الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشهر خطابات الحسن الثاني

إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)

2014 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل الخطب الملكية محور الحياة السياسية . إنها وسيلة تواصل وحلقة وصل جوهرية بين الشعب والملك والفاعلين السياسيين. إنها من القنوات الرئيسية لتصريف الأوامر وتحديد الأهداف والأولويات وتحديد البرامج وتقييم المنجزات. فالخطب الملكية تحظى بقوة القانون الأسمى.
ألقى الملك الراحل الحسن الثاني جملة من الخطب طالتها شهرة لم ينل منها الزمن ولو مقدار قيد أنملة اعتبارا لعمقها أو خصوصيتها. لاسيما خطبه الارتجالية التي كانت من محض إبداعه.
فأكثر خطب الملك الراحل الحسن الثاني شهرة كانت مرتجلة وليست مكتوبة، ارتجلها دون الرجوع إلى خطاب مكتوب، ومزج فيها الأمثلة والأحاديث والحكم والبراهين والحجج والكل مهيكل في تحليل مبني ومُشيّد بشكل دقيق. وبعضها تضمن رسائل مشفرة لهذه الجهة أو تلك وبسلاسة قلّ نظيرها.

كان الملك الراحل الحسن الثاني معروفا بقدرته الهائلة على الارتجال و رجل تواصل كبير بامتياز. وكان خطيبا موهوبا ويعد خطبه وحواراته بنفسه . واشتهر بفصاحة أقواله، حتى ظل الكثيرون يستشهدون بكلامه وما ورد في خطبه وحوارته إلى الآن.
يقول المحلل المغربي عبد الفتاح الفاتحي إن المغاربة أعجبوا أيما إعجاب بالمهارات الهائلة للحسن الثاني التواصلية، فلقد كان خطيبًا مفوهًا يرتجل خطبه بلغة رزينة، وكان متكلماً لعدة لغات، ومجادلاً محنكًا في مقابلاته الصحافية، كما كان متفردًا بمقدرته التواصلية ومهاراته في فن الإقناع خلال لقاءاته الإعلامية

خطاب تأسيس أول برلمان مغربي سنة 1963

جاء في خطاب يوم 17 أبريل 1963 الذي كان من مدينة فاس :‘‘ ... إن الدستور وتقاليدنا والمبادئ السامية التي عرفت الملكية المغربية كيف تحافظ عليها عبر القرون وكذلك السلوك الشخصي الذي التزمت به في مزاولة مسؤولياتي منذ أن ألقى الله إليّ بمقاليد أمرك أيها الشعب الوفي كل ذلك جعلني التزم كذي قبل وباستمرار البعد عن توجيهك في اختياراتك التي أحرص أن تكون اختيارات حرة نزيهة... بيد أنني أحرص على تنبيهكم إلى خطرين يقضي علي الواجب أن أحذركم منهما: أولهما أن مجلس النواب الذي هو الدعامة الأولى للدستور سيكون مصير الحكومة بين يديه والحكومة ليست إلا أداة الإدارة الشعبية لذلك يجب أن يضمن الاستمرار حتى لا يضيع مجهود البلاد في الأزمات الحكومية ولا يتجنب ذلك إلا إذا اعتمدت الحكومة على أغلبية برلمانية قوية ونحن في حاجة إلى هذا الاستقرار نظرا للأعمال الهامة التي تنتظرنا والمشاكل العديدة التي يتوقف مستقبلنا.... وثانيهما أن دستورنا يتضمن اتجاهات مدققة ومبادئ أساسية، فينبغي من الآن أن يكون النواب الذين ستنتخبونهم مصممين- كما أنكم ونحن كذلك- على التشبث بتلك المبادئ والاتجاهات ، إن نواب الغد يجب أن يكونوا من بين المخلصين لنظام الحرية والديمقراطية، ذلك النظام الذي اخترناه لهذه البلاد واعتبرناه أحسن نظام. إن العالم يرقب مرة أخرى عملك وسلوكك وما من شك في انك ستعطيه الدليل من جديد على نضجك السياسي وتربيتك الوطنية...’’

خطاب مارس 1965 حين كان المغرب يغلي

ألقى الملك الراحل الحسن الثاني خطابا أعلن فيه حل البرلمان وتعطيل الديمقراطية وحالة الاستثناء إلى حين بناء المؤسسات. وكان عبد الهادي بوطالب هو من صاغ هذا الخطاب بعد أن شرح له الملك فحواه وخطوطه.

خطاب بعد زيارة "شمعون بيريز" إلى المغرب

بعد الخطاب الذي ألقاه الانفصالي، محمد عبد العزيز المراكشي، في فلسطين على خلفية زيارة الوزير الأول الإسرائيلي "شمعون بيريز" إلى المغرب ، جاء في خطاب الملك الراحل الحسن الثاني للمغاربة حينها: "أقول ولا أريد التهديد،لكن أنا ضمير المغاربة، إذا قام فلسطيني وبقي مغربي جالس، فإنه انتقاما لروح شهدائنا الذين مُثلوا بالصهاينة، غادي نلطخ باب دارو كيفما كانو الناس كيديرو بداك الشي اللي ما كيتسماش."

جسر تمر عليه الثقافات

في إحدى خطبه حذر الملك الراحل الحسن الثاني المغاربة من أن يصبحوا مجرد جسر تمر عليه الثقافات بدون أن يكتسبوا منها أي شيء. إذ ق :’’ نهار ي فقد مغرب هاديك عبقرية ديالو خاصة غادي يرجع جسر، غادي يرجع قنطرة فقط تا يدوز عليه من جهة إلى جهة الحضارات والعلوم والفنون ولكن غادي يكون جسر متاع ديك المادة لي تاعيطو ليها البوليستير ، ما تا تشرب والو، باقي جسر الحجر تا يشرب الما أو الزيت، ولكن مادة البلاستيك ما تا تشرب والو، تكون مادة عريانة بدون شخصية ولا روح. فإذا حنا بقينا هاكذا غادي نصيرو جسر متاع البلاستيك، لي داز علينا أو ارجع علينا ما نكتاسبو منّو ما يكتاسب منّا ‘’ .
المغاربة ليسوا أكباشا
في إحدى خطبه المشهورة في ستينات القرن المضي قال الملك الراحل الحسن الثاني :
‘‘الملكية الدستورية أصبحت عندنا ضرورة حيوية إذا أردنا أن نعيش في السلم. أما المغاربة ، فأنا أعرفهم حق المعرفة وأفتخر بهم، فليسوا أكباشا... والله لو علموا أنني أسيّرهم كما يسيّر بعض القادة شعوبهم كالأكباش، والله لما أطاعوني. واله لو علموا أن شخصا و هيئة سوف تسيطر عليهم، والهو واله لأخذوا أسلحتهم ولاعتكفوا في المساجد ولفروا إلى الجبال حتى يبقوا كما كانوا دائما شعبا حرّا لا يريد أن يسيّر بل يريد أن يُخيّر’’ .
لا فضل لي في اللامركزية
وقال في خطاب آخر في ذات الفترة:
‘‘ سمعت خطباء يتكلمون عن فضل الحسن الثاني في اللامركزية، أقول لهم لا فضل لي في هذا ، لأنه الحمد لله المغرب، كما أقول دائما ، بلد له معالم طريق في ماضيه. وليس بالبعيد أن للملك الخليفة السلطاني ، والخليفة السلطاني كان يمتاز و يتميّز بسلطات واسعة. كان الخليفة السلطاني في تطوان ، و كان الخليفة السلطاني في فاس، و كان الخليفة السلطاني في مراكش، و كان الخليفة السلطاني في تزنيت، وكان لهم وزراء وكتاب ...’’ .

خطاب بعد انقلاب الصخيرات 1971
وقال الملك الراحل الحسن الثاني في هذا الخطاب "شعبي العزيز هجم جماعة من الضباط على قصر الصخيرات... وبينما نتناول الغذاء بين ضيوفنا أجانب ومغاربة" ثم قال "ها أنتم تروني عبر الشاشة" رغم أنه لم يكن يظهر على الشاشة.
جاء في هذا الخطاب:
"(...) كادت بلادنا في الساعات الأخيرة أن تمر بنكبة من أعمق و أخطر النكبات من حياتها ـ ذلك أن بعض الضباط من القوات المسلحة الملكية ، تحت إمرة الجنرال المذبوح الذي كنت أحسبه من المعينين الأقربين ـ و الذي كان يشغل منصب مدير البلاط العسكري ـ أقول تحت قيادة الجنرال المذبوح هجموا على قصر الصخيرات على الساعة الثانية إلا ربع و نحن إذ ذاك بصدد الغذاء بين ضيوفنا أجانب و مغاربة و ابتدأ إطلاق النار في الساعة الثانية و الربع و انقطع في الساعة الخامسة و النصف، و ذهب ضحية هذا العمل الإجرامي الغث و السمين، و الشاب و الكهل، و العسكري و المدني،و القريب و البعيد، ذلك أن هؤلاء الضباط الذين لا يتجاوز عددهم العشرة، كانوا في نوع من الهستيريا، يطلقون النار على كل من رأوه يمشي أو يجري، و هكذا فقدنا من ضيوفنا الأجانب أساتذة في الطب و أساتذه، و فقدنا فردا من أفراد السلك الدبلوماسي، ألا و هو سفير بلجيكا، كما أنني فقدت من دائرتي الخاصة القريبة، أعز أصدقائي، على رأسهم طبيبي الخاص الدكتور بنيعيش،و الجنيرال الغرباوي، و الجنيرال النميشي، و الكولونيل أبو الحمص، و الكولونيل لوباريس، و الكوماندار السندباد، و الكولونيل المكي، و أمثالهم الآخرين الكثير، و لكن، و يمكرون و يمكر الله، و الله خير الماكرين. و تمكنا من الخروج من هذه الأزمة بكيفية لم تكن تنتظر )...( و هكذا سمعتم أن بعض الإذاعات، و على رأسها إذاعة ليبيا، بمجرد ما سمعت الخبر بتوقيف العملية، صارت تصرخ و تقول بأنها بجانب الثوار و بأنها تندد بكل من يقوم بعمل ضد هؤلاء "الضباط الأحرار"، و أن جيشها و قواتها و عتادها كل هذا بجانب المشعوذين.
و هكذا ترى ـ شعبي العزيز ـ حينما أقول لك، كن يقظا، كن على بينة من أمرك، حتى لا يعبث بك العابثون، لم أكن من الذين يزيدون في الكلام، أو يطنبون في الكلام.
و كنا اليوم، أو كنت اليوم شعبي العزيز ستمسي يتيما، ولكن الله سبحانه و تعالى سلم، و كما قلت لكم، و يمكرون و يمكر الله، و الله خير الماكرين. و الله خير حفظا و هو أرحم الراحمين ...

خطاب انطلاق المسيرة الخضراء

شكلت المسيرة الخضراء حدثا بارزا في مجرى الصراع المغربي الجزائري، وكان نجاحها نجاحا حاسما للملك الراحل الحسن الثاني في مواجهة حكام الجزائر، عندما فاجأ العالم بالإعلان عن مسيرة خضراء قوامها 350000 مغربي، ثم عن انطلاقتها الفعلية.

خطاب يونيو 1981 أمام قمة منظمة الوحدة

ألقى الملك الراحل الحسن الثاني خطابا أمام قمة منظمة الوحدة الإفريقية المنعقد في نيروبي، وأعلن قبوله تنظيم استفتاء في الصحراء لتقرير المصير، دون ربطه بأي شرط دستوري أو سياسي، وجاءت هذه المبادرة دون أن تجري حولها أي استشارة وطنية أو شعبية.

خطاب "الأوباش" في يناير 1984

ألقاه عقب المظاهرات التي عرفها المغرب خصوصا في مدن الشمال و مراكش .
في هذا الخطاب، وجه الملك الراحل كلامه، بالدارجة ، إلى المتظاهرين متوعدا إياهم بأقصى العقوبة، وهدد كل من اتهمهم بنشر الفوضى في البلاد. "الأوباش اللي عايشين بالتهريب والسرقة"... "رجعتوا دراري"... "غا نخلي دار باباهم"... " الناس ديال الشمال راه عرفوا ولي العهد و أحسن ما يعرفوش الحسن الثاني... عليهم أن يعرفوا الحسن الثاني الذي ألفوه، أما أنا فأعرف أنهم لا يعرفونني بكيفية عامة " )...(
وبرر ما حدث بالريف ومناطق أخرى بالمؤامرة الخارجية حين قال: " لما كنت سنة 1981 على أهبة السفر إلى نيروبي وقعت أحداث الدار البيضاء، فهل سمعتني أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ؟ و لكنني اليوم أقول أنها مؤامرة و مؤامرة متعددة الأطراف ".
"(...)أن هذه الأطراف وجدناها لأول مرة تلتقي حول هدف واحد، و هو إفشال المؤتمر الإسلامي الذي تم انعقاده حينها بالدار البيضاء ، و ذلك رغم أن هذه الأطراف المتآمرة تعادي بعضها البعض"، و قد حددها في ثلاث، و هي :
1. الماركسيين اللينينيين )" منظمة إلى الأمام "(: و قد اتهمهم لأنهم وزعوا بمراكش يوم الجمعة 6 يناير 1984 على نطاق واسع منشورا جاء فيه :" ليكن في علمنا أن الوضعية الراهنة المريرة ليست نتيجة لحرب الصحراء التي يشنها النظام الملكي المهزوم على الشعب الصحراوي البطل، و التي ذهب ضحيتها الآلاف من أبنائنا، و ليست نتيجة الجفاف كما يدعي الحسن السفاك، بل راجع إلى نهب خيراتنا من طرف الأمريكان و الأعداء ". وقد أظهر الملك هذا المنشور وتلى منه العبارات السالفة الذكر.
2.المخابرات الصهيونية : أرادت إفشال المؤتمر تخوفا من القوة التي يمكن أن تكون للدول الإسلامية المؤتمرة بعد انضمام مصر إليها.
3. إيران : لأنها قاطعت المؤتمر الإسلامي و رغبت في فشله، و قد صرح الخميني إبانها قائلا :" في هذه الأيام المصيرية التي يمر بها العالم الإسلامي حيث يعيش مخاضا صعبا يجتمع أناس يدعون تمثيل الشعوب الإسلامية و يطلقون على جمعهم هذا المؤتمر الإسلامي، و الأجدر أن يسمى قمة التآمر و الجهل ".
الخطاب الذي وجهه الملك الحسن الثاني إلى الشعب المغربي في 22 يناير 1984 عقب انتفاضة الشمال التي بدأت بتظاهرات التلاميذ لتصبح انتفاضة شعبية أشعل فتيلها التدخل القمعي العنيف للدولة. قال الملك الحسن الثاني في هذا الخطاب :" الزيادات لن تكون " و من ثم تمّ توقيف الزيادات لأنها كانت فعلا هي المشكلة.

آخر خطاباته نحو الشعب

وجّه آخر خطاباته نحو الشعب في الـ 9 من يوليوز العام 1999، بمناسبة "عيد الشباب"، وقد أصرّ الراحل الحسن الثاني على مشاطرة الفرنسيّين "عيد نصرهم" في الـ14 من نفس الشهر بانتقاله شخصيا نحو باريس بمعية عناصر لامعة من استعراضيّي حرسه. كان قد اختار الحديث عن مسؤولية الدولة في تشغيل الشباب. وقال: " في إطار تشغيل الشباب هناك آمال كبيرة مفتوحة أمامنا، ولكن المغاربة سواسية عندي وسواسية أمام القانون فيما يخص حقوقهم، فلا يمكن لي شخصيا وللدولة المغربية أن تنكب فقط على ملف الشباب الحامل للشهادات، فالتشغيل هو واجب على الدولة بالنسبة لكل واحد. وهو حق من الحقوق الدستورية لكل واحد من المغاربة ذكرا كان أم أنثى..". ويضيف : "في ظرف ثلاث سنوات إن شاء الله، من الآن إلى عام 2001، سنتمكن بحول الله وقوته وبإرادتك شعبي العزيز وشبابي العزيز من أن نقوم بوثبة جبارة، لا أقول بمعجزة لأن المعجزات تخص الرسل، ولكن بكرامة شعبية متضامنة، فنكون في ظرف ثلاث سنوات قد استوعبنا تلك الأعداد التي تراكمت على المغرب وشباب المغرب بوتيرة 60 ألف شاب وشابة في السنة" (...)"يمكن لكم أن تتساءلوا عن سبب كون الذين حازوا على الشهادات العليا في العلوم الدقيقة جدا هم الذين يجدون صعوبات في إيجاد الشغل، إن الجواب سهل، هو أن جل هذه الآلاف قد درسوا إما البيولوجيا المتقدمة جدا وإما الفيزياء النووية أو ما هو في مستوى هذه العلوم المتقدمة جدا والمتطورة جداً، فكيف يمكننا أن نخلق مختبرا لكل شاب أو شابة له دبلوم في البيولوجيا، وكيف يمكننا أن نشغل، نحن في المغرب، شخصا حائزا على شهادة الفيزياء النووية" (...)الكلمات الأخيرة من الملك الحسن الثاني للمغاربة أثارت أيضا خوصصة الاتصالات عن طريق الرخصة الثانية لاستغلال الهاتف المحمول.. معلنا عن مبلغ مستخلص من قيمة الصفقة، حدد قيمته في 700 مليار سنتيم، توجّه للاستثمار.. "القرار الذي يجب أن يتخذ (...) هو ألا تمس السبعة ملايير درهم أبدا، وألاّ تذهب إلى خزينة الدولة، وألا تصرف في ميزانية التسيير أو لسد الثغرات، بل يجب أن تكون في حساب خاص، وهذا الحساب الخاص هو الذي سيجعلنا بهذا المبلغ الكبير نجعل من المغرب ورشا كبيرا يهتز من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه. يهتز بالعمل والبناء والتجهيز، لا بالأعمال التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا بالأعمال الاجتماعية الفارغة فقط، بل بالأعمال التي تخلف ما يشغل (...) هذه كرامة من الله ورزق ساقه الله إلينا.."

خطابات ملكية
مقارنة بين الأب والابن

عموما كان الملك الراحل الحسن الثاني يعد خطاباته بنفسه، لاسيما المرتجلة منها، أما بخصوص المكتوبة منها، فقد كان يشرح الأفكار لمستشاريه الدين يتكلفون بصياغة النص النهائي.
وفي عهد الملك محمد السادس، ككل رؤساء الدول في العالم، فان الملك لا يكتب بنفسه خطبه، وإنّما يتكلف بها فريق خاص من مستشاريه.
وقد برز الفرق بين الأب والابن في خطابات العرش، وهو غالبا ما يتضمن تقييما لما وصلت إليه المشاريع التي أعلن عنها في خطابات سابقة ويحدد أولويات جديدة-;- وفي خطابات افتتاح دورة البرلمان وثورة الملك والشعب، إضافة إلى ذكرى المسيرة الخضراء ، وهي خطابات لتصريف تعليمات ملكية أو للتواصل بين الملك وشعبه. وعموما إن خطاب العرش في ظل عهود الملوك الثلاثة – الجد والأب والابن – بقي يهتم بتقييم المنجزات والأولويات الجوهرية. هذا الخطاب دأب أكثر على عكس المناخ السياسي السائد بالمغرب.
علما أن للخطابات الملكية قيمة دستورية وليست مجرد خطابات سياسية. فالعرف الدستوري في المغرب يجعلها مرجعا لكل الفاعلين السياسيين وعلى الحكومة أن تكيف سياستها العمومية انطلاقا مما تتضمنه الخطب الملكية.
كان الملك الراحل الحسن الثاني يقول: الرجل هو الأسلوب، وهنا تكمن نقطة الاختلاف الجوهرية بين الأب والابن. فالملك محمد السادس يفضل أكثر الزيارات الميدانية والغوص وسط المواطنين. و طريقة إلقاء الخطب تختلف بين الأب والابن، فإذا كان الملك الراحل الحسن الثاني يبدو أكثر عفوية وراحة فأن الملك محمد السادس يعتمد الضبط والدقة والإيجاز. فخطبه قصيرة مقارنة بخطب والده إذ لا تتعدى في مدتها 10 أو 15 دقيقة وبعيدة عن الارتجال.
فمنذ رحيل الملك الحسن الثاني، تغيرت أشياء كثيرة على مستوى الخطابات الملكية، لم يعد الخطاب الملكي ذلك الخطاب المرتجل، بلغة تمزج بين اللغة الدارجة والفصحى، بل أصبح خطابا رسميا لا تخرج لغته عن اللغة الفصيحة، ولم يقتصر التغيير على شكله ومضمونه.
يرى الباحث يحيى اليحياوي أن خطب الراحل الحسن الثاني كما خطب الملك محمد السادس خضعت لنفس الطقوس وتشتغل وفق نفس المنظومة الرمزية حيث غالبا ما يتم البث من بين أروقة قاعة العرش (على الأقل فيما يتعلق بالخطب الوطنية أو ذات الطبيعة الاستثنائية)...قاعة كل شيء من بين جدرانيها مرتب بدقة وله دلالة خاصة... فهناك إذن استمرارية شبه مطلقة بهذه الجزئية، لكنها سرعان ما تتوارى أمام طقوس توقيت الخطبة. فالخطب المباشرة للراحل الحسن الثاني لم تكن محكومة بتوقيت محدد ولم يكن باستطاعة المرء التنبؤ بنقطة انتهائها، في حين تحترم خطب محمد السادس التوقيت الدقيق.
فخطب الحسن الثاني ـ حسب الباحث يحيى اليحياوي ـ بحكم طبيعتها المباشرة كانت حمالة لبعد تفاعلي واضح إذ يبدو الأمر معه وكأنه يخاطب جمعا من حوله لا جماهيرا تموسط لها أدوات الإذاعة والتلفزة وما سواها...هي خطب إلى حد ما أفقية التوجه يتحكم المتحدث في صبيبها كما لو أنه يحدث جمعا محدودا من حوله. في حين يبدو خطاب محمد السادس (بحكم ارتكازه على المكتوب المقروء) وكأنه عمودي التوجه، ينزل من أعلى، لا أثر للإحساس معه بالتفاعلية أو بالحميمية المضمرة التي كان يعيشها المغربي المترف منه كما المعدم سواء بسواء مع خطب الحسن الثاني.
وعموما يرى الكثير من المحللين أن صورة الملك محمد السادس في مخيلة العديد من المغاربة هي أقرب إلى جده الملك الراحل محمد الخامس منها إلى والده الملك الراحل الحسن الثاني، فإذا كان هذا الأخير يلقب بــ "ملك المغرب" أكثر من أي لقب آخر، فإن أول لقب نعت به الملك محمد السادس بعد اعتلائه عرش البلاد (بعد لقب M6) هو لقب "ملك الفقراء" وهو لقب قريب جدا من اللقب الذي أطلقه الفرنسيين على جده الملك الراحل محمد الخامس "ملك كاريان سانطرال" وهما اشتركا معا في ميزة لاحظها الجميع، وهي توحيد المغاربة ولفهم حول الأمل في الغد. علما أن الملك الراحل الحسن الثاني دأب على الاستشهاد بجده السلطان الحسن الأول أكثر من أي سلطان آخر وفي هذا الصدد قال الصحفي "إينياس دال": "إن الحسن الثاني، مثل محمد السادس تشنجت العلاقة بينه وبين والده في أواخر حياته."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الزمن الرديئ
عبدالرحمان بن ملجم ( 2014 / 12 / 1 - 08:41 )
لكل زمان رجالاته هل ستجد يوما مثل عبدالرحيم بوعبيد ، عمر بنجلون ، عبدالله ابراهيم ، المعطي بوعبيد .. لخ قارن اليوم بين المستشارين الحاليين امثال فؤاد الهمة وبين رضى اجديرة و وبنسودة وبوطالب وعلال سيناصر ., لخ قارن بين البصري وبين الهمة الذي فشل في تقليده . وقارن بين ادريس البصري وبين الردئي الخسيس والجبان المدعو الشرقي ضريس . وقارن وقارن رغم عدم وجود مجال المقارنة .

اخر الافلام

.. شولتز: المساعدات الأميركية لا تعفي الدول الأوروبية من الاستم


.. رغم التهديدات.. حراك طلابي متصاعد في جامعات أمريكية رفضا للح




.. لدفاعه عن إسرائيل.. ناشطة مؤيدة لفلسطين توبّخ عمدة نيويورك ع


.. فايز الدويري: كتيبة بيت حانون مازالت قادرة على القتال شمال ق




.. التصعيد الإقليمي.. شبح حرب يوليو 2006 | #التاسعة