الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استراتيجية الفرصة البديلة : الاختيار المغاربى بين ضرورات الحاضر وطموحات المستقبل

نزيهة أحمد التركى

2014 / 12 / 18
الارهاب, الحرب والسلام



يمر إقليم المغرب العربي حالياً بحالة من الانكشاف الأمني الخطير. إذ تشهد بعض وحداته حالة من الصراع وضعف السيطرة الأمنية، الأمر الذي يستدعي ضرورة التكاثف والنظر للإقليم بنظرة، ورؤية جديدة تقوم على فهم مستنير لمقتضيات الواقع الاجتماعي أولاً والسياسي تالياً، نظرة نتخلى فيها عن المناورات السياسية والدعائية ونقف بجدية كدول في الإقليم أمام حالة الوجود أو لا وجود.

فقد انعكست الأحداث الثورية السياسية لعام 2011 لبعض دول الإقليم المغاربي على استقرار أوضاعه. وإن كانت تلك التغيرات قد بدت في بدايتها قليلة الكثافة وبالإمكان السيطرة عليها وتوجيهها، فإن الأوضاع حاليا بدأت تخرج شيئا فشيئا عن السيطرة، وذلك نظراً لشبكة العلاقات العديدة والمعقدة التي تربط الدول المغاربية إقليميا ودوليا. الأمر الذي يجعل دول الإقليم أمام خيارين أحلاهما مر. إما تكثيف الارتباطات الأوروبية اقتصاديا وأمنيا (ثنائيا أو جماعيا) لحل الأزمات الداخلية، والسيطرة على الارتدادات الأمنية المجاورة.

وإما اختيار البديل "استراتيجية الفرص البديلة" الثاني الذي يفرضه تطورات الواقع وأزمات الحاضر هو التعاون وتشبيك العلاقات البينية على كافة المستويات وخاصة الأمنية لأنها ضرورة حالية، بما يسمح بالسيطرة العاجلة والفاعلة على الأوضاع المتفجرة في الإقليم.

بمعنى آخر.. التضحية في الوقت لحاضر بالخيار الأوروبي لصالح الخيار المغاربي البيني، لأنه يمثل الفرصة الذهبية الحالية لاستقرار الأوضاع وتحقيق التنمية الفعلية المنشودة وهو ما نقصده باستراتيجية الفرصة البديلة .
ويقوم المقال على تحديد الوضع القائم بإمكانياته وأزماته، ومن ثم قياس الخيارين المطروحين (البيني- الأوروبي) بحساب تكلفة كل منهما (بحساب المكسب والخسارة) للوصول إلى استقرار الإقليم ومعالجة إشكالياته الأمنية. عليه فإننا سنقسم المقال إلى قسمين: القسم الأول يتناول تحليل الوضع الاستراتيجي للإقليم ورصد إشكالياته الأمنية،. أما القسم الثاني نعرض فيه الخيارات المتاحة أمام الدول المغاربية وتحديات كل منها (بينية- أوروبية) .


القسم الأول-السياق الاستراتيجي المغاربي:
الخصائص الطبيعية للإقليم المغاربي:
تتشابه الخصائص الطبيعية للدول المغاربية من حيث موقعها في الشمال الأفريقي وتشابهها في الأشكال التضاريسية فهي تقع بين خطي عرض 37,150 شمالاً وخطي طول 25,770 شرقاً وتتعرض لثلاث حالات مناخية: مجال متوسطي، صحراوي، وشبه قاري بجنوب موريتانيا، وهي منطقة جغرافية يحدها من الشمال البحر المتوسط وجنوباً أربعة دول هي النيجر وتشاد ومالي والسنغال، وغربا المحيط الأطلنطي، وشرقا مصر، وتتشابه أيضا في تشكيلة السكان (عرب- أمازيغ- أفارقة "الطوارق") كما تتميز من خلال جغرافيتها بتنوع اقتصادي (أراضي زراعية/ سياحة/ فوسفات في المغرب وتونس/ثروات نفطية في الجزائر وليبيا/ الحديد موريتانيا) .

كما تتشابه الدول المغاربية في طبيعة الإشكاليات الاقتصادية التي تواجها كذلك وهي:
• ارتفاع البطالة.
• ارتفاع مؤشر الفقر.
• ضعف التغطية الصحية.
• المديونية الخارجية.
• تدني مستوى المعيشة/ فشل مشاريع التنمية.
• الهجرة الخارجية/ الهجرة غير الشرعية (دول مصدر/دول عبور).
• قلة المدخرات المائية.

وهذه السمات هي نتيجة لهشاشة سياسات التنمية المتبعة في الدول المغاربية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فعلى الرغم من وجود اختلافات في المخططات التنموية المغاربية، إلا أن تشابهاتها كانت كبيرة في النتائج .




■-;--;-- تقييم الوضع الاستراتيجي الإقليمي وإشكالياته الأمنية:
يقع إقليم المغرب العربي حسب موقعه الجغرافي ضمن ثلاث مركبات أمنية متداخلة .










فكل مركب من هذه المركبات الثلاث (المتوسطي الساحلي/ الغربي) له إشكالياته الأمنية الخاصة به، فالإشكاليات الأمنية لإقليم الساحل والصحراء تنعكس بكل سلبياتها على الإقليم المغاربي للتجاور الحدودي. وهذا ما يجعل من الصعب تحييد تأثير الإقليم بالمركبات الثلاثة، فهو ينخرط في شبكة من العلاقات متعدد الجوانب والأبعاد يصعب فصلها أو تحييد تأثير إحداها على الأخرى.
لدرجة يصعب معها فرض حزام أمني عازل على أي مركب منها، فكل دولة من دول الإقليم المغاربي تشترك في حدودها مع أكثر من دولة فتونس مثلا تشترك في حدودها مع دولتين مغاربيتين هما ليبيا والجزائر وليبيا تحدها 6 دول مجاورة اثنتين منها من إقليم الساحل تشاد والنيجر والجزائر 6 دول اثنتان منها من إقليم الساحل مالي والنيجر والمغرب دولتين وموريتانيا 4 دول اثنتان منهما من الساحل مالي والسنغال. وعليه فإن الإشكاليات الأمنية التي تعاني منها الدول المغاربية هو نتيجة لهذا التجاور الحدودي مع إقليم الساحل والصحراء المعروف بأزماته الاقتصادية والأمنية ؛ نتيجة لتزايد مؤشرات هشاشة الدولة في هذه البلدان ومحدودية نفادها في المجتمع ، فالخدمات الضرورية شحيحة وتكاد تنعدم فيها الخدمات الصحية، وهناك مقاومة ثقافية وإثنية لسلطة الدولة ومراقبة الحدود. هذا بالإضافة إلى انتشار للأنشطة الإجرامية والتنظيمات الإرهابية. وتزايد معدلات الجريمة المنظمة بجميع أشكالها، مما جعل من منطقة الساحل والصحراء بؤرة من بؤر التوتر والإرهاب.

وبعد أحداث الربيع العربي وعوضاً عن العمل بشكل منفصل في كل مركب آمني على حده. عملت الدول المغاربية على تشبيك ارتباطاتها بهذه المركبات الثلاث، والعمل بصورة جماعية فيها نوع من التنسيق لمعالجة الإشكاليات الأمنية المتطورة في منطقة الشمال الأفريقي وجنوب الصحراء، وهذا ما ظهر باكراً في الترتيبات المغاربية في عام 2012 في المؤتمر الوزاري الإقليمي حول أمن الحدود الذي عقد بطرابلس 11 مارس 2012، بعد عام من بداية الأحداث الثورية في تونس وليبيا، والذي ضم وزراء الداخلية والدفاع في كلاً من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب والنيجر وتشاد ومالي ومصر للتباحث في أمن الحدود، وبحث السبل الممكنة لمعالجة التحديات الأمنية لانتشار السلاح والجريمة المنظمة والتهريب والهجرة غير الشرعية، وهو ما يقوم على تعزيز مفهوم الحدود الآمنة بصورة متكاملة ومنسقة.

ويلاحظ هنا أن هذا الاجتماع لم يقتصر على دول الإقليم المغاربي فحسب بل شمل كذلك دول إقليم الساحل والصحراء متمثلا في (النيجر وتشاد ومالي)، وكذلك إقليم شرق المتوسط في (مصر)، وذلك ما يعكس الرؤية الأمنية المغاربية الجديدة ، التي تقوم على ضرورة التنسيق الجماعي لمواجهة التهديدات المشتركة. وكما تقوم أيضاً إلى ضرورة إشراك دول الساحل في المباحثات الأمنية الجارية، وانعكس ذلك بوضوح في المؤتمر الوزاري الإقليمي الثاني 12 سبتمبر 2013 الذي عقد في تشاد حول "تعزيز التعاون الأمني في منطقة الساحل والصحراء". حيث أكدت الوفود على تفعيل خطة عمل طرابلس 2012 باعتبارها آلية لتأطير التعاون بين دول المنطقة في كافة المناحي الأمنية والمعلوماتية والحدودية وبحث السبل الكفيلة لتحقيق التنسيق في المجال الأمني .

وبعد شهرين في نوفمبر 2013 في الرباط بالمغرب كان التأكيد على الترابط الأمني بين هذه المركبات الثلاث ظهر ذلك في اجتماع وزراء الخارجية والداخلية لدول اتحاد المغرب العربي مع نظرائهم في دول الساحل والصحراء ومناطق الجوار، كما ضم الاجتماع ممثلي الشركاء الإقليميين والدوليين هذا عدا المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي حضرت الاجتماع، والتي وصل عددها إلى ستة عشر منظمة متعددة التخصصات تصب كلها في مجال الأمن، كل ذلك من أجل توفر رؤية شاملة للوضع الأمني وتحدياته .

كما كانت اجتماعات وزراء الخارجية والداخلية لدول الاتحاد المغاربي تزداد كثافة من عام 2012 ، وانعكست أحداث مالي على تعزيز الرؤية الأمنية المغاربية الجديدة والحث على ضرورة التأكيد على الانتقال من تنسيقات المقاربة الأحادية لملف الإشكاليات الأمنية بالساحل الأفريقي إلى مقاربة تعاونية. تتداخل فيها محاور الشمال الأفريقي إلى جانب الساحل وجنوب الصحراء الأفريقي، وفي إعلان الرباط في أبريل 2013 أكد وزراء داخلية الاتحاد المغاربي على ضرورة إرساء شراكة أمنية بين دول اتحاد المغرب العربي ودول منطقة الساحل والصحراء .

كما ساهمت الأحداث في مالي إلى تغير في النظرة الجزائرية لمعالجة الإشكاليات الأمنية التي كانت تتحفظ على تضمين مشكلات الساحل الأمنية ضمن محاور التعاون المغاربية وذلك بعد أن وصل التهديد إلى حدودها الشرقية في أحداث مالي .

أما عن المركب المتوسطي الذي تتداخل فيه الدول المغاربية، فإن الدافع الرئيسي وراء انطلاق الشراكة الأورومتوسطية هو الدافع الأمني والسياسي وذلك اعتباراً لأهمية هذا المجال الجيو استراتيجي كفضاء مشترك يجب أن تتوافر فيه شروط الأمن والاستقرار والتعاون التي يحقق في النهاية أمن واستقرار دول الاتحاد الأوروبي، وذلك للارتباط العضوي بين أمن أوروبا وأمن المتوسط. كما أوصى بذلك اجتماع بروكسل 1994 بين دول الحلف وبعض الدول المتوسطية ومنها المغرب.

فقد تبنت السياسة الخارجية الأوروبية منذ التسعينيات مفهوم متطور للأمن يقوم على منظور شمولي يهدف إلى نهج سياسة متكاملة للتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي يتحقق بها الأمن بمفهومه الشامل والمتعدد في المتوسط ليحقق في النهاية الأمن الأوروبي وفق رؤية تقوم على التحول من الاتفاقيات الثنائية إلى اتفاقيات الجوار الأوروبي . غير ان الترتيبات الأمنية الأور ومغاربية التي اريد لها تحقيق المفهوم المتطور للأمن لم تتمكن من الوصول الى غاياتها نتيجة لجمله من السلبيات حوتها هذه الترتيبات في المفهوم والاليه ، وهذه السلبيات هي :

أ- (التعاون الأورومغاربي):اختلاف الرؤى والمصالح
تختلف الرؤية الأوروبية عن الرؤية المغاربية في النظر للشراكة الأوروبية. فالدول المغاربية ترى الطرف الأوروبي سبيل ومخرج لأزماتها الداخلية. أما الطرف الأوروبي فنظرته للإقليم المغاربي نظرة ذات بعدين متناقضين فهو من جهة بيئة غنية وقريبة للاستثمار وبالتالي فهو يمثل فرصة العمل المربح قليل الكثافة ومن جهة اخرى هو بيئة خطرة جدا على أمنه القومي ويتطلب مساعدات واعمال مكلفه جدا ، وعليه معالجة أزمات هذه البيئة الأمنية لتهيئتها للاستثمار. وبالتالي فان النظرة الأوربية للإقليم المغاربي تحمل في طياتها مجازفة خطرة يجيب دراستها والتحقق منها خوفا من اثارها الحاضرة والمستقبلية فما يعد ضروريا وملحا لدى الدول المغاربية قد يكون ثانويا لدى الطرف الأوربي ..... وبالعكس .

فنقطة الالتقاء بين الحاجة المغاربية والمصلحة الأوروبية هي الاحتياجات الأمنية المغاربية، وحتى في هذه نجد الخلاف . ذلك أن كل طرف من الطرفين ينطلق من وجهة نظره الخاصة وتصوراته للوضع ومصالحه الشخصية أولاً. فالمعونات الأوروبية تتركز في ضمان تدفق الطاقة والتصدي للإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية وإرساء دعائم الديمقراطية وبنية تشريعية مواتية للاستثمار الأجنبي، وتحرير التجارة وهي اقتصادية بالأساس .


أما الاحتياجات المغاربية، ففي أغلبها تنصرف إلى احتياجات مؤسسية، وغالباً ما تكون مركزة في جانب واحد، ولا تسمح للجانب الأوروبي بالاقتراب من الجانب السياسي لأنها تعتبره تدخلاً في شؤونها الداخلية.


وبعد أحداث الربيع العربي شهدنا تطوراً ملحوظاً على الصعيد السياسي، فهناك دولتين هما ليبيا وتونس التي أعربت عن رغبتها في مساعدات كبيرة لاجتياز مرحلة التحول الديمقراطي على كافة الأصعدة. وأصاب الانفراج السياسي بعض الأنظمة الأخرى التي أجرت حزمة كبيرة من الإصلاحات السياسية كالمغرب، وبالتالي فإن ما يريده المغرب العربي إجمالا هو دعم مشاريع التنمية وبناء القدرات، وتطوير المجتمع المدني، ورفع مستوى الرعاية الصحية، والقضاء على البطالة والمديونية والحد من الهجرة غير الشرعية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ولعل هذه الدول قد وصلت إلى قناعة أن البناء والنمو لن يحدث بالتركيز على قطاع واحد دون إحداث تغيير في القطاعات الأخرى.

فالسياسة الأوروبية في القرن الحادي والعشرين ترى في الشمال الأفريقي مخزن عظيم لإنتاج مواد الطاقة المتجددة، حيث عبرت عن ذلك فرنسا وألمانيا التي أعلنت على هامش الاحتفال بإنشاء الاتحاد من أجل المتوسط في يوليو 2008 عن رغبتها في تنفيذ خطة ترمي إلى نقل الطاقة الكهربائية المكتسبة من الحرارة الشمسية من شمال أفريقيا إلى أوروبا وهو ما يسمى بمشروع درزتيك (Deseret) تقنية الصحراء .

لذلك فقد كانت التعاونات الأوروبية مع الدول المغاربية تهتم بالأمور الاقتصادية خاصة، وفي هذه تهتم بمعالجة أمور سطحية فقط من أجل تهيئة البيئة الملائمة للاستثمار، غير أن الساسة الأوروبيين أدركوا أن غياب الارتكاز على أسس اجتماعية داخلية وقصور النظرة الأحادية، كانا سببا في فشل الاتفاقيات الأوروبية المغاربية في تحقيق أهدافها. فإذا كان الاتحاد الأوروبي أصابه الفشل لاستعارته الفرضية الأمريكية في الديمقراطية، وهي أن التنمية الاقتصادية شرط ضروري للوصول إلى الديمقراطية "فرضية المفكر الأمريكي سيمور مارتن ليست" . إذ ركز في تعاملاته السياسية على بعض الجوانب الاقتصادية وأهمل الجوانب الأخرى. فإنه أدرك مؤخراً ضرورة تغيير هذه الفرضية استجابة للأوضاع المتغيرة في الإقليم. أي أن التنمية الاقتصادية لن تكون بدون إحداث التغيير الاجتماعي في العلاقات والثقافة والقيم. (الأرضية الاجتماعية)، أي التركيز على التنمية الاجتماعية؛ حتى يتحقق التغيير المطلوب نحو التنمية الفعلية والديمقراطية، وبالتالي على الجانب الأوروبي النظر بشكل أكثر عمقاً للأوضاع المتغيرة في الإقليم وتوسيع مجالات التعاون المشترك يشمل الاهتمام بالجانب الاجتماعي والثقافي، وعلى الرغم من أن اجتماعات المفوضية الأوروبية في مايو 2013 سعت إلى توثيق التعاون والتكامل الاقتصادي في دول المغرب العربي. في موضوعات كسيادة القانون والأمن والطاقة وقطاع التنمية والتوظيف والنقل والتنمية الريفية وتطوير علاقات أقوى مع المجتمع المدني دعما لعملية التحول الديمقراطي . وعرضت الدول الثمانية كذلك مشروع شراكة "ديفل" على الدول العربية التي تمر بمرحلة تحول*.

غير أن هذه المشاريع والاتفاقيات تعكس اختلاف كبير بين ما يقصده الاتحاد الأوروبي من معوناته التنموية وبين ما تحتاجه الدل المغاربية.
فالمقصد الأوروبي يدور حول مفهوم النمو الاقتصادي وحوله تدور العروض المقدمة. أما الاحتياجات المغاربية تدور حول مفهوم التنمية الاقتصادية الشاملة. وشتان بين ما يقصده الغرب وما يريده المغاربة**.

وحقيقة أن محتوى سياسات التنمية التي اعتمدت في الدول المغاربية قبلاً كانت تدور هي كذلك حول مفهوم النمو، لذلك عجزت عن تحقيق العدالة الاجتماعية الذي هو هدف رئيس للتنمية الاقتصادية، والذي تسبب في ظهور مؤشرات فشل التنمية كالفقر والبطالة والإرهاب.

فالشراكات الأوروبية سواء الثنائية أو الجماعية عجزت قبلاً وهي وعاجزة حاليا عن معالجة الإشكاليات الأمنية في الإقليم المغاربي لأن هذه الشراكة لا تنطوي على حسابات دقيقة للواقع لغياب الدراسات المعمقة للواقع الاجتماعي وقراءته قراءة صحيحة.

والمشاريع الأوروبية المطروحة حالياً، لم تحاول أن تصيب الواقع الاجتماعي كتصحيح للرؤية المتوسطية فإن هذه المشاريع لابد أن تنبع من دراسات داخلية ترصد الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية برؤية وطنية واقعية حتى تحقق الهدف منها.

ب-ضعف العلاقات البينية المغاربية والشراكة الأوروبية:
اتسمت العلاقات البينية المغاربية بنوع من التوافق والانفراج بعد أحداث الربيع العربي بعكس ما كان سابقاً من خلافات ومناورات سياسية أو صراعات (حرب الرمال) فالدول المغاربية ونتيجة للإشكاليات الأمنية المشتركة التي تواجهها توصلت إلى حالة للتعاطي مع الأزمات وليس الحل كخطوة أولى يتم فيها وضع حدود وخطوط للحركة تحترم فيها السياد الداخلية والأمن القومي، وذلك من أجل التنسيق للإشكاليات المشتركة. وحقيقة فإن إقليم المغرب العربي لم يشهد قبلاً حالة من حالات التوتر المرتفع عدا حالة الصراع (الجزائرية- المغربية) أو ما يعرف بحرب الرمال، وحتى أن الخلافات الجزائرية –المغربية لم تصل إلى حد العلاقات العدائية بين البلدين مع أنها لاتصل إلى كذلك لعلاقات الصداقة، ولكنها لم تصل إلى منزلة العدو الاستراتيجي، فهناك دائماً جنوح للتعايش وتفادي المواجهة بين الطرفين. فالعلاقات المغاربية يحكمها نوع من التقاليد الإقليمية الضمنية ساهمت في استقرار الإقليم وهي نوع من الالتزام بالحد الأدنى من سياسة ضبط النفس، ومنع تصعيد التوترات لدرجة الخطر. كما أن الاشتراكات المغاربية في المبادرات الإقليمية للتعاون الأمني والسياسي (الشراكة الأورومتوسطية، مسار برشلونة، الحوار المتوسط للناتو) ساهم في التقريب من وجهات النظر السياسية وساهمت في "خلق ثقافة تعاون مغاربية تقوم على ثقافة الجماعة الأمنية لا ثقافة الجماعة الاحترابية" .

هذا فضلا عن أن أحداث الربيع العربي ساهمت في تغيير نظرة النخب السياسية في البلدان المغاربية للتعاون المغاربي كضرورة إقليمية تستدعيها الظروف لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة كالإرهاب والهجرة والجريمة المنظمة والسلاح .

ففي الماضي ساهم اختلاف الأهداف الاستراتيجية والسياسية للمنظمة المغاربية من توثيق العلاقات البينية، فخلاف الرؤى الاستراتيجية بين أهمية الدائرة الأفريقية أو الدائرة الأوروبية. فنهج السياسات والاستراتيجيات المنفردة من قبل الدول المغاربية منعها من الاستفادة من المشاريع التنموية البينية. كما ساهم في زيادة علاقة الفتور بين الأشقاء، الأمر الذي حال دون اندماجها الاقتصادي والمؤسسي، هذا فضلاً عن التقديرات الخاطئة لتهديدات الحدود المتجاورة التي عبرت عنها سياسات بعض الأشقاء وأدت إلى قطع العلاقات كما هي حال المغرب والجزائر.

■-;---;-- إهمال البعد الإقليمي وسيطرة النظرة المستقبلية على حساب النظرة الواقعية:
أ- على الرغم من اشتراك الدول المغاربية في العديد من الأطر الإقليمية والدولية، غير أن هذه لم تساهم في خلق سياسات موحدة تجاه القضايا الإقليمية والدولية. فسياساتها مختلفة تجاه قضايا محورية على الساحة الإقليمية (عربية- إفريقية) أو الدولية. الأمر الذي أدى إلى تفاقم هذه القضايا بدلا من حلها. فكل دولة من الدول المغاربية لها إدراكاتها وتصوراتها الخاصة تجاه هذه القضايا هي تضع سياساتها وبرامجها بناء على هذا الأساس، ولم يساهم تواجدها معا في الأطر الإقليمية في بناء سياسة موحدة تجاه هذه القضايا وهذا ما أوضحته اللجنة التنسيقية للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في اجتماعها الخامس في الرباط أبريل 2014 من أن الدول المغاربية فشلت في وضع استراتيجية ناجعة لمكافحة الإرهاب لأنها تستمر في نهج استراتيجيات منفردة .

ب- إن بحث المسائل المغاربية سواء بينيا أو إقليميا أو دوليا غالبا ما تبحث فيما يجب أن تكون عليه دول الاتحاد منفردة أو ما يجب أن يكون عليه وضع الإقليم. فالدول الأوروبية في محادثاتها مع الدول العربية تقدم مساعدتها على أساس الاحتياجات اللازمة لترفع هذه الدول إلى مستوى الشريك الاستثماري وغالبا ما تقدم قائمة هذه ا لاحتياجات بناءً على النظرة المستقبلية لوضع هذه الدول والاهتمام بالجوانب الاقتصادية على حساب الجوانب الأخرى*.
لذلك فشلت الاحتياجات المجدولة في إحداث التغيير المطلوب حدوثه لدى هذه الدول لأنها لم ترصد. بناء على دراسات معمقة للواقع المغاربي الاجتماعي والقيمي .

ج- ومن جانب آخر فإن هذه المساعدات المقدمة من الجانب الأوروبي لم تكن كافية في ذاتها لإحداث التغيير المطلوب لغياب التنسيق بينها وبين العمل الوطني الحكومي في كثير من الأحيان، وبينها وبين العمل الإقليمي. وقد ذكرنا سابقا أن الإقليم المغاربي يتداخل عضويا مع إقليم جنوب الصحراء وهذا التجاور الحدودي للإقليمين يسمح بعكس سلبيات إحداهما على الآخر. كما يسمح بعكس الإيجابيات فمن الصعب أن لم يكن مستحيلا أن تنتهي إشكالية الهجرة غير الشرعية عند الشمال الأفريقي أو أن نضع حد لها بدون معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لإقليم جنوب الصحراء، ومن الصعب كذلك أن نضع حد لنشاط الجماعات الإسلامية في الشمال الأفريقي بدون أن نعالج وضع هذه الجماعات في جنوب الصحراء.

والمشكلة المتأزمة أن إقليم جنوب الصحراء يعاني من كم كبير من السلبيات الداخلية في دولة التي تطرح آثارها على الإقليم المغاربي للتجاور الحدودي. فواحدة من دول الإقليم المغاربي وثلاث من دول جنوب الصحراء تصنف كدول هشة وهي موريتانيا، مالي، تشاد، النيجر حسب المؤشرات التنموية لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) والتي هي:
1- البلدان التي تعاني من مشاكل هيكلية خطيرة وضعف مؤسساتها.
2- تعتبر هذه البلدان أن حالة الطوارئ هي القاعدة وليست الاستثناء.
3- غالبا ما تفتقر هذه البلدان إلى أفق بعيد المدى لاختياراتها. وتتسبب الاحتياجات العاجلة في إفساد الأهداف طويلة المدى.
4- لا تمتلك البلدان الهشة القدرة على تعبئة الموارد الداخلية والحصول على عائدات مالية ضخمة من الضرائب.
5- انخفاض معدلات التنمية البشرية ويتجلى انخفاض الاستثمار العام في التنمية البشرية في ضعف أداء الأنظمة التعليمية وأنظمة الرعاية الصحية.
6- صعف البنية التحتية المادية وغير المادية.
7- قابليتها للتعرض لخطر نشوب نزاعات مسلحة.
8- تركز الصادرات واعتمادها على قطاع المواد الأولية.

وحقيقة إذا ما تمعنا في هذه الصفات نجدها تنطبق كذلك على الدول المغاربية، وإن كان بمستويات أقل، لذلك نقول أن الأوربيون وجدوا أن معوناتهم الإنمائية وخاصة المقدمة إلى جنوب الصحراء هي معونة غير فعالة وأن هناك حاجة لإعادة تقييم سياستهم التنموية هناك. والذهاب إلى ما هو ابعد من مجرد بناء المؤسسات وتحقيق الاستفادة الكاملة من مزاياها النسبية وتركيز جهودهم على تنمية رأس المال البشري والاجتماعي ودعم التنمية المؤسسية على المستويين المحلي والإقليمي. ولكن نقول مهما بلغت هذه المعونة دائما تظل ناقصة لأنها لا يمكن أن تحل مكان عمل الدولة.

د-أن المبادرات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي قد تعجز عن تحقيق أهدافها للأسباب السياسية المتعلقة بنظرة الدول المغاربية لهذه المبادرات على أنها تدخلية. مما يؤدي بها إلى الرفض في أخر المطاف، ومن جهة أخرى فإن هذه المبادرات قد تحتاج إلى الاستمرارية فترة من الزمن حتى تتحقق الغاية من طرحها وهذا ما قد يعجز عنه الجانب الأوروبي .
الأهمية الجيوستراتيجية للإقليم المغاربي و الاختراقات الأمنية
نظرا لأهمية موقع الإقليم المغاربي للمصالح الجيوستراتيجية للدول الأوروبية (شمال المتوسط) وللولايات المتحدة الأمريكية فإن الإدارة الجيوستراتيجية للإقليم المغاربي هي محل تنافس بين النفوذ الأمريكي و الأوروبي.

في السياسة الدولية الحديثة لم يعد التواجد في إقليم ما (التواجد العسكري) ضرورة لاحتوائه وإخضاعه للسيطرة العالمية. فعن طريق الإدارة الاستراتيجية يتم مراعاة المصالح الحيوية العليا فيه والحفاظ عليها في حالة من التوازن تخدم هذه المصالح. وهو ما يسمى (بالإدارة الاستراتيجية للمصالح الجيوسياسية) أو الجيوستراتيجية .

فكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية يسعيان للحفاظ على حالة التوازن. الاستقرار في الإقليم المغاربي خدمته لأهدافهم الاستراتيجية العليا. فأي خلل في استقرار الإقليم يترتب عليه ضرر كبير بمصالح هذين الطرفين في القارة الإفريقية.

فتطورات الأحداث الأخيرة في منطقة الساحل "أحداث مالي" وعودة التنظيمات المتطرفة العنيفة (vio) على حسب الأدبيات الأمريكية والخوف من تفكك ليبيا وسيادة المليشيات واهتزاز تونس وعجزها عن السيطرة على الجماعات الإسلامية لديها .دفع كلا الطرفين الأوروبي والأمريكي للتحرك سريعا لمعالجة الموقف ومنع انفجاره.
فهناك الكثير من يعتقد أن الأحداث في مالي هو نتيجة مباشرة للأزمة الليبية. فقد أعلن جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا أنه نتيجة تصرفنا مع الأزمة الليبية السماح للكبار بطرد القذافي هو الذي تسبب في انفلات السيطرة في ليبيا وانتشار السلاح الذي استخدمته الجماعات في مالي .

• حساسية شديدة لتفجر الأوضاع في بلاد المغرب العربي فالارتباطات العرفية والأثنية في دول المنطقة الطوارق في مالي والنيجر وليبيا.
• ارتباطا القاعدة في بلاد المغرب العربي وشمال أفريقيا واستفادتها في انقلاب الأوضاع في ليبيا وتطورها وانتشارها فقد أصدرت القاعدة بتاريخ 17 مارس 2013 دعت شباب شمال أفريقيا في المغرب الإسلامي لمحاربة العلمانيين في بلدهم وشن الجهاد في مالي.
• يمكن أن تكون الأحداث في مالي وانتشار السلاح من ليبيا فرصة لنشاط جماعات مسلحة أخرى انفصالية في المنطقة.
• احتمال تحول المنطقة إلى أفغانستان ثانية وانتقال الصراع إلى النيجر وموريتانيا نظرا لاتساع مساحة الدولتين ولعدم قدرتهما على إقرار الأمن بشكل فعال واحتمال تصدير النزاع في ليبيا.

مخاطر انتشار السلاح من ليبيا
مع بداية العام 2013 بدت بوادر أزمة ليبية في الجانب الأمني تتمثل في تكاثر الميليشيات المسلحة وعجز الحكومة حتى الآن على احتوائها أو حلها. وعلى الرغم من وجود حوالي 40 ألف رجل أمن شرطة. إلا أنه لا سلطة لهم مما يجعل ليبيا سوق كبيرة للتهريب من كل الأنواع وخاصة السلاح. ونتيجة لموقع ليبيا المتوسط بين الشرق والغرب العربي والساحل الشمالي الإفريقي فإن أمن ليبيا هو أمن شمال إفريقيا وأمن ليبيا هو أمن المتوسط وأمن ليبيا هو أمن إقليم المغرب العربي، وعليه فإن الأمن الليبي هو مسؤولية جماعية وإقليمية ودولية.

فتأزم الأوضاع في ليبيا واستمرار عجز الحكومة عن السيطرة الأمنية والانفلات الأمني في مناطق عدة من ليبيا خاصة في الجنوب أثار قلق كلا دول الجوار الإقليمي الإفريقي والأوروبي.

فقد دعت فرنسا إلى إجراء مباحثات أمنية مشتركة مع ليبيا والشركاء الأوروبيين في المؤتمر الوزاري الدولي لدعم ليبيا في قطاعات الأمن والقضاء وإقامة دولة القانون الذي عقد في فبراير 2013 وحضور وزير الخارجية ووزير الدفاع الليبي والذي تلفت فيه ليبيا بوعود إنشاء غرفة عمليات مشتركة للرقابة على الحدود .

ومع بداية العام 2014 ازداد الوضع خطورة في ليبيا فالخوف حاليا ليس فقط من انتشار السلاح عبر الحدود الليبية بل من انهيار الدولة وما يمكن أن يترتب عليه فقد عبرت تصريحات وزير الدفاع الفرنسي حول الجنوب الليبي مؤخراً من أنه يشهد (حالة انفلات أمني خطير) عن قلق أوروبي بالغ حول إمكانية حدوث هذه الفرضية، وما يمكن أن يترتب عليها في الشمال الإفريقي والخوف من خطورة استغلال الجماعات الإرهابية لهذا الانفلات من اجل التجنيد وإعادة ذالتمركز في المغرب العربي عندها فإن منطقة الساحل الإفريقي ستشهد انتشار الخلايا الإرهابية المسلحة مستفيدة من السلاح الليبي. إلى جانب الخوف الفرنسي هناك القلق الأمريكي، وهذا ما دعي الولايات المتحدة الأمريكية أن تطلب من الجزائر مراقبة حركة الأسلحة الحدود مع ليبيا .

فقد عبرت زيارة كيري الأخيرة للجزائر عن أهمية التباحث والتعاون الأمني لمكافحة الإرهاب مع شريك أساس في المنطقة وقد قابلت الرغبة الأمريكية رغبة جزائرية في تعزيز التعاون الاستراتيجي مع دول الجوار فبعد أحداث "أميناس" تبين للجزائر ضرورة تفعيل الشركات الاستراتيجية المقاربة والدور الجزائري دور هام في الأمن الإقليمي وله تواجد فعال وحيوي في الاتحاد الإفريقي وفي تعزيز السلم والاستقرار في منطقة الساحل وهذا ما أوضحه "بياربويويا" الممثل السامي لبعثة الاتحاد الأفريقي حول مالي والساحل بأن للجزائر دور هام تلعبه لضمان استقرار مالي علي المدى الطويل .



-الاستراتيجية الأمنية المغاربية المقترحة:

لقد شكلت الحملة الفرنسية على مالي تحدي كبير للدول المغاربية على المستوى الأمني. فلا يوجد بين هذه الدول تعاون أمني بيني وثيق ولا بين محيطها الأفريقي، فالاتفاقيات الموقعة لم تُفعل ولا أثر لها على مستوى الواقع. فالخلافات البينية وسوء الإدراكات تشل هذه الاتفاقيات.

فلم يترجم الانفراج الذي أصاب العلاقات في الإقليم المغاربي إلى تعاون أمني بيني على الرغم من كثرة اللقاءات والبيانات بهذا الخصوص، إلا أنه إلى الآن لا يوجد شيء محسوس حتى أن التهديد الذي مثلته أحداث مالي، لم تحفز الدول المغاربية إلى إنتاج جسم أمني مشترك وبناء استراتيجية أمنية فعالة تشترك فيها منطقة الساحل قائمة على رسم مستقبلي للحل السياسي والأمني والتنموي في منطقة الساحل وتحويلها إلى تعاون مغاربي أفريقي بدلا من جعلها ساحة "خلفية" لتصفية حسابات بينية .

فليس من مصلحة الدول المغاربية أن تقوم أي جهة دولية بحفظ الاستقرار والأمن في المنطقة، كما حدث في مالي ذلك أن وجود القوى الدولية يزيد من الترديات الأمنية ولا يحلها. كما حفز الوجود الفرنسي في مالي تكثيف جهود الجماعات الإسلامية وزيادة نشاطها تحت ما يسمي الجهاد.

ومن جهة أخرى أن الترابط السكاني والثقافي بين دول الإقليم المغاربي والصحراء، يجعل من الصعب إجراء عمل عسكري حاسم في أي منطقة.

إن الارتباط الطبيعي للمنطقة المغاربية بمحيطها الأفريقي ونوعية التحديات الأمنية المشتركة, فضلا عن أتساع مجال أنشطة الجماعات المسلحة يستوجب بالضرورة تنسيقا وردا جماعيا من أجل تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة وبالتالي عدم الفصل بين التعاون الأمني المغاربي ومبادرات وجهود التعاون الأمني في منطقة الساحل.

فالأمر يتطلب فهم دقيق للتركيبة الاجتماعية والسكانية لسكان الإقليم المغاربي والساحل. فأحداث شمال مالي مست الوضع في الجزائر من خلال ولايتي "تامراست واليزى" التي تمثل ثلث مساحة الجزائر وتقع فيها أهم احتياطات الجزائر من النفط والغاز وإلى جانب أنها امتداد إقليمي وجغرافي لشمال مالي "الأزواد" وكذلك كان له تأثير على الجنوب الشرقي لموريتانيا "الحوضي" ذي العلاقة الوثيقة بمنطقة تينيكتو عرقيا واقتصاديا ونفس الشيء بالنسبة للجنوب الغربي الليبي (سبها أوباري غات غدامس) حيث توجد قبائل الطوارق.

وهذا ما يوضحه شكل مثلث الخطر المقلوب وهي منطقة شديدة الحساسية تعاني من هشاشة أمنية حادة إن جاز التعبير ويمكن أن تكون وقودا لصراعات خطيرة قد تحدث في المنطقة. وهى تتضمن الجنوب الليبي الذي يشتعل تحت الرماد. وجنوب الجزائر وجنوب تونس وشمال وجنوب الشرقي لمالي والشمال والجنوب الشرقي الموريتاني وهذه المنطقة تتشابه في تركيبتها السكانية (عرب، طوارق).

ومنطقة المثلث المقلوب تتشابه في الآتي:
• انفلات أمني وضعف سيطرة الدولة.
• تهميش اقتصادي.
• تدني مستوى المعيشة.
• ضعف الإحساس بالانتماء إلى هوية مشتركة يعتبران عائقان إضافيان بالنسبة للتحديات التنموية.
• نقص كفاءة المؤسسات السياسية.
• توترات سياسية وإثنية.
• انتشار الفساد.
• تركيبة سكانية مختلطة (عرب- أمازيغ- طوارق).
• انتشار عصابات التهريب.
• انتشار السلاح وسهولة الدخول والخروج بين دول المثلث .

فهذه الخصائص لن تفلح معها أي أله عسكرية مهما بلغت قوتها في أن تنهي أي نزاع قد يقع فيها كما لن تفلح أي ارتباطات واتفاقيات أمنية واقتصادية مغاربية أوروبية في حل إشكالياتها الأمنية المتعددة كما ذكرنا سابقا.







وعليه فإننا نقترح استراتيجية أمنية مغاربية ذات طابع مغاير لا يقوم على التنسيق الأمني والتعاون المخابراتي والمعلوماتي وضبط الحدود والربط القضائي والإجرائي بين الدول المغاربية فحسب. وإنما استراتيجية تتضمن:
- التنسيق السياسي والاجتماعي والاقتصادي تقوم على سياسات مدروسة للتركيبة الاجتماعية والسكانية لسكان الإقليم.
- كما تقوم على إجراء الحوار الوطني الديمقراطي والتقليل من سياسة التهميش والإقصاء للمكونات الثقافية والاجتماعية والمشاركة الفعالة لكل مكونات المجتمع بدون استثناء.
- سياسات قائمة على احترام حقوق الإنسان وحقوق المواطن في التعليم والتنمية والحرية والمشاركة السياسة تقوم على التنمية المتوازنة لكل مدن وقرى الدولة ومحاربة الجهل والأمية والفقر.
- سياسات تقوم على الاهتمام بالمرأة ودورها في نشر ثقافة السلام .

فمن شأن هذه السياسات أن تقضي على كم كبير من الإشكاليات الداخلية التي تعاني منها الدول المغاربية ودول الصحراء، فإذا كانت قضيتنا الأساسية حاليا هي محاربة الإرهاب والقضاء على الجماعات الإسلامية المنتشرة في هذه المنطقة فإن تكوين هذه الجماعات هو نتاج لسياسات اجتماعية وتنموية خاطئة في هذه البلدان.

كما أن من شأن هذه المرتكزات الاجتماعية للسياسة الأمنية الجديدة أن تخفف من الضغط السياسي الداخلي هذه البلدان وأن تخلق مساحة من التفاهم والحوار بين الدولة ومكوناتها الاجتماعية.

وهذا الجانب ينبغي أن يتم بمخططات عمل وطنية وبتعاونات بينية بين الأشقاء المغاربة، حتى نبدأ بالبدايات ولا نكرر فشل تعاوناتنا الأورومغاربية التي أخذت بالعمل بالنهايات ورغم ذلك فإن التعاونات المغاربية الأوروبية الثنائية أو الجماعية لا غنى عنها في هذه الاستراتيجية التي تقوم على ثلاث مستويات:
■-;---;-- المستوى السياسي:
- تنائي.
- مغاربي.
- إقليمي (ساحلي).
■-;---;-- تنموي (اجتماعي- اقتصادي)
- تنائي.
- مغاربي.
- إقليمي (ساحلي).

■-;---;-- أمني عسكري :
- تنائي.
- مغاربي.
- إقليمي (ساحلي).
وكل مستوى من هذه المستويات يقسم إلى مراحل ثلاث ثنائي (بين الدول المتجاورة إقليمياً)- مغاربي (بين الدول المغاربية) أمني (بين دول المغاربية ودول الساحل) .
ولإنجاح هذه المستويات لا بد من العمل على خلق مساحة للتفاهم بين الدول المغاربية تساهم في الاتفاق والتنسيق البيني فنحن بحاجة إلى إنتاج ثقافة أمنية مغاربية تجتمع فيها كل المكونات حتى تسهم في التخفيف من حدة التأزم في المنطقة وحدة الاختناقات الحدودية .

وفي هذه المستويات لا نستبعد التعاونات المغاربية الأوروبية التي لا غني عنها في المستوى الاقتصادي ونحن هنا نحتاج لإعادة تأسيس للعلاقات الأورومتوسطية، فأوروبا لم تعد الأفق الوحيد للمتوسط وهى تحتاج إلى تصويب علاقاته مع المتوسط أما بالنسبة للمستوى "الأمني العسكري" فإن تدخل قوات مغاربية أو أفريقية في أي نزاع أقل ضررا واكثر فاعليه من تدخل قوات أجنبية وعليه فإن هذه الاستراتيجية تقوم على أولوية الارتباطات البينية المغاربية أو الإفريقية على الارتباطات المغاربية الأوروبية في كل المستويات حتى وإن كانت هناك حاجة للارتباطات الأوروبية فإنها تكون في مرتبة الثانية بعد التعاونات البينية وتقتصر مجالاتها على الجوانب المادية واللوجستية التي تفتقرها الدول المغاربية وهذا ما نقصده باستراتيجية الفرصة البديلة في هذا البحث والتي من شأنها أن تقضي على الإشكاليات من جذورها وأسبابها لا أن نظل نحارب النتائج ونتائج النتائج دون جدوى وتتزايد الأخطار والتهديدات يوما بعد يوم. فالعلاج يبدأ وطنياً داخلياً وبينياً ثم إقليمياً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا