الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب أم الطاغوت

عيسى مسعود بغني
(Issa Baghni)

2014 / 11 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


منذ بدايات الثورة كانت بوادر الإنقسام الفكري بين الثوار ظاهرة للعيان، وما جعل تغيير النظام السابق ممكنا،ً توافق جميع الفرقاء على هدف مرحلي واحد، ألا وهو إسقاط النظام السابق، وما إن تحقق ذلك الهدف حتى عاد إخوة السلاح إلى معاقلهم الجهوية أو إنتمأتهم الأيديولوجية، وذلك تبعاً لتقدير المصالح المنتظرة، ومع وجود الدعم والتحريض الخارجي وصلت ليبيا إلى ما هو عليها الآن.
وفي دولة تعاني من التصحر السياسي لعقود عديدة، وتبني المجلس الإنتقالي للنمط الحزبي عند إنتخاب المؤتمر الوطني، ودعم الكتائب المسلحة والغدق عليها بالأموال، أصبح الشعب منقسماً بين تيارين رئيسيين، وهما تيار الإسلام السياسي والتيار القومي العروبي، وفي كلا التيارين توجد فسيفساء من مجموعات تربطها المصلحة أكبر من الأيديولوجيا، وبذلك تم تصنيف القوميين المتشددين بالطواغيت، والإسلاميين المتشددين بالإرهابيين. والفئتان قليلة العدد ولكنها موأدلجة ومدججة بالسلاح.
خلال الشهرين الماضيين واصل مجلس النواب المنعقد في طبرق والحكومة المنبثقة عنه بياناتهم المتكررة حول محاربة الإرهاب، وتم وصف قوات مجلس شورى بنغازي وفجر ليبيا بقوات إرهابية وأنها قامت بإختطاف مدن وقرى، بل التشنيع بهم في إجتماع هيئة الأمم المتحدة التاسع والستين الماضي، كما قامت الحكومة عن طريق وزير خارجيتها بطلب الهيئة الدولية للتدخل العسكري، تلا ذلك شرعة قوات حفتر كجيش لمجلس النواب، ودعمه لغزو بنغازي ودرنه من أجل تخليصها من الإرهابيين.
تاريخياً، تعتبر كلمة الإرهاب من أشد المفاهيم غموضاً، والأكثر تعسفاً عند الترجمة لما يقابلها باللغة الاتينية (Terror) وتعني في اللغات الأوروبية " إستهداف المدنيين" وهذا مناقض للمصطلح العربي المأخوذ من الأية الكريمة "ترهبون عدو الله.." فالإرهاب في الأية يستثني المدنيين من فعل القتل ويقام على المحاربين. وخلال العشرين سنة الماضية لم يتفق المجتمع الدولى على تعريف محدد للارهاب بل توجد تعريفات كثيرة. وخلاصة القول أن الفعل العسكري من جماعة مسلحة يعتبر إحقاقاً للحق ونضالاً من أجل الحرية، ويعتبر إرهباً في نظر الخصوم.
إن قادة العرب قد درجوا (لعقود طويلة) على وصم خصومهم السياسيين بأنهم إرهابيين حتى يسهل عليهم تصفيتهم وإرتكاب مجازر ضدهم على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي بل وبمباركة بعض الدول الغربية التي تزعم محاربة الإرهاب، وهو ما نراه في مصر والعراق وسوريا وعند القذافي زمن الثورة وحالياً عند اللواء المتقاعد حفتر ومجلس النواب المشرعن له. وفي جميع هذه الحالات، تلجاء الحكومات والمجموعات العسكرية للعنف بسبب عدم مقدرتها على إحداث التغيير بالوسائل المشروعة. ولذلك درج خصومهم من الإسلام السياسي أن يصفوهم بالطواغيت، والطاغية من جاوز حده، أي ظلم وبغى.
