الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشية عيد الحب -8-

كريمة مكي

2014 / 12 / 26
الادب والفن



"انظري- و جذبت من درجها مفكرة- لقد كتبت له رسالة بعد خيبتي العظمى ليلة السان فالونتان...ليلتها تألمت كثيرا فرسمت و كتبت و بكيت كثيرا...آه كم بكيت ليلتها."
و أخذتْ تتصفح المفكرة إلى أن فتحت صفحة بعينها...وضعت كف يدها عليها و أغمضت عينيها متألمة.
قالت بعد صمت و بصوت خافت كمن تكلم نفسها:
" و لكني لم أفكر وقتها في إرسالها ...لماذا؟ ما الذي منعني؟ هل هو الكبرياء الذي منعه هو أيضا من ترضيتي ليلة عيد الحب...آه...يا إلاهي كم بكيت تلك الليلة."
ثم انتبهت لي تقول:
تصوّري... الآن صرت أريد أن يقرأها... و لكني أشعر أنها مادامت مكتوبة بالفرنسية فإنها لن تنفذ إلى عروش قلبه كما أتمنى.
قلت: اكتبي له بالعربية، ألم تقولي أنك صرت- بفضله- قارئة نهمة للأدب العربي.
و كأنها تذكرت:- آه فعلا... و لكن هل لأني صرت أقرأ بالعربية يعني أنني سأجيدها كتابة؟ سألتني مشككة.
قلت لأحفز عزيمتها: مع الأيام و مع المواظبة على المطالعة و مع هذا الغرام المتوهج لا شك أنك ستجيدينها.
و كأنها قالت: و هل مازال في العمر عمر للانتظار، مستعجل عمري...يكفيه الذي ضاع منه بلا طائل...
- و فجأة نظرت لي كأنما ترجوني مساعدة: ما رأيك لو تكتبي أنت الرسالة؟
- فاجأني طلبها فقلت مستغربة: أنا؟؟
- و تذكرت لحظتها "سكينة" زميلة قسمي في الثانوي التي كانت تطلب مني أن أكتب باسمها رسائل بالفرنسية لحبيبها "اسكندر" حتى تبدو أمامه " مثقفة" و متمكنة من اللغات الأجنبية فيشعر بقيمتها و لا يهجرها لواحدة أخرى...هكذا كانت تعتقد و كنت أساعدها في ذلك قدر استطاعتي فقد كنت أجد متعة في التقريب بين العاشقين تماما كالقديس فالونتان.
- وجدتني أقول لنفسي: يحتار العاشقين في إتقان لغة الحبيب و لا يعلمون بأن لغة القلب- على مر الزمان- واحدة.
قالت لي بشيء من الارتباك بعد أن رأت تفاجئي بالطلب: أنت لن تكتبي الرسالة، أنت فقط ستترجمينها.
قلت رغم بعض التردد الداخلي : حسنا لا مانع عندي.
قالت بامتنان: أشكرك كثيرا.
قلت: أرجو فقط أن يوفقني الله إلى حسن ترجمة إحساسك بما قلّ و دلّ فهذا هو المهم و لا أظن أنه قد يفيد في شيء هنا استعراض كثيرا من الزخرفات اللغوية التي تفيض بها لغة العرب الجميلة.
قالت متشوقة: فعلا و أرجو أن يصله إحساسي كما هو و أنا لي ثقة فيكي و كذلك فيه فهو قارىء ذكي جدا و حسّاس جدا للكلمات الصادقة.
انظري هذه المفكرة- واصلت متحدثة بتفاؤل طارئ- أحتفظ بها منذ العام الذي عرفته فيه و فيها دونت أسوأ اللحظات التي مرت بنا معا...في تلك الليلة أخذتُ المحمول و كتبت له رسالة قصيرة سرعان ما محوتها فلقد منعني الكبرياء. نعم هو الكبرياء و لا شيء غيره...أُفْفْ،، تبّا له ما أقساه‼-;-
تمنيت أن أتنازل عنه و أرسلها فلم أقدر فأعدت كتابتها على هذه المفكرة من غير أدنى أمل في إرسالها بل فقط لأفرّج عن غُمّة ضاق بها صدري و لأؤرخ لخيبة جديدة أضيفها لسجل خيباتي العامر‼-;-
همّت بقطع الورقة لتمدّني بها فرجوتها أن تحافظ عليها فنحن لا يجب أن نلغي أي مرحلة من تاريخنا العشقي هكذا ببساطة فكل صفحة منه، على قسوتها، تشكل زادنا العاطفي الذي تقتات منه ذاكرتنا على مدى الأيام فإن صار فنّا اقتاتت منه ذاكرة الأجيال.
و هنا بالذات تبرز عظمة الحب و تفوقه حتى على قوّة السلاح و ذلك بالرغم من أنه سلطان أعزل لا يُلمس و لا يُرى و لذلك يدرك العارفون أن تاريخ الحب يبقى دائما أصدق من تاريخ الحرب فإذا كان الثاني لا يكتبه إلا المنتصرون الذين يريدون تخليد صورهم و أمجادهم فان تاريخ الحب على العكس تماما، لا يؤرخ إلاّ للهزائم و الانكسارات النفسية العميقة فلم يكتب عن الحب بصدق و لم يؤرخ له كأجمل ما يكون إلا الفنانون الخائبون المنكسرون و لذلك يتقاسم العشاق جميعا- في كل مكان على الأرض- وجع الألحان الحزينة.
أوَليس وقع خيبة الحب في كل القلوب واحد.

*يتبع*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج الاردني أمجد الرشيد من مهرجان مالمو فيلم إن شاء الله


.. الفنان الجزائري محمد بورويسة يعرض أعماله في قصر طوكيو بباريس




.. الاخوة الغيلان في ضيافة برنامج كافيه شو بمناسبة جولتهم الفني


.. مهندس معماري واستاذ مادة الفيزياء يحترف الغناء




.. صباح العربية | منها اللغة العربية.. تعرف على أصعب اللغات في