الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نهب الفلاحين وتدمير الزراعة في مصر.. أزمة الأسمدة نموذجاً

عصام شعبان حسن

2014 / 12 / 5
الصناعة والزراعة


منذ أعلنت الحكومة المصرية إجراءات التقشف، بهدف تخفيف عبء الموازنة ومواجهة الأزمة الاقتصادية، تأكد أن السلطة في مصر تسير على النهج الاقتصادي الذي طبق عبر أربعين عاماً مضت، والذي أفقر فئات شعبية واسعة، وراكم مشكلات مجتمعية ضخمة، فقد كانت قرارات رفع أسعار الطاقة البداية التي تنبئ عن حزمة قرارات وتطبيق سياسات تكرّس نهج طبقة حاكمة تركز في رؤيتها لإدارة الاقتصاد المصري على حفز الاستثمارات الأجنبية، وسحب يد الدولة من القطاعات الإنتاجية، ومن تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية. بهذه الطريقة، يتم المضي في طريق تدمير البني الإنتاجية، لتظل مصر تدور في فلك التبعية الاقتصادية والسياسية، ويعجز المصريون عن توفير متطلبات الحياة، حيث يسقطون صرعى استغلال قوى السوقين، المحلي والدولي.
يمكن القول إن تلك السياسات، يوماً بعد يوم، تتضح نتائجها، خصوصاً على الفئات الأكثر فقراً وتهميشاً، ومنهم الفلاحون بطبيعة الحال، ولعل قضية أزمة الأسمدة ومستلزمات الزراعة بدأت تتفاقم، مرة أخرى، خصوصاً مع صدور قرارات بزيادة أسعار الأسمدة بنسبة 33%، الإجراء الذي يصنف ضمن إجراءات رفع الدعم عن الإنتاج الزراعي، وهو، أيضاً، نتيجة قرارات زيادة أسعار الطاقة، وخصوصاً (الغاز الطبيعي والكهرباء)، إضافة إلى أنه توجه اقتصادي، ينحاز إلى محتكري إنتاج الأسمدة وبيعها، سواء كانت شركات الإنتاج أو كبار الموزعين.
صناعة الأسمدة في مصر
تعدّ صناعة الأسمدة من أقدم الصناعات المصرية، بدأت في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وازدهرت وتوسعت لعدة أسباب، منها توافر مستلزمات إنتاج الأسمدة من الغاز الطبيعي والمواد الخام، وتوافر الأيدي العاملة في هذا المجال. وكان للتوجهات الاقتصادية الداعمة للإنتاج الزراعي، في حقبة الستينيات، دور في دعم هذه الصناعة، حيث أنشئت، في تلك الفترة، شركات عامة عديدة لإنتاج الأسمدة ومستلزمات الزراعة عموماً، وقد استمر دور القطاع العام فيها واضحاً، إلى أن عصفت موجه الخصخصة بشركات أساسية منتجة للأسمدة، خصوصاً بعد أن تم تحويل تبعية شركات (النصر – الكوك – كيما – الدلتا) من القطاع العام إلى قطاع الأعمال.
بهذه الإجراءات، تم إفساح الطريق لسيطرة القطاع الخاص على السوق، وتحقيق مزيد من المكاسب لشركات القطاع الخاص.
استفاد القطاع الخاص من التغيرات الهيكلية في قطاع الأسمدة، وزاد، بشكل عام، معدل الإنتاج في عام 2013، ليصل إلى 16 مليون طن من الأسمدة الأزوتية والفوسفاتية، بينما كان معدل الإنتاج 10 ملايين طن في عام 2000، ولم يتجاوز 8.3 ملايين طن في عامي 1997/1998.
وأدّت إجراءات التكيف الهيكلي والخصخصة إلى تراجع مساهمة شركات القطاع العام في الإنتاج، لتصل إلى معدل 30% من معدلات الإنتاج الكلي.

طبيعة الأزمة وأطرافها
"
يستثمر التجار الأزمة في توسيع السوق السوداء ورفع أسعار الأسمدة، خصوصاً مع انتشار الفساد في قطاع الزراعة ومؤسسات الدولة الزراعية
"
تتعلق أزمة الأسمدة، بشكل أساسي، بنقص المعروض من المنتج المحلي، في السوق المحلي، وعدم قدرته على تلبيته معدلات الطلب المتعلقة بالنشاط الزراعي، على الرغم من أن معدل الطلب (نحو 8.5 ملايين طن) لا يتجاوز نصف ما ينتج سنوياً، الأمر الذي يرفع أسعار الأسمدة ويخلق سوقاً موازياً "السوق السوداء"، تباع فيها" شكارة" السماد بثلاثة أضعاف سعرها، ويرجع نقص المعروض في السوق إلى توجه شركات الأسمدة نحو التصدير إلى الخارج، لتبيع منتجها وفقاً للأسعار العالمية، مستفيدة من الميزات التصنيعية المحلية، المرتبطة بانخفاض أسعار الطاقة ورخص الأيدي العاملة، وتوفر مواد التصنيع، إضافة إلى الإعفاءات المندرجة تحت بنود حفز الاستثمار وتشجيعه، والمطبقة منذ عقد التسعينيات، إضافة إلى أن الدولة دعمت تلك المصانع، بتوفير الغاز الطبيعي، حيث كانت المصانع تدفع دولارين للمليون وحدة حرارية "وحدة قياس الغاز"، ثم ارتفعت إلى 3.5 دولارات، إلى أن وصلت إلى 5 دولارات. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لمصانع الأسمدة، إلا أن هذا لا يلغى الميزة النوعية المتعلقة بسعره، حيث يظل هذا السعر أحد أسباب انخفاض تكلفة إنتاج الأسمدة في مصر عن دولٍ كثيرة.
وإذا كنا نعتبر رجال الأعمال جزءاً أساسياً في الأزمة، فإن جهاز الدولة، وما تطبقه السلطة من سياسات، هو تمثيل لدور الدولة المتحالفة مع رجال الأعمال، والمتحيزة لهم، يدفع تخلى الدولة عن الفلاحين وجنوح رأس المال إلى جنى الأرباح، وجمع رأس المال المدفوع بشكل سريع، عبر التصدير، إلى أن يسقط الفلاحون بين براثن الدولة ورجال الأعمال.
تتبع شركات الأسمدة سياسة تعطيش السوق المحلي، لترفع الأسعار، وتزيد من أرباحها، بينما نجد الطرف الثالث للأزمة متمثلاً في كبار موزعي الأسمدة من شركات القطاع الخاص والتجار الذين يرفعون مطالب متكررة حول رفع يد الدولة عن توزيع الأسمدة، مهاجمين ما تبقى من دور للجمعيات الزراعية التي توزع حصصاً محدودة من الأسمدة على الفلاحين، ينطلق هجوم القطاع الخاص والتجار على الجمعيات الزراعية، من أنها تحتكر توزيع الأسمدة، وتضر بمصالحهم. ويستثمر هؤلاء التجار الأزمة في توسيع السوق السوداء ورفع أسعار الأسمدة، خصوصاً مع انتشار الفساد في قطاع الزراعة ومؤسسات الدولة الزراعية المنوط بها توزيع حصص الفلاحين من الأسمدة، سواء كان بنك الائتمان الزراعي، أو الجمعيات الزراعية.
يتعلل المدافعون عن سياسات تحرير أسعار مستلزمات الزراعة، بما فيها الأسمدة، بأنه يجب اتخاذ منهج التصدير، بدلاً من تلبية احتياجات قطاع الزراعة، ويدافعون عن التصدير بوصفه أمراً ضرورياً لتقليل الخلل القائم في الميزان التجاري، وتوفير حاجة الدولة لعملة صعبة، وهي مبررات تندرج تحت ما سميت سياسة التصدير من أجل الاستيراد، والتي أبدلت زراعة المحاصيل الغذائية بزراعة الفواكه، لتصديرها واستيراد القمح، بدلاً من زراعته، وهو ما طبقته وزارة الزراعة في فترات مضت.
لعل من المهم أن نذكر أن هذا التوجه (سياسة تحرير الأسعار) امتداد للسياسات الاقتصادية نفسها التي طبقت سابقاً، بل إن مطلب تحرير أسعار الأسمدة نفسه مطلب قديم، سبق طرحه في دراسة لمجلس الوزراء صادرة في ديسمبر/كانون الأول 2004، أوضحت فيها الدولة توجهها الصريح لتحرير السوق، وانسحابها من مجال توفير الأسمدة ودعمها.