والجدير بالذكر أن طبيعة النظام الغربي (الذي تعود العرب أن يجعلوه حكماً في قضاياهم)، فصل الدين عن السياسة لقرون خلت، وتلتزم بذلك المجموعات الدينية المنتمية إليه، حيث لا تقوم بإستفزاز العامة بتشهير سلاحها أو إستخدام طرق القتل المخيفة مثل الدبح وتصوير المشاهد على شاشات التلفاز، كما أنها لا تفتخر بالقتل ولا تعتبر ذلك وسيلة للدخول إلى الجنة كما يحدث عند بعض الجماعات الإسلامية المتشددة، ولذا وصم الغرب ومن معه من الإنقلابيين والحكام الجور أعدائهم في التيار الإسلامي (من المتشددين ) بالإرهابيين، في حين أن الحركات غير الإسلامية مثل إيتا في إسبانيا، والحركة الشعبية في جنوب السودان وجيش بورما لا يوصفوا بالإرهابيين، ومن أجل ذلك أقيمت الإحصائيات التي تقول أن من ضمن 22 عملية إرهابية كبرى خلال الخمسين سنة الماضية كانت الحركات الإسلامية مسئولة عن 17 منها.
نحن نعلم أن الاسلاميين في ليبيا مجموعات صغيرة مبعثرة مشتتة ينقصها التنظيم وليس لها كوادر مؤهلة، وحتى جماعة الإخوان الأكثر تنظيما فإن أعضائها ينتمون إليها فكرياً كتيار وطني أكثر من أيديولوجيا الحزب بل أن معظم المحسوبين على الجماعة لم يتطلع على رسائل حسن البناء وليس له دراية بالمبادئ التي بني عليه الحزب، أما التيار السلفي فهو متشتت بين المداخلة والسلفية الجهادية وأتباع الفوزان ولهم إرتباطات مباشر بمشائخ السعودية، وهمهم الخوض في المسائل الثانوية الشكلية، أو العقدية المعمقة التى هي من شؤون الخاصة. أخيراً أنصار الشريعة وهو ليس بتيار فكري أي لا ايديولوجيا لهم، بل هم مجموعات من الشباب من الفرق السابقة، متفقون على نشر مبداء تحكيم شرع الله، وهم نتاج تجمع المقاتلين في بنغازي زمن الثورة وما بعدها ولا علاقة لهم بالقاعدة ولا بالإخوان. ولقد إنقسمت الفرق السابقة بين مؤيد لمعركة الكرامة مثل التيار المدخلي، وهو تيار كان مناصراً للساعدي القذافي قبل سقوط النظام السابق، في حين وقفت المجموعات الاسلامية الأخرى مناهضة لجيش حفتر وجيش القبائل.
من الواضح أن التيار الإسلامي لا يشكل خطراً على الدولة الليبية (حتى المتشددين منهم) مثل أنصار الشريعة الذي إعترفت أمريكا بأنه لا علاقة له بالقاعدة، وأن معظم هذه الحركات الشبابية مع قيام الدولة المدنية، ومن لم يكن كذلك تتولى الدولة لاحقاً فتح حوارُ فكري يضمن رجوعهم إلى الصف الوطني أو عزلهم عن المجتمع وتجفيف منابع التمويل لهم. ومن هذا المنبر ندعوا العقلاء من قادة أنصار الشريعة أن يقوموا بتغيير إسم الجماعة مع تحولها إلى جمعية أهلية مدنية لا علاقة لها بالسلاح والحرب. أما التيار السلفي الجهادي فيجب على الدولة منع إذاعاتهم على إف إم التي تجوب البلاد بطولها وعرضها مبشرة بمبادئ تكفيرية لم يعهدها الشعب الليبي من قبل، وهذا الإجراء تبرره القوانين الوطنية التى تمنع الإستقواء بالخارج وأخذ الأوامر منه والسعي لتنفيذ مخططاته.
وخاتمة القول أن فزاعة الإسلاميين والإرهابيين قد إنطلت على قطاعات كبيرة من الشعب الليبي وخاصة في شرق البلاد، رغم أنها لم تنطلي على المجتمع الدولي، في حين أن المخطط يهدف إلى إسترجاع النظام السابق عن طريق ضرب القوى المعارضة له من التيار الوطني، بأيدي القوى القبلية والجهوية ودعم خارجي من الدول العربية الداعمة لمجلس النواب المنحل، وهو مشروع في طريق الزوال لا محالة. وأخيراً فإن الشعب الليبي ليس من قدره أن يكون مرهوناً للطاغوت أو للإرهاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام


.. لطخوا وجوههم بالأحمر.. وقفة احتجاجية لعائلات الرهائن الإسرائ




.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا