإذلال الذي تعرضت له الشعوب الإسلامية إبان الغزو الغربي وانتصاره الساحق عليهم . فبعد أن كانوا يؤمنون بوجوب وإمكانية سيادة دينهم على كامل وجه الأرض اصبحوا الآن لا يتحكمون في شبر واحد منه .

- فشل الأنظمة السياسية العلمانية الحديثة التي عقبت الإستعمار في تحقيق التنمية والتطور والإلتحاق بالغرب كما فشلت الأنظمة الملكية التي هي تطبق الشريعة لكن لا تطبق مبدأ الخلافة على أساس المشورة والكفاءة بل بالوراثة .العديد من زعماء الإخوان كانوا قوميين وناصريين أمثال الغنوشي وحمادي الجبالي في تونس لكن فشل هذه الأنظمة الحديثة مثل القومية و الإشتراكية جعلت المسلمين بقيادة منظرين وزعماء غيورين على مصير الأمة يبحثون عن حلول بديلة مغايرة .

-الصراع الإسرائيلي الإسلامي وقيام الدولة اليهودية وانتصاراتها الساحقة والمذلة . هذا الإنتصار له دلالة خاصة لأنه لم يمثل انتصار العلم والتقنية المتطورة والنظام السياسي الحديث ذلك أن الجيوش العربية كانت تمتلك تقنيات مشابهة والأنظمة العربية كانت في جزء هام منها حديثة ، بل يمثل انتصار الديانة اليهودية على الإسلام . الإسرائيليون شرعوا لدولتهم بديانتهم وانتصروا . فلماذا لا يرتكن المسلمون على مبادئ دينهم ليحققوا النصر ؟

- فترة حكم الخلفاء الراشدين تمثل حقبة نيرة في الوعي الجماعي للمسلمين ففي عهدهم تحققت انتصارات عسكرية باهرة على أعتى الإمبراطوريات آنذاك كما تحقق العدل وعم الخير.هذا الماضي المجيد يمثل نقيضا إيجابيا للحاضر الأسود والبائس : النصر والسيادة والرخاء والعدل مقابل التخلف والظلم والذل والفقر . فلماذا لا نعود إلى تلك الأصول فنحقق ما حققه الأولون ونتخلص من هذا الواقع المرير ؟

-تمزق الهوية الثقافية والحضارية بسبب تشبع النخب السياسية الحاكمة بثقافة المستعمر الغربية وانبهاره بحضارته ومحاولته إسقاطها على شعوبهم دون مراعاة التدرج والتقبل وحاجة الفرد إلى الأصالة فكانت محاولات سافرة ومتغطرسة لخلق إنسان شرقي جديد يكون نسخة مطابقة للغربي في وقت قياسي كما فعل ذلك كل من كمال آتاتورك والحبيب بورقيبة مثلا بالإستغناء عن مقومات أساسية في تكوين الهوية مثل اللغة والطقوس الدينية واللباس والمعتقد والأكل والفن . كمال آتاتورك استبدل الآباجيدية العربية باللاتينية وبورقيبة فتح المقاهي في شهر رمضان متحديا العتقد السائد . فكانت تلك الرغبة في المحافطة على الجذور وعدم الذوبان في الآخر بالرجوع إلى ما يميز الأمة ككل ، بالرجوع إلى منبع الثقافة والحضارة الإسلامية ، هذا المنبع هو الدين الإسلامي كما المسيحية في الحضارة المسيحية . فكان البحث عن الأصالة في الأصول الأولى للإسلام . فلو نجحت النخبة السياسية الجديدة في تحقيق التطور التقني والإجتماعي والاقتصادي مع المحافظة على ألهوية والأصالة لما كان هذا التوق إلى الماضي السحيق والمنير .

-فشل النخب الحداثية من ناصريين وبعثيين وبورقيبيين واشتراكيين ألخ في تجذير مبادئ الحداثة لتبقى حكرا على النخب المثقفة . التفكير الديني والخرافي الذي هو نقيض التفكير العقلاني محرك التطور الغربي كان غالبا ومسيطرا على العقول .مرد ذلك هو فشل الأنظمة التربوية في ترسيخ الحداثة والعقلانية وتجذيرها في الأمة فبقيت الكتاتيب والدروس الدينية ولم تدرس الفلسفة إلى في مراحل متقدمة من التعليم .

-انتشار الأمية وضعف الأنظمة التعليمية مما أقصى سواد الشعب من فهم الظواهر الحديثة و اكتساب الفكر النقدي والعلمي كما تحرص الأنظمة التعليمية الغربية على ترسيخه لدى ناشئتها ، ذلك أن سر تطور الغرب هو الفلسفة التنويرية المعتمدة على المنطق والعلم والعقل والتي تركز على التعليم لصنع الكائن العلمي الحديث .

-غياب الأنظمة الديمقراطية الليبرالية في المجتمعات الإسلامية التي هي من أسرار قفزة الغرب . فانتشرت الدكتاتوريات الإشتراكية والقومية والعسكرية والملكية و غابت التنمية و التطور واستتب الفقر والمحسوبية والظلم والفساد والذل ففعلت بهم النخب ما لم يفعله بهم المستعمر .

- نجاح الأصولية الشيعية في إيران وصمودها أمام الأنظمة الخارجية : الغربية والعربية الإسلامية مما غذى الأمل في إمكانية تحقيق نموذج إصولي سني في بقية العالم العربي .

- نسبة التدين الكبيرة في الشعون الإسلامية وتفشي التزمت في الأوساط الشعبية نظرا لما يقدمه الين من سند لتحمل الفقر والظلم والحرمان .هذا السند يتمثل في إمكانية تعويظ الحرمان الدنيوي بملذات أبدية في الجنة الموعودة .هذا التزمت دعمته الأنظمة الحاكمة وخاصة الملكيات الخليجية بشنها لحملات إعلامية دينية على مدار الساعة عن طريق الفضائيات وكل التقنيات التواصلية المتاحة ومسخرة لذلك أموالا طائلة . هذه الشعوب أصبحت تتلهف قدوم الطلائع الأصولية لتزيح الذل والفقر والانبتات كما كانت الشعوب المسيحية متلهفة لنداء البابوات والملوك المسيحيين للمشاركة في الحروب الصليبية والإنتقام للهزيمة أمام المسلمين قبل مئات السنين وكما كان المهمشون متقبلين للأفكار وللطلائع الشيوعية للتخلص من الفقر والخصاصة .

هناك لا محالة أسباب أخرى لكني أعتبر هذه العينة كافية لفهم سرعة انتشار هذا التنظيم ومدى تقبل الشعوب الإسلامية لهذا الفكر . الجيد هو أن القدوة موجودة أمامنا لمحاربة التخلف والفقر المتمثلة في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية أين ينعم جل المواطنون بالرخاء والأمل في مستقبل أفضل . المعادلة الصعبة هي التمكن من الحداثة دون فقدان الأصالة والهوية أو الولوج وترسيخ الحداثة دون أن يشعر الفرد بالإغتراب والانبتات وتمزق في الهوية فيكتسب أخرى جديدة عصرية تدريجيا وباقتناع دون إسقاط واغتصاب .

في آخر المطاف الإنسان يستعمل الدين والإيديولوجيات و أنظمة الحوكمة المختلفة لا لأجل ذواتها بل لأجل السعادة المتمثلة في التخلص من الفقر والخصاصة وكل أشكال الحرمان والتهديد الجسدي وحق تحقيق الذات والتطور . ومتى توفر له ذلك كف عن البحث عن أنظمة بديلة تكون أحيانا فظيعة ودموية ووحشية مثل الأصولية الإسلامية .

الديمقراطية الليبرالية التي هي أنجع أنظمة الحوكمة السياسية حاليا لم تستقر في الدول الغربية إلى بعد حروب شرسة وتضحيات جسام من الملايين من المفكرين العظماء والأرواح الطيبة ، فلم اليأس من أن نحقق نحن المسلمون ما حقققه الغرب ولم نرمي السلاح بعد خوظ معركة أو اثنتين ، الطريق صعب وشاق لكن تهون التضحية من أجل سعادة ابنائنا وأحفادنا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أخطاء
حاتم بن رجيبة ( 2014 / 11 / 19 - 19:48 )
عفوا عن الأخطاء الكتابية واللغوية نظرا لضيق الوقت فلم أراجع النص قبل نشره .


2 - تحية طيبة
عاشق علي ( 2014 / 11 / 19 - 20:39 )
انا لا اعرف كيف تحاول الربط بين الثورة الاسلامية في ايران وبين الهرج والمرج الحاصل في الجانب السني المسلم للاسف الشديد
ما تسميه فترة الفتوحات العسكرية الذهبية والخلافة الراشدة هي بداية الخلل ومنها بداءت المحن في عالمنا الاسلامي حيث اهتم الخلفاء بكم المسلمين لا بنوعهم واخذوا يعملون على زيادة الثروة على حساب المبدء
لو سئلتني في الحقيقة عن سبب صعود الاسلاميين في الحقيقة لا استطيع ان اعطي اجابة محددة ولكن
يبدو ان هناك مباركة غربية لنشائتهم وانتشارهم وصعودهم وهو امر مخطط ومدروس
بكل بساطة هؤلاء الاسلاميون ضحكوا على الناس بامور شتى من اهمها العاطفة الدينية والتي لا تقتصر على طبقة دون اخرى هناك مشاعر جياشة ينتجها الدين تفوق التصور
ليس هناك علاقة للتعليم والمستوى المعاشي بانتشار تلك الحركات والتيارات كما تظن
هناك عاطفة بين الشعوب المسلمة وعقيدتها شديدة جدا ولكن تلك العاطفة بداءت تضمحل بين صفوف المسلمين شيئا فشيئا نتيجة الصدمة العاطفية والاخلاقية العظيمة المتمثلة بافعال كلاب بني وهبون من قتل وسحل وتفجير بالعكس بل نلحظ اليوم رد فعل عكسي قوي متمثلا باحتقار الفكر الاسلامي والرموز الاسلامية


3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 11 / 19 - 21:19 )
تابع :
ادعاء أن نظام الحكم في الإسلام نظام ثيوقراطي، و حكومته من رجال الدين :
http://bayanelislam.net/Suspicion.aspx?id=01-07-0023


4 - رد
حاتم بن رجيبة ( 2014 / 11 / 19 - 22:39 )
الإنتصارات الحربية أو ما يسمى بالفتوحات الإسلامية تعتبر عصرا ذهبيا في الذاكرة الإسلامية . يزداد تثمين هذا الماضي واستحضاره كلما قورن بالواقع البائس .

نسبة التعلم لوحدها لا تمثل سببا في صعود التيارات الأصولية لكنها تدعمه عندما تتفاعل مع المسببات الأخرى . فهي حزمة من العناصر التي بحضورها جميعا تعطي هذا المد الهائل والمرعب للأصولية ؛ كما كان الحال مع النازية مثلا فهي لم تتفش إلا بتوفر عوامل متعددة أفرزت متجمعة صعود هذه الحركة المتطرفة .

إن كان الغرب ساعد مباشرة وبوعي صعود الأصولية الإسلامية فهذا مستبعد لكن ممكن !!

اخر الافلام

.. -لم يقل لنا المسيح إن العين بالعين-.. -أسقف سيدني- يسامح مها


.. رحيل أبو السباع .. 40 عاماً من إطعام زوار المسجد النبوي




.. بعد 40 عاماً من تقديم الطعام والشراب لزوار المسجد النبوي بال


.. الميدانية | عملية نوعية للمقاومة الإسلامية في عرب العرامشة..




.. حاخام إسرائيلي يؤدي صلاة تلمودية في المسجد الأقصى بعد اقتحام