الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جغرافية اللغة وأسلوبية المكان

محمد يوب

2014 / 12 / 26
الادب والفن


جغرافية اللغة وأسلوبية المكان

هل مدينة القرابين رواية أم سيرة ذاتية؟ وعندما نكتب الرواية هل بإمكاننا التخلص من ذواتنا ؟أم ذواتنا تبقى حاضرة أثناء السرد الروائي؟
عندما نكتب عن المدينة فإننا نستحضر الزمان و المكان و الشخصيات؛ ومن خلال هذه التيمات نريد البحث عن الحقيقة؛ وهل فعلا قدمت لنا الرواية شيئا من الحقيقة عن مدينة القرابين؟
المعروف أن إدريس الشعراني شاعر؛ لكن خارطة الفنون الإنسانية لا تعرف حدودا جغرافية ولا إقليمية تتسمر عندها؛ بل إنها فوق كل القوانين واللوائح؛ ولذلك لم يكن غريبا أن نجد الفنان يبدع بالريشة والألوان تارة؛ وبالقلم والورق تارة أخرى...
وأول ما يلفت الانتباه هو العنوان "مدينة القرابين" المكون من خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو؛ وبالمضاف إليه الذي يحدث توترا مستفزا حيث تأتي كلمة "القرابين" المضاف إليه بصيغة الجمع مما يشي بأكثر من دلالة .
وإذا كانت دلالة المدينة ترتبط بالسكون و الاستقرار و الوضوح و الخريطة التفصيلية لمجريات الأحداث؛ فان دلالة "القرابين" توحي بانبهام الرؤية وفراغها وتشتتها.
والمتن الروائي الذي بين أيدينا يبدو بسيطا ولكنه في الحقيقة؛ نص مركب يجعل من الرواية قراءة لأحوال الذات وحواراتها الداخلية و الخارجية وقراءة توترها الخاص.
وتقوم هذه الرواية" مدينة القرابين" وتنهض على تقديمها بوصفها تجربة جمالية وفق مشروع الشعراني في الشعر؛ ينصت فيها إلى صوت الذكريات المكانية والآخر في داخله؛ فالرجوع إلى الذاكرة ليس تجربة سلبية وإنما قراءة لتجربة الذات وعلاقتها بالآخر؛ وعلاقتها بنفسها وإنصاتها للوجود بكل ما يشمله من مفردات.
إن الكاتب يستقي مفردات الرواية "من ثقب في الذاكرة"ص6؛من الموجز المختصر الذي اعتصرته الذاكرة؛ والذاكرة هنا ليست ساكنة وإنما لها رنين ودينامية وصيرورة؛ يتبدل فيها حضور الآخر في الكيان الداخلي؛ ونستشعر بهذا في التوتر الداخلي في الرواية من خلال الأصوات المتداخلة التي تدخل في حوار الذوات داخل ذات الكاتب.
يحاول الكاتب نسيان المدينة لأنها "رافلة في حزنها؛ تقاوم جحود الزمان؛ وأنياب النسيان" ص 40؛ لكن الذاكرة ظلت مستيقظة لأن الإنسان يمكنه قتل الجسد لكن لا يمكنه قتل الذاكرة لأنك إذا قتلتها فان شيئا منها ينتقل إليك؛ تنهيدة ؛رائحة إيماءة؛ وتسمى "لعنة الضحية " تلتصق بجسمك وتتغلغل في جلدك وتسري مباشرة إلى قلبك وتظل تنغل في داخلك؛ فالكاتب يحمل آثار المدينة وآثار جميع الرجال المعلقين في رقبته مثل قلادة خفية تحس وكأنها توثقه بإحكام.
غير أن الكاتب يحاول الرفع من وتيرة الصراع عندما يربط الذكرى بالرجاء حيث كان يأمل في أن تصبح "مدينة القرابين" مدينة حيوية نشطة تمد يدها إلى الحضارة؛ وتتمتع بما تتمتع به باقي المدن؛ وأن يصلها القطار "التران" الذي يحمل معه ملامح المدينة العصرية.
وتظهر تجربة جغرافية المكان في تعامل الكاتب بيسر وسهولة مع القارئ دون افتعال أو غموض يعوق التواصل مع النص الروائي؛ وقد رتب الكاتب الرواية بوعي وقصدية بحيث تبدأ؛من الرواية الصغرى التي تحكي حكاية العروبي بحبيبة وتتدرج للغوص عميقا في الرواية الأم وهي الأزلية "مدينة القرابين"أو "مدينة الأسرار" التي تنتقي مفرداتها من الحلقة وكأنها رحلة خاصة ينتقل فيها الكاتب من المكان الخاص إلى أبي الجعد إلى الوطن ثم إلى الكون.
وعند قراءة الرواية يدرك القارئ أن الذاكرة تختزل الأمكنة وتجعلها من مؤثاث الرواية ولعل أبرز مكان فيها هو الحلقة قرب ضريح "سيدي عثمان" التي يجتمع فيها الجميع ويحوم حول الراوي الذي يجلب اهتمام الرواد ويجعلهم مهتمين بما في الحكاية من معنى.
إن اللغة هي التي تخلق المكان ؛ لأنها وسيلة القص والسرد ،وهي ذات كيان مزدوج فهي تتكون من وجهين مترابطين على نحو لا يمكن أن نفصل بينهما ( وجهي العملة النقدية ) وهما الدال والمدلول
- أما الدال : فهو المكون الصوتي للعلامة ( الصورة السمعية ) سلسلة الأصوات للكلمة .
- أما المدلول : فهو المكون المعنوي ( الصورة الذهنية ) أي بمعنى مفهوم او الصورة الذهنية.
المدلول له وجود ذهني وما سلسلة الأصوات سوى تمثيل لهذا الوجود الذهني فهما مترابطان بلا انفكاك في وجودهما الذهني فإن الدال يستدعي المدلول والمدلول يستدعي الدال فحين يسمع المرء كلمة شجرة تتمثل في ذهنه معنى الشجرة وحين يريد ان يعبر عن الشجرة تتمثل له الصورة الصوتية للشجرة ومن هنا فان العلامة اللغوية لا تربط شيئاً باسم إنما تربط متصوراً ذهنيا ( مدلول ) وبصورة صوتية (دال ) أي أن اللغة عملية ترميزية للعالم .
وإدريس الشعراني قبل كتابة الرواية مر بعدة مراحل، ولعل أهم مرحلة هنا هي مرحلة التفكير واختيار فكرة النص ولهذا كانت هذه المرحلة تسمى بمرحلة العصف الذهني التي هي عملية استغراقية تتولد من خلالها أفكار وآراء ابداعية كشرط أساسي لحل مشكلة أو للوصول إلى فكرة معينة.على أن عملية العصف الذهني تضع الذهن في حاله من الإثارة والجاهزية للتفكير في كل الاتجاهات، فإن ذلك بالتالي يؤدي إلى توليد أفكار إبداعية وهذا مايجعلنا نقول بأن النص الروائي مبدع في فكرته.
و الرواية في مجملها هي استرجاع في حالتيه الداخلية و الخارجية؛ ففي الاسترجاع الداخلي يتوقف نمو السرد صعودا من الحاضر إلى المستقبل؛ ليعود إلى الماضي قصد ملء بعض الثغرات التي تركها السارد خلفه. وإما استرجاعا خارجيا يتم خارج نطاق المحكي الأول؛ بهدف تزويد القارئ بمعلومات تكميلية تساعده على فهم ما جرى وما يجري من أحداث.
محمد يوب
12/12/14








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل