الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكلمة الافتتاحية لملتقى الملحدين العرب

بسام البغدادي

2014 / 12 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مساء الخير على جميع المجتمعين وشكراً لدعوتي لإلقاء كلمة من خلال وسيلة أخترعها العلم الذي تحتقرهُ الأديان جميعاً حتى يومنا هذا.

لقائنا اليوم في مكة، هذا المكان بالذات بكل ما يحملهُ من خلفية تاريخية، ليس تحدي كما يحب أن يعتقد البعض، بل هو اختيار دقيق يحمل رسالة واضحة لمن يفهمها. هذه الرسالة باختصار هي أن الناس في كل العالم لهم الحق في اختيار معتقداتهم حتى في مدينة دينية مثل مكة أو القدس أو الفاتيكان. لكن شأنا أم أبينا سيكون هناك سوء فهم مقصود بأن كل ما يقوله أو يفعلهُ المُلحد الهدف منه استفزاز المؤمنين لهذا الدين أو ذاك، وهذا وهم يستمتع بهِ المؤمن ليصدق بهِ نفسهُ فقط. المؤمن في أمريكا يتهم الملحدين الأمريكيين باستفزاز المسيحين مهما كان الطرح الذي يطرحوه والمؤمن في الشرق الأوسط يتم الملحدين في الشرق الأوسط باستفزاز المسلمين مهما كان الشيء الذي يفعلوه. هذا يؤكد لنا جميعاً ما كنا نتوقعهُ مسبقاً وهو أن المؤمن شخصية مُستنفرة دائماً ضد أي مختلف عنه بأي شكل من الاشكال، والمذابح المذهبية اليوم في الشرق الأوسط خير مثال.

في الحقيقة، فأن الفرق بين المؤمن والملحد هو أن الإيمان كان ولازال صدفة جغرافية أما الإلحاد فهو اختيار عقلاني بحت. من يولد في السعودية هذه الأيام فهو على الغالب مسلماً، ومن يولد في المكسيك أو البرازيل فهو على الغالب مسيحياً. كل مؤمن هو مؤمن لأنه ولد في عائلة مؤمنة ويؤمن بالذات بنفس الأشياء التي يؤمن بها أبويه، نفس الطقوس ونفس العبادات ويؤمن بقدسية الأشياء التي أخبروه أنها مقدسة ويحتقر الأشياء التي أخبروه أنها محرمة. أما الملحد فهو كائن فريد من نوعه، هو ذلك الإنسان الذي رفض هذه الصدفة الجغرافية وقرر أن يستخدم حقهُ في الاختيار رغم كل ما يترتب على ذلك من مخاطر وصعوبات اجتماعية. فكما نختار ملابسنا وطعامنا وشرابنا، فمن حقنا أن نختار افكارنا وهذا ما يجب أن نفعلهُ دائماً. أن تختار أفكارك الدينية يُعتبر حتى اليوم جريمة كبرى في الأديان، ولهذا يتفق جميع المؤمنين بأن قطاع طرق وسفاح ومغتصب أطفال مؤمن بدين الأغلبية هو أفضل من مُلحد يعيش بسلام ولا يؤذي أحداً في المجتمع.

يجب أن نتذكر دائماً بأن الإنسان المسلم أو المسيحي أو اليهودي ليس عدواً لنا نحن العقلانيون، فهم ولدوا فوجدوا نفسهم ضحايا للأديان التي ولدوا فيها، لكنهم للأسف أتخذونا أعداء لهم. يجب أن نتذكر بأن جميعنا سواسية ضحايا لكارثة تاريخية حلت بالبشرية بظهور الأديان وانطفاء نور العقل، وهذه الكارثة لا زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم مؤمنين ولادينيين. محاكم التفتيش في أوربا ربما انتهت منذ قرون كما يعتقد البعض، لكنها لازالت في عصرها الذهبي في الشرق الاوسط. الدين كان ولازال أسهل طريقة لتحويل البشر الاسوياء الى وحوش مفترسة مستعدة أن تمارس أبشع الجرائم وتبريرها في سبيل معتقداتها. القاعدة وداعش واليمين المسيحي واليهودي المتطرف كلها أمثلة بسيطة عن النتيجة الحتمية لتطبيق أي فكر ديني. فهل لازال البعض يعتقد بأن الخطأ في التطبيق؟ بالطبع لا... الفكرة التي فشل البشر بتطبيقها خلال آلاف السنين لن تصبح صحيحة فقط لأننا نعتقد ونتمنى أن تكون صحيحة. الفكرة الفاشلة ستبقى فاشلة حتى لو قلنا إن الخطأ في التطبيق كي نقنع أنفسنا بسلامة الفكرة.

هناك اليوم على الأقل ملحد واحد في كل بيت في الشرق الأوسط، لكننا مجبرون على التظاهر ومجبرون على لبس رداء الدين ومجبرون على ممارسة طقوس لا نؤمن بها كي نحافظ على حياتنا. مرة أخرى يثبت الدين حقيقة أن تكون مؤمناً منافقاً خيراً من أن تكون ملحداً صادقاً، وهذه هي المصيبة الكبرى. البعض يسأل لماذا سنعمل مع بعض؟ هل سنجعل الالحاد دين جديد ندعو لهُ ونبشر بهِ؟ كطبيعة الإنسان الحر فنحن جميعاً مستقلون بأفكارنا ليس فقط عن محيطنا، بل عن بعضنا البعض. الحقيقة هي أننا في عملنا مع بعض لا ندعو لشيء أكثر من العقلانية في الحياة وحق الناس في الاختيار. الملحد لا يدعو الى نحر المؤمنين أمام الكاميرات بدم بارد وهو يفتخر بقدرتهُ على إرهابهم. الملحد لا يدعو الى تفجير مدارس الاطفال ولا يلف نفسه بالمتفجرات ويدخل في سوق مكتظة بالفقراء المساكين، لكن هذا بالضبط ما يقوم بهِ المؤمنين اليوم ضد المختلفين عنهم. نحن العقلانيون نحتاج العمل مع بعض كي نضع حد لحمام الدم هذا والذي ولد في رحم النصوص الدينية ولازال يرضع من تاريخها. نحن لم ولن ندعو للعنف يوماً... بل ندعو للحوار بين البشر والسلام لجميعهم، ونؤكد على حق إنساني أصيل وهو أن من حق الجميع أن يفكر بحرية ويختار أفكاره بانسجام مع إنسانيته.

ختاماً، أشكر جميع القائمين على هذا الملتقى وأتمنى أن يكون الملتقى القادم في أجواء أقل عدائية من اليوم، ربما يومها يدرك المؤمن بأن من حقهُ أن يختار وبأن من يختار شيء مختلفاً عن اختياره ليس بالضرورة هو عدواً أو خائناً أو عميلاً، بل مجرد إنسان مثلك تماماً قرر أن يعيش حياته ويختار أفكاره بطريقة مختلفة عنك.
شكراً لكم وأتمنى لجميع المشتركين السلامة

بسام البغدادي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2014 / 12 / 30 - 07:52 )
برنامج (وهم الإلحاد - د. هيثم طلعت) :
• نشأة الإلحاد و رد شبهة وجود ملحدين قبل القرن الثامن عشر :
http://www.youtube.com/watch?v=2NXO2iL2vYQ
• كيف ينظر الغرب إلى الملحد؟ :
http://www.youtube.com/watch?v=kbTiGIMgozs
• دراسة الملف الإ-;-لحادي :
http://www.youtube.com/watch?v=2bDpHlgeG9o
• كيف نشأ الدين؟ :
http://www.youtube.com/watch?v=OWcqKFQ5-5o
• لماذا يوجد شر في هذا العالم؟! :
http://www.youtube.com/watch?v=Mqu8qRemUJQ
• عقيدة الملحد :
http://www.youtube.com/watch?v=GEmextV5Psc
• الوعي :
http://www.youtube.com/watch?v=3UMBFkJnR2k
• من أين جاء هذا العالم؟ :
http://www.youtube.com/watch?v=OmBQLNL4phE&feature=youtu.be
• المعايرة الدقيقة للكون دليل على وجود الخالق :
https://www.youtube.com/watch?v=KmvgBy3lmFY
• الرد على خرافة الأكوان المتعددة :
https://www.youtube.com/watch?v=zOCdEuXDGLc
• الإحالة إلى الما وراء :
https://www.youtube.com/watch?v=kX7fLVKIBSY


2 - كلمة مسالمة
نيسان سمو الهوزي ( 2014 / 12 / 30 - 08:41 )
كلمة هادءة ومسالمة ورزينة ولا اعلم لماذا لا يستطيع المؤمن ان يحترم مثل هذا الفكر ؟ تحية طيبة


3 - أي علاقة للإلحاد بالعقل
إسلام بحيري ( 2014 / 12 / 30 - 09:04 )
مرحباً أستاذ بسام.. حضرتك تقول أن الإلحاد عنوان العقل وأن الأديان تعادي العقل
تمام؟
طيب ممكن أفهم لماذا ينادي العقل بأن هذا الكون المنظم لابد له من منظم أو مصمم خارج عنه وليس جزءاً منه، وعلى الجانب الآخر يرفض الإلحاد هذه الضرورة العقلية

ولماذا أيضاً يحتقر الملحدون الفلسفة والفلاسفة وهم لا يملكون من متاع الدنيا إلا العقل والأبحاث العقلية

أيضاً تدّعون أن الإلحاد والعلم توأمان.. فلماذا لا تقبلون كلمة علماء الكوزمولوجيا اليوم بأن هذا الكون مخلوق من العدم ؟ ولماذا تصرون على أقوال شيوخ الملحدين الذين لم يدركوا هذه الحقيقة العلمية؟ أهو التقليد أم معاداة العلم أم ماذا

وكيف تستمر ادعاءاتكم بتمشي الإلحاد مع العلم والعقل بهذه الطريقة ؟ هل هي عنزة ولو طارت مثلاً أم أن هناك إجابات معقولة
تحياتي

اخر الافلام

.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية


.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في




.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك




.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر