الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجديد الفكر السياسي حول إشكالية الداخل و الخارج-3 من 8

حازم نهار

2005 / 9 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


3- إشكالية العلاقة بين الداخل و الخارج في تاريخ المنطقة:
إشكالية العلاقة بين الداخل والخارج ليست إشكالية حديثة العهد، وهي ليست وليدة اللحظة السياسية الراهنة، رغم أنها تعمقت وازدادت ووضوحاَ خلال السنوات الأخيرة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول والتغيرات النوعية التي تلتها في السياسة الأمريكية.
إنها إشكالية قديمة و عميقة الجذور، و تذكرنا بتلك الإشكاليات التي طرحت على العرب في عصر النهضة إبان اصطدامهم بالكائن الجديد المتفوق ، أي الغرب ، مثل إشكالية " الأصالة و المعاصرة " ، " النقل والعقل " ، و " العلم و الإيمان " إلخ...، وهي الإشكاليات أو الثنائيات التي ما زال الفكر العربي يدور في أفقها ويتحرك في إطارها . و لا نبالغ إذا قلنا إنها أبعد غورا من ذلك، فهي ترتبط، بشكل أو بآخر، بنظرة ثقافتنا عموما للآخر، التي تتكئ على مصدرين أساسيين، أحدهما بدوي قبلي، و الآخر ديني.
في المستوى المعرفي إشكالية الداخل والخارج اليوم ذات علاقة وثيقة بإشكاليات عصر النهضة، و التي تصب جميعها في بؤرة واحدة أو مشكلة واحدة، هي العلاقة مع الآخر المختلف بقيمه ورؤاه وتصوراته وسياساته. وقد طرحت عدة طرق للتعامل مع ذلك الآخر منذ ذلك الوقت ، ولازالت تعبر عن نفسها في تيارات فكرية سياسية ، وفي قوى وأحزاب سياسية ، وقد تحددت تلك الطرق عبر ثلاثة مسارات ، الأول هو التعامل مع الآخر من خلال معرفة دفاعية تنحو باتجاه التمحور على الذات والعودة إلى التراث ورفض الآخر كليا ، وقد أدى هذا الاتجاه تدريجياَ إلى نشوء تيارات وأحزاب سياسية إسلامية أصولية ، والثاني اتجاه التماهي مع الآخر والقبول به جملة وتفصيلاَ دون أي اعتبار للمعطيات الواقعية المحلية ، وقد عبر عن نفسه في صيغة أحزاب وقوى سياسية ليبرالية ، واتجاه ثالث توفيقي ، هجين ، عبر عن نفسه في صيغة أحزاب قومية ، أو في صيغة طريق ثالث يجمع انتقائيا بين الاتجاهين السابقين .
العلاقة الجدلية بين الداخل والخارج ثابتة عبر التاريخ ، وقد تجسدت في العصور الحديثة في صيغة العلاقات بين الدول التي تفاوتت في مستواها بحسب اللحظة السياسية وقوة الدول وموقعها . لكن هذه العلاقة الجدلية ازدادت حدتها وكثافتها بعد التطورات والتغيرات المذهلة في العلوم والتكنولوجيا و وسائل الاتصال.
كنا نقول في السابق أن مستوى تأثير الخارج في الداخل يعتمد أو يتوقف على مدى تماسك الداخل وقوته ومنعته ، وهذا ما يزال صحيحاَ ، لكن يضاف له عنصر جديد بحكم التغيرات العالمية الواسعة وتحول العالم إلى قرية صغيرة كما يقال ، و هو أن مدى انسجام هذا الداخل مع منطق العالم وثقافته المعممة أو المقبولة عالمياَ أصبح يلعب دوراَ كبيراَ في تخفيف حدة التأثير الخارجي الممزّق ، بالإضافة لمدى قدرة هذا الداخل بثقافته وسياساته على التأثير في الخارج، إذ على الرغم من وجود عشرة ملايين عربي في الولايات المتحدة ، فإننا نكاد لا نسمع لهم تأثيراَ يذكر في السياسة الأمريكية ، في الوقت الذي يجد فيه اللوبي اليهودي آذاناَ صاغية على الدوام ، بحكم انتمائه للثقافة الأمريكية ذاتها ، أي الثقافة العالمية، و بحكم تشابك المصالح و المنافع أيضا.
عند معالجة إشكالية العلاقة بين الداخل والخارج ينبغي في البداية نقد آليات تناولها السائدة في ثقافتنا السياسية ، إذ يصل الخلط الفكري أحياناَ لتحديد معان مختلفة ومتباينة تجاه المقصود بالخارج ، وهذا يعني ضرورة تحديد مضمون المفهوم في كل مرة يتم تناوله ، فهناك أكثر من داخل وأكثر من خارج ، وإن تناول الموضوع بشكله العام يساهم في تعميق حالة التشظي والبلبلة الفكرية، أكثر مما يساهم في إيجاد الحلول و المخارج الواضحة .
لدى البعض الخارج هو القوى الوطنية الديمقراطية الموجودة خارج بلدها ، ولدى غيرهم الخارج هو المعارضة الموجودة خارج بلدانها والمدعومة من الغرب عموماَ ، والولايات المتحدة بشكل خاص ، ولدى البعض الآخر الخارج هو المنظمات المدنية والحقوقية العالمية ، ولدى آخرين هو الأمم المتحدة ، ولدى غيرهم أوربا أو الولايات المتحدة أو العالم بأسره .
تتطلب مقاربة هذا الموضوع أيضاَ تحديد مستوى التناول أيضاَ ، فالتناول المعرفي الثقافي له قد لا يؤدي إلى النتائج السياسية ذاتها ، رغم وجود علاقة وثيقة بين الحيزين المعرفي والسياسي ، إذ إن المستوى السياسي محكوم بعدد من العناصر المؤثرة ، إلى جانب العنصر المعرفي الثقافي ، ومنها عنصر المصلحة السياسية والتكتيك السياسي وتوازن القوى وغيرها ، وأحياناَ تغيب العناصر الأخيرة الواقعية جميعها لصالح الجانب المعرفي الثقافي الذي يتجلى على الأغلب في صيغة العمى الإيديولوجي الذي يتعامل مع أحداث ووقائع سياسية راهنة عبر معيار أيديولوجي لا يقود إلا إلى المزيد من الأخطاء السياسية .
مستوى التحليل التاريخي للإشكالية يتطلب الكثير من التفتح الذهني والتحلي بالموضوعية، فقراءة التاريخ تتطلب تحييد العواطف والمشاعر، وتحييد الأيديولوجيات والمواقف السياسية و المبادئ.
لا ينقص من كرامتنا شيء القول بأن البلاد العربية ما كان لها أن تعرف أزمنة حديثة نسبياَ لولا مجيء الغرب ( نابليون ) محملاَ بأطماعه ووسائله الحديثة في آن معا، فارضاَ علينا رغم أنفنا إعادة التفكير بأوضاعنا ونظمنا وقناعاتنا ، مع أننا نعلم أن مصالحه هي التي دفعت به إلينا .
لا يهتم التاريخ كثيرا بالقيم والأخلاق والمواقف " الوطنية " و "المبادئ"، فهي ليست المحرك الأساسي له. التاريخ كالمدحلة التي تجرف كل شيء ولا تعنى في المحصلة إلا بالنتائج، سواء تلك التي تساهم في تقدم البشرية أو التي تؤدي إلى تراجعها ، والتقدم البشري قد يلتقي أو لا يلتقي مع قيمنا وقناعاتنا الأخلاقية والأيديولوجية . كانت قيم الرسول محمد ونابليون وماركس وغيرهم مرفوضة ولا تلتقي مع قيم عصرهم ، وما كنا لنسمع بهم لولا أنهم في المحصلة والمآل سروا بالبشرية إلى الأمام ، وهذا السير إلى الأمام هو ما جعل لقيمهم الجديدة معنى .
لم يخجل هيجل من مخاطبة نابليون الذي جاء مستعمراَ لبلده ألمانيا قائلاَ : " أرى العقل ممتطياَ جواداَ " ، في الوقت الذي كان فيه " الوطنيون " الألمان يقارعون نابليون مدافعين عن بلادهم، و علينا ألا نخجل من الاعتراف مثلا بخطأ فتوى الأزهر التي قضت بعدم التعامل مع المنجز الأوربي، أي المطبعة، الذي حمله نابليون إلينا .
جميعنا في اليمين واليسار ، في السلطة والمعارضة ، ننظر للسياسة الأمريكية في عهد إدارة بوش الابن ، على أنها سياسة لا عقلانية ، لكن الموضوعية والقراءة الصائبة للتاريخ تقتضي الاعتراف بأن هذا الثور الأمريكي الهائج والباحث عن مصالحه ونفطه والاحتفاظ بحكم العالم لأطول فترة ممكنة ، قد قدم للمنطقة على صعيد تطورها وانفتاحها في مجال الحريات أكثر من كل أنظمتها وأحزابها ومثقفيها ، وتلك هي قاطرة التاريخ العمياء ، و ذلك رغم كل ما يقال، و هو صحيح، عن القهر الاقتصادي الذي تحمله هذه الإدارة للمنطقة.
إن تأثير الخارج ليس إيجابيا على الدوام، فقد يكون سلبياَ ومدمراَ. المهم أنه موجود دائماَ ، ولا يمكن إنكاره ، أو التعامل على أساس أنه غير موجود ، أما المعيار القيمي الذي يحدد إيجابية أو سلبية أي فعل بشري ، خارجي أو داخلي، فهو الإنسان ، فأي فعل أو مشروع يؤدي إلى سعادته وتحرره من سائر أشكال القهر والاستغلال ، ينبغي النظر إليه بوصفه فعلاَ أو مشروعاَ إيجابياَ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير عن ضربة إسرائيلية ضد إيران وغموض حول التفاصيل | الأخب


.. إيران وإسرائيل .. توتر ثم تصعيد-محسوب- • فرانس 24 / FRANCE 2




.. بعد هجوم أصفهان: هل انتهت جولة -المواجهة المباشرة- الحالية ب


.. لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا




.. نار بين #إيران و #إسرائيل..فهل تزود #واشنطن إسرائيل بالقنبلة