الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر عندما يحكمها الكفتجية

إلهامي الميرغني

2015 / 1 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مصر عندما يحكمها الكفتجية
منذ شهور ظهر علي الإعلام المصري شخص عرفه الإعلام بأنه طبيب ثم ظهر مرات أخري ببدلة لواء في القوات المسلحة ومعه اختراع جديد لكشف الفيروسات الكبدية.ثم تطور الموضوع ليصبح ليس اكتشاف بل وعلاج فيروسات الكبد،ثم اتسع الاختراع ليشمل فيروس نقص المناعة المكتسبة ( الايدز ) وحدث جدل كبير بين علماء الطب وإعلام الكفتجية حول اختراع الدكتور عبدالعاطي.
ومرت شهور دون أن يخرج علينا عبدالعاطي ليعلن اكتشافه العلمي أو ليعتذر للرأي العام لأنه لم يتوصل للنتائج المطلوبة وهذا مقبول في البحث العلمي.ثانيا لدي القوات المسلحة المصرية أكاديمية طبية عريقة تضم نخبة من العلماء وتعد أبحاث وتجري تجارب في مختلف العلوم الطبية ولها منجزات حقيقية ولكنها منجزات علمية محكمة وليست مثل جهاز الكفتة الذي صنعه الإعلام.
ثالثاً منذ نقل المصريين عن أهل الشام وتركيا إعداد الكباب وهم يستخدمون في الأحياء الشعبية تعبير الكفتجية لتعريف من يعجنون كل شئ في أي شئ.لحوم ودهون،لحوم مجمدة ولحوم حيوانات نافقة،بل ويبالغ البعض بأنهم يخلطون هذه اللحوم بلحوم حيوانات مثل القطط والكلاب ، لذلك يسمي الشباب في الأحياء الشعبية فاترينات شي اللحوم بمحلات الكلاب والكفتة أو الكلابجية.
ومنذ فترة كتب الباحث المتميز الأستاذ عمرو عدلي مقال نشرته جريدة الشروق حول المبالغات في تقدير حجم القطاع غير الرسمي في الاقتصاد المصري ، وتبعه أستاذنا الدكتور محمود عبد الفضيل بمقال في جريدة الشروق يوم 26 ديسمبر بعنوان " فوضى الإحصاءات والتحليلات الاقتصادية " وأوضح الدكتور عبدالفضيل انتشار ظاهرة الإحصاءات والتحليلات الاقتصادية الخاطئة والغير قائمة علي أساس علمي مما عرفناه في علمي الاقتصاد والإحصاء،وركز المقال علي المبالغة في تقدير حجم الاقتصاد العسكري في مصر والثاني هو أيضا المبالغات حول حجم ومساهمات القطاع الخاص غير الرسمي .
لكن للأسف كما تعاني مصر من انفلات الفتاوى الدينية.نعاني أيضا من انفلات التصريحات الاقتصادية وإطلاق أرقام بلا مصادر ليتخاطفها الإعلام ويعيد تكرارها حتى تصبح وكأنها حقيقة مطلقة. بدء من حديث الراحل الدكتور عاطف عبيد علي أن الموظف المصري لا يعمل أكثر من 26 دقيقة في اليوم ، ومروراً بتصريحات بعض الباحثين بأن أموال الصناديق الخاصة خارج الموازنة العامة للدولة تضم 1.2 تريليون جنيه مصري.
عندما يصدر باحث أو إعلامي بيان غير مدقق يصبح من حقنا دحض كلامه بالبيانات الرسمية والقياسات الإحصائية والأساليب العملية المتعارف عليها. لكن عندما تصدر هذه التصريحات عن مسئول رسمي أو وزير تصبح الكارثة أكبر وأعم ويلتقطها إعلام الإثارة ويعيد تكرارها حتى يعتادها الناس ويعتبرونها حقيقة واقعة.
يرتبط ذلك بما تشهده مصر منذ منتصف سبعينات القرن الماضي من فوضي هدم هياكل مصر الإنتاجية واستنزاف ثرواتها الطبيعية،وتحويل شركاتها ومرافقها العامة إلي شركات خاصة أو إلي خرابات.
سلسلة التسليع ثم التشريك ثم التشهير ثم التخصيص ثم الخلابيص
مر التطور الاقتصادي في مصر بهذه الحلقة الجهنمية التي تراعاها منظمات التمويل الدولية وخاصة المعونة الأمريكية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير وتوابعه.
التسليع هو الحديث علي أن كل شئ في الحياة سلعة لها ثمن ولها تكلفة ولها سعر في السوق وبالتالي أي سلعة لا بد أن تدار بشكل يقولون في البداية أنه اقتصادي ولكنهم يقصدون ربحي.لأنه لا يجب أن نقدم خدمة بدون مقابل يدفعه من يملك الثمن. ولا يوجد شئ يقدم لوجه الله أو تقدمه الدولة لمواطنيها كجزء من دورها.
التشريك هو المرحلة الثانية والتشريك هو الإنتاج المعيب في العامية المصرية، وفي السكك الحديدية يستخدم التعبير للتعريف بالقطارات التي يجب توقفها عن العمل لأنها غير صالحة. وخلال هذه المرحلة يبدأ الإعلام المأجور دورته عن تردي الخدمة أو المرفق أو الشركة ، ثم يتبعه بنشر شكاوي العاملين من تردي مستوي الخدمة،وأخيرا شكاوي المواطنين ومعاناتهم وإنهم ينفقون أضعاف الثمن المقرر ليحصلوا علي احتياجاتهم وإنهم مستعدين لدفع مقابل لخدمة حقيقية.وبذلك يصبح لسان حال الجميع هو أن الوضع وصل لمرحلة لا يمكن الاستمرار بها.وإننا نحتاج للتشغيل الاقتصادي ( ربحي ، خاص ) لإصلاح الأوضاع ونحتاج لتشريك المؤسسات القائمة وتحولها أو بيعها.
التشهير تبدأ حملات إعلامية متواصلة تتحدث عن رداءة المنتجات وسوء المرافق وانقطاع المياه والكهرباء وطوابير الغاز وفشل الإسكان الشعبي وازدحام المواصلات العامة وتردي التعليم العام والصحة العامة وانهيار الطرق والمواصلات.وإننا بحاجة لتمويل الإصلاح والدولة لا تملك الأموال.
إذا علينا بمستثمري الخارج والداخل لتمويل التطوير من ناحية وتطوير الإدارة من ناحية أخري.وكأن التخلف والفساد سمة للمنظمات الحكومية بينما يفلس كل عام الآف من شركات القطاع الخاص دون أن نسمع كلمة عن فساد الإدارة الخاصة ويصل حجم الديون المعدومة والديون المشكوك في تحصيلها من القطاع الخاص لمليارات الجنيهات دون أن نسمع صوت واحد يحدثنا عن الإدارة الاقتصادية الرشيدة.
التخصيص يتم تصوير عملية الخصخصة أو التخصيص بأنها العلاج الوحيد لمواجهة مشاكلنا وإننا مضطرين لها لتطوير التقنية وضخ الأموال وجذب عمالة مدربة. حدث ذلك مع الهيئة المصرية للاتصالات قبل تحويلها لشركة، ومع قطاع الكهرباء والمياه قبل تحويله من هيئات حكومية إلي شركات قابضة حكومية ثم شركات مشتركة ثم شركات خاصة .
ولنقارن أوضاع الهاتف والمياه والكهرباء قبل وبعد الخصخصة لنعرف إلي أين قادتنا هذه السياسات.والهجوم الآن يتم بكثافة علي التعليم والصحة وباقي المرافق والخدمات العامة.
الخلابيص وهي جمع الخَلَبوصُ وتعني النشَّال و خادم الراقصات والمغنيات والمُهرج،مضحك،بهلوان.
وإذا كان استخدم تعبير الخلابيص كمرحلة تالية للتخصيص فهي مرحلة ظهور الحقيقة العارية للناس.عندما يفقد المواطن قدرته في الحصول علي الخدمة وعندما يهبط عدد مشتركي الهاتف الثابت وتحقق شركات المحمول الخاصة المليارات كأرباح.وعندما يعجز الكادحين عن سداد فواتير الكهرباء أو الذهاب إلي طبيب. أو عندما تضطر الأسرة لإخراج بناتها وأبنائها من التعليم لتلحقهم بسوق العمل. وعندما يكتشف العمال أنهم باعوا وظائفهم الثابتة بجنيهات تبخرت أو أن أوضاعهم أصبحت أكثر سوء فيترحموا علي عصر ولي.
هكذا تتطور أوضاع الاقتصاد المصري فنجد وزير زراعة يعتبر القطن المصري ليس من أولوياته ، ووزير صناعة يطلق التصريحات دون أن يضع خطة ويضخ استثمارات لمصانع القطاعين العام والخاص المتوقفة عن الإنتاج.ويعلن وزير التعليم العالي أن الجامعات للقادرين ، ويعلن وزير النقل أن تذكرة المترو تكلف 25 جنيه ، ويعد وزير التخطيط قانون للموظفين بالحكومة يبيح لهم الحصول علي هدايا بحدود 300 جنيه. هذه بعض ملامح اقتصاد الكفتجية وخطة تخريب مصر وقطاعاتها المنتجة وبيع أراضيها وتلويث بحيراتها من اجل المزيد من الديون والمزيد من الاعتماد علي الخارج.

إلهامي الميرغني
7/1/2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في معرض البندقية


.. الهجوم على رفح أم الرد على إيران.. ماذا ستفعل إسرائيل؟




.. قطر تعيد تقييم دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس


.. إسرائيل تواصل قصف غزة -المدمرة- وتوقع المزيد من الضحايا




.. شريحة في دماغ مصاب بالشلل تمكّنه من التحكّم بهاتفه من خلال أ