نتائج الأزمة


ليس هناك مشكلة أكبر من أن دولة لا تستطيع توفير الغذاء لمواطنيها، إن توفير "لقمة العيش" هي أول متطلبات الحياة، وأول سلم في الكرامة الإنسانية، ومن دون تنمية للقطاع الزراعي لن يتحقق ذلك الأمر، بل إن وطنية نظام ما تبدأ بسعيه لتحقيق هذا الهدف. وتعد قضية أسعار مستلزمات الزراعة، وفي مقدمتها أسعار الأسمدة، ركناً أساسياً في أي نهوض زراعي، حيث يعد استخدام الأسمدة في الزراعة المصرية أمراً ضرورياً، خصوصاً مع ارتفاع أسعار السماد العضوي، إضافة إلى إن هناك محاصيل زراعية أساسية، تعتمد اعتماداً كبيراً على الأسمدة.
لذا، لن تتوقف آثار أزمة الأسمدة على الفلاحين فحسب، بل سوف تمتد لتؤثر على قطاعات المجتمع كافة.
•ستتأثر بشكل كبير فئات اجتماعية عديدة، في مقدمتها فقراء الريف الذين يعتمدون على الزراعة، في توفير احتياجاتهم من الغذاء، وأيضاً، ستطال الأزمة فقراء المدن الذين سوف يتعرضون إلى مزيد من الضغوط، في تدبير الغذاء لأسرهم، حيث سترتفع أسعار الخضر والفواكه واللحوم التي سوف تتأثر بالتبعية من ارتفاع أسعار الأعلاف وغيرها من المحاصيل التي تستخدم في تربية الدواجن والماشية.

•ارتفاع أسعار السلع التي تعتمد على النشاط الزراعي والإنتاج الحيواني، إضافة إلى أن ضعف منتوج الزراعة سيؤدى إلى تراجع في معدلات النمو الاقتصادي، ويؤثر على مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد.
•سيشترى الفلاحون الأسمدة والتقاوى بالأسعار العالمية، ويبيعون منتجاتهم الزراعية بالأسعار المحلية، في ظل تخلي الدولة التدريجي عن شراء المحاصيل الزراعية، وستزيد أزمة تسويق المحاصيل في غياب وجود تعاونيات تقوم بدور التسويق.
•ترتبط أوضاع الزراعة بأوضاع الفلاحين وسكان الريف، فكلاهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، وستساهم تلك القرارات في تراجع أوضاع الفلاحين اجتماعياّ واقتصادياّ.
•تراجع عائد الفلاحين من النشاط الزراعي سيؤدى إلى انضمام فلاحين إلى طوابير العاطلين والمفقرين، وترك مهنة الزراعة والهجرة إلى المدن، لينضموا إلى فقرائها، ويسكنوا عشوائياتها، ليصارعوا الحياة من أجل البقاء.
ويمكن القول إن قرارات تحرير أسعار الأسمدة في مصر جزء من سياسات إعادة هيكلة القطاع الزراعي التي تنتمي إلى نهج اقتصادي، وتوجه سياسي يؤمن بأنه لا حاجة لدعم قطاعات الإنتاج، ويكفي الاهتمام باقتصاد الخدمات والقطاع العقاري، تراهن هذه التوجهات على إنعاش الاقتصاد عن طريق دعم الاستثمار الأجنبي والقطاع الخاص، بوصفه قاطرة التنمية. يتضح مما سبق أن هذه السياسات طريق لزيادة أرباح رجال الأعمال، وأنها تسمح للقطاع الخاص في التحكم في الأسواق، أما في قطاع الزراعة، فإنها تتعدّى كونها أداة للنهب المنظم إلى أنها تمثيل واضح لعملية تخريب ما تبقى من الزراعة المصرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر