الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولا زال المسيح يجر في الموصل صليبه

رزاق عبود

2014 / 12 / 28
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ولازال المسيح يجر في الموصل صليبه
قبل قرابة الالفي سنة قام المحتلون الرومان، بطلب من بعض طغاة حاخامات اليهود، بجريمة صلب المسيح عيسى ابن مريم امام عيني امه، وحضور اصحابه، واتباعه، وتلاميذه، وجمهور من المنافقين العاشقين لدم الثوار، والحاقدين على راية السلام، والكارهين لرسالة المحبة. على نفس الارض، وعلى نفس البلد هجم الطامعون بارض المسيح، بعد مئات السنين، وباسم المسيح ليقتلوا سكانه يهودا، ومسيحا، ومسلمين. كل من لم يتعاون معهم، كل من لم يخضع لهم، كان مصيره القتل. احتلت كنيسة القيامة، ومرابع رسول السلام، والانسانية، وتدنست بحوافر الخيل، وسيوف الغدر، ونهبت ثروات كثيرة، وازهقت ارواح لا تعد. ثم غادروا مهزومين اذلاء. بعد مئات السنين على رحيلهم، جاء محتلون جدد، جاؤوا لينتقموا من جديد، جاؤوا ليثأروا، ان رسالة المصلوب غطت كل العالم. جاء الصهاينة للاستيطان وطرد اهل البلد الاصليين. حلت النكبة التي شردت الملايين، وبينهم الاف المسيحيين. في حزيران 1967 حلت نكبة اخرى، هزيمة اخرى، جريمة اخرى، خيانة اخرى، مأساة اخرى سميت بنكسة حزيران. احتلت اثرها كل مرابع المسيح، وكنائسة، ومكان، ولادته، وجولاته، وطرق نشر دعوته، ولازالت ترزح، وتأن من الاحتلال رغم غناء فيروز العذب، وصوت مارسيل خليفة، وقصائد درويش، والقاسم، وزياد الثورية، ورغم خطابات الحكام الهادرة، ورغم ادعاءات السياسيين الفارغة. بقي المسيح اسيرا بعد الفي سنة من ميلاده عند الصهاينة الاوغاد. وتشرد مسيحيون جدد.
في الغزوة الاستعمارية بقيادة المتصهين جورج بوش، وحلفائه الطامعين بخيرات العراق، ودعم حلفائه من الخونة العراقيين، و"الجيران والاشقاء" الحاقدين، احتلت عاصمة السلام، ولازالت منذ نيسان 2003 يلفها سواد الحزن، والفساد، والاحتلال، والارهاب، والقتل، والتشرد، والتهجير، ووباء الطائفية. بعد ان عاشت ديكتاتورية فاشية لمدة 30 عاما. بسبب الاحتلال البغيض الذي يسميه الخونة، والعملاء، والمنتفعين تحريرا، تعرض المسيحيين العراقيين، وتعرضت كنائسهم، واديرتهم، ورجال دينهم، وعامتهم، ومناطق سكناهم، وبيوتهم، لاول مرة في تاريخ هذا البلد، بلدهم، المتسامح الى الحرق، والتدمير، والتفجير، والقتل، والنهب، والاغتصاب، والاختطاف، وهرب الالاف من ارض الاباء والاجداد.
في اذا ر2011 خرجت التظاهرات ضد نظام الاسد في سوريا، واستغلت قوى الظلام، والتخلف، والتعصب الفرصة لتكشرعن انيابها، وتمارس سياستها الهمجية. مرة اخرى كان المستهدفين مسيحيي سوريا، وسكانها الاصلييين، فحرقت كنائسهم، وسبيت نسائهم، وقطعت رقابهم، فتوزعتهم المنافي، والملاجئ، والمخيمات في طول العالم، وعرضه.
بعد ان تمكن المغول الجدد من التوطن، والتسلح بدعم من الغرب، وتركيا، وقطر، والسعودية، والكويت، ومعظم دول الخليج، وكل الخاضعين لسيطرة الاحتكارات العالمية امتدت الايادي السامة، وعبرت المعدات القاتلة، والجموع المتعطشة للدماء، فاحتلت عاصمة المسيح في العراق. ارض تلاميذه الاوائل. سفوح اوائل المبشرين، واول القاطنين، واحفاد حضارة وادي الرافيدن. بتواطئ واضح، وخيانة مكشوفة، وغدر مفضوح، من قبل حكام بغداد، واربيل لتبسط عصابات داعش الاجرامية سيطرتها على الموصل، وما حولها فتعرض المسيحيين، مع الايزيديين، الى الذبح، والسبي، والقتل، والاختطاف، والطرد، والتهجير، والنهب، ومصادرة الاموال، وفتحت اسواق النخاسة من جديد للسبايا من نساء الايزيدية، والمسيحية، وصار اطفالهم سلعا للبيع، والشراء.
في حزيران النكبات يتعرض المسيحيين من جديد عام 2014، الى نكبة جديدة، غزوة ظالمة، مأساة قاسية. صمتت اجراس الكنائس، وحطمت نواقيس الصلاة، واخرست الدعوة الى المحبة بايدي شريرة ظالمة. أتي "عيد" الميلاد من جديد ليجد المسيح مصلوبا في كل بيت، في كل كنيسة، عند ابواب كل دير، وعلى اشجار، واعمدة سهل نينوى، واينما تنفس مسيحي في ارض اجداده. الكنائس المقدسة، بيوت الله، مدمرة، مدنسة باقدام وحوش داعش، ومن حالفهم، وسلحهم، ودعمهم، وازرهم، وتواطأ معهم لتنفيذ مخطط افراغ العراق، والمنطقة من المسيحيين، او تحويلهم الى عبيد لارادات السياسيين العشائريين الطائفيين. تحولت تجمعاتهم، ومخيماتهم، ومأساتهم الى وسيلة للارتزاق، والمتاجرة بدموعهم، ودمائهم. الاعتياش على نزيف المجروحين، وعذابات المشردين، ومحنة النازحين في المنافي، والملاجئ، ومخيمات الحجز، وبراري الهروب، وجبال الهجرة، وعراء التشرد.
مريم العذراء عادت من جديد تضمد الجراح، وتسعف الجرحى، تكفكف دموعها، تحضن الاطفال، وتواسي المعذبين صابرة، وهي تشاهد ابنها المسيح لازال مصلوبا، نازفا. لم يوقف نزيفه، لا خطابات السياسيين، ولا ادعاءات المنافقين، ولا هراء المدعين، ولا حتى صلوات بابا روما. تحولت دماء المسيحيين العراقيين، واجسادهم، ومصائرهم، ومشاهد تشردهم، وصور عذاباتهم الى وسيلة اغتناء الحكام الطائفيين، والقوميين، والانتهازيين، والوصوليين، لاستدرار عطف الغرب "المسيحي" ليرسل قواته، ومساعداته، وامواله، وخبرائه، وطائراته، ووفود دوله، ومنظمات مساعداته الانسانية، وجمعياته الخيرية، ووحدات اغاثته الفنية، وتبرعاته، التي يضيع اغلبها في حسابات السياسيين، والموظفين، والمسؤولين الفاسدين، والمفسدين. ينهبون المساعدات المخصصة للجوعى، والمشردين لتباع في اسواق السوق السوداء، او تسلم الى القوى الظلامية التي شردتهم. لازالت مخيماتهم تغرق بمياه الامطار، ويعصف بها الغبار، خالية من مدارس الاطفال.
رغم كل ذلك يرقص البعض،للاسف، ويحتفل، ويتبادل التهاني، ويرسل "المعايدات" وشدات الرود، واكوام الزهور، وينشر صور الرقص، والغناء، والسهرات، في حين تبقى قبور المسيحيين في براري شمال العراق بلا اسماء ولا شواهد، ولا صلاة، ولا ترتيل. يستمر نزف المسيح، وسيل دموع العذراء، وعيون الاطفال الهلعين جاحظة نحو لقمة خبز، او ورقة دفتر مدرسي، او قطرة ماء نقي، يحلمون بكنيستهم الانيقة، وبيوتهم النظيفة المصادرة المشوهة ابوابها، وجدرانها بحرف النون.
قبل عشر سنوات قضى التسونامي على ارواح 300000 انسان من مختلف البلدان، والقوميات، والاديان، والطوائف، والالوان، والاجناس. اشعلت اليوم المشاعل، والشموع، والمصابيح، والقيت الكلمات، وقرأت الصلوات في السواحل لاحياء ذكرى الضحايا. وشعبنا في العراق يعيش تسونامي اثر تسونامي، ولا مسؤول ممن تسبب في مصيبتهم يشعل شمعة واحدة لاضائة ظلمة المخيمات، وتبديد عتمة التشرد.
هذا ليس استهانة، ولا تنكرا، لكل الجهود الانسانية الشريفة، التي قدمت من الافراد، الذين يعملون بصمت بعيدا عن الاضواء، ومنظمات المجتمع المدني حسب امكانياتها، مشكورة، لكن المأساة اكبر من قدراتهم، وهي مسؤولية الدولة، والحكومات، والاجهزة المختصة، لحماية، ونجدة، وانقاذ، واسعاف، ودعم رعاياها، وليس مهمة القليل من الشرفاء، ولا وسيلة لمتسولي الشهرة، وحب التصور مع المنكوبين دون اعتبار لمشاعرهم، ومعاناتهم، واوضاعهم المزرية، وكانهم يتصدقون، ويتباهون على طريقة الرجل الاوربي الابيض، الذي يتصور مع الاطفال السود ليعلن تفوقه العنصري.
المسيح لا زال مصلوبا، لا زال ينزف، لازال يتألم، لا زال يتعذب، ولا زالت مريم تبكي. من غير المعقول ان نتركهم هكذا، او نتحول الى سواح نلتقط الصور في ارض الحدث، وكأننا سواح في متحف، وليس امام مسلخ بشري حقيقي، ومأساة انسانية فظيعة يتعرض لها اهلنا. هل نكتفي بالصلاة للمسيح، وهو ينزف؟ ام نقتصربالتواسي لمريم، وهي تتألم؟ ام نحاول انزاله من صليبه، واسعاف جراحه، ومرافقة امه؟ الوسيله المثلى، ان نقاوم من صلب المسيح من جديد، ان نفضح من ساعد في نصب الصليب، ومن مهد للقتلة الجدد، ان يشوهوا ارض المسيح، وتشريد ابنائه. طالما ظلت الموصل محتلة، وطالما ظل احفاد الاشوريين، والكلدان، والسريان، والارمن، وغيرهم في المخيمات سيبقى المسيح مسمرا على صليبه في ساحات الموصل، وبغداد، واربيل. لن يكون هناك "عيد" ميلاد الى ان تولد من جديد صحوة الاخوة، والانسانية، والتسامح، والمحبة، والتعايش، والتعاطف، والتعاضد، والنخوة العراقية، التي صلبت مع المسيح.
مع الاعتذار، والتقدير لكل المناضلين، والعاملين، والخيرين، والمتبرعين، والمتطوعين، والمتعاطفين، فهم، بالتاكيد، يفهمون، ما، ومن اقصد!
"عيد" باي حال عدت يا "عيد"؟؟؟؟؟؟؟؟
رزاق عبود
26 12 2014








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهجوم الإيراني على إسرائيل.. هل يغير الشرق الأوسط؟| المسائي


.. وزارة الصحة في قطاع غزة تحصي 33797 قتيلا فلسطينيا منذ بدء ال




.. سلطنة عمان.. غرق طلاب بسبب السيول يثير موجة من الغضب


.. مقتل شابين فلسطينيين برصاص مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغر




.. أستراليا: صور من الاعتداء -الإرهابي- بسكين خلال قداس في كنيس