الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غثيان...قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2015 / 1 / 6
الادب والفن


( العقل الباطن هو كثرة ما يختزن في الذاكرة التي تؤدي إلى الألم أو إلى السعادة أو التفكير في شيء ما )


لا وقتَ لم تبقّ سوى ثلاث ساعات وينتهي حق إستلام المواضيع التي أعلن عنها قبل شهر في موقع الكتروني خاص يشجع الناشئين والهواة ومن لهم القدرة على كتابة موضوع ( قصة أو مقالة أدبية ). هذا ما أدركه ( آدم ) الشاب المثقف الوسيم، الطموح، ذو العينين الفاقعتين وهو في غرفة مكتبه المليئة بالكتب العلمية والأدبية المرصوفة على رفوف مكتبته ؛ منها كان قد اِشتراها ومنها اِستعارها وبعض منها كانت مهداة له من بعض أصدقائه. ومن يرى كتبه لأول وهلة ينبهر ويصاب بالإعجاب !!.
كان جالساً على كرسيه الدوار الضخم، المصنوع من الجلد الفاخر وقبالة شاشة كومبيوتره الجديد الذي اِبتاعه قبل اسبوع ليضمن سرعة محركه ونظافته من الفايروسات التي أعطبت جميع ملفات كومبيوتره القديم الذي نبش بِهِ الكثيرَ من المواقع الألكترونية وأستكشف به أسراراً كثيرة . أختَزَنَ منها ما يحلو له في مكتبته الثانية النائمة في رقاقة معدنية صغيرة .
اليوم آخر يوم للمسابقة، وقد جهز كومبيوتره منذ الصباح الباكر؛ فاتحاً صفحة موقع المسابقة، محاولاً إظهارهواجسه بكتابة موضوع يساعده على الإنضمام اليها؛ عازما ً هذه المرة متحدياً نفسه والآخرين من المشاركين في المسابقة بعَرض أفكاره الوفيرة التي صعبت على عقله منذ إعلان المسابقة ولحد هذا اليوم جمْعها وطرْحها على شكل مقالة أدبية أو قصة أو حتى خاطرة عابرة!! فهو من حدّةِ الشد الفكري والعصبي كان يصاب في بعض الأحيان بحالة هذيان تخلط بها الأفكار المخزونة في عقله الباطن ويخرجها بأشكال مشوشة مختلفة من المواضيع والمفاهيم الغير واضحة يعجز قلمه عن تدوينها ! وكانه في حالة اللاوعي . فقد بدأ يلعن نفسه ويكرهها ويكره المَلل الذي أحاط به كالكابوس الجاثم على إرادته منذ سنين.
منظر الكتب و الأقلام والأوراق المتناثرة تستنكر صاحبها وهي مطروحة وملقاة عبثاً فوق طاولة المطالعة المستطيلة المصنوعة من خشب الزان الفاخر .. فقد رمى طناً من الأوراق التي ضغط عليها براحة يده وكأنها كرات ! بعضها بيض وبعضها كتب سطراً واحداً عليها ، مستخدماً جميع الألوان ومحاولاً البداية في كتابة عنوان لقصته أو مقالته والثبوت عليها في هذه المسابقة؛ ولكنه لمْ يثبت على فكرة واحدة لحد الآن ..
كانت دقات الرسائل الالكترونية المتلاحقة من قبل الناشرين الناشئين والهواة قد اِزدحمت في صفحة الموقع من مرسليها، وهي تتك في كل لحظة معتلية شاشة كومبيوتره وكأنها ساعة جدارية عصفورها على هيئة ظرف أصفر كان يظهر ويختفي بسرعة، ونظرات عينيه الكبيرتين الفاقعتين اللتين على وشك أن تخرجا من محجريهما من كثرة الجنون الذي
أصابه، والملل والغثيان قد أقحم صدره حزناً من دقات الرسائل الجديدة، وهي تخطف بصره في كل لحظة ..
لمْ يبق من الوقت سوى ساعتين؛ فالوقت دخل عده التنازلي منذ الصباح وهو لا يعرف ماذا يفعل!.
شاشة كومبيوتره اِمتلأت بمقالات وقصص وصور وأشياء كثيرة جمعها؛ عسى أن تهديه إلى عنوان لموضوعه .
أفكاره صارت تتزاحم في رأسه، ودقات الرسائل تسرع وتسرع الواحدة تلو الأخرى وهولا يعرف ماذا يفعل! ضاغطاً باصبعه على الماوس ( الفأرة ) محاولاً بسهمه الالكتروني الظاهر على الشاشة جمع مواقع أخرى وكأنه يدعو إلى قوات إضافية من الأفكار قد تساعده في الكتابة، وعيناه كادتا أن تخترقا الشاشة...
فجأة صرخ بصوت عالٍ ضارباً الطاولة بقبضة كفه متأففا : ما هذا الملل لقد تعبت. وطرح زفيراً عميقاً من فمه . شعر بضيق في تنفسه وبغض ملأ صدره وكبس عليه ، ثم عاد ينظر إلى الساعة وهو يقبض بشدة على شفتيه بقواطع أسنانه وزفيره الساخن يخرج من أنفه . رفع وجهه الواجم باتجاه سقف الغرفة ورأسه توسد على كرسيه الضخم ، أغمض عينيه متأملاً باحثاً له عن مخرجٍ يكسر به سأمه و حيرته وإرهاقه وضجره.
ثم عاد وسحب السهم ورفعه إلى أعلى جهة اليمين حيث التقاطع الأحمر، ومحى كل المواقع التي فتحها باستثناء موقع المنافسة. لقد اِختار أن يخلد إلى راحة قصيرة من التأمل قائلاً: هناك الكثير من الوقت فالمسألة ليست صعبة.
استطاع السيطرة على أعصابه واسترخى قليلاً بهذه الفكرة ، ووضع صفحة إيميله جاهزةً بحالة الإرسال ، فمن الممكن و بأية لحظة ستخرج من جوف عقله الباطن ينابيع يسقي بها أنهار أفكاره الراكدة ... سحب السهم إلى ما يحتويه كومبيوتره الجديد باحثاً فيه عن لعبة يخفي بها توتره وملله حتى استقرً به الحال بلعبة صيد للذباب!! والتقط مضرابة الصيد بسهم الماوس، وبدأ يقتل الذباب المتدفق على الشاشة بهدوء الواحدة تلو الأخرى. وكلما قتل أكثر اِزداد عدد الذباب المتدفق وكأنه بلعبته هذه كان يقتل ملله بملل صنعه لنفسه واستمر بذلك وهو يسرع والوقت يسرع ويمر دون أن يشعر والذباب يتكاثر والرسائل الإلكترونية تسرع بظهورها وتكتكاتها لكنه سارح بأفكاره لا يحرك رأسه غارقاً بلعبته وخيالاته وضربه للذباب مستمراً وبسرعة تتزايد والذباب المقتول يتزايد والرسائل تتقلقل مسرعة كالقطار... فجأة!! فلت نظره إلى الوقت لمْ يبقّ سوى نصف ساعة لنهاية وقت المسابقة . أحس بفزع من فعلته هذه وأمتقع وجهه، وأخذته نوبة قلق وغثيان ضاق بها صدره بين اللوم والخسارة ؛ لكن عقله واِحساسه وعقله الباطن متحفـزين كالثوّار، منتظرين شرارة الثورة منذ سنين .
- أنا أستطيع. قالها بصوت عالٍ.. نعم أستطيع.. ولا أرغب بإضاعة هذه الفرصة . واخذ بسهم الماوس يقتل موقع اللعب وأخفاه وبسرعة زحف بسهمه إلى موقع الجد والتحدي؛ محاولاً وبقلق كبير هذه المرة كتابة أي شيء فالوقت قد داهمه ... وشرع ينقر بالحروف من لوحة المفاتيح بسرعة وكأنه عازف أورج والحروف تتساقط متلاحقة كحبات المطر على شاشة الكومبيوتر، صانعة سطوراً من الكلمات كأنها جداول متوازية!! . لقد إستدرك كنز عقله الباطن الذي خانه في الكتابة منذ سنين .
انتهى من الكتابة للتو ولن تبقى اِلا دقيقة واحدة ،وسحب سهمه الإلكتروني واطلقه على كلمة اِرسال وذهبت الرسالة ولن يتذكر مما كتبه سوى كلمة ( غثيان )...
لا يدري وضعها عنواناً لقصته أو مقالته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني


.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق




.. صباح العربية | بصوته الرائع.. الفنان الفلسطيني معن رباع يبدع